التربوي الإسلامي العربي - د. يسري مصطفى - الفصل الرابع لمناهج البحث في التربية

الفصل الرابع

المنهج الوصفي


* مقدمة :

        يقوم البحث الوصفي بوصف ما هو كائن، وجمع البيانات عنه، وتفسيره وتحديد العلاقات بين الوقائع، كما يهتم بتحديد الممارسات الشائعة أو السائدة والتعرف على المعتقدات عند الأفراد والجماعات، وطرق نموها وتطورها.

 

     ولكن مجرد وصف ما هو حادث أو ما هو كائن لا يشكل جوهر عملية البحث الوصفي، وعلى الرغم من أن جمع البيانات ووصف الظروف أو الممارسات الشائعة خطوات ضرورية في البحث، إلا أن عملية البحث لا تكتمل إلا بعد تنظيم هذه البيانات وتحليلها، واستنباط الاستنتاجات ذات الدلالة والمغزى بالنسبة للمشكلة المطروحة للبحث.

 

     وتظهر أهمية هذه النقطة حين يهتم البحث الوصفي ببعض التقارير الإحصائية، مثل: " توزيع درجات طلاب المرحلة الثانوية خلال الأعوام العشر الأخيرة" ، أو " تطور أعداد المعلمات المواطنات بالمقارنة بالمعلمات الوافدات منذ قيام الاتحاد وحتى عام 2000 " . هذه الإحصاءات مصدر خصب للبحث الوصفي ولكنها ليست بحوثاً بالمعنى العلمي للبحث لأنها لا تحتوي على التحليل المتعمق واستخلاص التعميمات، وهو ما يقوم به البحث الوصفي.

 

* أنواع الدراسات الوصفية:

     تنقسم الدراسات الوصفية إلى ثلاثة أنواع هي:

1 ـ الدراسات المسحية.

2 ـ دراسات العلاقات المتبادلة.

3 ـ دراسات النمو والتطور.

 

أولاً : الدراسات المسحية

     الدراسة المسحية هي دراسة شاملة لعدد كبير من الحالات نسبياً في وقت معين، والجزء التالي يتناول ثلاثة أنواع من المسح: المسح المدرسي (التربوي) ومسح الرأي العام، والمسح الاجتماعي.

 

(أ) المسح المدرسي

     يمكن أن تُصنف الدراسات المسحية المتعلقة بالبرنامج التربوي إلى ثلاثة أنواع هي الدراسة المسحية الشاملة، والدراسة المسحية التربوية للبرنامج التعليمي للمدرسة، ومسح المباني التعليمية.

 

     ويندر القيام بالدراسات المسحية الشاملة للمعوقات الميدانية العديدة التي تحد من إمكانية تنفيذها، وهي تتناول عادة الجوانب التالية:

ـ الأهداف، والمحتوى، وأساليب التدريس، والوسائط التعليمية، والتقويم.

ـ المشكلات الإدارية للمدارس.

ـ السياسات والإجراءات المالية.

ـ صيانة وإدارة المبنى المدرسي والمحافظة عليه.

ـ نقل التلاميذ (الموصلات).

ـ هيئة التدريس، والهيئات المعاونة.

 

     وتتناول الدراسة المسحية التربوية البرنامج التعليمي للمدرسة، وما يتصل به من نشاطات وسياسات ودورات تؤثر في فاعلية البرنامج التعليمي. والدراسة المسحية التربوية إذا أُضيف لها دراسة مسحية للمبنى تصبح دراسة مسحية شاملة.

 

     والنوع الثالث من المسح والأكثر شيوعاً هو مسح المباني التعليمية، وتبحث هذه الدراسات المسحية عادة البيئة المحلية التي توجد فيها المدرسة، وموقع المدرسة، وتقدير أعداد المتقدمين للمدرسة في المستقبل، وتخطيط بنائها، ونظام نقل التلاميذ ومواصلاتهم، والموارد المالية المتوافرة لمواجهة احتياجات الأبنية التعليمية، وأساليب صيانة المبنى ومرافقه، ومواعيد البدء فيها والانتهاء منها الخ.

