|
|
لا يكتفي (أحمد داوود) و(كمال الصليبي) بتأويل "التوراة" للزعم أن إشاراتها إلى مواضع في (جزيرة العرب)، بل يُردفان ذلك بنسبة ذلك الاعتقاد إلى التراث العربي. ثمَّ يشفع ذلك (داوودُ) بمحاولة تأويل "القرآن"، كي تكتمل دائرة التلفيق. كأنه لا يقرأ "القرآن" ليعرف أن إشاراته لا تسمح له بذلك، بل هي متظافرة في نسبة تاريخ (بني إسرائيل) إلى (فلسطين)، و(مِصْر وادي النِّيل)، و(سيناء)! كأنه لا يقرأ، مثلًا، الآيات: "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَطُورِ سِينِينَ، وَهَـ?ذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ"(1)، وما تنطوي عليه من ذِكرٍ للديار المقدَّسة في (فِلسطين) و(سيناء)، مقْسِمةً بها، وبنباتها وثمارها، ذاكرةً إيَّاها في موازاة (مكَّة المكرَّمة). أم لعلّه يعتقد أيضًا أن القَسَم بـ"التِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَطُورِ سِينِينَ" قَسَمٌ بـ(بلاد غامد)؟! أ ولا يقرأ الآيات الأخرى، مثل: "وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا"(2). "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ، وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ، وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْـمَنَّ وَالسَّلْوَى"(3). "فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ، آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا، قَالَ لِأَهْلِهِ: امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ، لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ"(4). "وإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ، وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ، خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ، وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ، لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"(5). "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ، وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ، خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ، وَاسْمَعُوا، قَالُوا: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا، وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ، قُلْ: بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ، إِنْ كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"(6). "وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ، وَقُلْنَا لَهُمُ: ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا، وَقُلْنَا لَهُمْ: لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ، وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا"(7). "وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ، وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ، خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ، وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"(8). وهي إشارات واضحة إلى منطقة (سيناء)، وجبل (الطُّور) فيها، الذي أقسم الله به في آيةٍ أخرى، من سورة باسم "الطُّور": "وَالطُّورِ، وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ، فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ، وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ"(9). ثمَّ بعد هذا كلّه يأتيك المؤلِّف واثقًا بأوهامه، زاعمًا بأن (أورشليم) كانت في (بلاد غامد)، وأن تاريخ (إسرائيل) كان في (السَّراة)، وأن ذلك كان مستقِرًّا في الذاكرة المعرفيَّة التراثيَّة العربيَّة. ولا يكتفي بذلك، بل يسعَى إلى أن يؤيِّده بـ"القرآن"، ذاهبًا إلى أن إسراء النبي إنما كان إلى (جبال السَّروات)؛ لأن ثمَّة (بيت المقدس) و(المسجد الأقصى) و(الأرض المباركة) وتاريخ الأنبياء المذكورين من (بني إسرائيل)! وما يُزلف من دليلٍ على ذلك سوى دليلٍ واحد، باهرٍ حقًّا، وهو أن كلمة "أسرى" تعني- بحسب فهمه- "اتّجهَ إلى سَراة جبال غامد"!
* صحيفة «الراي» الكويتية، الاثنين 20 يونيو 2016، ص20. http://s1.alraimedia.com/CMS/PDFs/2016/6/20/UWqDKw9JACrAjuBFuU7I3Qplusplus/P020.pdf |
|
شكرًا لاطّلاعك على هذه الصفحة! |
جميع الحقوق محفوظة ©