هل وظيفة الجامعات أن تصبح "مكائن تفريخ" للموظفين والفنّيّين؟
ذلك ما يعتقده سوق العمل وبعض أربابه..
أمّا الأصل في التعليم الجامعي- حسبما نفهمه- فهو أنه نوافذ مشرعة لتلقّي العلم في أي حقل معرفيّ مفيد.. و"الفائدة" هنا تظلّ نسبية، بحسب الزمان والمكان. الأصل أن الجامعة صرح علم، ومركز بحث، ومعقل فكر، وليست رهينة ما يسمّى بسوق العمل. وهكذا هو التعليم في المجتمعات المتقدّمة.
وعليه، فليس من المناسب لوظيفة الجامعة تسيير مخرجاتها وفق حاجات وقتيّة، مهما بدت مهمّة، تقفل بموجبها بعض الأقسام، وتُلغَى بعض التخصّصات، بين عشية وضحاها، بحجة أنها لم تعد تلبّي حاجات التنمية. ليس لأن المتخصّصين في ذلك القسم المقفل، من طلبة وكادر تعليمي، سيذهبون أدراج هذا الإجراء، ولكن أيضًا لأن وظيفة الجامعة هي أسمى وأشمل من تحوّلها إلى مصانع للأيدي العاملة.
نعم، يمكن تشجيع التخصّصات التي يحتاج إليها المجتمع، وذلك حقّ. كما يمكن دعم الحاجات الملحّة لسوق العمل عبر تعليم رديف، من دورات، ودبلومات، ونحوها. أمّا ربط مخرجات التعليم بسوق العمل فتعسّف في الفهم وقصور في النظر.
ما العمل إذن في تلك الأعداد من خريجي التخصّصات النظريّة، ممّن ستزدردهم البطالة، فإذا هم عبء على أنفسهم وعلى المجتمع؟
تلك إشكالية أخرى، تتعلّق بالدارس نفسه، ووعيه بما يريد، وما يهدف إليه بعد التخرّج. إنها قضية ثقافة، وتخطيط، وحبّ للعمل.. قضية وعي وتوعية، يدرك فيها الفتى قبل دخوله إلى الجامعة ماذا يريد وماذا يُراد منه. وعندئذٍ، لسنا في حاجة إلى قفل قسم جامعي في وجهه، ولا حرمانه من تخصص يبتغيه، بل سيسير في تناغم مع حاجاته وحاجات الوطن، لا ضرر ولا ضرار. لكن أنّى نحلم بربط المواطن منذ وقت مبكّر بما يُراد وما يُريد، وشبكات المعلومات، وقواعد البيانات- إن وُجدتْ- عاجزة لدينا حتى عن ربط جهازين حكوميين، كي يقيما درجة أدنى من التنسيق بينهما؟!
تلك هي المعادلة التي تستأهل دراسة جادّة، للخروج بنا من بوتقة التأزم المشهود بين سوق العمل ومخرجات التعليم. بما يكفل للتعليم الجامعي حريّته واستقلاله، ويؤمّن لسوق العمل كوادره المؤهّلة، بالكمّ والكيف المنشودين.
د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي
( عضو مجلس الشورى – الأستاذ بجامعة الملك سعود )
10 شوال 1426هـ
|