بسم الله الرحمن الرحيم
أصول
السنة
[عقيدة الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد حنبل - 241 هـ -]
قال الشيخ الإمام أبو المظفر عبد الملك بن علي بن محمد الهمْداني :
حدثنا
الشيخ أبو عبد الله يحيى بن أبي الحسن بن البنا ، قال : أخبرنا والدي أبو
علي الحسن بن احمد بن البنا ، قال أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد
الله بن بشران المعدل ، قال : أخبرنا عثمان بن أحمد بن السماك ، قال :
حدثنا أبو محمد الحسن بن عبد الوهاب أبو العنبر قراءة عليه من كتابه في
شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وتسعين ومائتين ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد
بن سليمان المنقري البصري – بتنيس - قال : حدثني عبدوس بن مالك العطار ،
قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل – رضي الله عنه – يقول :
أصول السنة عندنا :
التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والإقتداء بهم
، وترك البدع ، وكل بدعة فهي ضلالة ، وترك الخصومات ، والجلوس مع أصحاب
الأهواء ، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين .
والسنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسنة تفسر القرآن ،
وهي دلائل القرآن ، وليس في السنة قياس ، ولا تضرب لها الأمثال ، ولا
تدرك بالعقول ولا الأهواء ، إنما هو الاتباع وترك الهوى .
ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة - لم يقبلها ويؤمن بها - لم يكن
من أهلها :
الإيمان بالقدر خيره وشره ، والتصديق بالأحاديث فيه ، والإيمان بها ، لا
يُقال لِـمَ ولا كيف ، إنما هو التصديق والإيمان بها ، ومن لم يعرف تفسير
الحديث ويبلغه عقله فقد كُـفِيَ ذلك وأُحكِمَ له ، فعليه الإيمان به
والتسليم له ، مثل حديث " الصادق المصدوق " ومثل ما كان مثله في القدر ،
ومثل أحاديث الرؤية كلها ، وإن نأت عن الأسماع واستوحش منها المستمع ،
وإنما عليه الإيمان بها ، وأن لا يرد منها حرفاً واحدا ً ، وغيرها من
الأحاديث المأثورات عن الثقات .
وأن لا يخاصم أحداً ولا يناظره ، ولا يتعلم الجدال ، فإن الكلام في القدر
والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه ومنهي عنه ، لا يكون صاحبه و إن
أصاب بكلامه السنة من أهل السنة حتى يدع الجدال ويسلم ويؤمن بالآثار .
والقرآن كلام الله وليس بمخلوق ، ولا يضعف أن يقول : ليس بمخلوق ، فإن
كلام الله ليس ببائن منه ، وليس منه شيء مخلوق ، وإياك ومناظرة من أحدث
فيه ، ومن قال باللفظ وغيره ، ومن وقف فيه ، فقال : لا أدري مخلوق أو ليس
بمخلوق ، وإنما هو كلام الله فهذا صاحب بدعة مثل من قال : ( هو مخلوق ) ،
وإنما هو كلام الله وليس بمخلوق .
والإيمان بالرؤية يوم القيامة ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من
الأحاديث الصحاح ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه ، فإنه مأثور
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صحيح ، رواه قتادة ، عن عكرمة ، عن
ابن عباس ؛ ورواه الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ؛ ورواه علي بن
زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، والحديث عندنا على ظاهره كما جاء
عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والكلام فيه بدعة ، ولكن نؤمن كما جاء على
ظاهره ، ولا نناظر فيه أحداً .
والإيمان بالميزان يوم القيامه كما جاء ، يوزن العبد يوم القيامة فلا يزن
جناح بعوضة ، وتوزن أعمال العباد كما جاء في الأثر ، والإيمان به ،
والتصديق به ، والإعراض عن من ردّ ذلك ، وتركُ مجادلته .
وأن الله يكلم العباد يوم القيامه ، ليس بينهم وبينه ترجمان ، والتصديق
به .
