الصفحة الرئيسية لموقع القدس
تاريخ القدس القديم |
قبل الإسلام |
الرومان والقدس |
منذ الفتح الإسلامي |
عهد الأمويين |
عهد الفاطميين |
الإحتلال الصليبي
عهد الأيوبيين |
عهد المماليك |
عهد العثمانيين |
العهد العباسي |
عهد الطولونيين |
الإحتلال البريطاني |
الإحتلال الصهيوني
الصحابة |
علماء وزهاد |
مؤرخون ورحالة |
نساء |
أدباء |
شخصيات فلسطينية وعربية
القدس في التاريخ |
مكانة القدس |
الموقع الفلكي |
كنيسة القيامة |
موقف العرب |
المقاومة |
برنامج القدس
دعم أمريكا لإسرائيل |
القضية الفلسطينية في قرنين |
إحصائيات عن اليهود |
الصهيونية
العهدة العمرية واللورد بالمرستون ونابليون والبيع لليهود ورد الشريف حسن ووعد برلفور
صور القدس 1 |
صور القدس 2 |
صور القدس 3 |
صور القدس 4 |
صور القدس 5 |
مواقع
2)- الرومان والقدس 1- الرومان في القدس الروم البيزنطيون من الأمم التي كان وجودها في بيت المقدس بارزًا وطويل المدى، فقد استعمروا المدينة، وسيطروا عليها قرابة سبعمائة عام.. فقبل الميلاد بحوالي ستين عامًا، وقع الخلاف بين أصحاب السيطرة من اليهود في بيت المقدس، فانقسموا فرقا، وطلب بعضهم العون من الرومان القريبين، فأقبلت جحافل الرومان الغازية يقودهم بومبي حتى ضربت الحصار على بيت المقدس، ووقفوا بأسوار المدينة حتى اقتحموها بمهارة عالية، مستخدمين أدوات الحصار والاقتحام من المجانيق ورءوس الكباش وأبراج الحصار، وقُتِلَ اثنا عشر ألف يهودي في المذبحة التي ارتكبها الرومان عقب دخولهم المدينة. وطوال فترة التواجد الروماني في بيت المقدس، جرت هناك أحداث تمثل علامات بارزة في تاريخ المدينة المقدسة، ففي بداية الاحتلال الروماني قام اليهود بثورة واضطرابات عديدة ضد الغزاة، فقاد الحملة عليهم حاكم سوريا الروماني "لوقيانوس كراسوس"، الذي دخل المعبد ونهبه. والغريب أن القائد هيرود الآدومي الذي قاد حملة قاسية ضد اليهود قبل ميلاد المسيح بحوالي أربعين عاما، عاد ليعطي اليهود نوعا من الحرية الدينية، وسمح لهم بإعادة بناء بيت عبادتهم. وأثناء ولايته على القدس والجليل اهتم هيرود بإعادة تخطيط المدينة، ودعّم حصونها، وزودها بأبراج الحراسة، خاصة في الغرب والشمال الغربي، تأمينا للمواقع الضعيفة منها. وكان هيرود قد غزا المدينة، منتهزا فرصة تنازع الأمراء المكابيين اليهود على ما تبقى لهم من سلطة عشائرية تخص الطائفة اليهودية، مثل: تحصيل الزكاة، والقضاء بينهم، وتنفيذ أحكام التوراة فيهم. وبقى من العلامات البارزة في التاريخ الروماني لبيت المقدس أيضا: مولد المسيح عليه السلام، وطرد اليهود من بيت المقدس على يد تيطس ثم هرقل، واتخاذ المسيحية بتفسيرها الخاص ديانةً رسمية للدولة الرومانية، وإعادة بناء بيت المقدس على الطريقة الرومانية حاملة اسمها الجديد إيلياء. انتصار الروم على الفرس: روى أحمد عن ابن عباس قال: كان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس؛ لأنهم أهل كتاب، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم؛ لأنهم أهل أوثان، فذكر ذلك المسلمون لأبي بكر، فذكر أبو بكر ذلك لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم: "أما إنهم سيهزمون"، فذكر ذلك أبو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلا، فإن ظهروا كان لك كذا وكذا، وإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، فجعل بينهم أجلا خمس سنين، فلم يظهروا. فذكر ذلك أبو بكر للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: "ألا جعلته ـ أراه قال دون العشر". قال وقال سعيد: البضع ما دون العشر. قال: فظهرت الروم بعد ذلك، فذلك قوله تعالى: "الم غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبهم سيغلبون في بضع سنين). قال: فغلبت الروم بعد ثم غلبت بعد، قال: (لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله). وروى الترمذي في سننه عن عروة بن الزبير عن نيار بن مكرم الأسلمي قال: لما نزلت: (الم غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم؛ لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قول الله تعالى: (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم)، وكانت قريش تحب ظهور فارس؛ لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله تعالى هذه الآية خرج أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ يصيح في نواحي مكة: (الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين)، قال ناس من قريش لأبي بكر: فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى ـ وذلك قبل تحريم الرهان ـ فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان، وقالوا لأبي بكر: كم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين، فسم بيننا وبينك وسطا تنتهي إليه، قال: فسموا بينهم ست سنين، قال: فمضت الست سنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر. فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين؛ لأن الله تعالى قال: (في بضع سنين). وأسلم عند ذلك ناس كثير". قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح حسن غريب من حديث نيار بن مكرم لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد.
الدولة اليهودية والمشكلة اليهودية بقلم الصحفي اليهودي آحاد هاعام (سنة 1897): يحدثنا التاريخ أنه في أيام بيت هيرود كانت فلسطين دولة يهودية، لكن الثقافة القومية كانت موضع احتقار واضطهاد وقد بذل البيت الحاكم قصارى جهده لبذر الثقافة الرومانية في البلد وبعثروا موارد الأمة في بناء معابد الوثنية والمدرجات وما إلى ذلك. إن مثل هذه الدولة اليهودية سوف تنشر الموت والمهانة لشعبنا. إن مثل هذه الدولة لن تحقق القدر الكافي من السلطة السياسية التي تؤهلها للاحترام بينما ستبتعد عن القوة الروحية الداخلية للعقيدة اليهودية. إن هذه الدولة المسخ ستتأرجح كالكرة بين جيرانها الأقوياء وستحافظ على وجودها فقط عن طريق التحايل الدبلوماسي وعن طريق التزلف للدول الكبرى، مثل هذا الموقف لن يمنحنا شعورًا بالعزة القومية. والثقافة القومية التي من خلالها عثرنا على عظمتنا، لن تجد أرضًا خصبة في دولتنا ولن تكون المبدأ السائد في حياتنا. وسنكون عندئذ أكثر مما نحن عليه الآن أمة صغيرة وتافهة. أسرى للدول الكبرى. ترقب بعين الحسد القوات المسلحة لجيرانها الأقوياء، إن وجودنا في إطار هذا المفهوم كدولة ذات سيادة لن يضيف فصلا من العزة لتاريخنا القومي. (ملف وثائق وأوراق القضية الفلسطينية: علي محمد علي، الجزء الأول صـ 101). ـ من السجلات الرسمية للحكومة البريطانية (أكتوبر 1917): إني أستشهد برأي الحاخام الأكبر الراحل الذي توفي منذ بضع سنوات، والذي تولى منصبه وسط احترام كبير سنين عديدة: "عندما كنا نعيش في الأراضي المقدسة كان لنا تنظيمنا السياسي الخاص بنا وكان لنا قضاة وملوك يحكموننا. ولكن منذ أن غزا الرومان فلسطين لم يعد لنا كيان سياسي وإنما أصبحنا مواطنين في الدولة التي نعيش فيها. فنحن مجرد إنجليز أو فرنسيين أو ألمان على حسب كل حالة وإن كنا نؤمن بالتأكيد بعقيدة دينية معينة ونقيم شعائر دينية معينة، ولكن علاقتنا بمواطنينا هي نفس علاقة أبناء أية طائفة دينية أخرى يحدون نفس الاهتمام بالصالح القومي، ولنا نفس حقوق وامتيازات المواطنين. وإني أجيب على سؤال مستر جولدوين سميث عن الاتجاه السياسي لليهودية بقولي إنه ليس لليهودية مرمى سياسي على الإطلاق". (ملف وثائق وأوراق القضية الفلسطينية: علي محمد علي، الجزء الأول صـ 268 ـ 269). 