1. كيف ترى هذا الموضوع وماهي النتائج المتوقعة له ؟
ج1. "من أين لك هذا؟" مبدأ يجب أن يؤخَذ به في إقرار الذِّمّة المالية لموظفي الجهات الحكومية وغير الحكوميّة. ويجب أن يشمل ذلك الحسابات والممتلكات الداخليّة والخارجيّة. وذلك حين يظهر فجأة ما ليس في الممكن أن يكون كسبًا، أو دخلًا، طبيعيًّا. وينبغي أن يكون ذلك نهجًا تلقائيًّا، لا يخدش ذِمم الناس، ولا يثير حفائظهم؛ فالكسب الحلال متاح ومباح ومكفول، ولكن مثل ذلك الإجراء يأتي لإبراء الذِّمّة، وتوفير الشفافيّة الحقوقيّة، وإرساء الثقة الوطنيّة، وهو في مصلحة الموظّف نفسه، أو المسؤول، أو المواطن عمومًا. وهذا نهج إسلاميّ صميم، كما يستوحَى مثلًا من الآية الكريمة: "كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا، قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا؟ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ، إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ". (آل عمران: 37). فاستلهام مبدأ المساءلة واستحياؤه، وتطبيقه على الحاكم والمحكوم، أمر لازم. وذاك هو صمام الأمان من احتمالية الفساد المالي وغير المالي. وتشير صفحة (هيئة مكافحة الفساد) على موقع "الفيس بوك" إلى أن هناك "دراسة لإنشاء قطاع لاقرارات الذّمّة المالية، على أن يتم التعامل مع المشمولين بتبني أسلوب الشراكة والتعاون الطوعي في تنفيذ القانون، مما سيُسهل كثيرًا جعل المسؤول يستشعر المسؤولية الكبيرة، لا بوصفه مخاطبًا، ولكن بوصفه شريكًا في تنفيذ مهمّة وطنية، أُلقيت على الجميع من المقام السامي. إن إقرار الموظف العام بالذمّة المالية يُعَدّ تحصينًا لهذا الموظف في وظيفته من أن يُساءل عن شيء أو تُدار حوله الشبهات. فكما أن من حق كل إنسان أن يتملك بطريقة مشروعة، فليس من حقه استغلال منصبه العام للتنفع أو الكسب أو الثراء." وهذا توجّهٌ رشيد، والمأمول أن يُصبح أكثر شموليّة وصرامة.
2. هل سيكون هناك حد لموضوع الفساد في الجهات الحكومية؟
ج2. ذلك مرهون باتخاذ الآليّات الدقيقة والعادلة في مكافحة الفساد. سيظلّ المجتمع المثاليّ ضربًا من الطموح الخياليّ، لكن اتّخاذ الأسباب كفيل بالحيلولة دون تفشي الفساد واستفحاله في المجتمع بصفةٍ عامّة. وعلينا أن لا ننسى في هذا السياق أن جذور الفساد مجتمعيّة وثقافيّة، أساسًا. وإذا لم تُجتثّ، وتُعالج أسبابها، فلن تُجدي مكافحة الفساد في الإدارات الحكوميّة فقط، إلّا بدرجة جزئيّة وبصفة مؤقّتة. لقد وضعت (منظمة الشفافية الدولية) المملكة في نطاق "الثلاثة من عشرة على مقياس النزاهة والشفافية". وهو مستوى متدنٍ- كما تُقِرّ بذلك هيئة مكافحة الفساد- ومؤسفٌ حقًّا في بلد إسلاميّ، هو منبع الإسلام، ويرفع شعارات رائعة، تربط الإنسان بالله مباشرة، في مراقبة عمله وماله! ما يؤكّد ضرورة بحث الأمر على مستويات أعمق من مجرد الآليات الرقابية الإداريّة، أي في المستويات التربوية والاجتماعيّة كافّة. كما أنه من الضروري جدًّا أن تكون الأنظمة العامّة معلنة، والقوانين بتفاصيلها معروفة للمواطن، في كلّ شأن من شؤون حياته، لكي يعرف ما له وما عليه، ولكيلا تكون ذريعةُ "لا تجريم بغير قانون" متّكأً للتنصّل من المسؤولية؛ حينما تظلّ القوانين والأنظمة والإجراءات العامّة طلاسم، لا يفكّ مغاليقها إلّا ذوو العلم من أهلها، وقد يغفل عنها المواطن أو تُستغلّ ضدّه.
3. كيف ترى تجربة هيئة مكافحة الفساد في هذا الشأن؟
ج3. ما زال عملها في بداياته. ومن الصعب الحكم على أدائها الآن، إنْ كانت قد مارست ما يمكن الحكم عليه. لكننا نأمل لها التوفيق والسداد في أداء ما اؤتمنت عليه. وهي أمانة عظيمة جدًّا، تتعلق بوطن كامل ومواطنيه. التقصير في أدائها يعني تفاقم الفساد، الذي تبدو اليوم محرّضاته وأدواته أخطر من أيّ وقتٍ مضى. وليس الفساد متعلّقًا بالمال فحسب، بل هناك أيضًا من أشكال الفساد ما لا يكون المال- بسيولته المباشرة- ظاهرًا فيها، ويجب أن تخضع بدورها للمكافحة المنشودة. كما أنه من المهم- في رأيي- لهيئة مكافحة الفساد أن تكون لها صلاحيّات مطلقة للحصول على المعلومة، والتحقيق فيها، ومن ثم إحالتها إلى القضاء. أمّا أن يبدو دورها تبليغيًّا، وإحاليًّا، فذلك قد يمثّل ثغرة في محاصرة الفساد، ومن ثَمّ الوصول به إلى المحاسبة والعقاب.
الأستاذ الدكتور عبدالله بن أحمد الفَيفي
15 ربيع الأوّل 1433هـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضمن تحقيق في صحيفة الرياض حول "الذمّة المالية"، أعدّه: جابر المالكي:
* صحيفة "الرياض"، السبت 25/ 2 / 2012م= 3 ربيع الآخر 1433هـ.
|