الأستاذ الدكتور عبدالله بن أحمد الفَيفي أستاذ جامعي، عضو في مجلس الشورى السعودي، وله مؤلفات في حقول أدبية وثقافية متنوعة، منها النقدي: "حداثة النص الشعري في المملكة العربية السعودية: قراءة نقدية في تحولات المشهد الإبداعي"، و"مفاتيح القصيدة الجاهلية: نحو رؤية نقدية جديدة عبر المكتشفات الحديثة في الآثار والميثولوجيا"، و"نَقْدُ القِيَم: مقارباتٌ تخطيطيّة لمنهاج علميّ جديد"، ومنها الشعري: "إذا ما الليل أغرقني، دار الشريف- الرياض 1990"، و"فيفاء، اتحاد الكتاب العرب- دمشق 2005"، إضافة إلى مخطوطة شعريّة ثالثة، قيد الإعداد للنشر، لم يُحدَّد لها اسم بعد.
استضافه بيت الشعر بمركز زايد للدراسات والبحوث بنادي تراث الإمارات العربيّة المتّحدة، في أبو ظبي، واتحاد كتاب وأدباء الإمارات، في الشارقة، وأجرت معه دبي الثقافية، هذا الحوار، لتُلقي الضوء على تجربته، بادئة بالاستفسار عن مصطلح "النَّثْرِيْلَة"، الذي نحته من مصطلحين: قصيدة النثر، وقصيدة التفعيلة، مكوناته، معياره، وإشكالاته، فقال:
* يتلخص في أمرين:
1- نص ذو إيقاعات غير منضبطة على التفعيلة، فيزدوج فيه النثري بالتفعيلي،
2- يحتفي بالقافية.
وأَعدّه شكلاً جديداً يقع بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر. وإنجازي في هذه المرحلة من مشروعي البحثي وصف هذا الشكل الشِّعريّ غير المسمّى من قبل، لأنه يعدّ عادةً من قصيدة النثر، وليس منها. وهذا دور البحث العلمي، على غرار ما فعله (الخليل بن أحمد الفراهيدي)، حين استقرأ شِعر العرب ليكتشف دوائر العروض ومن خلالها بحور الشِّعر الستة عشر أو الخمسة عشر، أو نازك الملائكة في تنظيرها لشِعر التفعيلة. وقد لفتت نظري إليه بدءًا كتابات شاعرة سعودية ناشئة وفنانة تشكيلية. ولست من المقرّين- في كل حال- بالنهايات الإبداعية، كمصادرة القائلين: إن قصيدة النثر هي نهاية التاريخ الشعري على طريقة (فرانسيس فوكوياما) في قوله بـ"نهاية التاريخ"، أو قول المحافظين "الجُدد" في المقابل: إن القصيدة التناظريّة هي خاتمة الخيول العربيّة.
- كيف تنفي عن ذاتك الشتات بين البحث والشعر ومسؤولياتك الأخرى؟
* لا شتات.. فأنا غير مؤمن أساسًا بالتخصص في المجال الإنساني، وخاصة في الأدب، فحقول المعرفة الإنسانية يُـخصب بعضها بعضاً، وسواقيها تتداخل، والتخصص الصارم في فرعٍ من هذه المنظومة يعود بنوع من العقم حتى على الفرع الدقيق نفسه. فمن الضرورة هنا ملاحظة أن لزوميّة التخصص الدقيق والانعزالي إنما هي في العلوم البحتة. وإن كنّا نعلم كم كان لتنوّع المشارب من ثمار إبداعيّة حتى في مجال العلوم الطبيعية؛ وذلك لتداخل التجربة الإنسانيّة ووحدة المعرفة والعقل. فهل كان سيصبح ابن رشد مثلاً من هو لو أغلق على نفسه باب الاشتغال بالحكمة والطبّ والعقاقير دون الخوض في شؤون الفكر والفلسفة والفقه؟ أمّا مجلس الشورى، فأجده قناة أخرى للمشاركة بالرأي، وبشفافية عزّ أن يمارسها الكاتب أو الأكاديمي في موقع آخر. إلاّ أن الإعلام لا يغطي فعاليات الطرح الثقافي والوطني الذي يثار في المجلس، ولقد طالبت منذ الدورة الشورية الماضيّة بذلك، كما طالبت بقناة ثقافية، فتحققت الأخيرة، وما زالت الأولى، المتعلّقة بعرض جلسات المجلس ومداولاته عبر التلفاز، مباشرة أو مسجّلة، غير متحققة. إنني أرى لذلك مردوده الحيوي- وطنيًّا وثقافيًّا- على المجلس نفسه وعلى المواطنين. ولعلّ التوجّه قادم نحو ذلك.
