بسم الله الرحمن الرحيم
عقيدة الإمام الشافعي
- 204 هـ -
أ - قوله في التوحيد :
1 - أخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان قال : قال الشافعي : (( من حلف
بالله أو باسم من أسمائه فحنث فعليه الكفارة ومن حلف بشيء غير الله مثل
أن يقول الرجل : والكعبة وأبي وكذا , وكذا ما كان , فحنث فلا كفارة عليه
ومثل ذلك قوله لعمري . . لا كفارة عليه ويمين بغير الله فهي مكروهة منهي
عنها من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن الله عز وجل نهاكم أن تحلفوا
بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت ) .
. . ))
وعلل الشافعي لذلك بأن أسماء الله غير مخلوقة فمن حلف باسم الله فحنث
فعليه الكفارة .
2 - وأورد ابن القيم في اجتماع الجيوش عن الشافعي أنه قال : (( القول في
السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت
عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء
))
3 - وأورد الذهبي عن المزني قال : (( قلت )) إن كان أحد يخرج ما في ضميري
وما تعلق به خاطري من أمر التوحيد فالشافعي فصرت إليه وهو في مسجد مصر
فلما جثوت بين يديه قلت هجس في ضميري مسألة في التوحيد فعلمت أن أحدا
يعلم علمك فما الذي عندك ؟ فغضب ثم قال : (( أتدري أين أنت ؟
)) قلت : نعم . قال
: (( هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمر بالسؤال عن ذلك ؟ )) قلت : لا قال :(( هل تكلم فيه الصحابة
)) قلت : لا
. قال : (( تدري كم نجما في السماء ؟
)) . قلت : لا . قال :
(( فكوكب منها تعرف جنسه طلوعه
أفوله مم خلق ؟ )) . قلت : لا. قال:
(( فشيء تراه بعينك من الخلق لست تعرفه تتكلم
في علم خالقه ؟ ))ثم سألني عن مسألة في الوضوء فأخطأت فيها ففرعها على
أربعة أوجه فلم أصب في شيء منه فقال : (( تحتاج إليه في اليوم خمس مرات تدع
علمه وتتكلف علم الخالق إذا هجس في ضميرك ذلك فارجع إلى قول الله تعالى :
[ وإلاهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إن في خلق السموات
والأرض ]فاستدل بالمخلوق على الخالق ولا تتكلف علم مالم يبلغه عقلك ))
4 - وأخرج ابن عبد البر عن يونس بن عبد الأعلى قال : سمعت الشافعي يقول :
(( إذا سمعت الرجل يقول الاسم غير المسمى أو الشيء غير الشيء فاشهد عليه
بالزندقة ))
5 - وقال الشافعي في كتابه الرسالة : ((الحمد لله . . الذي هو كما وصف به
نفسه وفوق ما يصفه به خلقه ))
6- وأورد الذهبي في السير عن الشافعي أنه قال : (( نثبت هذه الصفات التي
جاء بها القران ووردت بها السنة وننفي التشبيه عنه كما نفى عن نفسه فقال
: [ ليس كمثله شيء ]
7 - وأخرج ابن عبد البر عن الربيع بن سليمان قال : سمعت الشافعي يقول في
قول الله عز وجل : [كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون
] : (( أعلمنا بذلك أن
ثم قوما غير محجوبين ينظرون إليه لا يضامون في رؤيته ))
8 - وأخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان قال : حضرت محمد بن إدريس
الشافعي جاءته رقعة من الصعيد فيها ما تقول في قوله تعالى :
[ كلا إنهم عن
ربهم يومئذ لمحجوبون ] . قال الشافعي : (( فلما أن حجبوا هؤلاء في السخط
كان هذا دليلا على أنهم يرونه في الرضا )) قال الربيع : قلت يا أبا عبد
الله وبه تقول ؟ قال : (( نعم وبه أدين الله )).
