الفصل الخامس المنهج التجريبي |
* طبيعة البحث
التجريبي :
الفكرة
الأساسية التي يقوم عليها البحث التجريبي في أبسط صوره تتلخص في أنه: إذا كان هناك
موقفان متشابهان تماماً من جميع النواحي، ثم أُضيف عنصر معين إلى أحد الموقفين دون
الآخر، فإن أي تغير أو اختلاف يظهر بعد ذلك بين الموقفين يُعزى إلى وجود هذا
العنصر المُضاف، وكذلك في حالة تشابه الموقفين وحذف عنصر معين من أحدهما دون
الآخر، فإن أي اختلاف أو تغير يظهر بين الموقفين يُعزى إلى غياب هذا العنصر.
ويُسمى المتغير الذي
يتحكم فيه الباحث عن قصد في التجربة بطريقة معينة ومنظمة بالمتغير المستقل Independent
Variable (أو المتغير التجريبي)، أما نوع الفعل
أو السلوك الناتج عن المتغير المستقل فيسمى بالمتغير التابع Dependent
Variable (أو المتغير المعتمد)، وتتضمن التجربة على
الأقل في أبسط صورها متغيراً تجريبياً ومتغيراً تابعاً.
* التجارب
الضابطة :
تتلخص التجربة الضابطة
في استخدام مجموعتين من الأفراد تتشابهان في جميع الظروف تقريباً ما عدا ظرفاً أو
متغيراً واحداً، ووجود هذا المتغير أو غيابه يمثل المتغير المستقل (التجريبي).
وتسمى المجموعة التي يُستخدم معها هذا المتغير باسم المجموعة التجريبية Experimental
Group، أما المجموعة الثانية التي لا تتعرض لأثر المتغير المستقل فتُسمى
بالمجموعة الضابطة Control Group .
وعلى افتراض التكافؤ
بين المجموعتين فإن الاختلاف بينهما بعد التجربة يمثل أثر المتغير المستقل.
فإذا أراد باحث معين
مثلاً أن يتبين ما إذا كان "أثر الدراسة المعملية مع معرفة النتائج أكثر
فاعلية في كسب مهارات التفكير العلمي من الدراسة المعملية دون معرفة النتائج"
فإن معرفة النتائج تمثل المتغير المستقل، والأداء يمثل المتغير التابع.
والمجموعة التي يستخدم
معها أسلوب الدراسة المعملية مع معرفة النتائج بالمجموعة التجريبية، والمجموعة
الأخرى التي يستخدم معها أسلوب الدراسة المعملية مع عدم معرفة النتائج بالمجموعة
الضابطة.
ويتطلب المنهج
التجريبي أن تكون المجموعة التجريبية والمجموعة الضابطة متماثلتين في جميع الخصائص
التي يمكن أن تؤثر في الأداء أي في المتغير التابع، وأن تختلفا فقط في المتغير
المستقل أي في مدى معرفة نتائج الدراسة المعملية.
وهذا يوضح أنه لكي
يتوصل الباحث إلى معرفة أثر المتغير التجريبي على المتغير التابع، فلا بد أن يضبط
جميع المتغيرات المؤثرة في هذه العلاقة.
* البحث
التجريبي في العلوم الطبيعية والعلوم السلوكية:
يستطيع الباحث في
العلوم الطبيعية أن يتحكم بدرجة عالية من الدقة في المتغيرات المؤثرة في الظاهرة
موضع الدراسة لأن هذه المتغيرات مادية ويمكن قياسها بأدوات ومقاييس ثابتة وصادقة
وموضوعية ودقيقة.
لكن عزل المتغيرات في
العلوم السلوكية تواجهه صعاب عديدة، وقد يتعذّر أو يصعب قياس بعض المتغيرات بطريقة
مباشرة فيلجأ الباحث للأساليب غير المباشرة.
* البحث
التجريبي التربوي:
تُجرى البحوث
التجريبية عادة على التلاميذ في المدارس، ومن الطبيعي أن الباحث سوف يواجه بعدد
كبير من المتغيرات المؤثرة في التجربة.
