فيفاء:2.قصائد:إضبارة د. عبدالله الفـَيفي

         فيفاء


                د. عبد الله الفـَيْـفي

فيفــاءُ، يا فَلـَكَ الخَـيالِ الأَبـْعـَدا

"مــا أطيبَ الحَجَرَ الفـَتـَى" مـتلألئاً

ما ضـمّني بَـلَدٌ ولا ضَـامَ الـنَّـوَى

قالوا: " هـي الأوطانُ مهما تَجْـفُـنا "

لا جفـوةٌ يُخـْشـَى تغــوُّلُـها ، ولا

طـَـوْدٌ بـهِ اللهُ يُثـَبـِّتُ أرضــَـهُ

شــمـّاخـةٌ فيهِ الحصونُ ، كأهلِهِ،

أخلاقُـهُ الجـبلُ المُنـِيْـفُ ، وهل دَنـا

شَـمَمُ الجـبالِ منَ الرجـالِ، ولا يُـرَى

ولأنتِ أنتِ ، وراحـتـاكِ مواســـمٌ

ومواسمُ الهِمَمِ الشـَّواهـق طَـلْـعُـها

فـي كل "رَيـْدٍ" بـارقٌ متهــلِّــلٌ

وكذا الحـرائرُ : فـتـنةً ، وحـصانـةً،

* * *

فيفــاءُ، يا كـأسَ النَّدامـَى إنْ هُــمُ

مُـدِّي جناحـَـــكِ، حَلِّقي رَيَّانـَـةً

فعـقابـُكِ الشـاهـينُ يصطادُ السُّـهَـا

( عبسـيّةً ) عَبَسَـتْ على قَـيْدِ الثَّرَى,

سَــيَّافُـها كــاذٌ تبَســَّم بَرْقُـهُ

"هُـزَّابـُها" هـَزَمَ العزائمَ مـُصـْبـِحاً

من "حَقْوِها" لشِـعافها رَشَـفَ الضـِّيـاءُ

لم يُلْـقَ فيها جَحْـفَلٌ مـِن أنـجــُـمٍ

جُـنْدُ الجَـمالِ ، كـتائباً بكـتـائـبٍ،

* * *

يـا غادةً حَلُمَتْ فغادرَ حُـلـْمـُهـــا

لَفَّـتْ "مـِحَـنَّـتَها"، قوافـيَ من دمي،

بجـديلـةٍ من شـَعْرها عَـبِثَ الـدُّجـَى

لتثورَ في ربواتهـا "وَطَــفُ" الضُّــحَى

بُـنِّـيَّةَ النـَّجْوَى ، على أهـدابـِهــا

من عـَرْفِ فـَوْدَيْـها تـَنَـفَّسَ شـارقٌ

فـي صيفها بردُ الشِّتاءِ، شتاؤهـــا

حُلُمي هنالكَ غـَيمـتـانِ بصَـدْرِهـا،

وتـُسـبِّحُ الأنــواءُ من أعـطافِـهـا،

* * *

يا مَـن يُرى فيهـا الـمُـحـَالُ حقـيقةً

أهـْـمـِي عليـكِ مَحبَّةً لا يمــَّحـي

عُوْدِي إلـيَّ مـن الأســاطــيرِ التي

"كـثـَبَغـْـطِرٍ" تهفـو بقايا رِيْـشـِـهِ

عُوْدِي كما كنتِ، كـمـا لـم تُعْـرفـي

واسـتنطقـي "فينوسَ" أيـــّامٍ خَلتْ

ولَكَمْ جَنَى"حُسْـنُ الـحضارةِ"!، أين من

* * *

دارتْ تـُفَـتـِّشُ أُمـُّنـا عـن أُمـِّهـا

عِـرْقٌ شـَربتـمْ منه كـأسـاً واحـداً

أَيـُهَـدُّ بيـتٌ من مـدادِ قـلوبكـمْ

أَتروح كـلُّ "عَسِـيْفَةٍ" فـي غِـيلــها

أَتـُـدارُ أحــلامـي وآلامــي ولا

سـألتْ عَطَـا.. سـألتْ عُـبَيْداً.. مالِكاً

وتأوبُ وَحـْشَـى، فالحناجِـرُ أعـيـنٌ

* * *

ما ردَّ مَجْـدَكَ – يا زمـانُ - تـذكُّـرٌ

لكـنَّ لـيْ بمـَدارِ تـَهْيـامي صـَـبـًا

لِغَـدٍ سَـيُثـْمرُ سـَقـْفُهُ من فِضـَّة الـ

بُـني الجـِبــالُ من الحـجارةِ ، بينما

(جـمّانُ) يَنْبـُتُ فيه من رَحِـمِ الثـَّرَى

