السرد بالعاميّة:5.لقاءات:إضبارة د.عبدالله الفـَيفي http://alfaify.cjb.net



السرد بالعاميّة


س1) ما سبب اختيار كتاب السرد في الآونة الأخيرة الكتابة بالعامية ؟
ج1) أَرْجَحُ الأسباب: الاستسهال. وليس هذا بغريب فالعاميّة الآن أصبحت لسان العرب، ولغة الثقافة، والإعلام، وحتى التعليم. ما يحدث لا ينفصل عن ثورة تلهيجيّة شاملة.

س2) هل الكتابة السردية العامية تعتبر إضعافاً للغة الأم ( الفصحى ) ؟
ج2) أليست الكتابة السرديّة أدبًا؟ أ وليس ينبغي للأدب أن يرقى بلغته عن لغة الشارع؟ أ وليس الأدب هو محيي اللغة أو مميتها؟ إنْ كانت الإجابة بالنفي، فقلنا: إن الكتابة السرديّة ليست أدبًا، ولا ينبغي أن ترقى بلغتها بل أن تنحط إلى لغة العوامّ، وأن لا علاقة للأدب أصلاً بحياة اللغة ولا حالها، أمكن عندئذ أن نطمئن إلى أن الكتابة السردية العاميّة لا تعدّ إضعافاً للغة الأمّ (الفصحى)، فليصنع الكاتب ما يشاء، وبأي لغةٍ تيسرت لمواهبه، ولو غير عربيّة!

س3) هل كتابة السرد بالعامية قادرة على احتواء الإبداع الأدبي والفكري كما تحتويه الفصحى؟
ج3) لا أعتقد، فالعاميّة محدودة المعجم وبدائيّة في طاقتها التعبيرية والتصويريّة، محصورة تاريخيًّا وجغرافيًّا. العاميّة لغة محليّة لمن يفهمها من الناس، لا لغة عالميّة كالعربيّة الفصحى، وهي ذات رصيد بسيط، وعمر قصير. بل إن الكاتب بهذه اللغة لا يكتب إلا لأهل بلدته فقط، ولمن يعرف لهجتهم من القراء، وربما بعد مدّة لم يعد حتى أهل بلدته يفقهون مفرداته إلا بترجمان.

س4) ما البعد الثقافي والاجتماعي في تجربة كتابة السرد باللغة العامية؟
ج4) هناك بعد ثقافي يتعلّق بإنتاجنا التعليمي، فالتعليم لدينا ضعيف في التربية اللغوية، ثم أصبح اليوم يرى العربيّة ثانوية قياسًا إلى الانجليزيّة، فنشأ جيل لا يعرف من العربيّة إلاّ "التكأكؤ" وأخواتها! ومن جهل شيئًا عاداه، أو، في الأقل، ما قدره حقّ قدره، وفاقد الشيء لا يعطيه. وفي البُعد الاجتماعي، هناك شعبويّة جارفة في كل المجالات، وارتكاس إلى الخصوصيّات والمحليّات الضيّقة، ضارّة أو نافعة، ولا جديد في مجال السرد تحت شمس العاميّات وعصرها!

س5) هل فعلا اللغة الفصحى قاصرة في التعبير وغير مؤثرة مثل العامية؟
ج5) القاصر هو مستعمل اللغة، لا اللغة في ذاتها. والعربيّة مستويات، وليست لغة الشنفرَى وتأبط شرًّا فقط. ثم إن العامّيّة نفسها ليست لغة بعيدة كل البعد عن الفصحى. على أن من يستحق لقب أديب أو كاتب يفترض فيه أن تكون لديه المهارة لفهم هذا الكلام، والكفاءة لاصطناع لغته المؤثّرة وغير القاصرة، ولا المتهافتة أو المبتذلة. لكن- ما دام السؤال عن الكتابات الإلِكترونيّة بخاصّة- فتلك غالبًا لا شأن لها بالقيمة الأدبيّة، كما ينبغي، ولا بما تعنيه كلمة "أدب" من معنى، وإنما هي كتابات أقرب إلى التسلية، ولمتلقٍّ معيّن، ومن هناك فهي لا ترقى لا إلى الأدب بمفهومه المعياريّ، ولا حتى إلى التأثير في اللغة العربيّة سلبًا أو إيجابًا في المدى القريب.

س6) أيهما أكثر قدرة على التطور الكتابة بالفصحى أم بالمحكية؟ وهل يستطيع كاتب السرد بالعامية الانتشار خارج حدوده؟
ج6) العاميّة- كما سبق- عاميّات، حتى داخل البلد الواحد. وعليه، فهي لسان جماعة تطرب للهجتها، فتظن لجهلها أنها قد اختزلت كل جماليات اللغات وبلاغيّاتها. وما أظن لأي عاميّة من تلك العاميّات مستقبلاً، إلاّ إذا تصوّرنا إحداها وقد اكتسحت اللهجات العربيّة كلّها، وورثتْ الفصحى، ومرّت بتاريخ حضاري تطوّريّ طويل وثريّ، كما حدث في العربيّة الفصحى عبر مئات السنين. فإذا تمّ لعاميّة ما ذلك الإنجاز، وتوافرت على ذلك الرصيد، فلنأت بعد ألف عام من الآن لنتساءل عن قدرتها على التطوّر والانتشار! أمّا والحالة ما زالت كما نعلم من وضعية العاميّات، فإن معتنقيها إنما يجنون على أنفسهم وعلى إنتاجهم بارتباطهم بلغة هامشيّة طحلبيّة معوقة. وحجّة بعضهم في دعوى (الواقعيّة) هي بلا معنى، إلاّ معنى واحد، هو أنهم، إضافة إلى تخليّهم عن مسؤوليّاتهم الثقافيّة، لا يعون مفهوم (الواقعيّة في الأدب). وبعيدًا هنا عن التنظير، لننظر إلى السرد بالفصحى لدى نجيب محفوظ مثلاً، أو لدى يوسف زيدان؟ هل عاقته اللغة عن بلوغ التعبير أو الانتشار؟!

* (عضو مجلس الشورى)
aalfaify@yahoo.com

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* من استطلاع أجراه أ. هاني الحجي، ونُشر في "المجلّة العربيّة"، العدد (390) رجب 1430 هـ - يوليو 2009 م.
الاستطلاع كاملاً على الرابط التالي:
http://www.arabicmagazine.com/ArtDetails.aspx?id=670





شكراً لمطالعتك هذه الصفحة!

جميع الحقوق محفوظة ©