- ماذا عن وضع المرأة؟
* التركيبة الاجتماعية في السعودية لها خصوصيتها، ولا يمكن تجاهلها تاريخيًّا وإسلاميًّا. موقع المملكة ليس كموقع أي دولة عربيّة أو إسلاميّة أخرى. وإنكار ذلك قفز على الواقع. وما المرأة إلاّ ملمح من منظومة شاملة من القِيَم. غير أني، في الوقت عينه، لا أقرّ تلك المبالغة في ذريعة الخصوصيّات؛ فلا شك أن هناك معوّقات في سبيل عمل المرأة ومشاركتها في الحياة العامة، لا علاقة لها لا بالدِّين ولا بأي تحفّظات معقولة أخرى. بل علاقتها بأعراف بالية وقبليّات مزمنة، الدِّين نفسه منها براء، بل إنما جاء الإسلام كفلسفة بمثابة ثورة على تلك القِيَم العتيقة، ثم التفّت أنساق بعضها على مقاصد الشريعة و"تأسلمت"! لذلك أنا من المنادين بالخروج من نفق تعليق حرمان المرأة من كثير من حقوقها الطبيعيّة بذرائع ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما هي عقابيل أمراض اجتماعيّة جاهليّة الجذور.
الإعلام أصبح تجارة ويسخِّر الثقافة لخدمته
- ما رأيك في البعد التراكمي للرواية والقصة في المشهد السعودي مقارنة بالشعر والمسرح؟
* متلقّي الأدب والفنّ يعتمد اليوم على الإعلام، وللأسف، هناك الآن ما أسميه "أعلمة الثقافة"، أي تسخير الثقافة في خدمة الإعلام، الموجّه أو التجاري، وخدمة العلاقات، الخاصّة أو العامّة. والمفترض أن يحدث العكس، ليخدم الإعلام الثقافة. طبعًا، ما زالت وزارات الإعلام ضاربة بأطنابها في العالم العربي، وما انفكّ إعلامنا مسيّسًا، وهو يستدرج المثقف ليدور في عجلته. من جهة أخرى، الإعلام تجارة، وليس إبداعياً، بالضرورة. ولهذه الأسباب قد تغيب أجناس أدبية لحساب أخرى، وتغيب أسماء أدبيّة وتسلّط الأضواء على سواها. وبذا نظلّ- على سبيل المثال- ندور في ساقية أسماء معيّنة قديمة، بعضها قد مات، أو انتحر، أو اندثر، ولا تبرز المواهب الجيدة الجديدة، من الأجيال التي ولدت في هذه الغابة من المصالح. وهذا ما يجني على حركتَي السرد والشعر معًا. ومن آثار هذا الواقع كذلك أن راجت السرديّات ظاهريًّا على حساب الشعر، ليس لأنها، بالضرورة، أكثر إبداعاً من الشعر، أو تلبّي حاجات استثنائيّة- وإن كان في ذلك بعض الحق أحيانًا، فهو حق يراد به باطل- ولكن لأن السرد أكثر ربحية، وأسهل تناولاً، وأشدّ إثارة جماهيرية للعامّة من القراء. أمّا المسرح، فليس لدينا حراك مسرحي يذكر، مع أهمية المسرح البالغة لمجتمعٍ كمجتمعنا؛ تضيق فيه منافذ الترويح والتثقيف واستقطاب الشباب. فإذا انتقلنا من المؤسسات إلى أفراد الأدباء والكتاب، فإن المشهد الثقافي العربي، ومنه السعودي، يعاني مشكلات كثيرة، لعل أهمها مشكلة الجهل المركـّـب اللغوي والفني، مع أن اللغة مادة الأديب، والأديب كأي حرفيّ مطالب بالتمكن من المادة التي يشتغل عليها، والوعي بأسرارها، وإقامة علاقة إيجابية بين الانتماء والتحديث، لتحمّل مسؤولية الحداثة الواعية والبانية، لا الظاهريّة والعابرة.