يَنْمُو (سَـرِيـاًّ)، فالصـواعقُ صَــنْعـَةٌ

ألَـقٌ هنالكَ شــاهقٌ يـَشـْـتَـفـُّني

أسـتقرئُ الأيــَّامَ في صَـدْري وفــي

عَطَـشي على التـَّرحال يفـْتِكُ بي هـنا

رُدِّي صِـبايَ، صِـباكِ فـيَّ، صَــبابتي،

ولتغـْفري بُعْـديْ القريـبَ، وتغـفـري

صَوْتِـيْ على متـنِ الوَنـَى يســريْ إلى

* * *

فيفــاءُ ، يا بـئرَ المعـانـي الـمُفـْرَدا

لغـةُ الرجـوعِ إليكِ أُنثى، خَـطُّ هــا

ليستْ تنـامُ ، ولا أنــامُ ، وكيف لـيْ

أرهـقـتِ بـازَ الشـِّعْرِ في تحليـقــهِ

فالـلهُ قد نـَظَمَ الجَمَالَ، قـصــائـداً

أُلْقِـيـْكِ فـي هامِ الأثيرِ قـصــيـدةً

وأقولُ – تَرْحَلُ بـي طُـيُوبُ حضورها-

تَعِـبَ الفـؤادُ إلـيكِ ، يا بلقـيـسَـهُ،

عفواً، أنـا ما عـاد صـوتي فـي يـدي

كمْ قُـلْـتُ إنـِّـي شـَاعرٌ ومُصـَـوِّرٌ

فـعرفتُ حَجمَ قصيدتـي بقـصـيدتـي

* * *

فيفـاء، كـلّ ثـرى العـروبـةِ مُوْحِـلٌ

إني سـألـتكِ.. تأكـلُ الفوضـى يـدي























 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وهـَوًى يسـافرُ في جناحَيهِ الـمـَدَى!

بالحُـلْمِ صَحْواً والخـُرافَةِ مـَشـْهَدا!

إلا وجـَـدْتُ شـَذاكِ فيَّ مُجَــدّدا

وأقولُ، يا وطني:" فديتـُك، سَــيِّدا! "

يومـاً حفلتِ بمَن جَـفَا أو هـَــدَّدا

من أنْ تميدَ، وجَلَّ ذاكَ مُـوَطّـــدا!

من رامَهُ رامَ السـَّـماحـةَ والنــَّدَى

جبلٌ يُعاتبُ من ذُراهُ الفَــدْفَــدا؟!

شــَمـَمٌ يُجـاورُ في الرجالِ تـَرَدُّدا!

للحُبِّ تـَذروهُ الحِـياضُ زَبَـرْجـَدا

قـِمَـمٌ تـُـراودُ في ثراها الفـَرْقـَدا!

ناجــَى على كَـتِفِ التنائـفِ مُرْعِدا!

وفطـانةً ، وصِيانــةً ، وتـَصَـيـُّدا!

* * *

ظَـمِئُـوا لِدَنِّكِ أكؤساً أو أكْـبُـدا!

بطموحِكِ الوَثــَّابِ، حُـجِّي الأَمْجَدا!

وعقـابـُكِ الإنسانُ يصطـادُ العِـدَى!

فتحَرَّرتْ، وأتـَى الزمانُ مُـقَــيَّـدا!

ورَصاصُها عِنـَبُ الفـُتُونِ تـَعـَنْـقَدا!

وجَنَى القلوبَ "بُـعَـيْـثِرَانٌ" مُسْـئِدَا!

ظـِلالـَها راحـاً.. وراحَ أو اغـْتـَدَى

إلاّ بهِ لُـقـِـيَتْ جَحَـافلُ مـن رَدَى!

والـلهُ كـمْ وَهـَبَ الجَمَالَ وجـَـنَّدا!

* * *

"نـَيْداً" تـَدانـَى أو"حَبـِيْلاً" مُصْعِـدا

عَرَفـَتْ مَحَـبَّـتَها فـسَاقـَتْني الصَّدَى!

والشـمـسُ أرْخـَتْ بينَ نَهْدَيْها اليَـدَا

تـَحـْسُو نـُضاراً صـافياً وزُمُــرُّدا

رَفـَّتْ طيورٌ فاسـتحالتْ أنـْجُـــدا

وعلى خـمـيـلـةِ شـادنـَيهـا وَرَّدا

دِفْءُ العُــيُونِ الناشِـراتِ المُلْـحَـدا

تتـلاثمـانِ وتُبْرِمـانِ الـمَـوعـِــدا!

