لا أعجبَ من مسلمٍ أو فقيه يشكّك في أهمية الآثار وتتبّعها، بل يتوجّس منها خيفة على سلامة المعتقد، وهو يقرأ قول الله تعالى: "أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ؟ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً، وَأَثَارُوا الأَرْضَ، وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا، وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ، فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ." [الروم : 9]؛ "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ، فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ؟ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ، وَأَشَدَّ قُوَّةً، وَآثَاراً فِي الأَرْضِ، فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ." [غافر : 82]؛ "وَعَاداً وَثَمُودَ، وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ، فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ." [العنكبوت : 38]. إلى غير هذه من الآيات الحاثّة على تدبّر آثار الأمم، والنظر فيها، واكتساب الدروس والعبر من التاريخ. وأين مساكن عاد وثمود اليوم التي يمكن أن يتبيّن منها المسلم ما حلّ بهم؟
وكم منّا- نحن لا من الأجانب أو المستشرقين- زار مدائن صالح، على سبيل المثال؟ إنها دعوة إسلاميّة لاستقراء الآثار، والتعلّم منها، والاعتبار بها، بوصفها شواهد تذكير، واتّعاظ، وإيمان، وليس العكس. ولكن هذه المعاني قُلبت قلبًا في مفاهيم بعضٍ، تحت شعار الخوف من الشِّرك، وما أدراك ما الشِّرك! والخوف من الشِّركيّات أمر يُحمد لأهله، وهو غيرة على العقل قبل الدين. ولكن تنقية العقول والقلوب من الشّرك لا تتأتى بطمس الآثار، أو تدميرها، أو الحيلولة دونها، أو الزهد والتزهيد في العنياية بها، ولكن ببثّ الوعي وتغيير الأفكار، لا تغيير الآثار.
الدكتور عبدالله بن أحمد الفَيفي
(عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود)
الأربعاء 16 صفر 1430هـ= 11 فبراير 2009م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحق "الأربعاء"، صحيفة "المدينة"- السعوديّة، الأربعاء 16 صفر 1430هـ= 11 فبراير 2009م
http://al-madina.com/node/104010/arbeaa
|