عن كتابه "الصورة البصرية في شعر العميان" فاز الدكتور عبدالله الفَيفي بجائزة الشاعر محمد حسن فقي التي تمنحها مؤسسة يماني الثقافية الخيرية في فرع نقد الشعر ..
حيث "قدم الكتاب دراسة تعد من الدراسات النقدية المتميزة سواء في طرحها للموضوع، وهو يتسم بالطرافة والجدة، أو في أسلوب المعالجة، أو في النتائج التي توصل إليها الباحث، وقد أثبت تفوق الشعراء العميان علي المبصرين في كثافة تلوين الصورة، وكثافة التلوين البصري، كما استطاع المؤلف - بفضل الجهد الوافر والمنظم في دراسة موضوع الصورة - أن يستدل علي تهاتف الآراء الشائعة التي جعلت قول الشعر وفنون التصوير فيه ثمرة من ثمار الثقافة البصرية والمخزونات الحسية عبر المحاكاة، كما أثبت أن الأنساق الفكرية، والأعراف الاجتماعية، والتوليدات اللغوية، هي الأقدر علي إنتاج الصور الشعرية والأجدر بصياغة التخيل الإبداعي، فضلاً عن اهتمامه بكيفية تشكيل الصورة الفنية وأسبابها ومدي اختلافها عن صور المبصرين" .
وفي القاهرة، حيث تم توزيع الجوائز، التقينا بالدكتور الفيفي الذي يعمل أستاذاً بقسم اللغة العربية بكلية الآداب- جامعة الملك سعود بالرياض، والذي يتعامل بشكل إيجابي مع الشعر -إبداعاً ونقداً- وله عدد من المؤلفات النقدية والدواوين الشعرية، تطرقنا إلي الحالة الشعرية الراهنة في المملكة العربية السعودية، وكذا الحركة النقدية، ولمسنا ظاهرة القصيدة العمودية التي أصابها الترهل وأمراض الشيخوخة، وتوقفنا عند ظاهرة المساحات الشاسعة من الشعر الشعبي التي تتباري الصحف الخليجية في فتحها أمام كل من يدعي أنه يكتب هذا اللون من الفن، وكانت الإجابات صريحة وواضحة بما قد يغضب البعض، و... كان هذا الحوار:
- نود في البداية أن تستعرض للقاريء ملخصاً لموضوع الكتاب الذي نال الجائزة ؟ .
- الكتاب هو "الصورة البصرية في شعر العميان... دراسة نقدية في نظرية الخيال والإبداع"، وهو يحاول أن يبحث قضية التصوير وهل يقوم علي الواقع الحسي، والإدراك الحسي، أم أنه يستقي معينه من التمثل الثقافي أكثر من مجرد الإدراك البصري -بصفة خاصة- أو السمعي، هذه هي الإشكالية التي قام عليها البحث، لذلك حاول أن يقارن بين مجموعة من الشعراء العميان ومجموعة أخري من الشعراء المبصرين، ليبحث هذه القضية .
- أهم الشعراء الذين تناولهم البحث؟
- الشعراء كانوا علي امتداد خريطة الأدب العربي قديمه وحديثه، فقد تناول البحث بشار بن برد، وأبا العلاء المعري، والحصري القيرواني، وعلي بن جبلة "العكوَّك"، والأعمي التطيلي، ومن العصر الحديث عبدالله البردوني الشاعر اليمني المعروف، فهؤلاء كانوا مادة البحث، وكنت طبعاً لا آخذ كل شاعر مكفوف البصر موضوعاً للدراسة، ولكن كانت هناك شروط، ووجدت أن هذه المجموعة هي التي تنطبق عليها شروط البحث .
- نتطرق إلي الحالة الراهنة للشعر العربي بصفة عامة، وفي الخليج بصفة خاصة، المشهد الشعري الآن حافل بالتشابكات بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، كيف تري هذا المشهد الشعرى ؟! .
- أراه بتفاؤل، أنا لست من الذين يغالون في التضييق علي الناس في اتجاهاتهم الفنية، القاعدة تتسع للجميع، ويجب أن يعطي الجميع الفرصة، والجيد هو الذي سيبقي، القصيدة العمودية هي الأصل، وهي تراثنا، وهي القصيدة العربية التي عرفناها، وعرفها الشعر العربي منذ أن كان، ومن حقها أن تبقي، ولكن من حقنا عليها أن تثبت جدارتها بهذا البقاء، ولا تبقي جثة هامدة- والشعر الحديث، بما فيه شعر التفعيلة وما يسمي "قصيدة النثر" أيضاً من حقهما أن يعطيا الفرصة لإثبات الوجود، وإذا كانت قصيدة التفعيلة قد أثبتت وجودها وشعريتها، فإن قصيدة النثر -مع اختلافنا حولها- عليها أن تثبت لنا أنها قادرة علي تعويض عنصر الموسيقي، ولابد أن ننصت إليها وأن نقبلها، وأن نتجادل حولها، ولا أعتقد أن هذا التصور - وجود الحديث ينبغي أن يلغي القديم - تصور سليم ، فالقديم ينبغي أن يعيش مع الجديد ، والجديد ينبغي أن يعطي الفرصة ليعيش مع أسلافه.
- هل توافق علي تسمية القصيدة بـ"قصيدة النثر" ؟ .