9 - وأخرج ابن عبد البر عن الجارودي قال ذكر عند الشافعي إبراهيم بن
إسماعيل بن عليه فقال : (( أنا مخالف له في كل شيء وفي قول لا إله إلا
الله لست أقول كما يقول أنا أقول لا إله إلا الله الذي كلم موسى عليه
السلام تكليما من وراء حجاب وذاك يقول لا إله إلا الله الذي خلق كلاما
أسمعه موسى من وراء حجاب )) .
10 - وأخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان قال الشافعي
: ((من قال القرآن
مخلوق فهو كافر ))
11- وأخرج البيهقي عن أبي محمد الزبير قال : قال رجل للشافعي أخبرني عن
القرآن خالق هو ؟
قال الشافعي : (( اللهم لا )) قال : فمخلوق ؟ قال الشافعي : (( اللهم لا
)) قال : فغير مخلوق ؟ قال الشافعي : (( اللهم نعم )) .
قال : فما الدليل على أنه غير مخلوق ؟ فرفع الشافعي رأسه وقال : (( تقر
بأن القرآن كلام الله ؟))
قال : نعم . قال الشافعي : (( سبقت في هذه الكلمة قال الله تعالى ذكره :
[ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام
] [ وكلم الله موسى
تكليما] قال الشافعي : (( فتقر بأن الله كان وكان كلامه ؟ أو كان الله
ولم يكن كلامه ؟)) فقال الرجل : بل كان الله وكان كلامه .
قال : فتبسم الشافعي وقال : (( يا كوفيون إنكم لتأتوني بعظيم من القول
إذا كنتم تقرون بأن الله كان قبل القبل وكان كلامه فمن أين لكم الكلام :
( إن الكلام الله أو سوى الله أو غير الله أو
دون الله )
قال فسكت الرجل وخرج )) .
12 - وفي جزء الاعتقاد المنسوب للشافعي من رواية أبي طالب العشاري ما نصه
قال وقد سئل عن صفات الله عز وجل وما ينبغي أن يؤمن به فقال : (( لله
تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وخبر بها نبيه صلى الله عليه
وسلم أمته لا يسع أحد من خلق الله عز وجل قامت لديه الحجة إن القرآن نزل
به وصحيح عنده قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه العدل خلافه
فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر بالله عز وجل فأما قبل ثبوت
الحجة عليه من جهة الخبر فمعذور بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا
بالدراية والفكر ونحو ذلك أخبار الله عز وجل أنه سميع وأن له يدين بقوله
عز وجل : [ بل يداه مبسوطتان
] أن له يمينا بقوله عز وجل :
[ والسموات
مطويات بيمينه ] وأن له وجها بقوله عز وجل :
[ كل شيء هالك إلا وجهه ]
وقوله : [ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام
] وأن له قدما بقوله صلى
الله عليه وسلم : ( حتى يضع الرب عز وجل فيها قدمه ) يعني جهنم لقوله صلى
الله عليه وسلم للذي قتل في سبيل الله عز وجل ( أنه لقي الله عز وجل وهو
يضحك إليه ) وأنه يهبط كل ليلة إلى السماء الدنيا بخبر رسول الله صلى الله
عليه وسلم بذلك وأنه ليس بأعور لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذ ذكر
الدجال فقال إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وأن المؤمنين يرون ربهم عز وجل
يوم القيامة بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر وأن له أصبعا بقوله صلى
الله عليه وسلم : ( ما من قلب إلا هو بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل
) وأن هذه المعاني التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه
وسلم لا يدرك حقه ذلك بالذكر والدراية ويكفر بجهلها أحد إلا بعد انتهاء
الخبر إليه وإن كان الوارد بذلك خبرا يقوم في الفهم مقام المشاهدة في
السماع (( وجبت الدينونة )) على سامعه بحقيقته والشهادة عليه كم عاين
وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن نثبت هذه الصفات
وننفي
التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال : [ ليس كمله شيء وهو
السميع البصير ] . . )) آخر الاعتقاد
ب - قوله في القدر :
1 - أخرج البهقي عن الربيع بن سليمان قال سئل الشافعي عن القدر فقال
:
(( ما شئت كان وإن لم أشأ
وما شئت إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت
ففي العلم يجري الفتن والمسن
على ذا مننت وهذا خذلت
وهذا أعنت وذا لم تعن
فمنهم شقي ومنهم سعيد
ومنهم قبيح ومنهم حسن
))
2 - أورد البيهقي في مناقب الشافعي أن الشافعي قال : (( إن مشيئة العباد
هي إلى الله تعالى ولا يشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين فإن الناس لم
يخلقوا أعمالهم وهي خلق من خلق الله تعالى أفعال العباد وإن القدر خيره
وشره من الله عز وجل وإن عذاب القبر حق ومساءلة أهل القبور حق والبعث حق
والحساب حق والجنة والنار حق وغير مما جاءت به السنن ))
.
