الإبداع في كمال الشرع و خطر الإبتداع
1/
2 / 3 |
للخلق لا يتلفظ
إلا بشيء يقصد معناه . إذا فالنبي ، صلى الله عليه وسلم، حينما قال ( كل
بدعة ضلالة ) كان يدري ما يقول ، وكان يدري معنى ما يقول ، وقد صدر هذا
القول منه عن كمال نصح للأمة .
وإذا تم في الكلام هذه الأمور الثلاثة ـ كما النصح ، والإرادة ، وكمال
البيان والفصاحة وكمال العلم والمعرفة ـ دل ذلك على أن الكلام يراد به ما
يدل عليه من المعنى أفبعد هذه الكلية يصح أن نقسم البدعة إلى أقسام ثلاثة
، أو إلى أقسام خمسة ؟ أبدا هذا لا يصح ، وما ادعاه بعض العلماء من أن
هناك بدعة حسنة . فلا تخلو من حالين :
1) أن لا تكون بدعة لكن يظنها بدعة .
2) أن تكون بدعة فهي سيئة لكن لا يعلم عن سوئها.
فكل ما ادعي أنه بدعة حسن فالجواب عنه بهذا . وعلى هذا فلا مدخل لأهل
البدع في أن يجعلوا من بدعهم بدعة حسنة وفي يدنا هذا السيف الصارم من
رسول الله ،صلى الله عليه وسلم ، ( كل بدعة ضلالة ).
إن هذا السيف الصارم إنما صنع في مصانع النبوة والرسالة إنه لم يصنع في
مصانع مضطربة لكنه صنع في مصانع النبوة وصاغه النبي ، صلى الله عليه وسلم
، هذه الصياغة البليغة فلا يمكن لمن بيده مثل هذا السيف الصارم أن يقابله
أحد ببدعة يقول إنها حسنة ورسول الله، صلى الله عليه وسلم ، يقول ( كل
بدعة ضلالة ).
وكأني أحس أن في نفوسكم دبيبا يقول ما تقول في قول أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب رضي الله عنه الموفق للصواب حينما أمر أبي ابن كعب وتميما الداري
أن يقوما بالناس في رمضان فخرج والناس على إمامهم مجتمعون فقال ( نعمت
البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون ).
فالجواب عن ذلك من وجهين :
الوجه الأول : أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يعارض كلام الرسول ، صلى
الله عليه وسلم ، بأي كلام لا بكلام أبي بكر الذي هو أفضل الأمة بعد
نبيها ، ولا بكلام عمر الذي هو ثاني هذه الأمة بعد نبيها،ولا بكلام عثمان
الذي هو ثالث هذه الأمة بعد نبيها ولا بكلام علي الذي هو رابع هذه الأمة
بعد نبيها ولا بكلام أحد غيرهم لأن الله تعالى يقول ( فليحذر الذين
يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) ـ النور ، قال
الإمام أحمد رحمه الله (أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض
قول النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ( يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء
أقول قال رسول الله ،صلى الله عليه وسلم ، وتقولون قال أبو بكر وعمر ).