 

     ويُفضل أن يقوم بدراسات المسح للمباني التعليمية هيئة المدرسة بالتعاون مع مجموعة من الخبراء والمستشارين المعدين إعداداً جيداً في أساليب الدراسة والبحث، وتساهم مشاركة أعضاء هيئة التدريس في عملية المسح في زيادة إدراكهم لنواحي القوة والضعف في النظام المدرسي، وهذا يزيد بدوره من استعدادهم لتقبل التغير والأخذ بأساليب التطوير التي تنبثق كمقترحات للدراسة المسحية.

 

* المحاور الرئيسة للدراسات المسحية في الحقل التربوي:

1 ـ الظروف الفيزيقية (الطبيعية) المتصلة بالتعلم:

     يمكن قياس خصائص كثيرة للبيئة المادية كمساحة الأرضية بالنسبة لكل تلميذ في المدارس المختلفة، وعدد الكتب في المكتبة بالنسبة لكل تلميذ، وعدد التلاميذ بالنسبة لعدد المعلمين داخل المدرسة، وتهتم كثير من المدارس بهذه الدراسات المسحية.

 

     ومن الواضح أن قياس هذه المتغيرات موضوعي ولا يتضمن حكماً ذاتياً من قِبل الباحث، لكن للأسف مازالت معرفتنا للعلاقة بين هذه المتغيرات وفاعلية تعلم التلميذ قاصرة.

 

2 ـ العلاقة بين سلوك المعلمين والتعلم:

     تقوم كثير من الدراسات المسحية على افتراض أن خصائص معينة لسلوك المعلم  تساعد المتعلمين على التعلم، لكن ملاحظة المعلمين تدل على أن بعضهم عدوانيون يثيرون خوف التلاميذ، لكن هذا العدوان عند معلمين آخرين قد يثير حماس التلاميذ ودوافعهم للتعلم.

 

     هذا يعني أن هناك تفاعل معقد بين خصائص المعلم وخصائص التلاميذ، وهذا التفاعل يحتاج لمزيد من الدراسات حول خصائص المعلم، وتأثيرها على تعلم المتعلم.

 

3 ـ نتائج تعلم التلاميذ، أو قدرتهم على التعلم:

     يمكن القيام بدراسات مسحية لمستوى التلاميذ القرائي، أو تحصيلهم في مهارات علمية أو رياضية، ويمكن القيام بدراسات مسحية لمعلومات التلاميذ كأن تحاول المدرسة تحديد ما يعرفه التلاميذ وما لا يعرفونه عن بيئتهم المحلية، والبيانات الناتجة عن مثل هذه الدراسات يمكن أن تساهم في تطوير البرنامج التربوي والتعليمي للتلاميذ.

 

(ب) الدراسات المسحية للرأي العام

     هي دراسات تُجرى لرصد توجهات الرأي العام الجماهيري نحو قضية أو موضوع عام، وتتميز بحجم العينة الكبير، كدراسة آراء أفراد المجتمع حول رؤية تطوير التعليم 2020 في مجتمع الإمارات، وتقابل هذه الدراسات مشكلتين رئيستين هما:

1 ـ مشكلة اختيار العينة:

     نظراً للحجم الكبير لعينة الدراسة المسحية للرأي العام تظهر مشكلة " إلى من نوجه السؤال ؟ "، فلدراسة اتجاهات الرأي العام حول مشكلة " واقع التوطين في قطاع التربية والتعليم بدولة الإمارات " من نسأل؟ رجال التعليم، أم رجال الاقتصاد، أو الساسة، أم أولياء الأمور ؟ الرجال أم النساء، مجتمع إمارة معينة أم كل الإمارات؟

 

     قد تُختار العينة عشوائياً، أي لكل عضو في الجماعة الأصلية الكلية (مجتمع الإمارات مثلاً) نفس الفرصة ليُختار في العينة، أو عينة مصنفة، أي يُختار أعضاؤها في ضوء نسب سبق تحديدها، كأن يتم اختيار نسبة 25 % من المعلمين في الميدان التربوي، ومن الضروري على أية حال أن تكون العينة ممثلة للمجتمع الأصلي.