رجاء عالم تكتب لقارئ خاص وعبده خال مجتهد ومثابر
- ما رأيك بجائزة البوكر التي حازتها السعودية في دورتين متواليتين؟
* رجاء عالم، تستحق الجائزة، بلا شك. ربما السلبية في تجربتها، من وجهة نظري، أنها تكتب لقارئ خاص جدًّا، قارئ صوفي ربما، يقرأ لغة اللغة، بل قد يبلغ بها الحال أن تبدو كأنها لغير قارئ تكتب. أمـّـا عبده خال، فكاتب مجتهد ومثابر، كرّس حياته للرواية، ووصل إلى ما يستحق من مستوى جيّد. وإن كنتُ آمل أن لا تؤثر حرفة الصحفي فيه- الآخذ بما درج وأثار- على حرفة الروائي.
- سيرتك مع الحياة والكلمة؟
* قرويّ، جباليّ، وجد نفسه شاعرًا، أو هكذا يُقال، ثم اشتغل بالأدب والنقد أكاديميًّا. إلى جانب ذلك يجتهد ليسهم بصوته وقلمه نحو التغيير إلى ما يراه أفضل.
- تجربتك بين الحداثة والأصالة ترغب في التوازن، فهل حققت هذا الهدف؟
* أكتبُ إحساسي، وهو خلاصة نفسي وتجربتي. ثم أترك التقييم للقارئ. غير أن معادلة "الحداثة-الأصالة"، على مستوى الوعي النقدي، أراها حتميّة لأي نتاج قابل للحياة، وليست خيارًا بديلاً عن غيره.
- ما أهم الانزياحات الإبداعية في المشهد الثقافي العربي المعاصر؟
* ما أكثر انزياحاتنا، نحن العرب، وما أقلّ الإبداعيّ منها! لا أسلّم بـ"أفعل التفضيل"، ولاسيّما في مجال الأدب. وعلى افتراض أن لدينا أدوات رصدٍ واستقراء تسهلّ مقاربة سؤال كهذا، فإن نسبيّة العلاقة بين الأجناس الإبداعية من جهة وعلاقتها بالجماهير من جهة أخرى، لا تقبل الجزم بإجابة هاهنا.
- هل لدينا حركة نقدية؟
* لدينا حركة نقديّة، لكن السؤال: أ هي ناضجة وفاعلة؟ يجب الاعتراف بأزمتنا النقديّة، والسبب الغالب وراء ذلك أن النقد الأكاديمي منغلق على نفسه، والنقد الصحفي مسيّر ومتهافت الأدوات، وبينهما أرتال شتى من النَّقَدَة ذوي الاحتياجات الخاصّة جدًّا.
المستقبل للإلكترون لا للورق والقضيّة ليست اختياريّة
- هل أضافت الشبكة العنكبوتية لتجربتك؟ وهل من الممكن الاعتماد عليها بشكل عام مقارنة بالورق؟
* المستقبل للإلكترون لا للورق. والقضيّة لم تعد الاعتماد الاختياري، بل ستغدو التقنية الإلكترونية و"العنكبوتيّة"- مع أنني لا أحب هذا التعريب الغريب!- وعاء المعرفة الأوّل عن قريب. ومن لم يتعايش مع هذا الواقع بعد، فما زال في برج قديم، يلفّه بيت عنكبوتٍ أخرى!