3 - أخرج اللالكائي عن المزني قال : قال الشافعي
: (( تدر من القدري ؟
الذي يقول
: إن الله لم يخلق شيئا حتى عمل به
))
4 - أورد البهقي عن الشافعي أنه قال : (( القدرية الذين قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ( هم مجوس هذه الأمة ) الذين يقولون إن الله لا يعلم
المعاصي حتى تكون )) .
5 - وأخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان عن الشافعي أنه كان يكره الصلاة
خلف القدري
ج - قوله في الإيمان :
1- أخرج ابن عبد البر عن الربيع قال : ( سمعت الشافعي يقول : (( الإيمان
قول وعمل واعتقاد بالقلب ألا ترى قول الله عز وجل : [ وما كان الله ليضيع
إيمانكم ] يعني صلاتكم إلى بيت المقدس فسمى الصلاة إيمانا وهي قول وعمل
وعقد ))
2 - وأخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان قال : سمعت الشافعي يقول :
(( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ))
.
3 - وأخرج البيهقي عن أبي محمد الزبيري قال : قال رجل للشافعي
: أي
الأعمال عند الله أفضل ؟ قال الشافعي : (( ما لا يقبل عملا إلا به
)) قال : وما
ذاك ؟ قال : (( الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو أعلى الأعمال درجة وأشرفها
منزلة وأسناها حظا )) قال الرجل
: ألا تخبرني عن الإيمان قول وعمل أو قول بلا
عمل ؟ قال الشافعي : (( الإيمان عمل لله والقول بعض ذلك العمل
)) قال الرجل :
صف لي ذلك حتى أفهمه . قال الشافعي :
(( إن للإيمان حالات ودرجات وطبقات فمنها
التام المنتهي تمامه والناقص البين نقصانه والراجح الزائد رجحانه
)) قال
الرجل : وإن الإيمان لا يتم وينقص ويزيد ؟ قال الشافعي :
(( نعم )) قال
: وما
الدليل على ذلك ؟ قال الشافعي : (( إن الله جل ذكره فرض الإيمان على جوارح
بني آدم فقسمه فيها وفرقه عليها فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من
الإيمان بغير ما ما وكلت به أختها بفرض من الله تعالى : فمنها : قلبه
الذي يعقل به ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر
إلا عن رأيه وأمره ومنها : عيناه اللتان ينظر بهما وأذناه اللتان يسمع
بهما ويداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي بهما وفرجه الذي ألباه
من قبله ولسانه الذي ينطق به ورأسه الذي فيه وجهه فرض على القلب غير ما
فرض على اللسان وفرض على السمع غير ما فرض على العينين وفرض على اليدين
غير ما فرض على الرجلين وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه فأما فرض
الله على القلب من الإيمان : فالإقرار والمعرفة والعقد والرضى والتسليم
بأن الله لا إله إلا هو وحده لاشريك له لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا
صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله من نبي أو
كتاب فذلك ما فرض الله جل ثناؤه على القلب وهو عمله [ إلا من أكره وقلبه
مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدره ] وقال :
[ ألا بذكر الله تطمئن
