وظيفة:4.مقالات:إضبارة د. عبد الله الفـَيفي http://www.alfaify.cjb.net

Thursday 3nd January,2002 G No.10017 جريدة "الجزيرة"، الطبعة الأولى الخميس 21 رمضان 1422 العدد 10661

مســاقات
وظيفة (الفِكْر) في التجربة الشعْريّة
د.عبدالله الفَيفي

تأتي المحاولة في بحث «الشِّعريّة بين النفس والفكر» في سباق مشروع للحفر وراء المعادلة الدقيقة لطبيعة شعريّة الشِّعر. فقد سبق للكاتب أن راود الموضوع من زوايا أخرى: كالمسافة بين الواقع والخيال، في بحثه:«الصورة البصرية في شعر العميان: دراسة نقدية في الخيال والإبداع، ط. النادي الأدبي بالرياض:1997»، الذي منحته هيئةُ جائزة الشاعر محمد حسن فقي التابعة لمؤسسة يماني الثقافية الخيرية، في دورتها السادسة للعام 2001 بالقاهرة جائزة الإبداع في النقد. وقد جاء في حيثيات استحقاقه إياها أنه أثبت «تهافت الآراء الشائعة التي جعلتْ قول الشعر وفنون التصوير فيه ثمرة من ثمار الثقافة البصرية، كما أثبت أن الأنساق الفكرية والأعراف الاجتماعية والتوليدات اللغوية هي الأقدر على إنتاج الصور الشعرية والأجدر بصياغة التخيل الإبداعي». ثم كان المشروع الثاني هو البحث في المسافة بين الوعي النقدي والموهبة الفنية، في دراسة بعنوان « شعر النقاد(استقراء وصفي للنموذج)، مركز البحوث، كلية الآداب، جامعة الملك سعود:1998 ». ثم ها هنا يتجه البحث إلى قياس المسافة بين الذهن والعاطفة. كل ذلك في مسعى للاقتراب من وعي علميّ بالعملية الإبداعية في الشعر خاصة.
إن التجربة الأدبية بعامة يتعاورها تياران انفعاليان، يتداخلان تداخلاً حميماً في عملية الخلق الفنّي، دون انفصال: الأول تيّار وجدانيّ نفسيّ، والآخر تيار ذهنيّ فكريّ. وفي جنس الشعر حيث تكون «أخلص صورةٍ لتجسيد الأدب»، حسب (تودوروف: الشعرية) يكون التيّار الأول هو الأساسي، وهو الفرع الفعّال أو الانفعاليّ المتكوّن من تفاعل نزعاتنا. حيث يكون نشاطه استثنائياً لدى الشاعر بوصفه فنّاناً، فالشاعر كما يقول( ابن سينا: الشفاء (الطبيعيات:6 النفس)) ممّن «تخلق فيه القوة المتخيّلة شديدة جداً، غالبة». والقياس الشعري حسب(الصفدي: الغيث المسجم في شرح لامية العجم، المجلد الأول:(العروض ونشأة الشعر)): «قول مؤلّف من مقدمات مخيّلة تؤثّر في النفس تأثيراً عجيباً من قبض أو بسط». ولذا يقْدر الشاعر أن يرى الأشياء بدهشة طفوليّة ممتدّة، كأنه ينظر إليها لأول مرة، معتمداً على إحساسه المباشر في الربط بين التجارب والصور ماضيها وراهنها(ينظر: سبندر، ستيفن: الحياة والشاعر). في حين أن التيار الآخر(الذهنيّ الفكريّ) يعد ثانويّاً، من السهل نسبياً تتبعه؛ فهو إلى حدّ ما يتابع نفسه بنفسه، لكنه الأقل أهمية، كما يذهب (رتشاردز: العلم والشعر).
ومن ثم فإن وظيفة (التفكير)، الذي يصحب التجربة الشعرية، إنما هي تنظيم التجربة، فهو «بمثابة ترس مهمّ في آلة، وظيفته أن ينظّم الحركة، بيد أنه بدوره تديره الآلة ذاتها» (م.ن). إنه ترس مهمته ضرورية في الخلق الشعري للسيطرة على القصيدة وعدم الاستسلام التام للانفعالات الوجدانية وقبول كل ما يتبادر إلى الذهن. إلا أنها قد ظلّت المبالغة في أهمية العنصر الفكري عاملاً لإساءة فهم الشعر والتقليل من شأنه(ينظر مثلا: بكار: بناء القصيدة العربية). إن «الشاعر بقوله لا بتفكيره، إنه خالق كلمات، وليس خالق أفكار، وترجع عبقريته كلها إلى الإبداع اللغوي». لا نكران هنا لوجود محتوى للغة الشعرية، ولامعنى لفصل بين الشعر والفكر، لكن لابد لكي يكون النص شعراً من عدم تسليم ذلك المحتوى وحده القيمة الشعرية في القصيدة(ينظر في هذا: كوهن: بنية اللغة الشعرية، ويقارن: أدونيس: الشعرية العربية). كما أنه لابد من أن يخضع المحتوى الفكري لشعرية اللغة الشعرية لا أن يخضع الشعر لنثرية اللغة الفكرية. (وللحديث بقية).





شكراً لقراءتك هذه المقالة !

أنت القارئ رقم :


FastCounter by bCentral

جميع الحقوق محفوظة ©