مَنْ وَحَّـدَ الأَرْضَ أَرْضَ اللهِ في جَسَـدٍ
المَسْـجِـدانِ بِـهِ العَيْنَـانِ والحَـوَرُ
ومَنْ أَحاطَ رِقَابَ الجِيْـلِ مَأْثُـرَةً
مِنْ بَعْدِهِ الجِيْـلُ يَتْـلُوْها ويَأْتَثِرُ
مَنْ قَبْـلَهُ لَمَّ هذا الشَّعْثَ في رِئَةٍ
أَنْفاسُها الشِّـيْحُ والكَاذِيُّ والمَطَرُ!
ومَنْ تُرَاهُ ابْتَنَى للعُرْبِ مَمْلَكَةً
في شَكْلِ قَلْبٍ بِنَبْضِ القَلْبِ يَعْتَمِرُ!
هَبَّتْ صَبًا حَمَلَتْ وَطْفَاءَ ما هَدَأَتْ
حَتَّى تَغَشَّتْ بِلادي وَهْيَ تَنْهَمِـرُ
فَغَيَّرَ اللهُ حَالِيْ نَضْرَةً ورِضًى
وسَنْبَلَ الحَقْلَ صَخْرٌ يانِـعٌ نَضِرُ
* * *
يا صفحةً مِنْ دَمِ التَّاريخِ قَدْ طُوِيَتْ
لا حُزْنَ، هذا كتابٌ كُلُّهُ عِبَرُ!
ما ماتَ مَيْتُ الوَرَى فِيْنَا وثَمَّ لَهُ
هذا التُّراثُ وهذا الفَرْعُ والثَّمَرُ!
تَبْقَى النَّخِيْلُ شُمُوْخًا، كُلَّما سَقَطَتْ
أعذاقُها أَيْنَعَتْ مِنْ أَصْلِها أُخَرُ!
* * *
إِنِّي اسْتَفَقْتُ وفي كَفَّيَّ مَدْرَسَـةٌ
مَبْنِيَّـةٌ بِعُيُـونِ النُّـوْرِ تَنْتَظِرُ
إِنِّي اسْتَفَقْتُ وما أَلْقَى أَخِيْ وأَخِيْ
خَصْمَيْنِ في رَحِمٍ .. واللَّيْلُ مُعْتَكِرُ
إِنِّي رَأَيْتُ سَبِيْـلِيْ لاحِبًا أَمَـمًا
مُعَبَّـدَ الخَطْوِ لا تَنْبُوْ بِهِ العثَرُ
وقَدْ تَسَدَّتْ جِبالِيْ الشُّـمَّ فارِعَـةٌ
مِنْ دَوْحَةِ النُّوْرِ أَفْنَانِيْ بهَا زُهُرُ
والدَّرْبُ أَعْمَى تَجَلَّى ناظِراهُ كما
جَلَّتْ مَحَاجِرَها بالأَنْجُمِ الدُّجُـرُ
فَشَعَّ عَهْـدٌ وَلِيْـــدٌ عـاصِفٌ عَـرِمٌ
أرساهُ مَنْ سَافَرَتْ في كَفِّهِ العُصُرُ
كالفجرِ ليليْ، وعَبْدُ اللهِ مشعلُهُ،
رَبّ الحِوَارِ، ورَبّ البِرِّ يَنْهَصِرُ
في كَفِّهِ صِنْوُهُ، سَيْفُ السُّيُوْفِ، إذا
سُلْطانُ زَمْجَرَ هَبُّ الجَيْشُ والنُّذُرُ
فَجْرٌ جَدِيْـدٌ مُرِبٌّ كُلُّـهُ لُغَةٌ
مِنَ التَّفَوُّقِ والإِقْـدَامِ تَنْصَهـِرُ
يَرْنُـوْ إِلى أَسْطُرٍ أُخْرَى تُزَوْبِعُها
حُرِّيَّـةٌ سَـنَّها الإِسـلامُ والنَّظَرُ
تَرْمِيْ فِجَاجَ الرُّؤَى عَنْ كُلِّ قافِيَـةٍ
فَيَسْـتَهِلُّ قَصِيْـدٌ ثـائِرٌ خَطِرُ!
.........................
فَقُلْتُ، إِذْ قَالَ، وارْتَفَّتْ على شَفَتِيْ
فَراشَةُ الشِّعْرِ، واسْتَشْرى بِها الوَتَرُ:
إِنَّ المَسَــافَةَ عَجْزٌ حِيْنَ تَذْرَعُها
وهِمَّـةُ الحُلْمِ تُدْنِيْـهَا وتَخْتَصِرُ!
23 رمضان 1429هـ= 23 سبتمبر 2008م
ــــــــــــــــــــــــ
1 من سنين القحط المذكورة في فَيْفاء سنة يسمّونها (سنة كِشْمَة)، حكوا أن الناس بسبب الجدب فيها لم يجدوا ما يطعمونه الأبقار إلا الفحم، ولذلك زعموا أن اللبن غدا في تلك السنة أسود وكذلك السمن.
2 حبّة الفَنا/ الفَناء: مرض، يحكون أنها كانت تظهر له في الجسم نَفْطَة على شكل حَبّة، ولا علاج له، بل عاقبته الموت الوشيك.
3 جُبَر: اسم رمزي لإنسان هذه الأرض، يمثّل الشخصيّة الحواريّة في النصّ.