ومن أمثلة هذه
المتغيرات: أعمار التلاميذ، وتحصيلهم الدراسي، وذكائهم، واستعداداتهم العقلية،
ودافعيتهم …
، ومنها أيضاً المستويات الاجتماعية والاقتصادية للتلاميذ،
ومستوى أداء المعلمين التدريسي، واختلاف الظروف الفيزيقية للمدارس من حيث
إمكاناتها وخصائص مبانيها.
وللتغلب على الصعوبات
السابقة يلجأ الباحث إلى محاولة ضبط المتغيرات السابقة، باستخدام طرق الاختيار
العشوائي لأفراد المجموعات التجريبية والضابطة، أو طرق المجموعات المتكافئة.
ومن المشكلات التي
مازالت تواجه البحوث التجريبية التربوية صعوبة الحصول على المقاييس أو الاختبارات
التي تقيس المتغيرات السلوكية، وما يطرأ على شخصيات التلاميذ من نمو وعلى سلوكهم من
تغير. وقد يكون قياس تحصيل التلاميذ للمعلومات باختبارات تحريرية أمراً سهلاً، غير
أنه قد يصعُب عليه أن يقيس التغيرات في اتجاهاتهم وقيمهم بمثل هذه الاختبارات.
ومع ذلك فإن البحوث
التربوية التجريبية تستخدم هذه الاختبارات والمقاييس متى توافرت لها خصائص وشروط
معينة من أهمها توفر درجة عالية من الصدق والثبات والموضوعية، وإلا كانت النتائج
التي يتم الحصول عليها مشكوك في صحتها ولا يُعتمد عليها.
المتغيرات المؤثرة في المتغير التابع في
التجربة كثيرة ومتنوعة ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع من المتغيرات هي:
1 ـ المتغيرات المرتبطة بخصائص
أفراد العينة:
مثل المتغيرات الواردة
في بداية هذه الصفحة، ويتطلب ضبط هذه المتغيرات اختيار مجموعتين من الأفراد
متكافئتين في هذه المتغيرات بأن يكون لهما مثلاً نفس المتوسطات والانحرافات المعيارية
للمتغيرات المؤثرة في المتغير التابع.
2 ـ المتغيرات المرتبطة بالعامل التجريبي:
الغرض الأساسي للتجريب
هو معرفة أثر متغير تجريبي معين على بعض أنواع من السلوك تمثل المتغير التابع،
وهناك بعض العوامل التي ترتبط بالمتغير المستقل (العامل التجريبي) والتي يمكن أن
تؤثر في المتغير التابع.
ففي حالة استخدام عامل
تجريبي معين (التعلم التعاوني مثلاً) مع أكثر من مجموعة تجريبية مثلاً، ينبغي أن
يتحكم الباحث في طبيعة الظروف والخصائص والإجراءات المتعلقة بتناول التعلم
التعاوني وتنفيذه على نحو موحد مع جميع المجموعات.
3 ـ المتغيرات الخارجية المؤثرة في التجربة:
من أمثلة هذه
المتغيرات الخارجية تأثير الاختلاط بين أفراد المجموعة التجريبية وأفراد المجموعة
الضابطة، الذي ينشأ عنه عادة استفادة التلاميذ في المجموعة الضابطة من خبرات
تلاميذ المجموعة التجريبية مما يؤثر بطبيعة الحال على أدائهم في القياس البعدي.
ومن المتغيرات
الخارجية أيضاً المتغيرات المرتبطة بعامل الوقت والظروف الطبيعية التي يتم فيها
إجراء التجربة لكل من المجموعة التجريبية والضابطة.
* أولاً : طرق المجموعة الواحدة:
يجري هذا النوع من التجارب على مجموعة واحدة من
الأفراد، ويتلخص هذا التصميم في الشكل التالي:
1 2
3
4
اختبار قبلي
إدخال المتغير المستقل ا ختبار بعدي
حساب الفرق بين القياس القبلي والبعدي
وعلى الرغم من أنه لا
يوجد (نظرياً على الأقل) ضبط أفضل من استخدام نفس المجموعة تحتوي هذه الطريقة على
متغيرات لا يمكن ضبطها بسهولة، فمثلاً التلاميذ في الاختبار البعدي يصبحون أكبر سناً
وأكثر نضجاً.
