نحن صائمون/ بالأحرى نائمون!:5.لقاءات:إضبارة د.عبدالله الفـَيفي http://alfaify.cjb.net

نحن صائمون/ بالأحرى نائمون!
د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي



لا صوم للمثقف عن الثقافة في رمضان. إذ ينبغي أن لا تختلف برامجنا في هذا الشهر عن غيره، باستثناء ما يميّز الشهر الفضيل في أمور العبادة. إلا أن تغيير المواعيد العامّة، لمقتضيات العمل والحياة الاجتماعية التي أضحت تفرض علينا نظامها في كثير من الأمور، لم تعد تتيح لنا ذلك الفعل الإنتاجي، لا مثقفين ولا غير مثقفين. إن الصائم في هذا الشهر ليتجرّد من كل شواغل المأكل والمشرب، التي تتحوّل بالعادة إلى مجرد عادات، قد لا يحتاجها الإنسان أصلاً، فيفرغ بذلك عقلاً وروحًا، لأداء عمله، وهذا واحد من أسرار الإنجازات التي يستطيع إتمامها الإنسان في رمضان أكثر من أي شهر آخر، بحثًا وقراءة وإبداعًا. ولكن ما يحدث الآن هو الصوم نومًا، من المثقفين ومن المؤسسات الثقافية معًا، بحجة: نحن صائمون، أو بالأحرى: نائمون.
إن مزيّة الإسلام أنه ليس دينًا كهنوتيًّا ولا رهبانيًّا، فالعمل فيه عبادة، والعبادة عمل وثقافة، في رمضان وفي غير رمضان. والسمتُ الإيماني- الذي يتقمّصه بعض الناس في رمضان- ليس محلّه شهرًا مخصوصًا. من لا يعرف الله إلاّ في رمضان لا يعي فلسفة رمضان ولا فلسفة الإسلام، حيث لا انفصال فيه بين شأن الدنيا والدِّين. فأيّ نقد كونيّ، إذن، أبلغ لحالتنا الثقافية العامة من رمضان نفسه، ومن "اقرأ"، التي نزلت فيه، على حين نتخذه موسمًا للنوم والعبث، لا القراءة والإنجاز؟!
لقد كانت لرمضان في الماضي القريب لذّة أكبر، وكانت الإنتاجية فيه أعظم من الشهور الأُخَر، وذلك قبل أن يكتسح الإعلام المرئي بملهياته حياتنا وحياة من حولنا. فكانت المدارس والمرافق الحكومية في رمضان لا تغيّر مواعيد عملها. وكان الناس ينامون بعد صلاة التراويح، وينهضون لتناول السحور وصلاة الفجر، ثم ينطلقون في أعمالهم، كالمعتاد، سواء من حيث طبيعة العمل أو مواقيته. وهنا كان يستشعر الإنسان حضور رمضان، دون أن يؤثّر ذلك سلبًا في سيرورة الحياة. أمّا الآن فقد أصبح النظام الرمضاني أمرًا مرسومًا مفروضًا لا مناص عنه، اجتماعيًّا ومؤسساتيًّا.
كان رمضان موسم القراءة والعطاء الثقافي والتاريخي والحضاري، غير أن حكمته قد اختزلت في العصر الحديث في طقوس، لا تسمن ولا تغني من جوع، إن في الثقافة أو في غيرها!

د. عبدالله بن أحمد الفَيفي
(عضو مجلس الشورى)
ـــــــــــــــ
* جريدة "الحياة"، العدد 16599، الأحد 14 سبتمبر 2008 الموافق 14 رمضان 1429هـ، ص32، (ضمن تحقيق بعنوان "مثقفون يدعون للصيام عن الكتابة المنفلتة"، إلاّ أن الجريدة- ولأمر ما- ضاقت ذرعًا بسوى (الفقرة الأولى) من النصّ! وهو هنا كاملاً).





شكراً لزيارتك هذه الصفحة!

جميع الحقوق محفوظة ©
2001 - 2008