شوريّات!: إضبارة أ.د.عبدالله الفـَيفي



(مداخلة في مجلس الشورى بشأن دراسة إلزام النساء كافة بالحصول على بطاقة الأحوال المدنية بتأريخ 8 ذي القعدة 1433هـ)


تبدو ثقافتنا ثقافة "المنع" المطلق، أو "الإلزام" المطلق، ولا توسُّط بينهما! وهما أمران أحلاهما مرُّ، وليس فيهما الحل المناسب. وكما ينبغي أن نقف دون "المنع التعسفي"، ينبغي في المقابل أن نقف دون "الإجبار التعسفي"، تحت أي شعار. لهذا (أتحفظ) على توصيات اللجنة بإلزام "جميع" النساء بالحصول على بطاقة الأحوال المدنية، وذلك للأسباب الآتية:
1. لا أرى مسوغات التعديل المعروضة علينا كافية للإلزام. واللجنة لم تقدم دراسة مقنعة، وإنما عرضت سيرورة المعاملة، ثم وصف ما ذهبت إليه اللجنة الوزارية، ومن ثم وافقت اللجنة على ما جاء من الحكومة، دون دراسة وافية أو إضافة على ما سبق. أمَّا الذريعة الأمنية، فأرى فيها مبالغةً وتعميمًا، لا تبرِّر، حسب المقدم في التقرير بين أيدينا، إلزام النساء كافة بما لا يلزم إلّا بعضهن.
2. لسنا بِدْعًا في هذا، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، تثير هذه الأيام قضية ما يراه بعض الحزبيين هناك من الإلزام ببطاقة الهوية الوطنية من أجل الانتخابات، جدلًا واسعًا. وهناك معارضة لهذا من كثيرين؛ لأن هناك من كبار السن وغيرهم ممَّن لا يحتاجون إلى تلك البطاقة في حياتهم اليومية أصلًا، ومع هذا فهم مواطنون، غير منقوصي الحقوق الوطنية.
3. الإلزام الشمولي بالحصول على بطاقة الأحوال المدنية في المملكة، فيما يتعلق بالنساء، فيه تكليف، بلا مسوِّغ، وهو تكليف على الناس عمومًا وعلى الأجهزة المعنية. ولو أن البطاقة (دائمة)، أي لا يلزم تجديدها بين وقت وآخر- كما هو المتبع- لكان الأمر أهون، لكن المرأة ستصبح معلقة بالإلزام بالتجديد أيضًا.
4. الهوية الوطنية للمرأة السعودية مثبته من خلال السجل المدني، ودفاتر العائلات لكل مواطن. إذن، ما الضرورة الآن لإلزام النساء (جميعًا) بالحصول على تلك البطاقة، وفيهن غير الموظفات، بل أكثرهن كذلك؟ ومنهنّ كبيرات السن؟ وهناك مَن هنّ في القُرى النائية، أو البوادي البعيدة؟ وبهذا فكثير منهنّ، إن لم يكن أكثرهنّ، لا تتطلب تعاملاتهن في الحياة العامة الحصول على تلك البطاقة أساسًا؟
5. هناك خلط بين مفهوم "حقّ المرأة"، و"إلزام المرأة". فحق المرأة لا خلاف فيه. أمّا إلزامها بشكلٍ شمولي، وإنْ بدعوى حقّها، فذلك سيصبح ضدّ حقوقها وحريتها في بعض الحالات. وحقوق المرأة تظلّ في النهاية شأنًا ثقافيًّا، أكثر من كونه شأنًا تنظيميًّا. ولذلك فكم من الحاصلات على تلك البطاقات الآن مهضومات الحقوق، بل قد لا يُلتفت إلى بطاقاتهن لدى بعض الجهات الحكومية، ويُطالبن بحضور من يسمَّى وليّ الأمر! فليس الإلزام بالبطاقة هو العلاج السحري هنا، كما قد يصوِّره من يختزل القضايا في شكليَّات، أو يجتزئها في بعض تعقيدات بيروقراطيَّة، هي إنْ لم تضرَّ، لن تنفع، ولن تؤدي إلى الهدف المفترض.
6. إن النصّ على "الإلزام" سيعني قانونيًّا تعريض المواطنة للمخالفة، وللمحاسبة، وربما للمعاقبة حينما لا تلتزم بهذا "الإلزام" الشامل. وسيعني أيضًا تعليق الاعتراف بهويَّة المرأة الوطنية، لعدم وجود تلك البطاقة، وذلك عند أي نقطة تفتيش، أو لوجودها في مكان قد يستدعي مساءلتها عن بطاقتها.
7. لذلك كلّه أرى الإبقاء على نص المادة (67) من نظام الأحوال المدنية الحالي، ولكن مع تعديل، (لا يترك الأمر اختيارياً بإطلاق، ولا يجعله إلزاميًّا بإطلاق)؛ بحيث يُصبح النص في تلك المادة، على النحو الآتي:
"يكون الحصول على بطاقة الهوية الوطنية للنساء حقًّا لمن ترغب في الحصول عليها، وإلزاميًّا لمن تتطلب تعاملاتُهن العامة ضرورة الحصول على تلك البطاقة."

أ.د/ عبدالله بن أحمد الفَيفي
( عضو مجلس الشورى )
الاثنين 8 ذو القعدة 1433هـ



للتعليق على الموضوع: اذهب إلى ساحة نقاش الإضبارة!

شكرًا لاطّلاعك على هذه الصفحة!

جميع الحقوق محفوظة ©