بسم الله الرحمن الرحيم
العقيدة القيروانية
[ لأبي محمد
القيرواني - الملقب بمالك الصغير -
ت 386 هـ ]
قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد
القيرواني رضي الله عنه وأرضاه :
باب ما تنطق به الألسنة و تعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات :
من ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان أن الله إله واحد لا إله غيره ،
ولا شبيه له ، ولا نظير له ، ولا ولد له ، ولا والد له ، ولا صاحبة له ،
ولا شريك له ، ليس لأوليته ابتداء ، ولا لآخريته انقضاء ، ولا يبلغ كُنْه
صفته الواصفون ، ولا يحيط بأمره المتفكرون ، يعتبر المتفكرون بآياته ،
ولا يتفكرون في ماهية ذاته ، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع
كرسيه السماوات والأرض ، ولا يؤوده حفظهما ، وهوالعلي العظيم ، العالم
الخبير ، المدبر القدير ، السميع البصير ، العلي الكبير .
وأنه فوق عرشه المجيد بذاته ، وهو في كل مكان بعلمه.
خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه ، وهوأقرب إليه من حبل الوريد ، وما
تسقط من ورقة إلا يعلمها ، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا
في كتاب مبين .
على العرش استوى ، وعلى الملك احتوى، وله الأسماء الحسنى والصفات العلى ،
لم يزل بجميع صفاته وأسمائه تعالى أن تكون صفاته مخلوقة وأسماؤه محدثةً
، كلَّم موسى بكلامه الذي هوصفة ذاته ، لا خلقٌ من خلقه ، وتجلى للجبل فصار
دكا من جلاله .
وأن القرآن كلام الله ، ليس بمخلوق فيبيد ، ولا صفةً لمخلوق فينفد .
والإيمان بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، كل ذلك قد قدره الله ربنا
ومقادير الأمور بيده ، ومصدرها عن قضائه ن علم كل شيء قبل كونه ، فجرى
على قدره ، لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به
{
ألا
يعلم من خلق وهواللطيف الخبير
} ، يضل من يشاء فيخذله بعدله ، ويهدي من
يشاء فيوفقه بفضله ، فكلٌ ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه ، وقدره من شقي
أوسعيد ، تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد ، أويكون لأحد عنه غنى ،
أو يكون خالقٌ لشيءٍ إلا هو
رب العباد ، ورب أعمالهم ، والمقدر لحركاتهم
وآجالهم.
الباعثُ الرسلَ إليهم لإقامة الحجة عليهم ، ثم ختم الرسالة والنذارة
والنبوة بمحمد نبيه صلى الله عليه وسلم ، فجعله آخر المرسلين ، بشيرا
ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وانزل عليه كتابه الحكيم ،
وشرح
بدينه القويم ، وهدى به الصراطَ المستقيم.
وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من يموت ، كما بدأهم يعودون.
وأن الله سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات ، وصفح لهم بالتوبة عن
كبائر السيئات ، وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر ، وجعل من لم يتب من
الكبائر صائرا على مشيئته ، {
إن الله لا يغفر أن يشرك به
ويغفر ما دون
ذلك لمن يشاء
} ، ومن عاقبه الله بناره أخرجه منها بإيمانه ، فأدخله
به
جنته ،{
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره
} ، ويخرج منها بشفاعة النبي صلى الله
عليه وسلم من شفع له من أهل الكبائر من أمته .
وأن الله سبحانه قد خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه ، وأكرمهم فيها
بالنظر إلى وجهه الكريم ، وهي التي أهبط منها آدم نبيه وخليفته
إلى أرضه
بما سبق في سابق علمه ، وخلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به وألحد في
آياته ، وكتبه ، ورسله ، وجعلهم محجوبين عن رؤيته .
وأن الله تبارك وتعالى يجيء يوم القيامة والملك صفا صَفا لعرض الأمم
وحسابها وعقوبتها وثوابها ، وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد ،{ فمن ثقلت موازينه فأولائك
هم المفلحون } ، ويؤتون صحائفهم بأعمالهم ، فمن أوتي كتابه بيمينه فسوف
يحاسب حسابا يسيرا ، ومن أوتي كتابه وراء ظهره فأولائك يُصلون سعيرا .
وأن الصراط حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم ، فناجون متفاوتون في سرعة
النجاة عليه من نار جهنم ، وقوم أوبقتهم فيها أعمالهم .
والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ترده أمته ، لا يظمأ من
شرب منه ، ويذاذ عنه من بدل وغير.
وأن الإيمان قول باللسان ، وإخلاص بالقلب ، وعمل بالجوارح ، يزيد بزيادة
الأعمال ، وينقص بنقصانها، فيكون فيها النقص وبها الزيادة ، ولا يكمل قول
الإيمان إلا بالعمل ، ولا قول ولا عمل إلا بنية ، ولا قول ولا عمل ونية إلا بموافقة السنة ، وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة .
وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ، وأرواح أهل السعادة باقية ناعمة إلى
يوم يبعثون ، وأرواح أهل الشقاوة معذبة إلى يوم الدين.
وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويُسألون ،
{ يثبت الله الذين ءامنوا بالقول
الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة
}.
وأن على العباد حفظة يكتبون أعمالهم ، ولا يسقط شيء من ذلك عن علم ربهم ،
وان ملك الموت يقبض الأرواح بإذن ربه.
وأن خير القرون الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ، ثم
الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم
, وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون أبوبكر ثم عمر
ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين ، وأن لا يُذكر أحد من صحابة الرسول
صلى الله عليه وسلم
إلا بأحسن ذكر ، والإمساك عما شجر بينهم ، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم
أحسن المخارج ، ويظن بهم أحسن المذاهب .
والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم.
واتباعُ السلف الصالح ، واقتفاءُ آثارهم ، والاستغفارُ لهم ،وترك المراء
والجدال في الدين ، وترك كل ما أحدثه المحدثون .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأزواجه وذريته وسلم تسليما
كثيرا
|