سَيِّدُ الجِبـال!:2.قصائد:إضبارة د. عبدالله الفـَيفي http://www.alfaify.cjb.net

سَـيِّدُ الجِبـال!

د. عبد الله بن أحمد الفـَيفي

يا سَـيِّدَ الجِبـَالِ يا شَيْخَ الزَّمَنْ!
في هَامِـكَ المُـزُوْنُ مِعراجُ الوَطَنْ! ‏
طافتْ بعَيْنَيْكَ السَّـمَاءُ لَوْحَـةً:
غُصـنًا على نجمٍ على نجمٍ فَـنَنْ
لَوْ أنّ حَرْفًا شِيْلَ منكَ هاهنا ،
تَداعَتِ السَّـماءُ والكَوْنُ ارْجَحَنْ!
زَوَّجْتَ بنتَكَ الثُّرَيَّـا للثَّـرَى؟
سُهيلُ جُـنَّ، قِيْلَ؟ قُلْتَ: واليَمَنْ!
‏* *‏
يا بَسْمَةَ الغَيْمَاتِ في وَجْهِ الذُّرَى
يا نَبْرَةَ التَّحْـنَانِ في الصَّوْتِ الأَغَنْ!
ورَوْضَة ، مِـنَ السَّمــاءِ قِطْعَةٌ
تَضُـمُّ عِطْرَ الغَانِيَـاتِ في بَـدَنْ!
شَـرِبْتُ رَاحَ الأَنـْدَرِيـْنَ كُلَّهـا
ولـَمْ أَذُقْ كَأَنـتِ: جَذْوَةً، وَدَنْ!
تَغَطْرَسِـيْ؛ فلا فُـتُوْنَ في أُنُوْ
ثـَةٍ بـلا لَوْنَـيْنِ ذابـَا مِنْ فِـتَنْ:
فكِبْرِياءُ تَأْسِرُ النُّهَـى، سَمَتْ،
بِرِقَّــةٍ هَمَتْ كَدِيْـمَةِ الدَّجَـنْ!
ولا جَمـَـالَ دُوْنـَمَـا فُحُـوْلَـةٍ
تَلُـوْبُ في أُنُوْثَـةٍ: سَلْوَى، وَمَنْ!
ولا كَمـَالَ دُوْنَمَـا أُنُوْثَـةٍ
تـَذُوْبُ في فُحُوْلَـةٍ، تَثُـوْرُ فَنْ!
أنتِ، وأنتَ، لا أَقُوْلُ: مَنْ هُما؟
وَجْهَانِ في وَجْـهٍ لِطِفْلَةٍ .. وَلَنْ...
‏* *‏
لَوْ مَرَّ في الزَّمَانِ طائرٌ هَوَى
حَطَّ الجَنَاحَ.. وانـْهَوَى طَيْرُ الزَّمَنْ!
ما كُلُّ (بُقْعَةٍ) هُنا صَدْرٌ حَنَـا!
ما كُلُّ (نَـيْدٍ) فيكِ نَهْدٌ مِنْ وَسَنْ!
لَوْ مَرَّ- مَحْضُ "لَوْ"- بخاطِرٍ، إِذَنْ
حـَارَتْ مَـآتِيْهِ وبـَاتَ المُرْتـَهَـنْ!
أَشْعَلْتِ في جَفْنَيْهِ تـَصْهَالَ الصِّبَا!
لَفَحْـتِ مَتْنَيْـهِ بنَخْـوَةِ اليَفَـنْ!
(عُذْرِيَّةً) تَمُــدُّ لِلْعَـانيْ الجَنَى
(عَبْسِيَّةً) عَبَسْتِ في وَجْـهِ المِـحَنْ!
‏* *‏
فارْوِيْ تَبَارِيْحَ الأُلَى صَاغُوا العُلَى
واستَلْهَمُوا الفِرْدَوْسَ في الرُّكْنِ الأَفَنْ!
في المُمْعِنِ التَّيَّاهِ في سَاجِيْ الرُّبَى
