رسالة الروائي وطار إلى الأديبة زليخة السعودي

رسالة الروائي وطار إلى الأديبة زليخة السعودي

قبل ملتقاها.. حقائق يجب أن تقال!

الأخضر رحموني

إن الحديث عن فقيدة الأدب الجزائري الحديث الأديبة زليخة السعودي (1943-1972) حديث ذو شجون، لتشعب الروافد المساهمة في تشكيل شخصيتها الأدبية، وما انعقاد الأيما الأدبية التي تحمل اسمها والتي تستعد مدينة خنشلة لاحتضان طبعتها الرابعة في الفترة من: 10،9،8 أفريل 2003 إلا محطة يهدف القائمون عليها إلى إبراز جوانب هامة من حياة الفقيدة وتناول كتاباتها المتنوعة بالتحليل والدراسة والنقد، قصد إخراجه من خزانة الزمان ووضعه تحت الشمس عربون وفاء واعتراف بالمكانة الأدبية التي احتلها هذا الصوت النسائي الذي ظهر بقوة بعد الاستقلال، ووهب قلمه للمبادئ السامية والقيم الخالدة في وطننا العزيز..

وردا على بعض التساؤلات التي سبق لفئة من الوسط الثقافي إثارتها، خاصة قبل صدور كتاب (الآثار الأدبية الكاملة للأديبة الجزائرية: زليخة السعودي) للدكتور شريبط أحمد شريبط الصادر عن منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين وعلى نفقة الصندوق الوطني لترقية الفنون والآداب وتطويرها التابع لوزارة الاتصال والثقافة سنة 2001 والتي يستشف من طرحها محاولة توجيه أصابع الاتهام للروائي الكبير الطاهر وطار كالحديث عن إخفاء مخطوط لأحد الأعمال الأدبية للفقيدة وحائلا دون نشره (أسبوعية السفير العدد 48 بتاريخ 23 أفريل 2001) كما أن الملحق الثقافي لجريدة النصر الصادر في 21 ماي 2000 تصدر صفحته الأولى عنوان مثير جاء فيه: "بعد 28 سنة من رحيلها: الطاهر وطار يحتجز مؤلفات السعودي" أو ما كتبه الأستاذ حفناوي بعلي بلهجة شديدة في مقاله: (سافر القلب مع الراحلة زليخة) المنشور بجريدة العناب بتاريخ 24 جانفي 1990، وفسر البعض رفض الروائي مبادرة اتحاد الكتاب الجزائريين بتكريمه بمدينة مداوروش بهذا الكتاب الذي جمع فيه المؤلف ما تركته المرحومة من قصص وأشعار ومسرحيات ومقالات نقدية ورسائل ومنها رسالة إلى عيسى مسعودي (الخبر الصادر في 16 أفريل 2001).

هذه الفرضيات فندها الروائي الطاهر وطار في حينها في عدة لقاءات أدبية مع الصحافة الوطنية، منها النصر الثقافي –الصادر بتاريخ 13/10/2000 وجريدة الخبر، الصادرة بتاريخ 07 ماي 2001 كما أوضحه أمام الحاضرين في ملتقى الصحافة الأدبية في الجزائر المنعقد بجامعة قسنطينة يوم 06 ماي 2001، مشيرا إلى أن المجموعة القصصية للفقيدة قد سلمت من طرفه إلى الشركة الوطنية للنشر والتوزيع أيام عيسى مسعودي، وقد تسلم من مسؤولي قسم النشر السيد عبد الرحمان ماضوي، وصل الاستلام الذي لازال يحتفظ به وقد صففت المجموعة لكن استحالة الاتصال بالفقيدة أدى إلى إذابة الرصاص قبل تصحيح نسخة الكتاب.

