العرب من أكثر الأُمم معاناة في قراءة النص!:5.لقاءات:إضبارة د.عبدالله الفـَيفي http://alfaify.cjb.net
د. عبدالله بن أحمد الفَيفي أستاذ الأدب الحديث بجامعة الملك سعود لـ"المجتمع":
العرب من أكثر الأُمم معاناة في قراءة النص!
التقنيات الحديثة تُلهي أكثر ممّا تفيد
والقراءة معادل وعي حضاريّ لا يمتلكه العرب
لا بدّ للمؤسّسة الثقافيّة العربيّة أن تتجاوز انحصارها
بين حدّي الحريّة المغيّبة والإعلام المعلّب..
اعتبر أن تربية الطفل العربي لا تغرس فيه حب القراءة لا في البيت ولا في المدرسة، ويرى د. عبدالله بن أحمد الفَيفي أستاذ الأدب الحديث بجامعة الملك سعود في حواره لـ"المجتمع" أن مستقبل القراءة في العالم سيكون إلكترونيًّا لا ورقيًّا، وشرح في حواره الآليّات التي يجب أن تتبعها الحكومات لتفعيل القراءة في المجتمعات العربيّة.
ـــــــــــــــ
أجرت الحوار: انشراح سعدي
ـــــــــــــــ
* يقول البعض إن نسبة قراءة الفرد في الوطن العربي تزداد تضائلا يوما بعد يوم.. ما رأيك؟
- أعتقد أن مستقبل القراءة في العالم عمومًا سيكون إلِكترونيًّا لا ورقيًّا. فإذا كان الأمر يتعلّق بتضاؤل قراءة المطبوع الورقيّ، فهذا في العالم أجمع، لا في العالم العربي فقط. لأن بإمكان المرء اليوم أن يحصل على مكتبة كاملة في قرصٍ حاسوبيّ، أو يطالعها عبر شبكة الإنترنت. ونحن نشهد كذلك تطوّر الصحافة من عصرها الورقيّ إلى عصرها الإلِكترونيّ، ولا يشكّ المتابع أننا على مشارف انقضاء حقبةٍ وميلاد أخرى، انقضاء حقبة الصحافة الورقيّة وميلاد حقبة الصحافة الإلِكترونيّة. بل إن الصحف الورقيّة نفسها قد باتت صحفًا إلِكترونيّة، وتقلّص حجم مبيعاتها التقليديّة، على نحو يُنذر، إنْ عاجلاً أو آجلاً، ببوار السلعة القديمة، أو انحصارها في نطاق يضيق يومًا بعد يوم. وسيلحق الكتاب بالصحافة في هذا المضمار. أمّا تدنّي نسبة القراءة بأشكالها المختلفة في العالم العربي، فحكاية أخرى.
* لماذا لا تقرأ أمة محمّد صلى الله عليه وسلّم رغم أن أول أية نزلت على سيدنا محمّد عليه الصلاة والسلام هي: "اقرأ بسم ربك الذي خلق ". (العلق)؟
- نعم، أُمّة "اقرأ.. وارقَ" لا تقرأ ولا ترقَى! وعدم قراءتها تراثٌ عريق- منذ مقولة "العِلْم في الصدور لا في السطور"- محفوظ في الذاكرة، مكرور كابرًا عن كابر، دون زيادة ولا نقص ولا نقد. لا بل إن عرب اليوم- ولتردّي علاقتهم المزرية بلغتهم العربيّة، ومأزقهم في ازدواج المنطوق والمقروء- هم من أكثر الأُمّم، إن لم يكونوا أكثرها، معاناة في قراءة النصّ المكتوب، dyslexia. ثم جاءت التقنية الحديثة، من حاسوبيّات، وإنترنت، وقنوات تلفزة، وهواتف جوّالة، لتنقلب في دنيا العرب إلى وسائل شفاهيّة أيضًا، تُلهي أكثر من أن تُفيد، كما كان يمكن أن تفعل. فكيف تقرأ أُمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم وهذه حالها؟! القراءة معادل وعيٍ حضاري.