2 ـ ماذا نسأل؟ أو مشكلة المقابلة الشخصية:

     يجب أن يُعبّر السائل عما يسأل بطريقة وألفاظ تجعل المسئول يفهمه مهما انخفض ذكاؤه أو مستواه التعليمي، فتوجيه سؤال مثل :" ما مدى الحساسية الاجتماعية لدى أطفال المجتمع ؟ " يؤدي إلى تنوع هائل في الإجابات ناتج عن غموض معنى الحساسية الاجتماعية لدى المستجيبين.

 

     ويمكن حل مشكلة الغموض في المصطلحات عن طريق الاختبار القبلي، أي تجربة الأسئلة مع عينة صغيرة من المجتمع لتبين مدى فهمهم لها.

 

     ويميل المستجيب أن يدلي بإجابات تتفق مع ما يعتقد أنه رأي السائل، وقد تؤثر لهجة السائل وتربيته وطريقته في إلقاء السؤال في الإجابة وتحددها.

 

(ج) المسح الاجتماعي

     يستهدف المسح الاجتماعي دراسة مشكلة اجتماعية راهنة (كعزوف الشباب عن الزواج، أو الأمية، أو عزوف الرجال عن مهنة التعليم الخ)، أو سكان منطقة جغرافية معينة بقصد تشخيصها، والعمل على وضع برنامج للإصلاح الاجتماعي.

 

أساليب تستخدم في الدراسات المسحية

1 ـ تحليل العمل :

     نحتاج في مجال التربية والتعليم لهذا النوع من التحليل، أي أن نحلل أدوار المعلم، ومدير المدرسة، والمشرف التربوي وذلك للتعرف على ما يقوم به كل منهم وهو أمر مهم يفيد في عدة نواحي أهمها:

 

ـ التعرف على نواحي الضعف في الأعمال التعليمية وما بها من تكرار.

ـ تحديد مرتبات الأعمال التي تتطلب مستويات مختلفة من الكفاءة.

ـ التعرف على الكفاءات عند اختيارها لشغل الوظائف المختلفة في العملية التعليمية، وتحديد متطلبات الترقية إلى المستويات الأعلى.

ـ وضع برامج التدريب للموظفين القدامى والجدد.

     وهناك أساليب مختلفة يستخدمها أولئك الذين يقومون بتحليل العمل، ومن أهمها ملاحظة القائمين بالعمل على أن تكون ملاحظة دقيقة موضوعية، وعلى أن يؤدى العمل بسرعة مناسبة تسمح بملاحظة التفصيلات، ومنها الرجوع إلى الخبراء في الميدان وجمع آرائهم.

 

2 ـ تحليل المحتوى :

     نما هذا المنهج وتطور نتيجة للزيادة السريعة في حجم المواد التي تنتجها وسائل الإعلام للوقوف على مضمون الرسائل الإعلامية الموجهة لفئات معينة في المجتمع، وقد دخل هذا الأسلوب مجالات التربية والتعليم في السنوات الأخيرة.

 

     وقد دخلت الأساليب الكمية في التحليل لكي تزودنا بمقياس لما تعطيه المادة من أهمية وتأكيد للأفكار المختلفة التي تحتوي عليها، ولتسمح بمقارنتها بعينات أخرى من المادة.

 

     وتمر عملية اختيار العينة لتحليل المحتوى بثلاث مراحل هي:

1 ـ مصادر العينات: الصحف، الكتب المدرسية، محطات الإذاعة، الأفلام، برامج الأطفال، صحف الأطفال الخ.

2 ـ اختيار عينة التواريخ: أي اختيار الفترة التي تتناولها الدراسة.

3 ـ اختيار عينة الوحدات: أي ما الجوانب المراد تحليلها؟ فقد يتم التحليل لرصد مفاهيم معينة مثل مفاهيم التلوث البيئي، أو يتم تقسيم الصحيفة آلياً إلى مساحات منها يتم اختيار العينة.

 

     ومن المراحل الهامة في تحليل المحتوى التأكد من ثبات التحليل، وهذا يتم غالباً بقيام أكثر من فرد مدرب على تحليل نفس المادة، ويزداد الثبات كلما كان الاتفاق بين المحللين كبيراً بوصولهم لنفس النتائج عندما يحللون نفس المادة.

 
ثانياً : دراسات العلاقات المتبادلة

     نتناول فيما يلي نموذجاً لهذه الدراسات وهو دراسات الحالة لشيوع استخدامها مع تلاميذ المرحلة الابتدائية.