والإيمان بالحوض ، وأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضا يوم القيامة
تَـرِدُ عليه أمته ، عرضه مثل طوله ، مسيرة شهر ، آنيته كعدد نجوم السماء
على ما صحت به الأخبار من غير وجه .
والإيمان بعذاب القبر ، وأن هذه الأمة تُـفـتَـن في قبورها ، وتُسأل عن
الإيمان والإسلام ، ومن ربه ؟ ومن نبيه ؟
ويأتيه منكر ونكير ، كيف شاء الله عزوجل ، وكيف أراد ، والايمان به
والتصديق به .
والإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبقوم يخرجون من النار بعد
ما احترقوا وصاروا فحما ، فيؤمر بهم إلى نهر على باب الجنة كما جاء في
الأثر ، كيف شاء الله ، و كما شاء ، إنما هو الإيمان به ، والتصديق به .
والإيمان أن المسيح الدجال خارج ، مكتوب بين عينيه كافر ، والأحاديث التي
جاءت فيه ، والإيمان بأن ذلك كائن ، وأن عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل
فيقتله بباب لُـدٍّ .
والإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، كما جاء في الخبر : (( أكمل المؤمنين
إيمانا أحسنهم خلقا )) .
ومن ترك الصلاة فقد كفر ، وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة ، من
تركها فهو كافر ، وقد أحل الله قتله .
وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان
بن عفان ، نُـقـدّم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، لم يختلفوا في ذلك ، ثم بعد هؤلاء الثلاثة أصحاب الشورى
الخمسة : علي بن أبي طالب ، وطلحة ، والزبير ، وعبدالرحمن بن عوف ، وسعد
، كلهم يصلح للخلافة ، وكلهم إمام ، ونذهب في ذلك إلى حديث ابن عمر : (
كنا نعُـدُّ ورسول الله حي وأصحابه متوافرون : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم
عثمان ، ثم نسكت ) ... ثم من بعد أصحاب الشورى أهل بدر من المهاجرين ، ثم
أهل بدر من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر
الهجرة والسابقة ، أولاً فأولا ، ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، القرن الذي بعث فيهم .
وكل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة ، أو رآه فهو من أصحابه ، له من
الصحبة على قدر ما صحبه ، وكانت سابقته معه ، وسمع منه ، ونظر إليه نظرة
، فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ، ولو لقوا الله بجميع
الأعمال ، كان هؤلاء الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورأوه وسمعوا
منه ، ومن رآه بعينه وآمن به ولو ساعة ، أفضل لصحبتهم من التابعين ، ولو
عملوا كل أعمال الخير .
والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البَـرّ والفاجر ، ومن ولي الخلافة
، واجتمع الناس عليه ، ورضوا به ، ومن عليهم بالسيف حتى صار خليفة ، وسمي
أميرالمؤمنين .
والغزو ماض مع الأمير إلى يوم القيامه البَـرّ والفاجر لا يُـترَك .
وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماضٍ ، ليس لأحد أن يطعن عليهم ،
ولا ينازعهم ، ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة ، من دفعها إليهم أجزأت
عنه ، بَـرّاً كان أو فاجراً .
وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولاه ، جائزة باقية تامة ركعتين ، من أعادهما
فهو مبتدع تارك للآثار ، مخالف للسنة ، ليس له من فضل الجمعة شيء ؛ إذا
لم ير الصلاة خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم ، فالسنة : أن يصلي معهم
ركعتين ، ويدين بأنها تامة ، لا يكن في صدرك من ذلك شك .
ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين – وقد كانوا اجتمعوا عليه وأقروا له
بالخلافة ، بأي وجه كان ، بالرضا أو بالغلبة - فقد شق هذا الخارج عصا
المسلمين ، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن مات
الخارج عليه مات ميتة جاهلية .
ولا يحل قتال السلطان ، ولا الخروج عليه لأحد من الناس ، فمن فعل ذلك فهو
مبتدع على غير السنة والطريق .