ورفعا لكل لبس حول هذه المسألة، أشار الشيخ أحمد السعودي الذي يعتبر الأب الروحي للأديبة وهو الذي قام بتشجيعها على التحصيل والمعرفة والكتابة في مداخلة له مسجلة خلال الأيام الأدبية الأولى المنعقدة بتاريخ: 10،9،8 ماي 2000 إلى أن الروائي الطاهر وطار له الفضل الكبير في تقويم نتاج الأديبة وتوجيهها وهي في بداية مسيرتها الأدبية وأنه كان ينشر نتاجها الأدبي باستمرار في جريدتي "الأحرار" و"الجماهير".. كما أن الدكتور شريبط أحمد شريبط في كتابه المشار إليه قدم رأيه الأدبي بعد دراسة موضوعية واستنتج "أن الأديب الطاهر وطار هو الذي كان لها المثل والعلم والفانوس والقدوة، وهو كما يعلم الجميع قد سبقها إلى الكتابة والنشر والطبع، وله أسلوبه وعالمه الأدبي ولغته، وهي أيضا لها أسلوبها وعالمها الأدبي ولغتها كما أن كلا منها أحب الجزائر حبا شديدا وأن كلا منهما كان يرى مسيرتها من وجهة نظر قد تبتعد أحيانا، وقد تقترب في أحايين أخرى وستظل في الأخير "رمانة" هي من إبداع الطاهر وطار، كما تظل "عرجونة" من إبداع زليخة السعودي.

وهو ما تأكدت منه بعد العودة إلى أعداد جريدة –الأحرار وهي جريدة أسبوعية جامعة كانت تصدر في مدينة قسنطينة وكان رئيس تحريرها الطاهر وطار، وقد صدر العدد الأول منها في شهر سبتمبر 1962، حيث عثرت على مقال تحت عنوان: "مرحبا بالأدب النسوي" بتوقيع –نوة بنت الأحرار- وهو الإسم المستعار للروائي الطاهر وطار. وقد نشر بالعدد 16 من السنة الأولى الصادر في 17 ديسمبر 1962 وقد تحدث فيه عن تفاجئه باسم الأديبة خاصة وأنه قد اطلع على مقالات كثيرة لزميلاتها المعلمات، وكان يخيل إليه أن الأدب النسوي في الجزائر سيظل طيلة أجيال وأجيال مجرد محاولات تتأرجح بين النجاح والإخفاق، وأن نضج هذا الأدب لن يتم إلا بعد عشرات السنوات، يقول: "من طالع جريدة الأحرار، الغراء في أعدادها الأخيرة يجد هناك اسما مجهولا كان مطموسا مغمورا لا يلفت انتباه أحد، إلا إذا تعمق في المدلول الذي يعطيه ما هو مقترن بهن من مقالات لم أقرأها لكثير من الكتاب، هذا الاسم هو: زليخة السعودي، فأنا لم أسمع باسمها إلا في جريدة الأحرار التي رجع لها كل الفضل في هذا الاكتشاف العظيم. هذه المفاجأة جعلتني أقف موقف الاحتراز من جميع نظرياتي حول الأدب النسوي في الجزائر، كيف لا يفاجأ من طالع (نحن والإبداع) أو (أغصان الزيتون) أو (سنلتقي) أو (المرأة في الأدب الجزائري)، كيف لا يفاجأ بذلك العمق وبتلك السيطرة على الكلمة، وبتلك الدقة في تصوير المشاعر والإحساسات، وبتلك السلاسة والرقة والأحكام الرصينة حول إنتاج كبار الكتاب والاطلاع الواسع الذي تبادرنا به تلك المقالات...".

ثم تضيف نوة بنت الأحرار –في خاتمة المقال: "لقد تناقشت مع كثيرات من زميلاتي حول جنسية الكاتبة، وحول صحة وجود هذا الاسم ولكن (سنلتقي) كشف الحقيقة فالكاتبة أخت الشهيد محمد السعودي الذي نعته لنا الأنباء، منذ مدة وجيزة.

