شـهوةُ التِّيـن!:2.قصائد:إضبارة د. عبدالله الفـَيفي http://www.alfaify.cjb.net

شـهوةُ التِّيـن!

أ.د. عبد الله بن أحمد الفـَيفي

أبكِــيْ على مـَنْ يُعزِّيـنيْ
وسَــيْفُهُ بـِيْ يُـمَنِّيـْنِـي‏
صُنْ ماءَ جفنَيكَ ، واسـكُبنيْ
قصــيدةً ، فيكَ تجفـونـي
فلا البكـاءُ شـَفَى أمسـيْ
ولا المُـنَى سـوفَ تَشـفيني
‏* *‏
ضاع المَدَى، تاهَ بيْ خَـطْوِيْ،
واسـتَعْجَمَتْ بِـيْ عناويْـنِي
أَمشـِي كأنِّـي على وَجْـهِي
أَمشِـي لـِمـَا ليـس يَعنيني
سِوَى انتمـائيْ معـيْ وافَـى
غَـيْرُ انتفــائيْ يُوافــيني
صَحْوُ النجـومِ إذا تَزْهُــو
يَزْهُـوْ ويَزْوَرُّ عن عَـيْـني
أَلُـمُّ دُرَّاقَـها حُـضـنـًا
يَلُـوْبُ حـَوْلِـيْ ويَعْـدُوْني
أرَى الأنـامَ هــنا تَمْضِيْ
ولا أرانـيْ أنـا.. أَيْــني؟
نُضْجُ الشـِّـفاهِ عناقـيـد
نـادتْ، فلِـمْ لا تُنـاديني؟
‏* *‏
صـاحَ الصبـاحُ بأطرافـيْ
قُمْ يـا طريحَ الدُّجَى الكَوْني!
انهضْ بحُـلْمٍ على حِـمْـلٍ،
مـاضٍ، وآتٍ ، وذا الحِيـْنِ
حَدَّقـْتُ في صَـوْتِهِ أَجْلُـوْ
رُؤيـا ابنِ يعقوبَ تَجْـلُوني
فَشِـمْتُ بَرْقـًا على بَـرْقٍ
في مُهْـجَـةٍ لا تُـوارِيْـني
رأيـتُ فـيهـا كآثـاريْ
جَمْـرَ النَّدَى في الرَّيـَاحِيْنِ
شـَمَمْتُ تُـربيْ وأتـرابيْ
مِنْ فِتْيـَةٍ كالسَّـراحِـيْنِ
.. انهضْ فِداكَ الأُلَى نامُوا
وثأرُهـُمْ أَلْـفُ ملـيونِ!
تَنُوْشـُهُمْ أَكْلُـبٌ عُقْـرٌ
وهُمْ عِـدًى كالسَّـعادينِ!
افتحْ شَـبابيكَ في شمـسٍ
تُطِـلُّ منـها على نُـوْنِي!
واكتبْ أساطيرَ لا تُـمْحَى
عن قِصَّـةٍ فيكَ تَـطويني!
‏* *‏
- عفوًا ، ففي داخليْ صَوْتٌ
يَسْـتَلُّ صَمْـتيْ ويَحويـني
بكـاءُ ضِحْـكٍ يُناجينيْ:
هل يُنْـبِتُ الدَّمـعُ زيتوني؟!
هل يَحْرُثُ الحَقْلَ إنشاديْ؟!
أو يَحْصُدُ القَمْحَ تلحيـني؟!
‏* *‏
- أوّاهُ ، يـا طَعْنَـةَ المَعْنَى،
أَوْجَعْتِ (جِيْميْ)، فها (سِيني):
هل تُعشـبُ الأرضُ لا مـاء
ثَـمَّ ، وما ثَـمَّ مِن طـِيْنِ؟!
مــاءُ العيـونِ سـحاباتيْ
والرُّوحُ أرضـيْ وجَيْحُـوني
يا ربّمـا أَنْبَتَـتْ عـَـينيْ
رُؤَى النَّـدَى في البسـاتينِ
مِنْ كَـفِّ عقليْ ومِنْ قلبيْ
أَجْـنِيْ غدًا شَـهوةَ التِّيْـنِ
فَرُحْـتُ والرَّاحُ في رُوحيْ
يَجري الشَّـذَى في شراييني!
‏* *‏
- صباحيَ الطفلَ ، يا ذاتـيْ،
بُشراكَ بيْ! عُدْتُ مِنْ دُونـي!
في رحلتيْ، مَن أنا؟ ما اسـميْ؟
فلا اسـمَ لـِيْ فِـيَّ يَعروني!
مِن سِـدرةِ المُنْتَهَـى بدئـيْ
قصـيدتـيْ فلتَكُـونِيْـني!
كُونيْ ، أَكُنْ آخَـرًا غـيريْ
أســـقيهِ حـرفيْ ويسقيني!
ينمو النخيـلُ على صـوتيْ
يَرتـفُّ طَـيريْ الفلسـطيني!
أرويْ الفـُراتَ لَمَى حِـبريْ
فتَنْتَشـيْ صفحـةُ السِّـينِ!
أرميْ شِـباكَ الهَـوَى العُذريْ
ولاّدتـيْ لابـنِ زَيـدونـي!
أبـنيْ المـعـانـيْ نهـاراتٍ
وأهـدمُ العِـيَّ يَـبْـنِيْـني
تَجْـرِيْ الحضـاراتُ في كَفِّيْ
جَـرْيَ النَّـدَى في الأفانـينِ
أمشـيْ وشـبَّابـتيْ تَشـدو
كي يركـضَ اللحـنُ سمفوني
سـفينتيْ أبحـرتْ ، مَـن ليْ
بشَـهوةِ العِـلْمِ للصِّـيْـنِ؟
لا أكـذبُ اللهَ فـي بـالـيْ
خـرائطـيْ كالعَـراجـيـنِ
لا تَـرتقـيْ الآيـةَ العُـليـا
أو تَتَّقِـيْ شُـبهـةَ الدُّونـي
وفـِيَّ مِـن سـندبـاداتـيْ
إيـمـانُ شَـكِّيْ وتخـميـني
والحُـبُّ ، يا فتنتيْ ، شَــطٌّ
يَضُـمُّـنيْ فيـكِ يَغـْذُونـي
.............................
.............................
غَنَّيْـتُ مِنْ نَظْمِ نَبضـاتـيْ،
والقـلبُ عُـوْديْ ، فَغَـنِّيني:
يـا أمَّــتيْ ، لا تُمَـنِّيـنيْ،
تَهَـجَّـئِيْ فيـكِ تكـويـني!
‏‏


