-1-
مهرجان "القلب الشاعري"- الذي أقامته (منظمة سوكا جاكاي الدولية- فرع الخليج العربي) للعام الرابع على التوالي، في مدينة دُبي (الإمارات العربيَّة المتَّحدة)، خلال الفترة من السبت 7 فبراير إلى الأحد 8 فبراير 2015- ليس مجرد ملتقى لإلقاء الشِّعر، ولكنه، كما يعرِّف بفعاليّاته، وسيلة للتعبير عن جوهر القِيَم الإنسانية الأساس، من تناغمٍ إنسانيٍّ وعدالةٍ وسلام. وقد جاء مبادرةً من (سوكا جاكاي الدوليَّة)، بدأت عام 2011، بدعمٍ من الأديب المعروف (الدكتور شهاب غانم) و(قرية دُبي للمعرفة)، وتطوَّرت الفكرة إلى ملتقى سنويٍّ للشِّعر. وهو يجمع بين العديد من الشعراء المعروفين من شتَّى أقطار العالم، إلى جانب الشعراء الناشئين والطلبة، على منبرٍ واحد.
واستكمالًا لما أوردته في المقال السابق، فقد كانت قصيدتي الثانية في المهرجان "صوت القادم من سواد الأسئلة". وهي تميل إلى التعبير عن الهمّ العربي، الذي لا ينفصل عن الهمّ الإنساني العامّ، ودَور الكلمة في إضاءة بعض الشموع، وإن لم تُعْفِ الظلامَ من أنْ تلعنه. وكنتُ قد كتبتُ القصيدة قبل عشرين سنة، عام 1995، وكأنها جاءت تنبُّؤًا بسواد (داعش) اليوم، وأضرابها من الدواعش شمالًا وجنوبًا.
-2-
صوت القادم من سواد الأسئلة
سـاهِـرٌ واللَّيـلُ فـي جَـفْـنَـيْــهِ نَـامْ
** وتَنَامـَى في صَدَى الصَّمْـتِ الكَـلامْ!
يَسْـتَـعِـيْدُ الـرِّيْـحَ أَشـواقـًا مَـشَـتْ
** سِـلْـكَ يـاقُـوتٍ وأَحـجـارٍ وَجَـامْ
فـي سُـرَى الذِّكْرَى تنَاغَـى طَـيْـرُها
** هَـمْـسَــةً حَـرَّى وأَشجـانـًا تُــؤَامْ
يَـتَــمـَـلَّاهـــا .. تـَمـَـلَّاهُ : هَـــوًى
** أو جَـوًى يَـكْـوِيْ مَصاريـعَ العِظَـامْ!
........................................................
قــالَ فـي بَـيْـدَرِهـا الظَّامـي : أَنــا،
** مـَن أَنا؟ يا أَنْتِ، يـا هذا الزِّحَــامْ؟
تَـرْتَقِـي بِـي فـي ذُرَى الأَعـوامِ تَهْـــ
** ــفُو تُـنـادِيْـنِـي علـى البُـعْـدِ سَـلامْ
طَـوَّقَـتْـنِــيْ مِـن بَـقـايــاكِ مُــنًـى
** لـم تَـجِـدْ بَعْـدُ مَطايـاهـا العِـظــامْ
وطَـوَتْـنِـــيْ فـي مَـرايـــاكِ رُؤًى
** عَـذْبــَــةٌ كـانــتْ مَــراراتٍ زُؤَامْ
وتَـصَـبَّـتـْنـِيْ بِعَــيْـنَـيْـكِ صُــوًى
** جَدَّفَـتْ صَـوْبَ مَـجالِـيْـهـا الـرِّهَـامْ
أَطْـرَبَـتْـنِــيْ .. أَرَّقَـتْـنِــيْ .. وطَـوَتْ
** فـي سِجـِلِّ النَّـفْسِ أَصْـداءَ اليَـمـامْ!
........................................................
هِـيَ دُنـْـيَـــا مِـن بَـقَـايـَـايَ دَنـَتْ
** ومَـطَـلٌّ لِـلْـغَــدِ الآتِــيْ الـضِّـرامْ!
* * *
هـكـذا الـتَـفَّـتْ مَـدَارَاتُ الـدُّنـَـى
** فـي مَـدَارِ اللَّـيْـلِ أَمـْـشَاجـًا تُـسَـامْ
لَـيْـلَـــةٌ واحِــدةٌ قــد لـَـبِـسَــتْ
** مِـن لَيالِـي العُمْـرِ فــيهـا أَلـْفَ عـامْ!
وهَـلِ العُـمْـرُ سِـوَى لَـيْـلٍ هَـمَـى
** أو سِـوَى لَـيْـلٍ تَـوَلَّـى كَـالجَــهَـامْ؟!
قـد يَـظَـلُّ الفَجْـرُ طِـفْـلًا ضَـارِعـًـا
** مُـشْـرَئِـبَّ الثَّـغْــرِ لِلنَّـهْـدِ الفِـطــامْ
دَرَّ فـي وَعْــدِ الـخَــبــايــا دَرُّهــا
** سـاعــةٌ رَوَّتْـــهُ أَلْــبَــانَ الـغَــرامْ
فـإذا الـنُّـوْرُ بِـنـا يَـنْــدَاحُ كـالـــــ
** ــلَّثْـغَـةِ الأُوْلـَى .. شَآبِـيْـبـًا سِـجـَامْ
تـَزْرَعُ الـرَّمْـلَ نَـهـَـــاراتٍ سَــرَتْ
** فـي عُـرُوْقِ الـلَّـيْـلِ آمَـادَ الـظَّـلامْ!
........................................................