الوجه الثاني : إننا نعلم علم اليقين أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ،رضي
الله عنه من أشد الناس تعظيما لكلام الله تعالى ورسوله ، صلى الله عليه
وسلم ، وكان مشهورا بالوقوف على حدود الله تعالى حتى كان يوصف بأنه كان
واقفا عند كلام الله تعالى . وما قصة المرأة التي عارضته ـ إن صحت القصة
ـ في تحديد المهور بمجهولة عند الكثير حيث عارضته بقوله تعالى (وآتيتم
إحداهن قنطارا )ـ النساء ، فانتهى عمر عما أراد من تحديد المهور . لكن
هذه القصة في صحتها نظر . لكن المراد بيان أن عمر كان واقفا عند حدود
الله تعالى لا يتعداها ، فلا يليق بعمر رضي الله عنه وهو من هو أن يخالف
كلام سيد البشر محمد ، صلى الله عليه وسلم ، وأن يقول عن بدعة ( نعمت
البدعة ) . وتكون هذه البدعة هي التي أرادها رسول الله ، صلى اللهعليه
وسلم ، بقوله ( كل بدعة ضلالة ) بل لا بد أن تنزل البدعة التي قال عنها
عمر إنها ( نعمت البدعة ) على بدعة لا تكون داخلة تحت مراد النبي صلى
الله عليه وسلم في قوله ( كل بدعة ضلالة ) فعمر رضي الله عنه يشير بقوله
( نعمت البدعة هذه ) إلى جمع الناس على إما م واحد بعد أن كانوا متفرقين
وكان أصل قيام رمضان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في
الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قام
في الناس ثلاث ليال وتأخر عنهم في الليلة الرابعة وقال ( إني خشيت أن
تفرض عليكم فتعجزوا عنها ) رواه الشيخان ، فقيام الليل في رمضان جماعة من
سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام وسماها عمر رضي الله عنه بدعة باعتبار
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك القيام صار الناس متفرقين يقوم
الرجل لنفسه ويقوم الرجل ومعه الرجل والرجل ومعه الرجلان والرهط والنفر
في المسجد فرأى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه برأيه السديد الصائب أن
يجمع الناس على إمام واحد فكان هذا الفعل بالنسبة لتفرق الناس من قبل
بدعة فهي بدعة اعتبارية إضافية وليست بدعة مطلقة إنشائية أنشأها عمر رضي
الله عنه لأن هذه السنة كانت موجودة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ،
فهي سنة لكنها تركت منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام حتى أعادها عمر
رضي الله عنه وبهذا التقعيد لا يمكن أبدا أن يجد أهل البدع من قول عمر
هذا منفذا لما استحسنوه من بدعهم .
وقد يقول قائل : هناك أشياء مبتدعة قبلها المسلمون وعملوا بها وهي لم تكن
معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، كالمدارس وتصنيف الكتب وما
أشبه ذلك وهذه البدعة استحسنها المسلمون وعملوا بها ورأوا أنها من خيار
العمل فكيف تجمع بين هذا الذي يكاد أن يكون مجمعا عليه بين المسلمين ونبي
المسلمين ورسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم ( كل بدعة ضلالة ) .
فالجواب : أن نقول هذا في الواقع ليس ببدعة بل هذا وسيلة إلى مشروع
والوسائل تختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة ومن القواعد المقررة أن الوسائل
لها أحكام المقاصد فوسائل المشروع مشروعة ووسائل غير المشروع غير مشروعة
بل وسائل المحرم حرام . والخير إذا كان وسيلة للشر كان شرا ممنوعا واستمع
إلى الله عز وجل يقول ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله
عدوا بغير علم ) الأنعام . وسب آلهة المشركين ليس عدوا بل حق وفي محله
لكن سب رب العالمين عدو وفي غير محله وعدوان وظلم ، ولهذا لما كان سب
آلهة المشركين المحمود سببا مفضيا إلى سب الله كان محرما ممنوعا ، سقت
هذا دليلا على أن الوسائل لها أحكام المقاصد فالمدارس وتصنيف العلم
وتأليف الكتب وإن كان بدعة لم يوجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،
على هذا الوجه إلا أنه ليس مقصدا بل هو وسيلة والوسائل لها أحكام المقاصد
. ولهذا لو بنى شخص مدرسة لتعليم محرم كان البناء حراما ولو بنى مدرسة
لتعليم علم شرعي كان البناء مشروعا .
فإن قال قائل : كيف تجيب عن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من سن في
الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) وسن بمعنى
( شرع ) .
فالجواب : أن من قال ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) هو القائل ( كل بدعة
ضلالة ) ولا يمكن أن يصدر عن الصادق المصدوق قول يكذب له قولا آخر ولا
يمكن أن يتناقض كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبدا ، ولا يمكن أن
يرد على معنى واحد مع التناقض أبدا ، ومن ظن أن كلام الله تعالى أو كلام
رسوله ، صلى الله عليه وسلم متناقض فليعد النظر ، فإن هذا الظن صادر إما
عن قصور منه ،وإما عن تقصير . ولا يمكن أن يوجد في كلام الله تعالى أو
كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقض أبدا.
وإذا كان كذلك فبيان عدم مناقضة حديث ( كل بدعة ضلالة)لحديث ( من سن في
الإسلام سنة حسنة ) أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من سن في الإسلام
) والبدع ليست من الإسلام ، ويقول ( حسنة ) والبدعة ليست بحسنة ، وفرق
بين السن والتبديع .
|
|
|
|
|