إذن.. فزليخة جزائرية، وأدبها جزائري، ولكن أين تم هذا الخلق الأدبي؟ أين تفتحت هذه البذرة؟ وفي أية ظروف هذه أسئلة لا نجد لها إلا جوابا واحدا هو: في الجزائر ربة المعجزات...!"

ويعتبر هذا المقال المجهول أول مقال أدبي يتطرق إلى الأدب النسوي في الجزائر بعد الاستقلال، ونظرا لعدم توفره لدى الباحثين حال دون اعتماده في الدراسات المتخصصة الجامعية. وأذكر أن المرحوم الدكتور عمار زعموش بعد الإطلاع عليه، أعجب به، وفكر في تقديمه إلى طلبته بجامعة قسنطينة حتى يكون مرجعا أساسيا عند التأريخ للأدب الجزائري الحديث، لكن الموت المفاجئ حال بينه وبين تحقيق هذا المشروع الطموح.

من ناحية أخرى، تدعمت قناعتي عندما سلمني الأستاذ عبد المجيد السعودي، رئيس منتدى الفكر والأدب زليخة السعودي، على هامش الأيام الأدبية الثالثة التي جرت فعالياتها بالملحقة الجامعية بخنشلة يومي 07 و08 ماي 2002 رسالة خطية للأديب الطاهر وطار مؤرخة في 24/04/1969 موجهة إلى الأديبة زليخة السعودي يكشف محتواها عن العلاقة الأدبية العميقة التي كانت تجمع بينهما، وبها حقائق يجب أن تقال عن هذا المخطوط الأدبي. وتؤكد تصريحات الروائي الطاهر وطار، وأنا على يقين لو أن وطار كان يملك نسخة من هذه الوثيقة الغالية لنشرها تفنيدا لكل المغالطات. ويبدو من المقطع الأول من الرسالة أن المجموعة القصصية (أحلام الربيع) كانت مهيأة للطبع، وبدأ التفكير والسعي الهادف لنشرها، منذ سنة 1963.

وتعميما للفائدة، وتحفيزا للهمم للبحث عن هذه المجموعة القصصية في أرشيف المؤسسة، آثرت اليوم نشر الجزء المتعلق بهذه الرسالة.

جاء في الرسالة:

"الأخت الأديبة زليخة السعودي

بعد التحية الأخوية الخالصة

أستسمح لنفسي بالكتابة إليك، لإطلاعك على نتائج المجهودات التي بذلتها من أجل نشر إنتاجك خلال السنوات الست الأخيرة.

لقد قدمت مخطوطتك إلى الشركة الوطنية للنشر والتوزيع منذ الأيام الأولى لتأسيسها، إلا أنه مع الأسف رفضت على ما يقال لي –من طرف لجنة القراءة ولاشك أن أسباب هذا الرفض غير موضوعية البتة، وقد آثرت أخيرا لدى الشركة المعنية ولدى وزارة الأخبار هذه القضية، وأكد لي من طرف الشركة أن الرفض كان في ظروف غامضة سيئة بالنسبة للشركة، أما في الوزارة فإنني فرضت عليهم أن يعيدوا النظر في إنتاجك وقد تأكدت من أحاديث خاصة ومقابلات لبعض مسؤولي الإدارة الثقافية من أنهم معجبون جدا جدا بإنتاجك وقد أخذوا منها أقصوصتين لنشرها في مجلة (آمال) وترجموا واحدة منها إلى اللغة الفرنسية".