 

* دراسة الحالة *

     يتركز الاهتمام في دراسة الحالة على حالة واحدة أو عدد محدود من الحالات، وهنا تتسم طريقة دراسة الحالة بالسمة الشخصية، وتهتم دراسة الحالة بكل ما هو هام في تاريخ الحالة وتطورها.

 

     وقد تكون الحالة شخصاً (متعلم واحد)، أو أسرة (أسرة طفل يعاني من اكتئاب)،أو جماعة (المعلمات الوافدات في إحدى المدارس)، أو مؤسسة اجتماعية (جمعية أم المؤمنين النسائية)، أو بيئة بأكملها (معلمات رياض الأطفال في إمارة الشارقة).

 

     وطريقة دراسة الحالة تتعمق وتحلل باستفاضة التفاعل بين العوامل التي تحدث التغيير أو النمو، وهي تؤكد المنهج الطولي أو التكويني، وتبيّن التطور أو النمو الذي حدث للحالة خلال وقت معين.

 

     ودارس الحالة ينبغي أن يُلم بطبيعة مجتمع الحالة التي يدرسها من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخ، وأن يكون ملماً بسيكولوجية الفرد وله خبرة في وزن الأسباب المؤثرة في المشكلة، ومنح كل سبب ما يستحق من اهتمام سواء كانت هذه الأسباب أسرية أم مدرسية.

 

     وتتلخص أهم الجوانب التي ينبغي للدارس أن يجمع بيانات عنها فيما يلي:

1 ـ النمو الجسمي:

     ويتناول صحة الفرد وتاريخه المرضي، ومتى مشى؟ ومتى تكلم؟ ونواحي التفوق البدني، والعادات الصحية والغذائية وعادات النوم الخ، والأسلوب الذي استُخدم معه لإكسابه هذه العادات (تسامح / قسوة).

 

2 ـ التوافق المدرسي:

     ويتناول أساليب توافق المتعلم مع المواقف المدرسية، هل يقبل السلطة أم يتمرد عليها؟ هل يتسم توافقه مع زملائه بالعدوان أم بالخضوع؟ هل يواجه المواقف بتحدي أم بالهروب منها؟ هل متأخر دراسياً في بعض المواد؟ أم لا ؟ وما أسباب ذلك؟

 

3 ـ العلاقات الأسرية:

     يبحث دارس الحالة عن طبيعة علاقات الفرد بأسرته؟ (يسودها الحب أم البغض أم الإهمال ..)، وما مركز الطفل في الأسرة؟ (الأكبر أو الأصغر أو الوحيد ..)، وهل يُعامل بالقسوة أم باللين ؟ أم بالتساهل أم المعاملة معتدلة؟.

 

4 ـ القدرات العقلية والميول النفسية:

     حيث يبحث الدارس عن استعدادات الفرد العقلية، وميوله وهواياته، ويمكنه التعرف عليها من خلال النشاطات التي يميل إليها الفرد، كما يمكنه استخدام الاختبارات الموضوعية ومقاييس الذكاء الخ.

 

5 ـ التوافق النفسي والاتزان العاطفي:

     وهنا يتم جمع بيانات عن استجابات الفرد الانفعالية إزاء الصعاب التي تواجهه، وذلك بإحصاء مرات الغضب، وشدتها، ومن الضروري جمع معلومات عن الآباء للتعرف على اتجاهاتهم نحو أبنائهم.

 

     ولا بد من تتبع جذور المشكلة التي تُدرس الحالة من أجلها والتعرف على ملابسات حدوثها ومرات تكرارها. ويصلح الإطار السابق في دراسة الحالة إذا كان صاحبها سيئ التكيف في الأسرة أو المدرسة، أو إذا انحرف إلى ميدان الجريمة.

  

والله عز وجل دائماً، وأجيالنا وتقدمنا التربوي من وراء الجهد والقصد
وهو الكامل المعين والسلام

د / يسري مصطفى السيد
http://www.khayma.com/yousry/index.htm
http://www.yousry.bravepages.com/index.htm
http://yomoal.members.easyspace.com/index.htm
yousry62@emirates.net.ae
yomoal@hotmail.com

********