وقتال اللصوص والخوارج جائز ، إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله فله أن
يقاتل عن نفسه وماله ، ويدفع عنها بكل ما يقدر ، وليس له إذا فارقوه أو
تركوه أن يطلبهم ، ولا يتبع آثارهم ، ليس لأحد إلا الإمام أو ولاة
المسلمين ، إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك ، وينوي بجهده أن لا
يقتل أحداً ، فإن مات على يديه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله
المقتول ، وإن قُـتِـل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله ، رجوت
له الشهادة ، كما جاء في الأحاديث وجميع الآثار في هذا إنما أُمِر بقتاله
، ولم يُـؤمَـر بقتله ولا اتباعه ، ولا يجهز عليه إن صُرِع أو كان جريحا
، وإن أخذه أسيرا فليس له أن يقتله ، ولا يقيم عليه الحد ، ولكن يرفع
أمره إلى من ولاه الله ، فيحكم فيه .
ولا نشهد على أحد من أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار ، نرجو للصالح
ونخاف عليه ، ونخاف على المسيء المذنب ، ونرجو له رحمة الله .
ومن لقى الله بذنب يجب له به النار تائبا غير مُصـرٍّ عليه ، فإن الله
يتوب عليه ، ويقبل التوبة عن عباده ، ويعفو عن السيئات ، ومن لقيه وقد
أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا ، فهو كفارته ، كما جاء في الخبر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن لَـقِيـَه مُصِـرّا غير تائب من
الذنوب التي استوجب بها العقوبة فأمره إلى الله ، إن شاء عذّبه ، وإن شاء
غفر له ، ومن لَـقِـيَـه وهو كافر عذّبه ولم يغفر له .
والرجم حق على من زنا وقد أُحصن ، إذا اعترف أو قامت عليه بيّنة ، فقد
رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة الراشدون .
ومن انتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أبغضه بحدث
كان منه ، أو ذكر مساوئه ، كان مبتدعا ، حتى يترحم عليهم جميعا ، ويكون
قلبه لهم سليما .
والنفاق هو : الكفر ، أن يكفر بالله ويعبد غيره ، ويُـظهِـر الإسلام في
العلانية ، مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث من كن فيه فهو منافق )) هذا
على التغليظ ، نرويها كما جاءت ، ولا نفسرها .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا ترجعوا بعدي كفارا ضُلالا يضرب بعضكم
رقاب بعض )) ، ومثل : (( إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول
في النار )) ، ومثل : (( سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر )) ، ومثل : ((
من قال لأخيه يا كافر ، فقد باء بها أحدهما )) ، ومثل : (( كُـفـرٌ بالله
تَـبَـرؤٌ من نَـسَـبٍ وإن دَقّ )) ، ونحو هذه الأحاديث مما قد صح
وحُـفِـظ ، فإنا نُـسَـلم له ، وإن لم نعلم تفسيرها ، ولا نتكلم فيها ،
ولا نجادل فيها ، ولا نفسّر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت ، لا نردها إلا
بأحق منها .
والجنة والنار مخلوقتان ، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((
دخلتُ الجنة فرأيت قصراً ... )) ، و (( رأيت الكوثر )) ، و (( واطلعت في
الجنة ، فرأيت أكثر أهلها... )) كذا ، و (( واطلعت في النار ، فرأيت ...
)) كذا وكذا ، فمن زعم أنهما لم تُخلقا ، فهو مكذّب بالقرآن وأحاديث رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار.
ومن مات من أهل القبلة مُـوَحِـداً يُـصلّى عليه ، ويُستغفر له ، ولا
يُحجب عنه الاستغفار ، ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا كان أو
كبيرا ، أَمــرُهُ إلى الله تعالى . آخر الرسالة والحمد لله وحده وصلواته
على محمد وآله وسلم تسليما .
|