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(*) هذه القصيدة جاءت على وزن (الهجيني القصير) المشهور في الشِّعر العاميّ في الجزيرة العربيّة. وهو يوافق مجزوء البسيط، إلاّ أن الحَذَذ– وهو: حذف الوتد المجموع من آخر التفعيلة- يدخل عروضه وضربه، فيصبح وزنه على: (مستفعلن- فاعلن- مستفْ/ مستفعلن- فاعلن- مستفْ). ولم أقف على وزن قصيدتي هذه في شعرٍ فصيح قط، كما لم يَرِد في حالات البسيط لدى العروضيّين. ذلك أن مجزوء البسيط لا يأتي في الشِّعر العربي- حسب العروضيّين- إلاّ على ثلاث أعاريض وخمسة أضرب، هي:
أ- عروض مجزوءة صحيحة (مستفعلن)، ولها ثلاثة أضرب:
1- ضرب مثلها (مستفعلن).
2- ضرب مقطوع (مستفعلْ).
3- ضرب مذيل (مستفعلانْ).
ب- عروض مجزوءة مقطوعة (مستفعلْ)، ولها ضرب مثلها (مستفعلْ).
ج- عروض مجزوءة مقطوعة مخبونة (متفعلْ)، ولها ضرب مثلها (متفعلْ).
وتسمَّى هذه الحالة الأخيرة: (مخلّع البسيط).
ووجدتُ كذلك قطعة كنتُ كتبتها منذ سنوات، على (مجزوء البسيط المحذوذ)، أو ما يسمّى (الهجيني القصير)، هي:

إنْ يَـرَنـي لا أهـواهُ
مُحتمِـلاً مـا ألـقـاهُ
أو بدمـي لا أرويـهِ
يسـبحُ في شفتيْ ماهُ
فليتناءى أو يَنْسَــى
فِيَّ سيرسـُو مرسـاهُ
قد رُفعـتْ كُلُّ الدَّعْوَى
لستُ أنا.. لا.. لـولاهُ!

وفي تقديري أن في هذه الأوزان التي استخدمها شعراء العامّية خيارات إضافيّة يمكن للشِّعر الفصيح أن يسترفدها، ولربما كانت من أوزان قديمة أهملها الخليل بن أحمد في ما أهمل، وبقيت في التراث الشعبيّ، أو أنها اشتقاقات موسيقيّة، تسوغ في الفصيح كما ساغت في العامّيّ. وما كان بي في نظم القصيدة محاكاة الوزن المسمّى (الهجيني القصير)، لكن موسيقاها جاءت هكذا، فتركتها على ما جاءت.
أمّا سناد الحذو في (عَيني، أَيني، كَوني)، فما أرى به بأسًا ولا ثِقَلاً. وهو – كما قال (ابن رشيق) في "العمدة"- "كثير، جائز للعرب"، لكن الطريف إتباع ابن رشيق هذا بقوله: "غير جائز للمولّدين"! وسأعدّ نفسي- يا ابن رشيق- من جُملة العرب الذين كانوا يستجيزونه ويَكثُر في شِعرهم، لا من زمرة المولّدين، فاغفر لي وتجاوز عني، غفر الله لك!


ملحق "الأربعاء"، جريدة "المدينة"، الأربعاء 6 يناير 2010 م= 20 محرَّم 1431هـ.
صفحة PDF





شكراً لقراءتك هذه القصيدة!

جميع الحقوق محفوظة ©