* لمن تقرأ الفئة القليلة؟
- تقرأ لمن قدّم لها ما لذّ وسهل. ذلك لأن القراءة تربية وثقافة، وتربية الطفل العربي لا تغرس فيه حُبّ القراءة، لا في البيت، ولا في المدرسة. ففي البيت: الأُمّ أُميّة، أو متعلّمة مبرمجة، وفق رؤى محدودة. والأب، إن كان متعلّمًا، لم ير في القراءة إلاّ وسيلةً إلى وظيفة، إنْ هو قرأ بعد نيل شهادة دراسيّة ما، قرأ ما يجترّ من خلاله أطياف مخيّلةٍ خرافيّة، أو قرأ للتسلية وتزجية الوقت. ونماذج المدارس التربوية مستنسخات عن تلك الأُمّ وذلك الأب. وعليه، فأكثر الكتب رواجًا في العالم العربي: الكتب الدينيّة المثيرة- ولاسيما إذا كانت تدور حول الجِنّ والعفاريت وعالمهم- ثم كتب الأدب الشعبيّ، وكتب الطبخ!
* ما هي الآليات التي يجب اعتمادها من أجل تفعيل القراءة؟
- كان يجب أن تكون المناهج المدرسيّة مرغِّبة في القراءة والاطلاع، مشجّعة عليهما، محفّزة إليهما، وأن تنهض التربية والتعليم على تنمية البنية التساؤليّة في الذهن، وإثارة التفكير والخيال وتذوّق الجَمال، لا على تلقين المدوّنات وتحفيظها. أمّا المؤسسة الثقافيّة العربيّة، فلا بُدّ لها- إن أرادت أن تستحقّ اسمها- أن تتجاوز انحصارها بين حدَّي الحُريّة المغيّبة، والإعلام المُعلّب، من أجل بثٍّ ثقافيٍّ جادٍّ وفعلٍ إعلاميٍّ مسؤول.
* هل للبرامج التعليمية دور في أن يكون معدل القراءة 6 دقائق للفرد العربي في العام الواحد مقابل 200 ساعة للفرد في أوربا أو أمريكا؟
- بالتأكيد. فالمدرسة لدينا يغدو الكتابُ فيها عذابًا، يَرسم عن القراءة في وجدان الطفل صورةً كابوسيّة، تُلاحقه منذ نعومة أظفاره، لا يفتكّ منها إلا بِرَمْي كتابه عُرض الشارع بعد الامتحان! فلا الكتاب المدرسي مشوّق، ولا المعلّم يزيد الكتاب إلاّ ثقلاً، ولا للمكتبة المدرسيّة وجود. والنتيجة أن يكره الطفل القراءة وينشأ على ذلك. لذا، لا غرابة أن لا يُنافس نسبةَ الأُميّة منافسٌ في عالمنا العربي، إنْ بمعناها الحرفيّ أو الفكريّ أو الحضاريّ. ولا عجب أن لا يعدو معدّل قراءة المواطن العربي في السنة دقائق معدودة، ولا أنْ تشير إحصائياتٌ إلى أن المعدّل التراكميّ لقراءة الفرد في العالم العربي في عام كامل: رُبع صفحة- للأمانة، قد تزيد أسطرًا أو تنقص!- في حين أن المعدّل العالميّ لقراءة الفرد الواحد يصل إلى أربعة كتب في السنة، وفي أمريكا يصل إلى أحد عشر كتابًا! يَحدث هذا كلّه في عصر جَعَلَ أهلوه يتحدّثون عمّا يُسمّى عِلم "الببليوثرابيا"، أو العلاج بالقراءة. فهل من علاج للقراءة لدينا قبل العلاج بالقراءة؟!