لقاءات: إضبارة د. عبد الله الفـَيْـفي http://www.alfaify.cjb.net

موقع مجلة اليمامة العدد 1897، 11/ 3/ 2006

تطوير التعليم: البحث عن موقع من الإعراب!
د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي

س1) ما المقصود من مصطلح "تطوير التعليم"؟
ج1) توضيح الواضحات إحدى المعضلات! لا أعتقد أن هناك شكًّا في دلالة التطوير وضرورته، بل بدهيته، إلا إن وقع الشكّ في أننا بشرٌ، نبغي الكمال ولا نحصّله، وأن الحياة في تطوّر مستمر، وأننا أمّة تسير خلف الركب- للأسف، فتحكمنا آليات العصر الذي لم ننتجه، وتضطرنا اضطرارًا إلى ملاحقة المستجدات، كي يبقى لنا مقعد في هذا العالم. هذا العالم الذي تشابكت شؤونه وشجونه، ولم يعد في الإمكان- تحت أي ذريعة- الانعزال فيه عن آليات التحديث، إلا لمن رضي أن يبقى خارج التاريخ. وتحديث العقول، لا تحديث مظاهر الحياة واستيراد الأجهزة، هو السبيل إلى أن يظل للإنسان موقع من الإعراب، ولو بدرجة مقبول، في لغة العصر اليوم، تلك اللغة الآخذة بالعلوم والتقنية وطوفان الاتصالات والمعلومات، والمنطلقة في سباق حضاري، لم تشهد له البشرية سابقة، كما يشهد بذلك العقد الأخير، على وجه التحديد.
س2) لماذا يبدو الحديث عن تطوير التعليم وكأنه يدور في حلقة مفرغة دون أن نرى خطوات حقيقية على هذا الطريق بدلاً من إصلاحات وتغييرات هامشية هنا وهناك؟
ج2) التطوير والتغيير يتطلب آليات، منها:
أ‌. صدق التوجّه ثم التخطيط للتطوير والتغيير.
ب‌. توافر الوسائل التقنية اللازمة. وفي الشأن التعليمي، لا تقتصر تلك الوسائل على تهيئة المنهاج الجيد، بل لا بدّ من وجود المعمل، والحاسب الآلي، والمكتبة، وقبل ذلك وبعده المدرسة النموذجية، في مقاييسها، ومرافقها، ومكانها، لما للبيئة التعليمية من أثر تربوي وتعليمي.
ج. الكادر التعليميّ المؤهّل تأهيلاً مناسبًا لطموحات التطوير. ولعلّ هذه هي أضعف الحلقات في هذه الثلاثية، إذ كيف لمخرجات التعليم الضعيفة، التي لم تحظ نفسها بتعليم متطوّر، أن تسهم في التطوير والتغيير، هذا إن لم تقف حجر عثرة في طريق ذلك الهدف، لا بعدم تأهيلها فحسب، ولكن أيضًا بفكرها المتأبّي على تقبّل الجديد؛ لأنها لم تألفه، أو لأنها لم تستوعبه، أو لأنها تحمل فكرًا نقيضًا له.
ولهذا التكامل بين هذه العناصر الثلاثة، فإن التطوير لن يأخذ مجراه المنشود من خلال التركيز فقط على العنصر الأول والثاني، أي التخطيط وتأسيس الوسائل التعليمية، إذ يجب أن يُعَاد تأهيل الكادر التعليمي على أُسس حديثة، ليكونوا قادرين على الإفادة مما يتم إنجازه من خطوات تطويرية على مستوى المناهج والتجهيزات المدرسية، إدارة وتربية وتعليمًا. وإلا فلن نستغرب أن نجد التلميذ في وادٍ والمدرس ما زال في وادٍ آخر. إن التربية والتعليم إنسانٌ، مُعلّمٌ ومتعلّم، قبل أن يكونا كتابًا ومدرسة.
س3) ما العوائق التي تحول دون إجراء مراجعة شاملة، وإدخال تحسينات جوهرية في العملية التعليمية وطريقة إدارتها؟
ج3) يبدو لي أن الأمر لم تعد تكفي فيه المراجعة والتحسينات. الأمر يستدعي قفزة نوعية بالتعليم؛ فهو رهان المستقبل. وقد آن الانتقال من طور تخريج المتعلمين، أو الحَفَظَة، أو الطاقات الوظيفية، إلى طورٍ من نشدان العلماء والمفكّرين والتقنيين، من الجنسين. فإلى متى سيظلّ الوطن عالة على غير أبنائه، أ مِنْ قِلّةٍ هم؟ أم من قِصَر التاريخ التعليميّ في المملكة؟ أم أن الأمر يرتبط بالتعليم، وبما قبل التعليم وبعد التعليم؟ إذ يجب أن لا نغفل أيضًا عن أن التعليم في ذاته لا يكفي لتحقيق الأهداف المرجوة منه، ما لم يجد الخرّيج بيئة تستثمر مؤهّلاته وتنمّيها. وهكذا فإن إشكالية التعليم هي قضيّة وطنية شَبَكِيَّة، لا تنحصر في التعليم في ذاته، بل بما قبل وما بعد. أي أنها عنصر في بنية وطنية كلّية، اجتماعية وثقافية وإداريّة.. إنها- باختصار- قضية القضايا الوطنية. ومن هذا المنطلق، لا يمكن هنا تحديد العوائق في عجالة، ولا يمكن الزعم بأن الأمر يستدعي مجرد مراجعة وتحسين، ولا يمكن حصره في الشأن التعليمي، بوصفه كيانًا مستقلاً، بل لا بُدّ في هذا الصدد من دراسة إصلاحية جادّة، شاملة ومعمّقة، إن أُريد للتعليم أن يؤتي ثماره، وأريد للوطن أن يستثمر التعليم. وذلك ما نتطلع إلى أن يشمله الحوار الوطني، في دورته المرتقبة، التي ستُعدّ بحقّ أُمّ الدّورات. بل إننا لنتطلّع إلى ما هو أبعد من "الحوار"، وهو أن يتمّ إنشاء (مركز وطني لتطوير التعليم في المملكة العربية السعودية)، يكون من استراتيجياته: رسم الخطط التعليمية، وتطوير المناهج المدرسية، ومراقبة الأداء المدرسي، والعمل على التقويم التربوي التعليمي الشامل والمستمر، وتقديم الدراسات المتصلة بكل ما يخدم العملية التعليمية وتطويرها في المملكة). ذلك أن التربويين في جامعاتنا، والمتخصصين في شتى العلوم، قلّما يكون لهم إسهام ملموس في وضع المناهج، ناهيك عن غيرها من شؤون التعليم الأخرى، فهم إمّا منصبّون على أبحاثهم الخاصة، أو لا يُستفاد أصلاً من علمهم وخبراتهم من قِبَل الجهات المعنية. ثم إنه لكي تُعرف مكامن الضعف أو الخلل أو القصور في التعليم، لا بُدّ أوّلاً من تقييم دقيق وشامل لأوضاع التعليم، إذا أريدتْ للتعليم نهضةٌ نوعية، لا ترميمات جزئية ووقتية. وقيام مثل ذلك المركز الوطني لتطوير التعليم سيوحّد الجهود ويكثفها، ويحدّد الخطوات، ويستقطب الطاقات، ويعالج العوائق.







شكراً لقراءتك هذه المقابلة!

أنت القارئ رقم :


FastCounter by bCentral

جميع الحقوق محفوظة ©