هُـوَ حُـلْـمٌ أَيـْـقَـظَـتْــنِـيْ نَـفْـحَــةٌ
** مِـنـهُ يَـقْـظَـى بَـيـْنَ أحْـــلامٍ نِـيَـامْ
* * *
سـاهـرًا واللَّيْـلُ فـي جَـفْـنِـيْ يَـنامْ
** يـَـتَـسَـجَّـى مِـن دَمِـيْ سَـيْـفًا كَـهَـامْ
مِـن دَمِـيْ الدَّافِـي الْـ تَـشَظَّـى وَرْدَةً
** مِـلْءَ أَفـواهِ قَـوافـيـنــا الـحُـطَـامْ
مِـلْءَ هـذا السَّـهْـبِ مِنْ غَـيْـهَـبِـنا
** مِـلْءَ أَثـْـداءِ السَّـبـايـا فـي الخِـيـَامْ
سَـيَـصُـوْلُ الـوَقْـتُ مِـنْـهـا مِــلْأَهُ
** سـَـيَـرُدُّ الخـَيـْـلَ إِصْـبَـاحُ الـقَـتَـامْ
سَـيَـشُـــدُّ الـكَــرَّةَ الـبـِكْــرَ غَــدٌ
** سَـيُـرَوِّيْ الـسَّـلَّـةَ الـنَّـشْوَى حُسَـامْ!
........................................................
يَـوْمَها فَلْـيَـهْـنَ جَفْـنَـيْـكَ الكَـرَى
** نـِيْـمَــةَ الطِّـفْـلِ وأَحـلامَ الحـَـمَـامْ!
* * *
سـاهِــرٌ يَـذْبَـحُـهُ صَمْـتُ الـنِّـيَـامْ
** مـا عَلَـيْـهِ ؟! جَـرَّ سِـكِّـيْنَ الكَـلامْ!
حَــزَّ فـي مــاءِ الـوَرِيـْــدِ حَـــزَّةً
** أَوْشَكَـتْ تُـوْقِـظُ أَنْـفَـاسَ الـرِّمـامْ!
........................................................
رُبَّـمـا أَحْـيَـاكَ تَـصْـهَـالُ الـظُّـبَـى
** ولقـد يُـفْـنـِيْـكَ تَـسْـبِـيْـحُ الغَمَـامْ!
........................................................
-3-
يرأس منظمة (سوكا جاكي) الدوليَّة (الدكتور دايساكو إيكيدا)، الذي وُلِد في (طوكيو)، عام 1928. وهو ناشطٌ رائدٌ في مجال السلام، وكاتبٌ غزير الإنتاج، لديه أكثر من 100 مصنَّف منشور. وهو بالإضافة إلى الشِّعر، يكتب حول موضوعات تتعلَّق بالسلام والتعليم والقضايا الإنسانية الأخرى، منذ عام 1947. وبوصفه الرئيس الثالث لمنظمة سوكا جاكاي (مجتمع القِيَم الخلّاقة)، ومؤسِّس منظمة سوكا جاكاي الدوليَّة، أَسَّسَ إحدى أكبر الحركات المميَّزة عالميًّا بتركيزها على تمكين الطاقات البشريَّة في الأفراد والجماعات من دَورها في تعزيز قِيَم السلام والثقافة والتعليم.
وقد تأثّرت حياة الدكتور إيكيدا بصورةٍ أساس بتجربته خلال الحرب العالميَّة الثانية ومعاناة شقيقه الأكبر من الفظائع التي ارتكبها الجيش الياباني في (الصين). ما دفعه إلى البحث عن وسيلةٍ للقضاء على السبب الأوَّل للصراع البشري، فأصبح هذا الباعثُ قوةً دافعةً في حياته كلّها منذ الصِّغَر.
ولمساعي الدكتور إيكيدا الإنسانيَّة في عِدَّة مجالات، مُنِحَ العديد من الجوائز، ومنها جائزة الأمم المتَّحدة للسلام. فلقد ظلّ سعيه لتعزيز السلام على مدى السنوات الستين الماضية في جميع أنحاء العالم، وكِفاء ذلك تلقَّى أكثر من 300 شهادة فخريَّة أكاديميَّة، وهي أعلى نِسبة من الشهادات تُمنح لفردٍ واحد. إلى ذلك، هو مؤسِّس (معهد الفلسفة الشرقيَّة)، و(مركز بحوث بوستن للقرن الحادي والعشرين)، و(معهد تودا للسلام العالمي والبحوث السياسيَّة)، و(متحف طوكيو فوجي للفنون).
واليوم- ومنطقتنا العربيَّة تعُجّ بقَتام فظيع، هو من أحلك ما مرَّ بالعالم العربي والإسلامي، من عنف، وتصفيات سياسيَّة، وظُلم، وتعصُّب، وذبح الإنسان أخاه الإنسان، بل حرقه حيًّا، ونشر الفكر العدائي المتوحِّش بين أتباع الدِّيانات والطوائف والمذاهب، والتدمير الهمجي، الذي لم يسبق له مثيل، للتراث الإنساني والآثار التاريخيَّة، التي لا تُقدَّر بثَمن- تَظهر العِبرة المستسقاة من تجربةٍ كتجربة (الدكتور دايساكو إيكيدا)، ويتجلَّى الفارق البيِّن بين مَن نَذَرَ حياته لإحياء الإنسان وبثّ القِيَم الخيِّرة فيه، ومَن نَذَرَ حياته مجاهدًا لقتل الإنسان، وهدم حضارته، وبثّ القِيَم الشرِّيرة في العالم، ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
وفي المقال التالي نواصل عرض جوانب أخرى من "القلب الشاعري"، ونصوصه الشِّعريَّة.
11/ 4/ 2015
p.alfaify@gmail.com
http://khayma.com/faify
|