2- مولد المسيح في ظلال الحكم الروماني: مثّل عيسى ابن مريم ـ عليه السلام ـ الفرصة الأخيرة أمام بني إسرائيل للعودة إلى الله ـ تعالى ـ وترك المعاصي التي أَورثتْهم الذلَّ، وأوقعتْهم ـ بصورة متكررة ـ فريسة منتهكة بين أظافر أمم مختلفة وأنياب شعوب متباينة. وقد جاء ميلاد هذا النبي الكريم في بيت لحم التابعة لبيت المقدس، معلنا عن واحدة من المعجزات المؤيدة له، والمؤكدة لصدقه، حتى قبل أن يستغني عن ثدي أمه الطاهرة، فوُلد ـ عليه السلام ـ من أم عذراء لم يمسسْها بشر، وتكلم في المهد مثبتًا المعجزة الظاهرة القاهرة. وبدلا من أن يكون إرسال هذا النبي الكريم فرصة يستغلها بنو إسرائيل للخروج من الاستعباد الروماني، بالانقياد لأوامر النبي وطاعته ـ إذا بهم يقفون في الصفوف الأولى التي تحارب عيسى ـ عليه السلام ـ وتسعى إلى قتله، كما قتلوا كثيرًا من الأنبياء السالفين، وتعاونوا في تلك المحاولة الآثمة مع السلطة الرومانية القائمة، خشية أن ينتزع عيسى ـ عليه السلام ـ شرفَ السلطة الدينية من يد الكهنة اليهود. وكان القيصر في هذه الفترة هو: كلوديوس، ووالي بيت المقدس الرومي هو: بيلاطس. ومع أن الله ـ تعالى ـ قد نجَّى نبيه الكريم من المؤامرة الدنيئة، إلا أن الفرصة لم تتكرر بهذه الصورة أمام بني إسرائيل للخروج الكريم من الاستعباد والاضطهاد، خاصة مع الاضطهاد الكبير الذي تعرض له أتباع عيسى ـ عليه السلام ـ بعد أن رفعه الله إليه. وبقي المسيح ـ عليه السلام ـ أحدَ أهم الشخصيات المرتبطة بالمدينة المقدسة، خاصة أنه خاتمة أنبياء بني إسرائيل، وليس بينه وبين رسول الله محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ رسولٌ ولا نبي. مولد المسيح ـ عليه السلام: (فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا. فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا. فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا. وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا. فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا). (مريم: 22 ـ 26). قال ابن كثير: قوله تعالى: "فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة" أي: فاضطرها وألْجَأَها الطلْقُ إلى جذع نخلة في المكان الذي تنَحّت إليه. وقد اختلفوا فيه؛ فقال السدي: كان شرقيَّ محرابها الذي تصلي فيه من بيت المقدس.. وقال وهب بن منبه: ذهبت هاربةً، فلما كانت بين الشام وبلاد مصر ضربها الطلْقُ.. وفي رواية عن وهب: كان ذلك على ثمانية أميال من بيت المقدس في قرية هناك يقال لها بيت لحم.. قلت: وفي رواية النسائي.. عن شداد بن أوس ـ رضي الله عنه ـ أن ذلك ببيت لحم. وهذا هو المشهور الذي تلقاه الناس بعضهم عن بعض.. ولا يشك فيه النصارى. عيسى ومحمد ـ عليهما الصلاة والسلام: روى البخاري في صحيحه أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، وَالْأَنْبِيَاءُ أَوْلادُ عَلاّتٍ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ". (علاّت: أي أبوهم واحد وأمهاتهم شتى).
