1) هل تأخرنا في تحديد رؤية واقعية تحدد علاقتنا بالآخر؟
ج1) لا بد بدءًا من تحديد مقصودنا بـ"نحن"، من نحن؟ ثم هذا "الآخر"؟
أ هو الغربي؟ أو لنقل غير العربي وغير المسلم؟
أم هو العربي والمسلم؟
فإن كان الأول (الغربي أو الأجنبي عمومًا)، فنحن قد تأخرنا في رؤية من نحن، ومن الآخر المنتمي إلى ثقافتنا، فكيف بالآخر البعيد؟!
ذلك أن الثقافة العربية قائمة على مفهوم "أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب". أي أن العلاقة ليست علاقة إنسانية، وحق وباطل، وصواب وخطأ، لكن علاقة نسب، وقرب وبعد.
فنحن إذن في حاجة إلى إصلاح بيتنا العربي والإسلامي من الداخل، قبل أن نشرع أبوابنا للآخر غير العربي والمسلم ونبحث علاقاتنا معه.
وأحسب أن في قمة مكة التي عقدت مؤخرًا برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وما خرجت به من توصيات مهمة جدًّا، أملاً لم يسبق لها نظير في محاولة رأب الصدع بين المذاهب الإسلامية، وأحسب فيها خطوة أولى، انتُظرت منذ قرون، لرسم خارطة طريق إسلامية، لمعرفة الذات أولاً، وتوحيد الخطاب ثانيًا، ومن ثم التفاعل مع الآخر. فالآخر العربي والإسلامي هو الأهم، وهو المنطلق إلى التعامل مع تكتلات العالم، التي تتعامل اليوم في شكل منظومات فكرية وثقافية، ترسخت حتى باتت هويّات جامعة، تتكشف علينا ملامحها في الملمات. ولا يمكن التعامل معها بشخصية مفككة، وقناعات ملتبسة أو متقاطعة، وأهواء متضاربة. لذلك يصح القول: "قل لي من أنت، أقل لك من آخرك، وأين بإمكانكما أن تلتقيا."
2) هل مقومات تشكيل الرؤية بكل أبعادها الثقافية متوافرة الآن؟
ج2) هي متوافرة الآن وقبل الآن، إن صحت العزائم، وصدقت النوايا، وأُصلحت مرتكزات الثقافة: تربوية، واجتماعية، وإعلامية، بهدف ترسيخ الجوامع المشتركة، إنسانية، وثقافية. ما يحدث عادة أن تُستلب رؤيتنا لأسباب مغلوطة، هي بالضرورة ضيقة الأفق، قاصرة الأهداف، تظن أن هذا الكوكب خلق أمس، أو أنه إنما خلق من أجلها وحدها، أو أنها تستطيع أن تستقل بذاتها مستغنية عن العالمين. متكئة على إيديولوجيات ما أنزل الله بها من سلطان. ولو نظرنا إلى الإسلام، بوصفه ديانة من جهة وفلسفه حضارية من جهة أخرى، سنجد أنه كان أول محاولة للعولمة في التاريخ، عولمة شاملة، تدعو الناس كافة إلى كلمة سواء، من المحبة والتعاون، وحفظ المصالح المشتركة، دون عسف أو إكراه. غير أن النزوع البشري نحو الاستئثار، والاستعلاء، والتمييز، ما فتئ يعكّر صفو تلك القيم السامية، حتى صرنا نراها اليوم، ونتغنى بها، وكأنها من صنع العصر.
3) ما المواصفات التي يجب أن نسترشد بها في صيغة رؤيتنا للآخر وعلاقتنا به؟
ج3) هناك صياغة أولية تنطلق من قوله تعالى: "ولقد كرمنا بني دم". فالإنسان مكرم إذن، بقطع النظر عن عقيدته، أو فكره، أو رأيه، أو جنسه، أو لونه. فإذا سلمنا بهذا المبدأ، سهل علينا التعامل فيما بعده.
والمبدأ الثاني أراه ينبع من قوله تعالى: "لكم دينكم ولي دين"، وقوله: "لا إكراه في الدين".
والمبدأ الثالث يستشف من قوله تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم".
فأي دعوة لحرية الاختلاف البشري أوضح من هذه، حرية حتى في أدق ما كان يفترض أن يكون الاتفاق فيه مضطردًا، وهو الدينونة لله تعالى.
إذن محاولة دمغ البشر بمقاييس متسقة، وقوالب موحدة، منهاج ثبت أنه لا يؤدي إلا إلى التنافر؛ لأنه مبدئيًّا يفكّر ويتعامل من منظور بخلاف ما تواترت عليه سنن الله في خلقه.
ذلك لا يعني ذوبان الذات في الآخر، ولا يعني أن الآخر سيتمتع بالمثالية التي ندعو أنفسنا وإياه إليها، لكنما تلك في النهاية سياسة ربانية، إن لم تجلب الآخر إلينا، أتاحت- في الأقل- تعايشنا معه، بلا ضرر ولا ضرار.
|