وظيفة الصحافة ومتغيّرات العصر:4.مقالات:إضبارة د.عبدالله الفـَيفي http://alfaify.cjb.net

وظيفة الصحافة ومتغيّرات العصر

كيف لنا أن نفصل شأن الإعلام عن الثقافة، وعن المعرفة؟ وهل مهمّة الإعلام الصحفي اليوم ما زالت دائرة في نطاق نقل الخبر، والإثارة السريعة، أم يمكن أن تتجه وجهة ثقافية جادّة، تنحو إلى الطرح الفكري والمعرفي، ولاسيما في ملاحقها الأدبيّة المتخصّصة؟
بل هل ما زال جديد يُذكر في كثير من شأن الرواية أو القصيدة أو الظواهر الأدبية المطروحة في الطريق؟ وهل ما زلت تهم أكثر من شريحة محدودة بهمومها؟ إن الحسابات المقروئية- حتى حينما تسعى الصحيفة إلى رواج التوزيع- قد تخون التوقّعات النمطيّة، حين تتناسى أن صحافة اليوم غير صحافة الأمس. فلا تجابه السؤال: من يتأبّط الصحيفة الورقيّة اليوم؟ إلاّ الذي ما انفك يعيش في عصرٍ مضى، قبل عصر الفضاء والإنترنت!
وأذكر في هذا السياق رأيًا للشيخ حمد الجاسر- رحمه الله- يذهب فيه إلى أن دور الصحافة في نقل الأخبار والوقائع والمطالعة بكل جديد وحادث قد استولى على معظمه المذياع والتلفاز، وقد آن أن تهتم الصحافة أكثر بالإعلام الثقافيّ والتوعوي والتعليمي.
هذا الرأي، بطبيعة الحال، جاء قبل ظهور الفضائيات والإنترنت والهاتف الجوّال. أمّا اليوم فالسؤال أكثر إلحاحًا: فمن يهتم بشراء صحيفة ورقيّة، وما فيها يصله بالهاتف الجوال- لو شاء- وعبر الإنترنت، ويشاهده حيًّا بالتلفاز؟ ألا يُعدّ من تضييع الجهد والمال الدوران في هذا النمط من الإعلام الذي عفّى عليه الزمن؟
ولهذا أخذت الصحف تهتم بملاحقها الثقافية المتنوّعة، وجاء مفهوم "كتاب في جريدة"، وجعل القارئ يرمي الصحيفة ويكتفي بملحقها، الذي صار هو الصحيفة والصحيفة الملحق! إلاّ أن بعض تلك الملاحق بدورها ما فتئ منشغلاً كذلك بالأخبار الخفيفة، والموضوعات الطريفة، والموادّ المثيرة لقارئ مفترض منقرض، كما كانت صحافتنا العتيقة. علمًا بأن هناك قنوات فضائية الآن، ومواقع على الإنترنت، متخصصة في إشباع تلك الرغبات أيضًا، وبعض تلك الملاحق الصحفية إنما هي عالة فيما تنقل على تلك القنوات والمواقع.
من هذه المنطلقات يمكنني القول: إنه قد آن الأوان أن تضطلع الصحافة بمهمات أعلى وأكبر وأهم، وتتفرّد بها، وذلك عبر إثارة الحوارات المعمّقة، والنقاشات حول القضايا الفكرية الحادّة، التي تهم شرائح المجتمع المختلفة، وعن طريق طرح الأعمال التعليميّة والمعرفيّة الجادّة. فبالإضافة إلى ما سبق فإن الصحيفة التي تملك موقعًا قويًّا على شبكة الإنترنت تغدو وعاءً معلوماتيًّا مستمرًّا، وتمثّل موادها وثائق علميّة للباحث في أي زمان ومكان، ولم تعد وظيفتها ذات الوظيفة الإخبارية اليوميّة، أيام "الجرنالات"، التي تنتهي أهميتها العمليّة بصدور العدد الجديد.
أقول هذا وفي ذهني بعض ملاحقنا الأدبيّة والفكرية المتميّزة، كملحق "الرسالة"، و"الأربعاء"- بصحيفة المدينة، و"المجلة الثقافية"- بصحيفة الجزيرة، و"ثقافة اليوم"- بصحيفة الرياض، و"الثقافية" بصحيفة اليوم، وغيرها، التي تكتسح اهتمامات قارئ الصحافة الراهن، مراوحة في صدارة اهتماماته بحسب ما تثيره من قضايا حيويّة لها نبضها في المشهد الثقافي والفكري، أو لها مرجعيتها في اهتمام الباحث عن المعرفة.
إن وظيفة الصحافة قد اختلفت عن ذي قبل، ولكي يبقى لها وجود حقيقي يجب أن تواكب تحوّلات العصر والإنسان.

الشاعر والناقد
الدكتور عبدالله بن أحمد الفـَيْـفي
(أستاذ النقد الحديث جامعة الملك سعود- الرياض)


[ نُشر المقال في: صحيفة "المدينة"، ملحق "الرسالة"، الجمعة 17 محرم 1429هـ الموافق 25 يناير 2008م، العدد 16347 ]





شكراً لزيارتك هذه الصفحة!

أنت الزائر رقم:


FastCounter by bCentral

جميع الحقوق محفوظة ©