-1-
في الكويت، و«العربي»، كانت لنا أيَّام! أيّام مضيئة، عَبِقَة بالعربي الكويتي الأصيل.
كما شهدتُه في افتتاح الملتقى، كان معالي وزير الإعلام في دولة الكويت، وزير الدولة لشؤون الشباب، الشيخ سلمان الصباح السالم الحمود الصباح- وبصدق- نموذج المسؤول المتدفِّق إنسانيَّة ومحبَّة: دماثةَ أخلاق، وأصالةً عروبيَّة. ليهنأ إعلام الكويت وشبابُها بسلمان!
جاء افتتاح ملتقى مجلَّة «العربي» الثاني عشر، تحت شِعار «الجزيرة والخليج العربي: نصف قرن من النهضة الثقافيَّة»، في الفترة من 4 إلى 6 مارس 2013، في مساء الاثنين 4 مارس 2013، تحت رعاية سمو الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، رئيس مجلس الوزراء، وحضور الشيخ سلمان الصباح. وقد شهد الافتتاحُ حضورَ شخصيَّات من الوزراء والسفراء والدبلوماسيين، منهم وزير الإعلام والثقافة القطري حمد الكواري، ووزير الثقافة اليمني د. عبد الله عوبل منذوق.
من كلمة المكرَّمين والمشاركين، التي شَرُفْتُ بتقديمها:
«...ها هي تي الكويت، كما عهدناها، فنار العروبة والثقافة!
وها هي تي «العربي» المجلَّة، التي تربَّينا على عطاءاتها المعرفيَّة والثقافيَّة والتنويريَّة.
منذ ذلك التاريخ الضارب في الماضي كانت «العربي» أبرز المجلَّات في الخليج. وكانت مرجع المثقفين على تفاوت شرائحهم، من الطفل إلى الأكاديمي.
الكويتُ العربيُّ، والعربيُّ الكويت، منذ أن صحونا على أصوات الفن، والأدب، والثقافة، والطرح العلمي، وهي لا تكفّ عن خطف الأضواء بفتنتها.
تلج إلى القلب وإلى العقل من نوافذ شتَّى، حتى لا تكاد تجد صفحة من صفحات الإبداع ليس للكويت عليها البصمةُ الأبقى، واللمسةُ الأرقى.
منذ أيّام «الكست»، والبث الإذاعي اليتيم، والفيديو، والصحافة الورقيَّة، ووسائل التوزيع والنشر التقليديَّة، كانت الكويتُ بثقافتها حاضرةً في كلّ بيت، فكيف بها الآن؟!
منذ الشاعر فهد العسكر، وشادي الخليج، و«كُفِّي الملامَ وعلِّليني، فالشكُّ أودى باليقينِ»، والأذن تعشق قبل العين دائمًا، والقلب والعقل يتطلَّعان إلى هذا الكوكب الفريد الذي يُرسل أشعَّتَه الساحرةَ من الخليج إلى المحيط.
كنتُ، وأنا طالب في الثانوية، مفتونًا بفهد العسكر، عبر شادي الخليج، وبالتجربة الإنسانيَّة المؤثرة لذلك الشاعر. ولمَّا وضعتُ خطَّة البحث لأطروحة الدكتوراه، تحت عنوان «الصورة البَصَريَّة في شِعر العميان: دراسةٌ نقديَّةٌ في الخيال والإبداع»، كان العسكرُ أحد الشعراء النموذجيِّين المختارين للدراسة، لولا أن مقتضيات المنهج كانت لها وجهةٌ أخرى.
واليوم، نحتفي بـ«نصف قرن من النهضة الثقافيَّة في شِبه الجزيرة العربيَّة والخليج العربي»، لنحتفي بالكويت، فاعلةً طليعيةً في ذلك التاريخ وتلك النهضة.
إن الكويت، في حقيقة الأمر، قارَّةٌ من العطاء النوعي الفارق في الحركة الثقافيَّة العربيَّة. ربما هَيَّأَتْها لذلك، على هذا النحو الاستثنائي، عواملُ المكانِ، وأرصدةِ التاريخِ، وإطلالاتِها الفارهةِ على حضاراتٍ وثقافاتٍ ولغات. ما مَنَحَها التميُّزَ، والانفتاحَ، والتطلُّعَ إلى أرحب الآفاق. فكانت الرائدةَ في حياتنا الخليجيَّةِ والعربيَّة، ضُروبًا من الرِّيادات.
لا أريد أن أستمرّ في التغزّل بالكويت؛ فهي أجمل من كلّ غزلٍ أو مديح. غير أنها كلمةُ حقٍّ في حقولٍ من الإنجازات، تُذكر فتُشكر.
في ملتقانا هذا تُواصل «العربيّ» فتح ملفَّات المشهد الثقافي العربي، من خلال ندواتها الثقافيَّة والفكريَّة التي دَأَبَتْ عليها سنويًّا منذ ما يربو على عقدٍ من السنين. على أن ما يميِّزُ هذا الملتقى تركيزُه، شِبْهُ الأكاديمي، زمانًا ومكانًا، مع انفتاحه على الحِراك الثقافي بألوانه كافَّة. إنه ملتقًى، فيما أحسب، يؤسِّس للثقافة في هذه المنطقة من العالم العربي منطلقاتِها المستقبليَّةَ، في ضوء مراجعة المنجز والتاريخ.