القلوب ] وقال : [ من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم
] وقال
: [ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله
] فذلك مافرض الله
على القلب من إيمان وهو عمله وهو رأس الإيمان وفرض الله على
اللسان : القول والتعبير عن القلب بما عقد وأقر به فقال في ذلك :
[ قولوا
آمنا بالله ] وقال : [ وقولوا للناس حسنا
] فذلك ما فرض الله على اللسان
من القول والتعبير عن القلب وهو عمله والفرض عليه من الإيمان وفرض الله
على السمع : أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله وأن يغض عن ما نهى
الله عنه فقال في ذلك : [ وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات
الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم
إذا مثلهم ] ثم استثنى موضع النسيان فقال جل وعز
[ وإما ينسينك الشيطان ] أي : فقعدت معهم
[ فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم
الظالمين ] وقال : [ فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك
الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب
] وقال : [ قد أفلح المؤمنون
الذين هم في صلاتهم خاشعون ] إلى قوله :
[ والذين هم للزكاة فاعلون
]
وقال : [ وإذا سمعوا اللغوا أعرضوا عنه
] وقال : [ وإذا مروا باللغوا
مروا كراما ] فذلك ما فرض الله جل ذكره على السمع من التنزيه عما لا يحل
له وهو عمله وهو من الإيمان
((وفرض على العينين )) : ألا ينظر بهما ما حرم الله وأن يغضهما عما نهاه
عنه فقال تبارك وتعالى في ذلك : [ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا
فروجهم ] الآيتين : أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه ويحفظ فرجه من أن ينظر
إليه .
وقال : كل شيء من حفظ الفرج في كتاب الله فهو من الزنا إلا هذه الآية
فإنها من النظر .
فذلك ما فرض الله على العينين من غض البصر وهو عملها وهو من الإيمان
ثم أخبر عما فرض على القلب والسمع والبصر في آية واحدة فقال سبحانه
وتعالى في ذلك : [ ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل
أولئك كان عنه مسؤلا ]
قال : يعني وفرض على الفرج : أن لا يهتكه بما حرم الله عليه :
[ والذين
هم لفروجهم حافظون ] وقال :
[ وما كنتم تسترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا
أبصاركم ولا جلودكم ] الآية يعني بالجلود : الفروج والأفخاذ فذلك ما فرض
الله على الفروج من حفظهما عما لا يحل له وهو عملها .
((وفرض على اليدين )) : ألا يبطش بهما إلى ما حرم الله تعالى وأن يبطش
بهما إلى ما أمر الله من الصدقة وصلة الرحم والجهاد في سبيل الله والطهور
للصلوات فقال في ذلك : [ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة
فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ] إلى آخر الآية وقال :
[ فإذا لقيتم
الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد
وإما فداء ] لأن الضرب والحرب وصلة الرحم والصدقة من علاجها.
