زفرات أخرى من سفر أيوب!:2.قصائد:إضبارة د. عبدالله الفـَيفي http://www.alfaify.cjb.net

 

زفرات أخرى من سفر أيوب!
( جداريّة )


( 1 )

زهرة بيضاء

       على مفرق الشمسِ

لاحتْ،

وبئر المعاني العتيقة

كانتْ

تَثاءبُ ..

للّيل خيلُ هبوبٍ وللسّارياتِ تَقِيَّهْ...

قال:

"وا عطش الشمسِ ،

وضْع النقطة يقلقني ،

فلقد يَبْقَى

لشُجونِ القَوْلِ بَقِيَّهْ!" ...

 

( 2 )

        بياضُ الأنوثةِ وعْدْ

        وتلويحُ نَهْدٍ لنَهْدْ

        وأنفاسُ حِبّكَ دَفْأَى

        تَنُوْشُكَ وَصْلاً يَنِيْعًا

        وكاذيَّ بُشْرَى

        وكأسَيْ حليبْ

        كعَيني حبيبٍ تُناغي حبيبْ

 

        مساءٌ يجوس دوارَ مساءْ

        وشرفةُ صيفٍ

        على الضِّفتينِ

        تسرّحُ دِفْءَ صُدَيْرِيَّةٍ مِنْ غِناءْ

        كنَهْرٍ من الفُلِّ عَذْبًا صقيلا

        يخطُّ اشتهاءَ الثَّرَى باشتهاءْ

        ويحتكرُ العُمْرَ جِيْلاً فجِيْلا

        بِنَوٍّ كريمْ

        من النار فينا

                           يُساقطُ كلّ سياجِ الحِجَى والتأسّي

        وماءٍ عقيمْ

                           يُساقطُ فوقَ خدودِ الرِّمالِ دموعاً نخيلا

نخيلاً تَقَامَأَ حتى استحالَ

حروفَ اكتئابٍ كسالَى

وَعِذْقَيْ غَبَاءْ

أصيلاً وآخرَ يبدو جديدَ الجَناءْ

وبينهما نفحةُ الوَجْدِ فينا تَغَشَّى بـِوَجْدْ

"عرايا" دخلنا إلى النائباتِ.. "عرايا" نعودْ

وأعيادُنا ملءُ هذا الوجودْ

. . .

ودون الذي كانَ

والـ سيكونْ

من الانتظار سَمُوْمُ عُيُونْ

وبرقٌ ورَعْدْ

 

بموجِ الفصولِ الخؤونْ

بوقْتٍ ووَعْدْ

يقايض وَغْداً ووَقْدْ

يقايض مِنْجَلْ

بنجلاءَ تمشي الهُوَيْـنَى

وألفَ مُهَارٍ

بألفِ نهارٍ

يبيعكَ ماءً بمِنْخَلْ

وإنّ وأنّ

برُبّ وقَدْ

وكفًّا على الريحِ

تُلقي زِماماً

وتُؤوي إليها بَدَدْ

 

غدائرُ وقتكَ مستشزراتٌ

تضلّ المَدَارَى بها راتعاتٌ

بحُلْمٍ ووَهْمٍ وظُلْمٍ وحِقْدْ

وَدَعْ شِقْفَةَ الصَّبْرِ تَحْتَكُّ في لا مَحَكَّ

فجِلْدُ زمانكَ لم يَرَ هُدْبُ الصَّبَاحِ

مكانًا لقرحكَ فيهِ

ولا جِلْدَ كيما يُفَدَّى بـِجـِلْدْ

 

خَزَايا خَرَجْنا من النائباتِ.. خزايا نعودْ

وأحزانُنا ملءُ هذا الوُجُودْ

...

 

 

وليت الذين أَخـَـبُّوا

على وَقْعِ أوّلِ مَغْزَى

أَحـَـبُّوا كحُبِّكَ تفاحةَ الموتِ

في ثغرِ دهماءَ

نورةَ ،

نوفاً ،

عنوداً ،

ومَجْدْ

      

       هو الحُبُّ حُبُّكَ

وَصْلاً وهَجْراً

يُطِلُّ

على كلماتِ الزمانِ الشَّقِيَّةِ

عِشْقًا يَظَلُّ

يهاجر بين حطامِ الموانئِ

       شوقًا وشوكاً

وبَيْتاً  وبَيْناً

وصَدْراً وصَدّْ

 

وماذا؟

 

ستشربُ نيزكَ قافيةٍ من نِصَالِ العَشَايا

لتُعْشِبَ في مقلتيكَ نيازكَ سُهْدْ

لشامٍ يَكُوْسُ جنوباً

وقبلةِ شَعْبٍ شمالاً تُهَدّْ

تُشَقّق ظلماءَها بعيونِ الضحايا

الشهيدةِ فيها

       تضيءُ حروفاً

تَرِفُّ صُروفاً

تسافر في جَسَدِ الصَّبَواتِ

لتَفْتَحَ في خاطرِ الموتِ باباً خَضِيْلا

يعارضُ تَيَّارَ نهرٍ صَبِيٍّ بتيّارِ نهرٍ جَمَدْ

 

وتحلفُ أنَّ غَداً في يديها

يمامةَ ذِكْرَى

وأزهارَ دِفْلـَى

وفجراً صَبُوحًا

ولا بُدَّ ممّا غَدَا في يديها

ولا بُدَّ ممّا.. 

