الكفاية و مفاهيمها ( 6 )
تعريف بيير جيلي
إن الكفاية ليست سلوكية في حد ذاتها ، و لكن سلوكيتها تستمدها من النشاط الوظيفي و الهادف الذي يصدر عنها . لذلك فإذا كانت الكفاية تلاحظ بواسطة النشاط النوعي الذي يميزها ، فإنه ليس محرما التفكير في كون الكفاية تتضمن داخل الفرد بشكل واعي أو غير واعي ، عمليات عقلية (باطنية) تمكن من تنظيم و ترتيب أنشطة تستهدف غاية مأمولة .
و في هذا السياق يعرف بيير جيلي P . Gillet الكفاية بكونها " نظام من المعارف المفاهيمية (الذهنية) و المهارية (العملية) التي تنتظم في خطاطات إجرائية ، تمكن في إطار فئة من الوضعيات ، التعرف على المهمة ـ الإشكالية و حلها بنشاط و فاعلية " .
إن ما يضيفه هذا المفهوم للكفاية باعتبارها نشاطا وظيفيا ، ليس فقط تأكيد حضور الذات العارفة بل أيضا حضور الذات ـ الشخصية . و من هنا التمييز الواضح بين الفهم السلوكي للنشاط التربوي على اعتباره نشاطا قابلا للانحلال في أهداف سلوكية و إجرائية و بين الفهم المعرفي ـ الوظيفي . إذ لا توجد كفاية دون هدف ، فإذا كانت الكفاية هي القدرة على تنظيم الحركات و الأعمال الأولية في أفق نشاط اجتماعي ، فإنها تنظيم يوظف النية و القصد ، نية صاحبها الذي يمتلكها . لذلك فإن تشغيل الكفاية حتى في أبسط صورها ، يعتبر مشروعا ، لأنها ليست سلسة من السلوكيات المتلاحقة و المثارة آليا بواسطة المنبهات ، بل إنها سلوكيات إرادية . بطبيعة الحال إن الشخص أثناء العلم و الإنجاز ، يستجيب لمنبهات تخبره بجدوى أفعاله و بمدى ملائمة المراحل للغاية النهائية ، لكنه هو الذي يختار تلك المعلومات قصد ضبط نشاطه ، ويستبعد في نفس الوقت ، الاستجابات التي لا ترتبط بالنشاط الحالي ، مما يضمن الاستمرار الإرادي و الواعي للنشاط ، و هكذا أن نكون أكفاء يعني أن نكون قادرين على تطبيق عدد من الأفعال ذات وظيفة اجتماعية ـ تقنية . و نكون قادرين كذلك ، على العمل و الاستمرار فيه دون أن يشغلنا عنه شاغل . و لا بأس بأن نذكر هنا بأن بعض التوجيهات تتحدث عن " إنجاز العمل إلى نهايته " (رحم الله من عمل عملا و أتقنه) كقيمة أو ككفاية ، لعلها تشكل جوهر كل الكفايات الأخرى . و سنعود مجددا إلى هذا التعريف عند استعراضنا لأبحاث مركز الدراسات البيداغوجية للتجريب و الإرشاد CEPEC على اعتبار أن جيلي Gillet يعد من أبرز نشطاء هذا المركز .
هامش : أخذت هذه المعلومات من كتاب للباحث المغربي د . محمد الدريج ، عنوانه "الكفايات في التعليم ، من أجل تأسيس علمي للمنهاج المندمج " و الكتاب يتطرق إلى مفهوم الكفايات في شتى المجالات و هو جدير بأن يحفظ في الخزانة الشخصية لكل مدرس مغربي و عربي .