- ما أهم كتاب قرأته وترك أثره البالغ على روحك، ولماذا؟
* على روحي: كتابُ الله. كتاب الله "القرآن" جمالٌ يتجدّد، بقطع النظر عن العاطفة الدينية. أمّا بالمعنى الثقافي، فلم يعد المرء يقرأ كتابًا، بل قضايا، أو تجارب. أعني أن مفهوم الثقافة الآن لم يعد عمومًا يحتمل القول إني قرأت كتابًا ما، فكان له بالغ الأثر عليّ. لماذا؟ لأن الثورة المعرفيّة، وتداخل الآفاق: أدبية، فكرية، فلسفية، يجعل المرء يقرأ كتبًا عدّة وصحفًا ومجلات ومجاميع أدبيّة ومقاربات نقديّة ويعايش مشاهدات متنوعة جملة واحدة. وكلّ تلك شبكة من القراءات المؤثّرة في تشكّل الوعي والروح.
الأدب النسائي غير واضح المعالم بسبب التربية الذكوريّة
- هل ترى بأن هناك أدباً نسائياً؟ ما الأسماء الهامة برأيك؟
* يمكن أن يكون هناك أدب نسائي، غير أنه غير واضح المعالم في تجربتنا العربيّة، بسبب التربيّة الذكوريّة. وأعني بالأدب النسائي: أن يكون للمرأة صوتها المستقل ولغتها وطابع تعبيرها، بحيث تتأنث في كتاباتها البنية الأدبية نفسها. وليس بالمعنى الشائع: أن تهتم الكاتبة بهموم المرأة وشؤون الأسرة، وما إلى ذلك.
- المرأة ضد المرأة؟ أم الرجل ضد الرجل والمرأة معاً؟
* الثقافة ضدّ الاثنين! النساء والرجال ضحايا الثقافة من جهة وضحايا غياب القوانين المنظّمة للعلاقات في الحياة بصفة عامّة.
- ما رأيك بالجوائز الأدبية؟
* حوافز جيّدة، شريطة أن تكون أدبيّة حقًّا، لا مؤدلجة ولا مسيّسة!
اللغة العربيّة مهدّدة وتحتاج منّا إلى يقظة تاريخيّة
- ما توقعاتك للأدب السعودي القادم؟
* اللغة العربية، للأسف، مهدّدة اليوم بعوامل سالبة منها: طغيان الأدب العامّي، دفع التعليم قُدُمًا نحو تقليص أهمية اللغة العربيّة، وذلك لتخريج أيدٍ عاملة، خاوية الفكر واللغة، بل مغتربة في أوطانها، إضافة إلى قيام التقنية والثورة المعلوماتية على تشويه العربيّة وترسيخ غيرها. وهنا يأتي السؤال عن مستقبل الأدب؟ فلكِ في ظلّ هذا التردّي تخيّل مستقبل الأدب العربي، الذي يعدّ حامل الهويّة، وحامي اللغة، ووعاء الشخصيّة الإنسانيّة المستقلّة، في أيّ أمّة تحترم نفسها. ربما كانت لوزارات التعليم والإعلام والثقافة والاتصال في العالم العربي يقظة تاريخيّة آتية، تدفعها إلى ردم هذه الهوّة- التي أراها أحيانًا لا تكاد تسهم إلا في توسيع فوهتها- وعندئذ (فقط) يمكننا التحدث عن مستقبلٍ منشود للأدب.
- هل من فروقات واضحة في الأدب الخليجي؟
* كلاّ! بل لا فروقات تُذكر بين مواطن الأدب العربي عمومًا، عبر دوله السياسيّة. كل التصنيفات والتسميات الحدوديّة بين دول العالم العربي لا علاقة لها بالنصوص الأدبيّة. نعم قد تحضر معطيات بيئية هنا أو مؤثرات اجتماعيّة هناك، حتى في داخل البلد الواحد، لكن أدبنا في النهاية واحد، في جوهر روحه ونسيجه، ناهيك عن لغته وجذوره وهمومه، وإن "تبرقشتْ" ألوان الخارطة.