وقد ينتقل أثر خبرتهم
بالقياس القبلي ليظهر في البعدي، وبالتالي يكون التأثير الذي تُسفر عنه التجربة
محصلة لتأثير القياس القبلي والمتغير المستقل.
* ثانياً : طرق المجموعات المتكافئة:
من أبسط هذه الطرق
طريقة المجموعة التجريبية الواحدة والمجموعة الضابطة الواحدة، غير أن هناك تصميمات
أخري قد يزيد فيها عدد المجموعات التجريبية عن واحدة، وقد يزيد عدد المجموعات
الضابطة عن واحدة أيضاً.
وينبغي في كل الحالات
أن يراعي الباحث تحقيق التكافؤ بين المجموعات المستخدمة، وهناك أساليب عدة لتحقيق
هذا التكافؤ منها:
أ ـ الانتقاء
العشوائي لأفراد المجموعات التجريبية والضابطة:
يؤدي أسلوب الاختيار
العشوائي إلى تحقيق المساواة بين احتمالات الاختيار لكل فرد من أفراد المجتمع
الأصل.
ب ـ التكافؤ
المبني على أسس إحصائية:
يتم التكافؤ هنا على
أساس متوسطات درجات المجموعات التجريبية والضابطة وانحرافاتها المعيارية للمتغيرات
المؤثرة في المتغير التابع ما عدا المتغير المستقل.
ج ـ طريقة
الأزواج المتماثلة:
تتطلب هذه الطريقة أن
يُختار الأفراد على أساس أزواج بحيث تكون خصائص الفردين في كل زوج متماثلة في السن
والذكاء وغيرها من المتغيرات المؤثرة في نتائج التجربة، ويُعيّن عشوائياً واحداً
من كل زوج للمجموعة الضابطة ويوضع الفرد الآخر في المجموعة التجريبية.
ونذكر فيما يلي بعض أنواع التصميمات
التجريبية التي تستخدم أكثر من مجموعة.
1 ـ طريقة القياس القبلي
لمجموعة ضابطة والقياس البعدي لمجموعة أخرى تجريبية متكافئة معها:
* يمكن تلخيص عناصر
هذا التصميم فيما يلي :
المجموعة الثانية (التجريبية) |
المجموعة الأولى (الضابطة) |
1 ـ لا قياس قبلي |
1 ـ قياس قبلي للمتغير التابع |
2 ـ استخدام المتغير التجريبي |
2 ـ لا استخدام |
3 ـ قياس بعدي للمتغير التابع |
3 ـ لا قياس بعدي |
4 ـ اختبار دلالة الفرق بين متوسطي : |
|
القياس القبلي للمتغير التابع 6 القياس البعدي للمتغير التابع |
2 ـ طريقة القياس
البعدي في كل من المجموعتين: التجريبية والضابطة:
* يمكن تلخيص عناصر
هذا التصميم فيما يلي :
المجموعة الثانية (التجريبية) |
المجموعة الأولى (الضابطة) |
1 ـ يتم التكافؤ بينهما بالاختيار العشوائي |
|
2 ـ استخدام المتغير المستقل |
2 ـ التعرض للظروف العادية |
3 ـ قياس بعدي للمتغير التابع |
3 ـ قياس بعدي للمتغير التابع |
4 ـ اختبار دلالة الفرق بين متوسطي: |
|
القياس البعدي للمتغير التابع r القياس البعدي للمتغير التابع في المجموعة الضابطة في المجموعة التجريبية |
* من نقاط الضعف في
التصميمين السابقين أنهما يفترضان أن المجموعتين متساويتين في جميع المتغيرات
الأخرى غير المتغير المستقل، وقد لا يكون الأمر كذلك.