نـَوْءًا "يُحَوِّم" إثـْرَ نـَوْءٍ "مـَغـْرَدَا"!

* * *

وتدورُ في يـدهـا الهـُنَيْهَـةُ سَـرْمـَدا

حِـنـَّاؤها، وأصوغُ جِيْدَكِ عـَسْـجَدا

"زَرْكَـشْـتِ" نَسـْجَ خيوطِها ليْ مَعْهَدا

من ذِمـَّةِ الذِّكْرى خـيـالاً مِـنْ نـَدَى

إلاّ وَقـَدُّكِ كالأريــْــجِ تـَــأَوُّدا

نـَحَـتَتْ بهـاءَكِ للأنوثـةِ مَحـْتِـدا

عَيْنيَّ حُـسْـنُ حضارةٍ جـاءتْ غَـدَا!

* * *

فـينـا وتَحْـفِـرُ في بقايـانا سـُدَى!

كـيف اسـتـدارَ تـَحَدُّداً وتـَعَدُّدا ؟!

شيَّـدتُمُ؟ فلبئـس بيتٌ شـُـيـِّـدا!

جَـذْلَى وسَبْعُ الغِـيلِ عـنـهُ تـَشَرَّدا‍‍!

يَبـْكِـي علـيَّ سوايَ فِـيَّ مُسَـهَّـدا

أَسَفي عَلَـيَّ- بَنِـيَّ- أَيـُّكُمُ الفـِدَى؟‍!

عمـيـاءُ تلتـهمُ الفـراغَ الـمُوْصـَدا

* * *

أو جَـدَّ أمـرُكَ - يا مكانُ - تـَوَجُّدا!

تـُعـْلي جناحَ الحـُلْم، قمْحيَّ الـنـِّدا

آمـاسِ صُبْحاً يافعـًا خـَضِـلَ الـرِّدَا

جبلي بأحـجارِ الرِّجـالِ تَـمـَــرَّدا!

والآبـَنـُوسُ سَرِيْـرُهُ ، حَقْـلاً بـَـدَا

فـي كـَفّـِهِ ، قـَدُّوْمـَهُ والـمِـبْرَدا!

فـأدورُ في رئـَةِ الزَّمـانِ تـنـهـُّـدا!

صَـبْـري غُـبَـارُ كـتابِها ، متَوَحـِّدا

وإليكِ يا أمَلي شـربـتُ الأَفــْـؤُدا!

واسـتقبلي كاليـومِ أمـسي الأغـْيـَدا

قُربيْ البـَعـِيدَ ، ومرتقــايَ الأعْـنَدا!

أُذنَـيْكِ- أُمـِّي- فامنحـيـهِ الـمَوْلِدا!

* * *

ومَـعِـيْـنَ شـَوْقٍ بالحروفِ تـَوَقَّـدا

تـفـها بخـَطِّ العُـمْرِ فـيَّ مُـغـَرِّدا

لو نامَ جـوّالُ الهـَوَى أنْ أُنـْشِـدا؟!

من حيثُ جـاءكِ كان شِـعْـرُكِ أَجْوَدا!

أُوْلـَى ، وكُـلُّ الشــِّعْر جاءَ مُقَلـِّدا

كـحفـيفِ ثوبِ عروسةٍ دافـي الصَّدَى

يـا أنـتِ ، أسْلمْتُ إلـيكِ الـمِقـْوَدا‍

فأتـى يفـتّشُ عَنْكِ عرشَكِ، هـُدْهُـدا

بُـهِـتَ البـيــانُ بأحرفي وتـَبَلـَّدا!

حتى انْـتَحـَلْـتُكِ، عامداً مُـتَعـَمِّـدا

يا رَوْعَةَ الشـِّعْر الذي لن يُـقـْصـَدا !

* * *

هـلاّ وهـبتِ ثـراي نجـماً يُهـتدى؟!

وأضـمّ من تَعَـبي على تَعَـبي الـيـَدا!


26 ربيع الآخر 1424هـ= 26 يونية 2003م

مرفق: أغنية "اشتقت للديرة"، للفنان صالح خيري، وفيها من أجواء فَيفاء ومفردات تلك الهضاب الكثير.



شكراً لقراءتك هذه القصيدة!

جميع الحقوق محفوظة ©