مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

 مقدمة

 دائماً، وفي جميع مراحل دراستي للتاريخ، كنت أتعاطف مع بعض الشخصيات، وأشعر أن المكائد حيكت حولها، وان الشرّ تربّص بها.

وما كانت تلك الشخصيات تستحق كل هذا المكر... وكان الكائدون الحاقدون.. يصافحون بيد دافئة وقلب كبير وابتسامة ساحرة، تحسبها صادقة، ويضربون بيد من حديد وقلوب مسكونة بالحقد، وابتسامات صفراء جوفاء..

ترتوي الأرض بالدماء الطاهرة.. دماء من جعلوا لأنفسهم قضية يعيشون من اجلها وينذرون عمرهم في سبيلها.. فحاربهم الكائدون..

ترتوي الأرض بالدماء.. دماء نسوة يولولن هنا.. وأطفال يبكون هناك... ويطوي التاريخ صفحة بطل سطّر أروع أساطير الفداء والنصر.. ولم يكن جهاده في سبيل ملك أو مجد أو عظمة، وإنما لدفع عجلة التاريخ والإنسانية بضع خطوات إلى الأمام.

وأمام صمت المؤرّخ.. وذاكرة الإنسان الصغيرة الغافلة، قررت الكتابة عن هؤلاء الأبطال العباقرة، كي لا يضيع دمهم هدرا، في محاولة لصيانة تاريخهم وأعمالهم والحفاظ عليها، ولو على الورق، وحتى تبقى ذكراهم الطيبة شذا يعبق في سماء الحرية..

ويعرف القارىء المتفهم جيداً ، ان التاريخ يوجَّه من قبل أصحاب الأمر، مما يؤثر على أمور مستقبلية، ويرفع معنويات قوميات معينة، ويركل في نفس الوقت إلى زاوية بعيدة من التاريخ أمجاد أمم أخرى بغير حق.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن منهاج تدريس جميع المواضيع، بما في ذلك السياسة والتاريخ في المدارس العربية في البلاد، يخلو من كلمة فلسطين!! ولا ذكر لأبطال فلسطين مثل عز الدين القسام والشاعر إبراهيم نوح، ولا ذكر لشعراء فلسطين، وقصائدهم ممنوعة في مدارسنا وفي كلياتنا ومسموعة في بلاد ما وراء البحار.

أين قصائد توفيق زياد، وسميح القاسم، وراشد حسين، ومحمود درويش، ومحمود دسوقي،وجمال قعوار، وطه محمد علي؟ أين قصص غسان كنفاني ورسومات ناجي العلي، وكل الذين كتبوا جميع ألوان الحقيقة غير منقوصة؟!

والحال في الوطن العربي الكبير ليست بأحسن من هنا، فالقصائد الجياشة بالصدق والوطنية لشوقي وحافظ والبارودي طويت وألقيت في سلة النسيان! وعلى سبيل المثال فإنّ واضعي المقررات الدراسية يحذفون عن عمد قول ابي الطيب المتنبي لسيف الدولة:

              ولست مليكاً هازماً لنظيره             ولكنه الإسلام للشرك هازمُ

ويقيناً إن مسؤولي التربية في الأردن لن يجيزوا تدريس مواد عن مذابح أيلول الأسود، وفي سوريا لن يذكروا مذابح حماة!

ومما لا شكّ فيه أن أعداء الحق يسيطرون على مساحات واسعة من الأفق ... من الأقلام... من القلوب... من الضمائر... وقلّة من البشر يحملون رايات الحقيقة وصوتها المميز، ويسيرون بها في غابة مظلمة... يتحيّنون الفرص وينتظرون الوقت للجهر بما اشتعلت به قلوبهم ورؤوسهم.

وليس يهم من هم مثل هؤلاء أن يموتوا، فهم يموتون كي لا تموت الحقيقة في بطن الأرض .

وربما أكون في كتابي هذا قد أهملت بعض الأسماء التي لاقت الويلات في سعيها لإيصال كلمة الحق... والتي تستحق أن تدخل كتابي، فالمعذرة.. فنسياني لا ينقص من حقها التاريخي ومن مجدها الإنساني.

ولعلّ هذا البحث المتواضع يفتح الطريق أمام كل الذين يبحثون عن الحقيقة ليسطّروا لنا ألوانها الحقيقية..

 المؤلف: سهيل إبراهيم عيساوي

آب 1999


رجوع