ويؤكد ما جاء في ثنايا هذا المقطع من الرسالة ما نشرته مجلة آمال في عددها الأول الصادر في شهر أفريل 1969 والتي كان يرأس تحريرها الشاعر مالك حداد، حيث جاء في كلمة التقديم والتعريف بالأديبة بالصفحة رقم 05 ما يلي: "زليخة السعودي أديبة جزائرية ناشئة، من نواحي خنشلة وقد زاولت دراستها باللغة العربية. اهتمت بكتابة القصة القصيرة ولدينا الآن مجموعة سوف ننشرها عما قريب، وقد أخذنا لها قصتين (من البطل؟) و(من وراء المنحنى).. وتمتاز قصص السعودي بدقة الوصف وبتصوير جميل لأشخاصها، وقد رأينا أن نترجم لها قصة (من وراء المنحنى) وننشرها باللغة الفرنسية حتى يستفيد منها قراؤنا بهذه اللغة، ونضع بذلك لبنة أولى في خدمة الأدب الجزائري وربط الصلة بين كتابنا بالعربية وبالفرنسية".

ويبدو أن المجموعة القصصية (أحلام الربيع) التي أشارت إليها جريدة الأحرار عند تقديمها لقصة (اليوم الآخر) هي نفسها المجموعة التي قدمت للشركة الوطنية للنشر والتوزيع بهدف طبعها.

ثم يضيف الروائي الطاهر وطار في رسالته الخطية قائلا: "يبقى من واجبك أن تكاتبي الشركة من جهة طالبة التوضيح وأن تراسلي وزارة الأخبار –الإدارة الثقافية- السيد عز الدين إيحدادن، برسالة مضمونة الوصول وأن تستفسري عن عدم نشر إنتاجك من طرف الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، وأن تطالبي بإعادة النظر من طرف لجنة خاصة.

وأخيرا لعله من واجبي أن أناشدك باسم الأدب والأخوة والوطن، والقضايا المصيرية لثورتنا أن تعودي إلى الإنتاج أو بالأحرى إلى مواصلة نشر إنتاجك، وإنه من الإجرام الكبير أن تحجبي إنتاجك بعد أن فرض اسمك في عالم القصة ونال مكانته عن جدارة واستحقاق. إن صحيفة –الشعب- اليومية ستصدر ملحقا ثقافيا في الأسابيع القليلة القادمة ولقد منحتهم عنوانك القديم طبعا، وأرجو بكل إلحاح أن ترسلي إليهم أقاصيصك في أقرب الظروف، وأن تظلي باستمرار في اتصال مع مجلة وزارة الأخبار الجديدة التي أعتقد شخصيا أنها بادرة عظيمة يجب أن تشجع بكل ثمن..."؟

ويبدو أن الفقيدة زليخة السعودي قد استجابت لدعوة الروائي الطاهر وطار وراسلت مجلة (آمال) فقط، حيث نشرت بها قصة طويلة تحت عنوان (عرجونة) بالعدد رقم 06 الصادر في مارس-أفريل 1970، هذه القصة اعتبرها الباحث الدكتور عبد الله ركيبي، في كتابه (تطور النثر الجزائري الحديث) أنها "رواية مضغوطة جمعت بين أحداث كثيرة في قصة واحدة".

أما بالملحق الثقافي لجريدة "الشعب"، فإنها لم تنشر بهن حيث بعد عملية البحث في جميع أعداده التي أملكها، لم أعثر على أي أثر أدبي باسم الفقيدة، اللهم خبر نعيها الذي نشر بالعدد رقم 12 الصادر بتاريخ 05 ديسمبر 1972 بالصفحة الأخيرة مع الإشارة أن الكاتبة زينت فرحات الإبراهيمي كان لها حضور متميز في أغلب الأعداد من الشعب الثقافي.

وخدمة للأدب الجزائري، أناشد أديبنا الكبير الطاهر وطار، باسم سلوكه الحضاري وحسه الثقافي المحترم وحفاظا على ذكرى الفقيدة، العمل على إثراء كتاب الدكتور شريبط في طبعته الثانية بحلقات رواية "الذوبان" التي نشرت متسلسلة في جريدة الجماهير، مع دعوة الجامعات الجزائرية خاصة كلية الآداب والعلوم الإنسانية إلى توجيه الطلبة في بحوثهم للتخرج إلى دراسة أعمال الفقيدة والتعريف بها.