لا تقف تجربة منال العويبيل- التي استقرأنا أطرافًا منها في الحلقة السابقة- عند ذلك الحدّ من استخدام التفعيلة في نصوصها النثريّة، بل إنها لتبتكر منها تشكيلات منتظمة، تؤكّد وجاهة أطروحتنا الذاهبة إلى أننا بصدد اكتشاف شكلٍ شِعريّ جديد غير مكتشف من قبل وتسميته، هو: "شِعر النَّثْرِيْلَة". إنها تبتدع تلك التشكيلات وكأنها تصطنع بحرًا وزنيًّا، كثيرًا ما يردفه ترجيعُ تقفية المطلع في القَفلة، بحيث يبدأ المقطع بمطلعٍ نغمي يتردّد في نهاية النصّ، كما في قولها، من نصها بعنوان "أمّا بعدَكَ":
إذْ(1) حُقَّ عَلَى الفُؤَادَينِ الوَدَاع ..
أكانَ لُكُلِّ غُثَاءَاتِ الأمَانِي ..
أيّ دَاع ؟
إذْ حُقـْ/ قعَلَى الـ/ فُؤَادَيـ/ ـنِ الوَدَاع= فاعلْ/ فعِلُن/ فعولن/ فاعلان
أكانَ/ لُكُلِّ/ غُثَاءَا/ تِ الأمَاني= فعولُ/ فعولُ/ فعولن/ فاعلاتن
أيّ دَاع؟= فاعلان
اِمْضِ وَسَامِحْ ..
فإنَّمَا قَلْبِي "مُهَلْهِل" ..
"يَمُتْ لَو يُصَالِحْ!"
اِمْضِ وَسَا/ مِحْ= مستفعلن/ مسـ
فإنَّمَا/ قَلْبِي مُهَلْـ= مُتَفْعِلُن/ مستفعلن
ـهِلٌ يَمتْ/ لو يصالحْ= مُتَفْعِلُن/ فاعلاتن
اِنْتَهَى !
أَقْصَرُ مِن حَبْلِ الكَذِب ..
كَانَ هَذَا "الهَوَى"
اِنْتَهَى != فاعلن
أَقْصَرُ مِن/ حَبْلِ الكَذِب ..= مستعلن/ مستفعلن
كَانَ هَا/ ذا الهَوَى= فاعلن/ فاعلن
كلّمَا أَوْثَقْتُ يَأسِي ..
صَبَوْتُ إِلَيكَ ..
"خُنْتُ نَفْسِي!"
كلّمَا أَوْ/ ثَقْتُ يَأسِي..= فاعلاتن/ فاعلاتن
صَبَوْتُ/ إِلَيكَ ..= فعولُ/ فعولُ
"خُنْتُ نَفْسِي!"= فاعلاتن
وشبيهٌ بهذه التراكيب التنغيميّة القائمة على التقفية يظهر في نصّها بعنوان "مسرح أصابع". ويصحب هذا في ذلك النصّ إيقاعٌ بَصَريّ، من خلال توزيع النصّ على البياض، في مقاطع تتأرجح بين وسط الصفحة ويمناها. إلاّ أن غياب ذلك التركيب التنغيمي عن المقاطع (2، 4، 5، 6)(2) لا تعليل له، لا من حيث البناء الشكليّ ولا الدلاليّ؛ إذ لو عُدّت المقاطع تعبيرًا مسرحيًّا عن حوار أصابع، بين الأنثى وحبيبها، فإن اختفاء ذلك البناء الصوتيّ عن المقاطع المشار إليها لا يمكن فهمه على هذا الأساس. وسنكتفي هنا بعرض المقاطع المنغّمة محلّ الشاهد:
(1)
اُرسمْ يَدِيْ ..
صِلْ خطَّ كفِّكَ بِخُطُوطِي ..
زَكِّ غَدِي !
(3)
كَانَتْ كَفُّكَ لِحَافَ خَدِّي ..
لِمَ نَزَعْتَ الدِّفْءَ فِي بَرْدِ الهَوَى ؟
لِمَاذا..