وفي السَّحَابِ تَاجُـُها الأَدنَى طَعَنْ!
مَـنْ (دَرَّهُوا) بمـَهْدِ حُلْمٍ شـاعِرٍ
فَلَمْ يَنَمْ إلاّ لِيَصْحُوْ:.. أنتَ مَـنْ؟
فَيْفـَاءُ.. لاسميْ قِصَّـةٌ طَوِيْلَـةٌ
كَقِصَّةِ العَيْنَـيْنِ في سِـفْرِ الحَـزَنْ!
مَنْ فَصَّلُوا فُسْتَانَ عُرْسِـها، ومَنْ
مَباسِـمًا شَقُّوا تَجاعـيدَ الكَـفَنْ!
في كُلِّ (طَوْرٍ) (بَيَّدُوا) خُضْرَ المُنَى
(أَشَاطِـيًا) و(أَحْـيُفًا) خُضْرَ اللَّبَنْ!
مَنْ شَيَّدُوا رُغْمَ الكَفَافِ بالطَّوَى
مَتْنَ الشَّـقَاءِ، كَفَّـهُ الدَّافِيْ المِنَنْ!
واسْتَوْقَفَ الهُوْجَ السِّنِيْنَ صَخْرُهُمْ
بصَبْرِهِـمْ، فانـْجَـاحَ غَدَّارٌ كَمَنْ!
في شَهْقَةِ النَّجْمَاتِ حَطَّ نَسْرُهُمْ،
شُـمَّ المَعَـانِيْ والمَغَـانِيْ والسَّكَنْ!
وَجْـهٌ يَلُـوْحُ في مَرَاغِمِ القُرَى
وهِمَّـةٌ دَارَتْ بأَفْـلاكِ الفِطَــنْ!
‏* *‏
يا رَبَّـةَ الجَمَالِ، سُقْيَاكِ دَمِـيْ!
ومِنْ عَبِيْرِ الرُّوْحِ يَسْـقِيْكِ الجَـنَنْ!
يا حَلْمَةَ الأُوْلُمْبِ، فِيْنُوْسُ فَمِيْ
نَادَتْ: تَعَالَـيْ نَلْعَنُ المَاضِيْ الوَثَـنْ!
هَبَطْـتُ مَهْبِطـًا (محمّد امْعُقَيْـ
ـــصَاءُ) بِهِ ما انْفَكَّ يَعْقِـصُ الأَسَنْ!
يَسْـتَمْطِرُ السَّـمَـاءَ تـَارَةً ، وتَـا
رَةً يُهَـنْدِمُ السـَّـمَـاحَ بالإِحَـنْ!
متى يَؤُوْبُ سَـالِمـًا جَنَاحُـهُ
مِنْ رِحْلَةِ المُقَامِ ، ثَأْرًا أو وَهَـنْ؟
يَبْنِيْ النَّدَى قصائدًا مِنْ فِضَّةِ [م]
النِّسَـاءِ مِنْ عُيُوْنِـهَا تـَبْنِيْ المُدُنْ!
هَلْ أنتِ إلاّ وَرْدَةٌ، فَيْفَاءُ ، مِـنْ
حـَدِيْقَةٍ غَـنَّاءَ طَلْعُـهَا الشَّجَنْ؟!
متى؟ غَدًا؟ سَمِعْتُ نَفْحَةَ مِنَ الـ
ـخَيَـالِ ، ضَجَّ خَيْلُهَا: أَجَلْ! إِذَنْ:
قُلْتُ، وإذْ غَنَّتْكِ في يَدِيْ يَدِيْ
وأَسْـلَمَتْ لَكِ الْتِفَاتـَةَ الرَّسَـنْ:
عَفْوَ المَسَافَاتِ ارْتـَمَتْ بأَضْلُعِيْ،
إنْ عَضَّنِيْ شَـآمُهَا والوَقْتُ جُـنْ!
عُدْتُ،عَدَاكِ الرَّيْبُ، يا تاجَ الدُّنـَى
وكُـلُّ دَرْبٍ ظَاعِنٌ صَوْبَ الوَطَنْ!
‏‏