3 ـ طريقة القياس
القبلي والقياس البعدي لكل من المجموعتين: التجريبية والضابطة:
* يمكن أن نُلخص عناصر
هذا التصميم فيما يلي:
المجموعة الثانية (التجريبية) |
المجموعة الأولى (الضابطة) |
1
ـ يتم التكافؤ بينهما بالاختيار العشوائي أو على أساس الأزواج المتكافئة
|
|
2 ـ اختبار قبلي |
2 ـ اختبار قبلي |
3 ـ استخدام المتغير المستقل |
3 ـ التعرض للظروف العادية |
4 ـ اختبار بعدي للمتغير التابع |
4 ـ اختبار بعدي للمتغير التابع |
5 ـ حساب متوسط
الزيادة وهو الفرق بين الاختبار القبلي والبعدي (م2 ) |
5 ـ حساب متوسط
الزيادة وهو الفرق بين الاختبار القبلي والبعدي (م1 ) |
4 ـ اختبار دلالة الفرق بين (م1 ) و (م2) |
وتوجد تصميمات تجريبية
أخرى ضمن تصميم المجموعات المتكافئة، لكن نكتفي بهذا القدر منها.
* للمزيد حول هذه
الطرق يمكن الرجوع إلى الكتب التالي:
1
ـ جابر عبد الحميد جابر وأحمد خيري كاظم، مناهج البحث في التربية وعلم النفس،
القاهرة: دار النهضة العربية، 1996 .
2
ـ ديوبولد ب. فان دالين، مناهج البحث في التربية وعلم النفس، ترجمة محمد
نبيل نوفل وآخرون، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1969 .
3
ـ حمدي أبو الفتوح عطيفة، منهجية البحث العلمي وتطبيقاتها في الدراسات التربوية
والنفسية، القاهرة: دار النشر للجامعات، 1996.
***********************************************************
يعتبر المنهج التجريبي أدق أنواع مناهج
البحث وأكفأها في التوصل إلى نتائج دقيقة يوثق بها، ويرجع ذلك لاعتبارات كثيرة من
أهمها:
أ ـ أنه يسمح بتكرار التجربة تحت شروط
واحدة عن طريق أكثر من باحث وهذا يساعد في التحقق من ثبات النتائج وصدقها.
ب
ـ يتيح للباحث دراسة أثر متغير تجريبي على متغير آخر هو المتغير التابع مع ضبط
جميع المتغيرات الأخرى، وهذا يمكّنه من دراسة العلاقات السببية بصورة لا يتيحها
البحث الوصفي أو البحث التاريخي.
* تواجه الباحثين عند
استخدامهم لمنهج البحث التاريخي عدة صعوبات من أهمها:
1
ـ صعوبات إدارية داخل المدرسة: كأسلوب توزيع التلاميذ، والاختلافات الشخصية بينهم،
والفروق الاجتماعية والاقتصادية بينهم. ويمكن حل هذه المشكلة بإنشاء مدارس تجريبية
يمكن إجراء البحوث بها.
2
ـ يهدف الباحث إلى تعميم نتائج بحثه على جماعات أكبر، وهذا يفرض عليه الدقة
الشديدة في اختيار عينة بحثه بحيث تمثل المجتمع الأصل.
3 ـ تعقد دراسة الظواهر التربوية يتعارض جزئياً
مع مبدأ تأثير متغير مستقل على متغير تابع معين، وينبغي أخذ ذلك في الاعتبار عند
تفسير النتائج.
4 ـ على الباحث أن يراعي في تصميمه
التجريبي وفي تنفيذه استخدام ظروف تجريبية تقترب إلى حد كبير من الواقع التعليمي
العادي حتى يكون لنتائج بحثه قابلية أكثر للتعميم والتطبيق (هل من الواقعية مثلاً
تقسيم صفوف التلاميذ بحيث يقابل كل تلميذ في صف ما، تلميذ آخر يكافئه تماماً في
قدراته وسماته الشخصية في صف آخر؟).
5
ـ ينبغي على الباحث مراعاة الدقة في اختيار أدوات القياس في بحثه، ومراعاة أقصى
درجات الدقة في عمليات الضبط الإحصائي وحساب مدى صدقها، وثباتها.
********