المرحلة الراهنة تدعونا إلى مراجعة مسلّماتنا الحداثيّة
- أية قصيدة "نثريلة" ترشحها للفوز في جائزة ما؟ ولماذا؟
* ما زلت أبحث! قصيدة "النثريلة" اكتشافٌ لنزوع بريء نحو التعبير الحُرّ. التعبير المنفلت من تقليد الماضي والآخر معًا. ووظيفة العلم، والنقد الأدبي تحديدًا، أن يصف الظواهر، بغض النظر عن الأحكام المعياريّة حول قيمتها أو مستقبلها. على أن بإمكاني أن أشبّه ما يحدث في قصيدة النثريلة بما حدث في الموشّح الأندلسي، من بعض الوجوه. أعني البحث- بوعي أو بلا وعي- عن بدائل إيقاعيّة، بعيدًا عن التعلّق بقطارٍ آخر ذي بريق ونعيق. وكما أشرتُ في بحثي حول هذا الضرب من النصوص: عملي هو اجتهاد متواضع "لكشف اتجاهٍ فنّيّ غير معلن، وتسميته، لمنحه شهادة ميلاده المستقلّة. وهو اتجاه، لو تكاثف وأصبح له رصيده الواسع من التجارب والاستجابات، لأمكن التنبؤ بأن ينتهي إلى فتح بدائل إيقاعية، عن عَروض الخليل وشِعر التفعيلة معًا، لا بنبذ الموسيقى الشِّعْريّة العربيّة، ولكن بالدوران في فلكها، بروحٍ عربية تستعيد بكارتها". وبذا قد يمكننا التنبؤ أيضًا بتجديدٍ ناضج، يتولّد من صميم الرصيد الشعري العربي، لا من خارجه، وبتحديث امتدادي، لا منقطع، ولا مستورد. وحين يتولّد هذا من الإيقاع؛ فلأن الإيقاع اللغوي مكوّن شِعريّ ببنيويّ، ذو علاقة بطبيعة العربية نفسها، صرفيًّا ونحويًّا وأسلوبيًّا وبلاغيًّا، وليس مكوّنًا مضافًا أو خارجيًّا. إن موسيقى الشعر أكثر التحامًا بطبيعة اللغة من أي عنصر آخر. وهل اللغة أصلاً غير تعبير موسيقي؟ ومن ثمّ فإن إعادة صياغة تلك الجينات اللغوية، إيجابًا أو سلبًا، حريٌّ بأن يحدث تغييرًا نوعيًّا، يمسّ البنى الجماليّة الأخرى. أمّا ما سيُفضي إليه هذا المخاض، فمتروك للمستقبل. لقد أمضت تجربة الشِّعر العربيّ الحديثة قرابة ثمانين حولاً أنتجت طوفانًا تجريبيًّا هائلاً من حيث الكَمّ، بين مرسل، وتفعيلي، ونثري، فأي نصّ عبر ذلك التاريخ الطويل- الذي لم يَخْلُ من اغترابٍ واستلاب- نرشّحه للفوز بجائزة عربيّة ما؟ بل أي نصّ من ذلك تحتفظ به الذاكرة العربيّة؟ ثم لنسأل الآن: وهل فجّر ذاك كلّه حالة تغييرية حقيقية واحدة في أيّ مستوى، أم أن بيتًا موزونًا مقفًّى لأبي القاسم الشابي هو ما أحدث ذلك في الشباب العربي الثائر اليوم على ميمياواتنا الخالدة، بما فيها تلك التي تدّعي الحداثة والتنوير؟ هنا يبرز موقع الشِّعر، وفعله الحضاري، وقيمته الوجوديّة، من اللا شِعر، ببروده، وزيفه، و"سرنمته"! والمرحلة الراهنة تدعونا- أكثر من أي وقتٍ مضى- إلى مراجعة مسلّماتنا الحداثيّة الطاغية، وقناعاتنا الفارغة، في الأدب وفي غير الأدب.
|