ولد في أعرق بيوت
القدس وعائلاتها، وتلقى علومه الأولية، ثم التحق بالأزهر، منارة العلم آنذاك.
وأثناء دراسته الأزهرية أدى فريضة الحج فأطلق عليه لقب "الحاج" وهو لا يزال
شابًّا يافعاً، ولازمه اللقب حتى وفاته .
التحق بالكلية
العسكرية التركية وتخرج فيها برتبة ضابط صف، والتحق بالجيش العثماني الذي ما
لبث أن فارقه وأخذ يخدم الثورة العربية سرًّا في لوائي القدس والخليل . نشأته
وعلمه المتنوع المصادر خَلَقا منه مزيجاً سياسيًّا عسكريًّا فريداً ؛ فأتقن
لعبة المقاومة بوجهيها السياسي والعسكري، وبمجرد احتلال البريطانيين القدس،
نادى علناً بوجوب محاربة هذا الحكم وذيوله الصهيونية فاستجاب له نفر من أصحابه
وشكلوا برئاسته أول منظمة سياسية في تاريخ فلسطين وهي "النادي العربي" في
القدس، ولهذا النادي أثر كبير في انطلاق مظاهرات القدس
الكبيرة عامي 1918 و 1919 وعَقْد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول.
اعتقله الإنجليز
بعد مظاهرة كبرى، يوم وصول لجنة الاستفتاء الأمريكية تعبيراً عن رفض وعد بلفور،
ثم أُعيد اعتقاله أثناء الاحتفالات في موسم النبي موسى عام 1920،
واستطاع الهرب عبر البحر الميت إلى الكرك ثم دمشق وحُكم عليه غيابيًّا بالسجن
لمدة 15 عاماً، ثم عفي عنه من قبل المندوب السامي عندما
حلت الإدارة المدنية محل العسكرية صيف عام 1920 إثر ضغط شعبي كبير. فكانت
العودة الأولى للقدس.
في 1921 تُوفي
المفتي كامل الحسيني، وتم انتخاب الحاج محمد أمين الحسيني لهذا المنصب ليصبح
مفتي القدس، وعمل بقوة وإخلاص من خلال منصبه وأنشأ
المجلس الإسلامي الأعلى ليكون الهيئة الإسلامية التي تشرف على شؤون المسلمين
ومصالحهم بطريقة مستقلة، ومع مرور الأيام أصبح هذا
المجلس أقوى قوة عربية وطنية في البلاد، ومن خلاله كان يدعو إلى اعتبار قضية
فلسطين قضية العرب كلهم والمسلمين، وكُللت هذه الجهود
في عام 1931 بالمؤتمر الإسلامي الأول الذي عُقد في المسجد الأقصى على مستوى
عالمي للدفاع عن القدس. كما أصدر فتوى تعتبر باعة الأراضي الفلسطينية لليهود
والسماسرة فيها خارجين عن الدين؛ وبالتالي لا يجوز دفنهم في مدافن المسلمين،
ولم يكتفِ بذلك، بل عمد إلى شراء الأراضي المهددة
بالتسرب لليهود من أموال الوقف الإسلامي وجعلها تابعة للوقف الإٍسلامي.
وعلى جبهة
المجتمع كان الرجل يعزز العلاقات داخله وكون "جمعيات الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر " لإصلاح ذات البين وفض النزاعات وحض الجماهير على مقاومة البيوع،
ومن ناحية أخرى كان يشعر بأن عرب فلسطين ليسوا مستعدين بعد لخوض الكفاح
المسلح، فأخذ في الظاهر يؤيد الجهود السياسية لحل القضية ويعمل سرًّا مع قلة من
الشباب المقربين جدًّا لخلق منظمة سرية مدربة عسكريًّا كانت نواة جيش الجهاد
المقدس الذي قاده عبد القادر الحسيني فيما بعد .
بعد ثورة القسام
واستشهاده عام 1935 تقرر تأسيس اللجنة العربية العليا برئاسته التي تضم الأحزاب
السياسية الفلسطينية، وهكذا دخل المعترك السياسي إلى
جانب المجلس الإسلامي الأعلى، ودعم من خلال المنصب ثورة 36-39 وساعد في توفير
الأسلحة اللازمة، ودعم حركة التطوع العربية ؛ فدخل إلى فلسطين المجاهدون من
كافة الأقطار.
وفي مطلع يوليو
عام 37 قاوم بشدة قرار التقسيم من خلال اللجنة العليا، وعلى إثر ذلك داهمت قوات
الاحتلال البريطاني حي الشيخ جراح في القدس للقبض عليه،
ولكنه التجأ للأقصى المبارك الذي خاف الإنجليز من اقتحامه خوفًا من ردود الفعل
العنيفة فتابع إدارة العمل من داخله.
بعد اغتيال حاكم
اللواء الشمالي إندروز حل المندوب السامي اللجنة العربية، وأقال المفتي واعتبره
المسؤول عن الإرهاب، وضيق الخناق مما اضطره لمغادرة الأقصى والتسلل إلى يافا ثم
لبنان في مركب شراعي فقبضت عليه القوات الفرنسية، ولم
تسلمه للقوات البريطانية، وظل في منفاه يتابع عمله وشؤون فلسطين وزاد من سخط
البريطانيين عليه رفضه للكتاب الأبيض وإصراره على المطالب الفلسطينية العربية.
بعد التقارب
الفرنسي البريطاني هرب سرًّا للعراق، ولحق به عدد من المجاهدين والقادة حتى
أصبحت بغداد مركز ثقل القيادة، ثم اضطر لمغادرة العراق
إلى طهران فتركيا فبلغاريا فألمانيا بعد أن أصبح مطلوباً حيًّا أو ميتاً. مكث
في أوروبا حوالي أربعة أعوام، وطالبت بعض الدول الغربية بمحاكمته كمجرم حرب إلى
أن استطاع الهرب والعودة لمصر ليقود الهيئة العربية العليا مرة أخرى، ويعيد
تنظيم جيش الجهاد المقدس بعد أن قررت الهيئة العربية وجوب العمل على إعداد
الشعب لخوض غمار الكفاح المسلح، وتولى قيادة التجهيز والتنسيق والإمداد بين
المجاهدين، وأنشأ منظمة الشباب الفلسطيني التي انصهرت
فيها منظمات الفتوة الكشافة والشجادة والجوالة ليتم تدريبهم على السلاح.
بعد وقوع كارثة
48 ظل يعمل للدفاع عن القضية، وزادت ضغوط الخيانات العربية عليه حتى اعتُقل في
منزله في القاهرة وشُدّدت حوله المراقبة، ولما خفّت عنه القيود
قليلاً أخذ يقاوم إسكان اللاجئين وأصر على عدم اعتراف العرب بالدولة الصهيونية،
ثم تعاون مع قادة الثورة المصرية عام 52 لنقل الأسلحة سرًّا
إلى سيناء لإمداد العمل الفدائي داخل فلسطين، وفي مطلع
1959 انتقل إلى سوريا ثم إلى لبنان واستأنف فيها جهوده في سبيل هذه القضية وظل
فيها حتى وافته المنية عام 74 فدفن في مقبرة الشهداء بلبنان.
بداية الصفحة
الصفحة الرئيسية للملف