متى وُلد المسيح؟! "تاريخ مولد المسيح سنة 7 قبل الميلاد ـ هو حقيقة تؤكدها المصادر الدينية المستقاة من الكتاب المقدس، ومن سجلات الكنيسة القبطية، وبعض المصادر الشرقية الأخرى الخاصة برحلة العائلة المقدسة إلى مصر بعد ميلاد الطفل عيسى ابن مريم (عليه السلام). كما تؤكدها أيضا المصادر التاريخية التي تؤرخ للدولة الرومانية التي كان يقع تحت حكمها آنذاك كامل أرض فلسطين، كما تؤكدها أخيرا الحقائق الفلكية التي حددت تاريخ ظهور النجم الساطع الذي تزامن في رواية المجوس مع ميلاد المسيح. ومن الغريب أن جميع هذه المصادر اتفقت بلا نقطة خلاف واحدة على أن سنة ميلاد المسيح ـ عليه السلام ـ هي السنة السابعة قبل الميلاد، ولم يقل أحد إن المسيح وُلد في السنة الأولى الميلادية..". (بتصرف قليل عن مقال محمد سلماوي في صحيفة الأهرام 10/ يناير/ 2000م. وراجع القضية بتفصيل في: "عبقرية المسيح" للأستاذ عباس محمود العقاد).
3- الرومان وطرد اليهود من بيت المقدس: صَبَّتْ أحداث الزمن الروماني في بيت المقدس في اتجاه تفريغ المدينة من اليهود، حتى جاء الفتح الإسلامي للمدينة وليس فيها يهودي. ومن المناسبات الكبيرة التي طُرد فيها اليهود من بيت المقدس ما جرى عام سبعين من الميلاد على يد الحاكم الرومي القوي تيطس، الذي دمر المدينة. ثم طُرد اليهود بالكامل منها سنة خمس وثلاثين ومائة من الميلاد. وحينما أقبلت جحافل الفرس في القرن السابع الميلادي من المشرق، تزحف على ممتلكات الروم البيزنطيين، استولوا على بيت المقدس ضمن ما استولوا عليه، ووقف اليهود حينئذ بجانبهم، وشاركوهم في التنكيل بالرومان. وحين نجح هرقل في دحر الفرس عند نينوى، وأجلاهم عما احتلوه، وأزاحهم عن بيت المقدس، كان لابد له أن يصفِّي الحساب مع اليهود، ونفَّذ ذلك بصورة قاسية، حيث قتل من اليهود أعدادًا كبيرة، وفرَّ كثيرون تحت سِيَاطِ الاضطهاد والتنكيل، وصارت بيت المقدس خالية من اليهود تماما. وهكذا نتج عن السحق المتكرر لليهود باليدِ الرومانية الباطشة، تدمير المدينة على يد القياصرة، وأجليت عنها أعداد كبيرة من اليهود، ونُكّل بالكثير منهم، وجرى لهم شتات عام، وضعفت البنية السكانية اليهودية في عموم أرض فلسطين بسبب كثرة القتلى والفارين من وجه الرومان. وقد حرص أهل بيت المقدس عند الفتح الإسلامي لها على اشتراط أن لا يدخل اليهود المدينة المقدسة، حينما صالحوا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على تسليم المدينة المباركة للمسلمين عام ستة عشر من الهجرة النبوية. انتصار الروم على الفرس: روى أحمد عن ابن عباس قال: كان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس؛ لأنهم أهل كتاب، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم؛ لأنهم أهل أوثان، فذكر ذلك المسلمون لأبي بكر، فذكر أبو بكر ذلك لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم: "أما إنهم سيهزمون"، فذكر ذلك أبو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلا، فإن ظهروا كان لك كذا وكذا، وإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، فجعل بينهم أجلا خمس سنين، فلم يظهروا. فذكر ذلك أبو بكر للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: "ألا جعلته ـ أراه قال دون العشر". قال وقال سعيد: البضع ما دون العشر. قال: فظهرت الروم بعد ذلك، فذلك قوله تعالى: "الم غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبهم سيغلبون في بضع