فَضَحْتَ وَرْدِي؟
(7)
أنبتَ الحُسنُ فيكِ سَاقَي وَرْدٍ ..
ذَاتَ الشِّمَال ..
وَذَاتَ اليَمِينْ
وأزْهرتْ أَصَابِعُكِ بَتَلات عِطْرٍ
لِكَفَّينِ مِنْ يَاسمِينْ ..
قُوْلِي كَيْفَ لا ذَنْبَ لَكِ فِي الغوَايَة ..
وَفَوحُكِ وَحْدَهُ .. فَخُّ حَنِينْ ؟
(8)
أَمُوعُ بَرررد ..
فَتَفْرُكُ يَدَيَّ بيديكَ ..
تُتِيْحُ في الراحتين شَمْس
فَكَيْفَ حِينَ تَـنْفُخُ الدَّفءَ فِيْهَا؟
ذَكِّرْ الصَّيْفَ فِيَّ حِيْنَهَا :
أَمَرَّ الشِّتَاءُ بِبَابِي أَمْس؟!
(9)
حِينَ تَعُود ..
سَأُصافِحُ يَدَيْكَ .. شِمَالَهَا وَاليَمِينْ ..
وسأَعْصُرُ أَصَابِعَكَ الَلاتِي بِمَرَّاتِ الغِيَاب ..
إلى أنْ تَرْتَـدَّ طِينْ
فَأَعْجُنُ يَدَيَّ فِي يَدَيْكَ :
تَبْقَى لَدَيّ ؟
أَوْ نَرْحَلُ أَجْمَعِينْ ؟
(10)
حكّ أَدِيْمَ هَذَا الهَوَى
نُثّ نَدَاه
سَيَصِيْحُ العَاذِلُونَ فِـيْنَـا :
كُفَّا أَذَاه
(11)
اُطْرُقْ بِكَفِّكَ بَاباً لَطَالَمَا انْتَظَرَكَ
كَلَهْفَةٍ على البَرِيد ..
وعَفِّرْ بِالسَّلامِ يَدَيَّ ..
سَتَنْبُتُ حَبِيْبِي فِي سُطُورِ جَبِيْنِكَ ..
أَبْيَاتُ قَصِيد
(12)
مُـدِّي يدكِ ..
فرِّجِي مَا بَيْنَ الأَصَابِع
إِنْ لَمْ تُحِسِّي يَدِي ..
أَقسمِيْ علَيَّ : لَيْسَ بِرَاجِع !
(13)
خُذْ بِيَدِي
اُغْرُسْ تَحْتَ الذِّرَاعِ جَنَاحْ
عَلِّمْنِي كَيْفَ أَطِيرُ فِيْكَ
مِنْ أَقْصَى ذَنْبِكَ لأَدْنَى السَّمَاحْ
أفيصحّ أن تُعدّ تلك النصوص- بكثافتها الموسيقيّة- من قصيدة النثر، ليس إلاّ لأنها لم تلتزم بانتظام القوالب المألوفة في الشِّعر الموزون المقفّى أو في شِعر التفعيلة؟
إنها قصيدة النَّثْرِيْلَة، في تجلّيها المختلف عن: قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر معًا.
[ونواصل].
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) قد تكون الكلمة "إذا" هاهنا، وعندها تكون التفعيلة: (فعولن)، كنظيرتها في السطر الثاني. أو: "إنْ حُقّ"؛ فتبقى على "فَعْلُنْ"، غير أن الدلالة في كلتا الحالتين تصبح ذات بنيةٍ شَرطيّة، بخلاف صيغة "إذْ حُقّ"، وهي الصيغة التي اختارتها الشاعرة، وأكّدتْها حين سؤالها عنها.
(2) الترتيب هنا حسب مخطوطة القصيدة المتلقّاة من الشاعرة، والملحقة بالدراسة الأصل.
23- 2- 2011
aalfaify@yahoo.com
http://khayma.com/faify
....................................................................................................
* ملحق "الأربعاء"، صحيفة "المدينة"- السعوديّة، الأربعاء 20 ربيع الأوّل 1432هـ= 23 فبراير2011م، ص6.
|