غَدَا وهْو غَدْ

 

 

ويُبْسَطُ صوتٌ من الذَّارياتِ

من الحاملاتِ

من الجارياتِ بما توعدون

يعانق صَمْتاً

تَوَكَّأَ ظَهْرَ النهارِ العجوزِ الوَلَدْ:

 

أ عندكَ فَهْمٌ

أ عندكَ رَدْ؟:

 

على أيّ شيءٍ تَقِرُّ القواعدُ

أين الطريقُ إلى حيث يسكن هذا الضياءُ

عيونَ الظباءِ

ويغمر بـ"الله أكبرُ" غيظَ المساجدِ

وا غَبَشًا من طيورِ الأذانْ

تفجَّرَ "خيراً من النومِ"

"خيراً من اليومِ"

يوماً تصلّي وجوهُ عَروبة فيه بوجه الأحَدْ

 

فتبكي لأَيُّوبَ

في أرض عُوْصَ

شؤونُ المدائنِ

ناحتْ تُغـَنـّي

وملء غمامةِ فيها بملءِ غمامةِ فِيّ

على النــَّصْبِ لحناً شبيهاً بلحني:

 

أ عندكَ فهمٌ

أ عندكَ رَدْ؟:

 

بصدركَ

أعناقُ نارِ الحِرارِ القديمةِ

دارتْ

تعانقُ في صفحاتِ صباحكَ

حِبْرَ الجديدِ

                 وشمسَ الأَجَدّْ

 

تَخَطَّفُ في عَبْسَ داراً فدارا

وما إنْ لها خالدُ بنُ سِنـَانْ

 

فيخضرُّ وَشـْمُ التَّخالفِ

        وَشْمُ التَّحالفِ

        عاراً فعارا

بكلِّ غموضِ الجراحِ البَيَانْ

              بسِنـْخِ الأدِيْمِ

              بجمر الوَرِيْدِ

              بصرخةِ دمع الوَلِيْدِ

تَصَلَّتْ خُطَاهُ بـِرَمْضَايَ نارا

 

وأركضُ أركضُ

لا ماءَ في الأرضِ عندي

وما لي يدانْ

 

فمَنْ لي هنالكَ

مَنْ لي

       بدمعة ماءٍ

ومَنْ لي بـِيَدْ

 

ومَنْ لي

       بأخدودِ هذا الزمانْ

ببردِ الخليلِ الوقودِ الأشَدّْ

 

وتُعْشِبُ أصداءُهُ

في عروقِ المكانْ

تُمَوْقِعُنِيْ في دخانِ التمنـّي:

                                   أ عندكَ فَهْمٌ

                                   أ عندكَ وَهْمٌ

                                   أ عندكَ رَدْ؟:

 

أ ثَمَّةَ يَبْقَى بثوبِ الحريقِ قَمِيْصٌ وَقـَدّ؟

يواري بعينكِ سَوْأةَ هذي الأثافي

                          القوافي

                          المنافي

أ يَبْقَى على الأُفْقِ ثَمَّةَ أُفْقٌ وَمَدّْ ؟

 

وأَنَّى..

 

وهذا المدارُ رِتَاجٌ وحارسْ

تطيرُ النوارسْ

 

ويورقُ بَيْرَقْ؟! 

 

( 3 )

شاختْ عصايَ وشابَ الشوقُ فاتَّحَـدا

شـاءتْ على الموج آياتُ الزُّبـى لَبَـثاً

يبغـيكَ، ما تبتـغي من طَيْرِهِ، قَنـَصٌ

قبلَ المغيبِ.. وَحَـامَ القولُ بي– وَحِلاً-

ماذا أراكَ ، وإذْ خاطتْ نـواكَ دُجًى،

أهجوكَ- يا نحنُ- أم تهجو؟!.. فلست سِوَى

كل الذي في ذُرَى صاريكَ صُغْت ضُحًى

لا يَسْلَمُ الوَشـْيُ في كَفَّـيْكَ.. في لغتي..