سنين). قال: فغلبت الروم بعد ثم غلبت بعد، قال: (لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله). وروى الترمذي في سننه عن عروة بن الزبير عن نيار بن مكرم الأسلمي قال: لما نزلت: (الم غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم؛ لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قول الله تعالى: (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم)، وكانت قريش تحب ظهور فارس؛ لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله تعالى هذه الآية خرج أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ يصيح في نواحي مكة: (الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين)، قال ناس من قريش لأبي بكر: فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى ـ وذلك قبل تحريم الرهان ـ فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان، وقالوا لأبي بكر: كم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين، فسم بيننا وبينك وسطا تنتهي إليه، قال: فسموا بينهم ست سنين، قال: فمضت الست سنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر. فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين؛ لأن الله تعالى قال: (في بضع سنين). وأسلم عند ذلك ناس كثير". قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح حسن غريب من حديث نيار بن مكرم لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد.
فشل البحث عن الهيكل الذي دمره الرومان: يؤكد الدكتور يوسف النتشة، خبير الآثار الفلسطيني، أن جميع الحفريات الإسرائيلية في القدس وحول المسجد الأقصى لم تصل إلى أي دليل على وجود الهيكل الذي دمره الرومان عام 70 ميلادية، ويشرح الأثري الفلسطيني البارز أسباب فشل الإسرائيليين في العثور على الهيكل فيقول إن الثابت تاريخيًّا أن منطقة المسجد الأقصى، عندما دخل العرب مدينة القدس عام 637 ميلادية، كانت منطقة خراب وركام بدليل أن الخليفة عمر بن الخطاب قام بتنظيفها. ويحاول الإسرائيليون الآن البحث والتنقيب عن آثار الهيكل ولكنهم لا يجدون إلا الآثار العربية اليبوسية والعربية الإسلامية والعربية المسيحية.
4- تَنَصّر الدولة الرومانية وتأثيره في بيت المقدس: لم يُتَحْ لدعوة المسيح ـ عليه السلام ـ أنصار كثيرون في الفترة التي قضاها على الأرض قبل سعي اليهود والرومان إلى قتله، وإنْجاء الله ـ تعالى ـ له. إلا أنه بعد هذا الحادث بما يزيد على قرنين ونصف من الزمان، قامت دولة كبرى بإعلان اتباعها لدين المسيح، وإن كان ذلك بتفسير خاص لرسالة المسيح ـ عليه السلام ـ وتلك هي الدولة الرومانية نفسها، التي أعلن إمبراطورها قسطنطين عام ثلاثة عشر وثلاثمائة من الميلاد أن المسيحية هي الديانة الرسمية لدولته، حسب التفسير الذي جاء به شاول المشهور ببولس الرسول. وقد كان لهذا الحدث تأثير كبير في مجرى تاريخ مدينة القدس، فلأول مرة أصبحت تحت سلطة تعلن إيمانها بصدق المسيح ـ حسب الصورة التي يعتقدونها ـ وقد كان وجود هذه السلطة إذنًا بعقاب أصحاب الأديان والعقائد التي اضطهدت المسيحيين الأوائل، فتتابع طرد اليهود من بيت المقدس. كما زارت الإمبراطورة "هيلانة" والدة قسطنطين، بيت المقدس، بعد ثلاثة وعشرين عامًا من إعلانه الديانة الجديدة لدولته، وتفقدت المواضع التي شهدت دعوة المسيح ـ عليه السلام ـ وأقامت كنيسة القيامة الشهيرة في الموضع الذي يعتقدون أن المسيح دُفن فيه.