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(*) في القصيدة استعمال مفردات دارجة في اللهجة الفَيفيّة، وإن كانت فصيحة، لا بُدّ من إيضاحاها، وفيها إشارة أسطوريّة يلزم شرحها، وبيان ذلك كلّه في الآتي:
بُقْعَة: ويكسرون الباء في اللهجة، تُطلق على المحلّة الواسعة من الجبل، وغالباً على المكان المنبسط وسط مرتفعات.
نَيْد: مكان فسيح، مُشْرِف على جهات من الجبل، يكون عادةً مَحَلاًّ يتَنَدَّى فيه الناس ويعقدون لقاءاتهم.
عُذْرِيّة: إشارة إلى بُقْعَة امْعَذَر/ العَذَر، من الجبل الأعلى. وهي من أكثر البُقَع في فَيْفاء شُهرة باتّساعها وخِصبها وجمالها.
عَبْسِِيَّة: إشارة إلى امْعَبْسِيَة/ العَبْسِيَة: اسم أعلى قِمّة في جبال فَيْفاء.
دَرَّهُوا: من دَرَّهَ، أي رَجَّحَ بمهد طفل لينام. والكلمة فصيحة؛ ذلك أن الفعل (دَرَهَ) يعني: دَفَعَ ودَرَأَ.
طَوْر: صخرة هائلة.
بَيَّدُوا: أي استصلحوا أرضًا كانت بيداء/ مواتًا.
الأشاطي: جمعٌ لَهَجِيّ لِشَطّ، ويُطلق على المُدَرَّجة الزراعيّة الواسعة.
أَحْيُف: جمع حَيْفَة، وهي المُدَرَّجة الزراعيّة عمومًا، يجمعونها على حِيَاف، وأَحْيَاف، وحُيُوف، وأَحْيُوْف، وحِيَّف.
محمّد امعقيصاء أو امْحَمْ عُقَيْصَاء: إشارة إلى أسطورة فيفيّة بطلها رجل بهذا الاسم. زعموا أنه كان مباركاً، تستمطر به السماء. وكان له أخٌ يعمل عند جماعة في مزرعة، فزوّدتهم امرأة ذات يوم بالغداء، فلقيها في الطريق، وحين ناولته الإناء، سقطتْ قطرةٌ من عَرَقها عليه. ولمّا أحضر الغداء وَجَد القوم رائحة عطر المرأة فيه، فاتّهموه بها، وتآمروا في قتله. وبعد أيّام من بحث امْحَمْ عُقَيْصَاء عن أخيه قرّر أن يسيح بحثاً عنه. وقيل إنه فكّر في اصطناع جناحين ليطير مستطلعاً أخاه، غير أنه سَقَطَ بفِعل حرارة الشمس، لولا أن الله سخّر له ملائكة رفعته إلى السماء. هنالك قابل أخاه القتيل، فطلب إليه أخوه أنْ يكتفي بالدية. ويُذكر أنه بينا هو هابط إلى الأرض وَقَفَ على موزّعي الأمطار، فطَلَبَ إليهم أن يستّوصوا بزيادة لقسمٍ من بلاده. فحذّروه بأن من الأصلح أن يرضَى بما قدّروه هم، إلاّ أنّ إصراره كان سبباً في خراب تلك البلاد. ولمّا بَلَغَ بئرًا مجاورة لمنزله، ألفَى صَبِيَّةً تَسقي، وهي ابنته، عرفها وهي له منكرة. فدَعَتْه إلى منـزلها، وأعلمتْه أن هناك عرساً في تلك الليلة لأُمّها. فأَخَذ خاتمه فجعله في فم قربة الماء، هديّةً لأمّها. وفي البيت لم يعرفه أحد، ولكن ما أن فتحتْ زوجتُه فم القربة حتى اندلق الخاتم مع الماء، فعرفته، وكتمتْ أمره. ثم حينما حان إنزال قدور العشاء عجز الرجال عن إنزالها؛ فقال لهم: "فقط أعطوني ما يلصق بأسفل القدور من الطعام وأنا أُنزلها لكم!" سَخِرُوا منه، لكنهم وافقوا لطرافة الموقف. إذا به يَمُدُّ يده متناولاً من مكان معلوم له أَوَاقِيَ ليَديه من حرارة القدور، فدهشوا، ثم أنزلها بكلّ يُسر وسهولة. ولمّا فَتَحوا القدور، وجدوا اللحم كلّه قد التصق بقاع القدور. فتأكّد لهم أنه امْحَمْ عُقَيْصَاء وقد عادَ، فانفضّوا هاربين. بعدئذٍ سعَى في طلبِ الدِيَة من قاتل أخيه، حتى لم يبق إلاّ قِسْط، فعَرَضَ عليه أن يختار أحد كبشَين لديه مقابل القسط، غير أن تعلّق أحد الكبشَين بأخيه- لمّا أرادا فصلهما- قد جعل امْحَمْ عُقَيْصَاء ينفعل، متذكّرًا أخاه، فانهال على الرجل طعنًا حتى أرداه. وللحكاية تفاصيل أخرى لا يتّسع المقام لذكرها. (انظر: الفَيفي، عبدالله، "بين أسطورة امْحَمْ عُقَيْسْتَاء في جبال فَيْفاء وأسطورتَي كَلْكَامش وأوديسيوس Odysseus: (قراءة مقارنة)"، مجلّة "الخِطاب الثقافي" المحكّمة، جمعية اللهجات والتراث الشعبي في جامعة الملك سعود بالرياض، العدد الثالث، خريف 1429هـ= 2008م، ص ص 131- 156).

ملحق "الأربعاء"، جريدة "المدينة"، الأربعاء 11 مارس 2009 م= 15 ربيع أول 1430هـ.
http://al-madina.com/node/114390





شكراً لقراءتك هذه القصيدة!

جميع الحقوق محفوظة ©