- هنا سندخل في مشكلة المصطلح حينما نجمع مصطلحاً ارتبط بالشعر مع مصطلح ارتبط بالنثر عندما نقول "قصيدة النثر"، وأعتقد أن المصطلح لا مُشاحة فيه، ولا ينبغي أن نتجادل حول الكلمات، فكثيراً ما نصطرع حول الكلمة ونترك الجوهر والمحتوي، وما يهمني ليس أن تسمي قصيدة نثر، أو نثراً فنياً، أو نثراً مشعوراً، أو نثيرة، هناك أيضاً مصطلحات أخري بديلة، ليست هذه هي المشكلة، لكن المشكلة الحقيقية في تصوري أن قصيدة النثر، وقد تخلت عن عنصر شعري مهم - ليس في الشعر العربي فقط ، ولكن في الشعر الإنساني ككل وهو عنصر الموسيقي - عليها أن تقنعنا فنياً بأنها قد عوضت هذا النقص الفني بعناصر أخري، فإذا وُفقت في ذلك فلنسمها ما شئنا، أما إذا لم تُوفق ولم نستسغها شعراً، فلن يفيدها شيئاً أن تسمي قصيدة، أو لا تسمي قصيدة .
- القصيدة العمودية في المملكة العربية السعودية-.. في كثير من النماذج التي يتاح لنا الاطلاع عليها، نراها تعاني في كثير منها من الترهل، بمعني أن الشاعر يطيل بلا أدني فائدة أو مبرر، فتبدو القصيدة مساحة من الفراغ الهائل الذي يبعث علي الملل، فهل تري ما نراه؟ .
- نعم.. وأنا قد وقفت في إحدي المرات مع هذه الظاهرة منبهاً إلي أن الجانب الإيقاعي في القصيدة العربية العمودية، يستدرج الشاعر أحياناً بإغرائه الموسيقي إلي أن يأتي بأبيات طرباً لغوياً وشجناً صوتياً دون أن تستدعيها البنية الحقيقية للنص، فهذه ظاهرة موجودة بوضوح، ولكن إذا أردت الإنصاف فنحن كذلك نجد ذلك في شعر التفعيلة، لأن التفعيلة أيضاً مغرية، وربما تكون أكثر إغراءً، وأكثر سهولة من القصيدة العمودية، ففي شعر التفعيلة يتحلل الشاعر من قيد القافية والبيت الطويل المقولب، وأعتقد أنه علي الشاعر أن يكون حذراً ويقظاً وأن يوفق بين المبني والمعني سواء كانت القصيدة عمودية أو تفعيلية .
- ظاهرة أخري تسترعي الانتباه، وهي ظاهرة الشعر الشعبي في الخليج، حيث تفتح الصحف الخليجية عامة والسعودية بوجه خاص صفحات واسعة بشكل يومي أمام هذا الشعر مما أتاح الفرصة لنشر أعمال رديئة وغثة بشكل يدعو إلي دق جرس الإنذار، فما رأيكم؟! .
- ليس لي إلا أن أكون منحازاً في الإجابة عن هذا السؤال، لأنني أنتمي إلي قسم اللغة العربية، وأنتمي إلي القصيدة العربية الفصحي، وألتمس العذر إذا لم تكن إجابتي فيها شيء من الدبلوماسية.
التراث الشعبي سواء كان شعراً أم غير شعر، هو رافد مهم للأدب والفنون بصفة عامة، ولكنني أعتقد أن المفارقة التي نعيشها أن يكون الإنسان متعلماً ويحمل شهادة عالية، ومازال يقول الشعر بلغة الأم والجدة، ونحن نجد كثيرين من شعراء الفصحي يستفيدون من هذا التراث في حين لم يستفد منه شعراء العامية، فهم في معظم شعرهم في واقع الحال لا يستندون إلي هذا الوعي الفني أو النقدي لتوظيف التراث وهذه المعطيات، فمن هذا المنطلق أعتقد أنه برغم هذه الصفحة التي تبدو كبيرة من التراث الشعبي في دول الخليج، لكنها محدودة الجغرافيا ومحدودة التاريخ، بمعني أنها تكتب لفئة محدودة جغرافياً وتاريخياً، وأشك أنها ستعيش وأتمني ألا تعيش، لأن هذا في صالح اللغة الأم التي تجمعنا جميعاً علي امتداد التاريخ والجغرافيا .
- الحركة النقدية في المملكة العربية السعودية؟! .
- الحركة النقدية في بعض الأحيان تبدو متفوقة علي الحركة الشعرية، وإن كنت أري أنها حركة تميل إلي التنظير أكثر من التطبيق، وأود في مستقبل الأيام ـ وأنا واحد من الذين تقع عليهم هذه المسؤولية، وأرجو أن أوفق فيها ـ أن نتجه إلي الدراسات التطبيقية، وإلي الشعر السعودي الحي الذي يهمل ولا يدرس ولا يعطي حقه من التقويم والنقد، بغض النظر عن القيمة، نحن لا ندرس الشعر حباً في الشاعر ولا في شعره، فقد يكون شعرا ضعيفاً، فنحن نقوم بدور يشبه دور الطبيب الذي يعالج الظواهر المرضية والظواهر الصحية بل يعالج الظواهر المرضية أكثر، وعلينا أن نوظف هذا الازدهار النقدي توظيفاً تطبيقياً، بالإضافة إلي التنظير الذي نحتاج إليه بلا شك .
نقلا عن موقع القناة الإخباري
http://www.alqanat.com/stories/m1261101.shtml
|