فباسم زملائي الباحثين واسمي نشكر القائمين على هذا الملتقى العلميّ الكبير!
واسمحوا لي أن أختم هذه الكلمة بمثل ما ابتدأت به من رفع التحايا الصادقةِ إلى هذا البلد المضياف الكريم، وأهلِه النبلاء الأكارم، منشِدًا في هذا المساءِ العَبِقِ الجميل:
مساءَ العِطْـرِ والماساتِ والفِـضَّـةْ!
يَسيلُ على هِضَابِ كويتنا الـبَـضَّةْ!
فواكهُ عَبْـقَـرٍ في سِحرِها ائْـتَلَـقَتْ
أَغارُ على ربيعِ شِفاهِها الغَـضَّــةْ!
......................................
وفاتحةٍ لِقـــَوْسَـيْـهـا علـى مُـدُنـِـيْ
فكُلُّ سِهامِــهـا في القَلْـبِ مُنْـقَضَّـةْ
تَجَلَّتْ فَوْقَ عَـرْشِ النُّـوْرِ إِيْـوانــًـا
مَغالِقُ فَجْـرِهِ الفَيَّـاضِ مُـرْفَــضَّــةْ
فمـا أَنـْــفٌ هنـالِـكَ لـم يُـمـَــرِّغْــهُ
ولا رَأْسٌ مِـنَ الظَّلماءِ مـا رَضَّــهْ!
......................................
سَقَتْنِيْ في تضاريسِ الهَوَى وَطَــنًا
وحَرَّرَتِ المَدَى المُحْتَلَّ في وَمْضَةْ
ومـا حُلْـــمٌ بـلا أُنـْـثـــَـى تُــرَبِّــيْـهِ
ولا أُنـْثَــى بـِلا حُلْمٍ غدا نهـْــضَـةْ!
......................................
مساءَ الشِّعرِ والتاريخِ والعَرْضـَـةْ!
وتَصْهَلُ خَيْلُ لَيْليْ الآنَ مُبْيـَـضَّــةْ!
-2-
فاجأني أحد الحضور، وهو يربتُ على كتفي بعد إلقاء الكلمة:
- أستاذ، ما معنى كلمة «بَضَّة»؟! (أجاب عنِّي أحد المجاورين في المقعد: أي «رَخْصَة»!)
- وهل فهمتُ الأولى لأفهم الثانية؟! (كان لسان حاله يقول).
- ما «أَلْقَفَكَ»، يا صاحب «الرَّخْصَة»! قلتُ في نفسي، وقد «بَطَّ» كبدي بفتواه غير البَضَّة ولا الموفَّقة! البَضَّة، يا صاحبي: المرأة الناعمة، المكتنزة، صافية اللون!
-3-
كانت الأبيات مجرَّد تلويحةٍ مقتضبةٍ لتحيَّة الكويت، وهي تستحقّ المطوَّلات، لكنّ المقام ما كان يسمح. وهي على اقتضابها ترتكب قافيةً نَفُورًا، وحسبك بالضاد، التي نُسبت إليها العربيَّة، لصعوبة مخرجها، حتى على العربي الفصيح. كما تَشُطّ خارجةً على بحر وافرها. والوافر هو ما يسمَّى في الشِّعر النبطي- والعياذ بالله!!- (الصخري). ومنه قول الشاعر:
غريب الدار ومْناي التسلِّي * * أَسلِّي خاطري عن حبّ خِلِّي
أقول إن الوافر- في ما أعلم- لم تأتِ عَروضه وضربها التامَّان إلّا مقطوفَين. لا أدري لماذا؟! أمّا الأبيات أعلاه فقد صحَّت عَروضها وضربها. وتلك هي البَضَاضَة! غُفرانك، يا خليل!
تحيَّة مجدّدة «للعربي»، وللقائمين عليها، وعلى رأسهم رُبَّانها النبيل الدكتور سليمان إبراهيم العسكري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تنويه: كتبتُ في المقال السابق: "...آخذين الكلمة- فيما يبدو- من أفواه المصريِّين"، ولا أدري كيف تحوّلتْ العبارة في ما نُشر في (الراي) إلى: "آخذين الكلمة- فيما يبدو- من أفواه المصريِّون"؟ كما لا أدري لماذا فُعِل ذلك؟ ومَن الذي فَعَلَه؟ وأبرأ إلى سيبويه من الرفع للمجرور، نتيجة التدخّل في مقالي بالتغيير!
23/ 3/ 2013
p.alfaify@gmail.com
http://khayma.com/faify
|
....................................................................................................
* صحيفة «الراي» الكويتية، العدد 12315، ، الأربعاء 20 مارس 2013، ص31.
http://www.alraimedia.com/Resources/PdfPages/AlRAI/E7669B7A-8DA5-40AD-8DA4-C975C7329C51/P31.pdf
http://www.alraimedia.com/Article.aspx?id=422001&date=20032013
|