مولد المسيح ـ عليه السلام: (فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا. فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا. فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا. وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا. فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا). (مريم: 22 ـ 26). قال ابن كثير: قوله تعالى: "فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة" أي: فاضطرها وألْجَأَها الطلْقُ إلى جذع نخلة في المكان الذي تنَحّت إليه. وقد اختلفوا فيه؛ فقال السدي: كان شرقيَّ محرابها الذي تصلي فيه من بيت المقدس.. وقال وهب بن منبه: ذهبت هاربةً، فلما كانت بين الشام وبلاد مصر ضربها الطلْقُ.. وفي رواية عن وهب: كان ذلك على ثمانية أميال من بيت المقدس في قرية هناك يقال لها بيت لحم.. قلت: وفي رواية النسائي.. عن شداد بن أوس ـ رضي الله عنه ـ أن ذلك ببيت لحم. وهذا هو المشهور الذي تلقاه الناس بعضهم عن بعض.. ولا يشك فيه النصارى.
5- البناء الروماني لبيت المقدس: "إيليوس أدريانوس" أو "هادريانوس".. هذا هو الإمبراطور الروماني الكبير ـ ويُوصف بأنه "كان من أقدر الرجال الذين شغلوا منصب الإمبراطور على مر التاريخ" ـ الذي ارتبط اسمه ببناء مدينة بيت المقدس، وتشييدها على الطراز الروماني، ففي عام اثنين وثلاثين ومائة للميلاد ضيق الإمبراطور على اليهود، ومنعهم من تأدية بعض طقوسهم العبادية في بيت المقدس، فثاروا ضده، ونجحوا في السيطرة على المدينة المقدسة ثلاث سنوات، إلا أن الإمبراطور جرد حملة قوية لإخضاع المدينة، فاستولى الرومان على خمسين قلعة، ودمروا قرابة ألف قرية، وقتلوا عددًا كبيرًا من اليهود، "أما مَنْ لاقَوْا حَتْفَهُمْ جوعًا، أو بالطاعون، أو في الحدائق، فلا يستطيع أحد أن يُحْصِيَهُمْ ـ كما يقول بعض المؤرخين ـ وهكذا خُرِّبت يهوذا تقريبًا"، وصارت قرية مدمرة. وأصبحت القدس محظورة "الدخول على مَنْ بقي من اليهود بعد الحرب، وشتت الرومان من بقي منهم فوق جبل صهيون، ولم تعد هناك جماعات يهودية في ضواحي المدينة". لقد كان اعتزام أدريانوس عام مائة وثلاثين إنشاء مدينة جديدة فوق أطلال القدس، هو السبب الرئيسي الذي دعا اليهود إلى الثورة عليه، إذ كان إنشاء هذه المدينة يعني إنشاء معابد وثنية، وتمجيد معتقدات الإمبراطور في المدينة المقدسة. وبعد أن تخلص أدريانوس من المعارضة اليهودية لمشروع مدينته، عهد إلى روفوس تيمايوس بإنشاء مدينته الجديدة، التي أسماها إيليا كابيتولينا، لتحمل اسمه، وتكرم معبوداته الوثنية في الكابيتول في روما، اعتقادًا منه أنهم سيَرْعَوْنَها له. وعند التنفيذ قام العاملون بفلح أرض المدينة وإعدادها للبناء، وأقيمت مدينة حديثة، فيها معابد ومسرح، وتجمعات سكنية، وبِركة مياه، وسوقان. أغلبية عربية عند الفتح: "تدل المخطوطات الإغريقية التي عثر عليها في الأردن أن أغلبية السكان في زمن الرومان كانوا عربًا، وأن مهاجرين آخرين قدموا، كسائر الموجات السابقة منذ ثلاثة آلاف عام، من الجزيرة العربية، وقد أنشأوا في القرن الرابع بعد ميلاد المسيح مملكة الأنباط في جنوب فلسطين.
(فلسطين أرض الرسالات الإلهية: رجاء جارودي صـ 187، ترجمة د. عبد الصبور شاهين). |