قُلْ لي بربِّكَ كم في غـمرةٍ سَـقَطَتْ

وأنتَ.. ما أنتَ؟‍‍!.. لا ركبٌ تَعِزُّ بـهمْ

أَسْـرَجْتَ بي دَقَـلَيْ نـاءٍ ومُنْتـَبَذٍ

نُـبِّئْتُ وجهكَ في التيّار ليس مَدًى،

وخِـلْتُ سـيفَكَ كالإصباح ملءَ يدي

فاعطفْ على مُحْـتَبَى مَوْجِ الزمانِ وَعُدْ

تُمْطِرْ شـبابيكَ وَصْلٍ أيْنـَعَتْ كَـدَمِيْ

 …………………………

…………………………

شـابتْ عصايَ وشاخَ الطفلُ فاتَّقَـدَا

…………………………

…………………………

عُمْرَين ما غادرا في العُمْرِ مُـلْتَـحَدَا

ليت الليالي انْهَوَتْ - مـا أُمِّلَتْ- قِصَدَا

رَدَّ البـُزاةَ على الرَّاميـهِ مُنْـفَرِدَا

يا آفلَ العـُذْرِ فـي عُذْرٍ غَدَا بَلَـدَا

إنْ نُحْت، ناحتْ سُدًى، أو بُحت مُفْتَئِدَا

ما خَطَّهُ القَدَمُ المـائـيُّ، أو وَخَـدَا

يَهْفُوْ عليه جـناحا جـارحٍ رَصَـدَا

أو تشـتفي منه كأسٌ أُتـْرِعَتْ كَمَدَا

أَفـْعَى تَمُدُّ لسـانَ الموتِ مُنْجَـرِدَا ؟‍‍!

ولستَ يا سندبادَ التِّـيْهِ مُجْـتَـهِدَا

يَنـْأَى كمقـتربٍ يَدْنُو كمَنْ بَعـُدَا

نُبِّـئْتُ أنّ دُوَارَ البَحْرِ قد حَـشَـدَا

يُقْرِيـْكَ أنّ صَـبَاحَ الخَيْرِ قـد أَفـِدَا

في كأسـكَ القَيـْظُ والأنواءُ فِيَّ، يَدَا!

فواكهَ الشَّـوْقِ للآتيكَ فيـكَ غَـدا

…………………………

…………………………

فاسألْ سؤالَ ضريرِ الرَّمْلِ: ما وَجَـدا؟!

…………………………

…………………………

 

( 4 )

- "لا ..

   ما لكَ من سجن التاريخ بصدركَ من مَنْجَى.. 

غيرَ السِّجْنِ!..

فلتتبعني!"

قال الوقتُ..

ومضى يَسْـتَلُّ خَناجِرَهُ في صَدري

 

- "هل تدري!

         أيّ هوادج تحملها فيكَ الأيامْ؟!

   أم أيّ ظعائنَ

   أيّ طعائنَ

   أيّ عظامْ!"

 

   قال الوقتُ..

   ومَضَى يَسْتَنُّ دياجيرَ الأقلامْ..

 

 يُمْلِيْ:

     - "اكتبْ أوردتي!"

    

ها اكتبُ فاتحةَ النَّجْوَى

وأخطُّ على شفتيها نَوْرَسَةَ العنوانْ..

 

      - "إن خانكَ وقتُكَ

   فاكتبْهُ

   تستيقظْ رائحةُ السَّلْوَى

   وتَعُبُّكَ ذاكرةُ النسيانْ

 

   اكْـتُبْ ذا المَشْهَدَ

   من دمِهِ

   اكتبْهُ

   حِرْزاً..

   نقشًا بركانيـًّا..

   واحملْهُ.. كلؤلؤة الأعشى الزهراءِ

   تعانقْ بوصلةَ الإيمانْ"

  

- "لا.. ليس مداكَ مَدَى الرُّؤْيا

   لا.. ليس زمانكَ هيلمةَ الأحلامْ

   حيث الطَّيفُ البودليريُّ

   القنّاصُ ضُحًى نبضَ الأقدامْ

   . . .

   فاصعدْ وقتكْ!

   سيفًا..

   سيفًا

     حرفاً..

  حرفا"

 

   قال الوقتُ..

 

- "كيما تجتاح بعمركَ عُمْراً آخَرَ

   طفلاً ما

   بكَ يجري فِيَّ بشارةَ بدءٍ

   كي تجري بي فيكَ بشارةُ هذا الإنسانْ"

   . . .

 

( 5 )

ولقد وهِـلتُ بأنّ للمَسْرَى يَداً

فلربما صبَحَتْـكَ ما  لا  تشتهي

لو أنّ رَبِّي لم يُفَجِّـر في الضلو

لو أنّ ربِّي لم  يُلَـوِّنْ بالطِّـما

لو أنّ ربّي لم يُـدِرْ بَيْنَ الزَّمـا

بيضاء تَهْمِي  ثم تَحْـمِي  ما تُريـدُ

ولو اشتهيتَ لفاضَ بالكأس الصُّدُوْدُ

عِ  شموسَـها ما بَشَّ بالوَرْدِ  الوَرِيْدُ

حِ  جناحَها ما طار بالفَجْرِ  الوُجُوْدُ

نِ وبينَهُ  من رحمـةٍ جِسْـرًا  يَذُوْدُ‍

الرياض ، 1419هـ

 

شكراً لقراءتك هذه القصيدة !

أنت القارئ رقم:

FastCounter by bCentral

جميع الحقوق محفوظة ©