(( وفرض على الرجلين )) : ألا يمشي بهما إلى ما حرم الله جل ذكره فقال
ذلك : [ ولا تمشي في الأرض مرحا إنك لن تخرق
الأرض لن تبلغ الجبال طولا ]
((وفرض على الوجه )): السجود لله بالليل والنهار ومواقيت الصلاة فقال في
ذلك : [ يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير
لعلكم تفلحون ] وقال : [ وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا
] يعني
بالمساجد : ما يسجد عليه ابن آدم في صلاته من الجبهة وغيرها
قال : فذلك ما فرض الله على هذه الجوارح وسمى الطهور والصلوات إيمانا في
كتابه وذلك حين صرف الله تعالى وجه نبيه صلى الله عليه وسلم من الصلاة
إلى البيت المقدس وأمره بالصلاة إلى الكعبة وكان المسلمون قد صلوا إلى
بيت المقدس ستة عشرا شهرا فقالوا يا رسول أرأيت صلاتنا التي كنا نصليها
إلى بيت المقدس ما حالها وحالنا ؟ فأنزل الله تعالى :
[ وما كان الله
ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم ] فسمى الصلاة إيمانا فمن لقي
الله حافظا لصلواته حافظا لجوارحه مؤديا بكل جارحة من جوارحه ما أمر الله
به وفرض عليها - لقي الله مستكمل الإيمان من أهل الجنة ومن كان لشيء منها
تاركا متعمدا مما أمر الله به - لقي الله ناقص الإيمان
)) . قال : وقد عرفت نقصانه وتمامه فمن أين جاءت زيادته ؟
قال الشافعي : (( قال الله جل ذكره :
[ وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول
أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون
وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون
]
وقال : [ إنهم فتية آمنوا برهم وزدناهم هدى
]
قال الشافعي : ولو كان هذا الإيمان كله واحدا لا نقصان فيه ولا زيادة -
لم يكن لأحد فيه فضل واستوى الناس وبطل التفضيل ولكن بتمام الإيمان دخل
المؤمنون الجنة وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله
(في الجنة ) وبالنقصان من الإيمان دخل المفرطون النار
قال الشافعي : إن الله جل وعز سابق بين عباده كما سوبق بين الخيل يوم
الرهان ثم إنهم على درجاتهم من سبق عليه فجعل كل امرىء على درجة سبقه لا
ينقصه فيه حقه ولا يقدم مسبوق على سابق ولا مفضول على فاضل وبذلك فضل أول
هذه الأمة على آخرها ولو لم يكن لمن سبق إلى الإيمان فضل على من أبطأ عنه
- للحق آخر هذه الأمة بأولها .
د - قوله في الصحابة :
1 - أورد البيهقي عن الشافعي أنه قال : (( أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن والتوراة والإنجيل وسيق لهم على
لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم فرحمهم
الله وهنأهم بما أتاهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء
والصالحين فهم أدوا إلينا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاهدوه
والوحي ينزل عليه فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاما
وخاصا وعزما وإرشادا وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا وهم فوقنا في كل علم
واجتهاد وورع وغقل وأمر استدرك به علم واستنبط به وآراؤهم لنا أحمد وأولى
بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا والله أعلم )) .
2 - وأخرج البيهقي عن ربيع بن سليمان قال : سمعت الشافعي يقول في التفضيل
: (( أبوبكر وعمر ثم عثمان وعلي ))
3- وأخرج البيهقي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : سمعت الشافعي
يقول : (( أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر
ثم عثمان ثم علي - رضي الله عنهم - ))
4 - واخرج البيهقي عن يوسف بن يحيى البويطي قال : سألت الشافعي أأصلي خلف
الرافضي ؟ قال : (( لا تصل خلف الرافضي ولا القدري ولا المرجىء
)) قلت : صفهم لنا
. قال : (( من قال : الإيمان قول فهو مرجىء ومن قال إن أبابكر وعمر ليسا
بإمامين فهو رافضي ومن جعل المشيئة إلى نفسه فهو قدري ))
هـ - نهيه عن الكلام والخصومات في الدين :
1-أخرج الهروي عن الربيع بن سليمان قال : سمعت الشافعي يقول :((
. . . لو
أن رجلا أوصى بكتبه من العلم لآخر وكان فيها كتب الكلام لم تدخل في
الوصية لأنه ليس من العلم ))
2- وأخرج الهروي عن الحسن الزعفراني قال : سمعت الشافعي يقول :
(( ما ناظرت
أحدا في الكلام إلا مرة وأنا أستغفر الله من ذلك )) .
3- و أخرج الهروي عن الربيع بن سليمان قال : قال الشافعي :
(( لو أردت أن
أضع على كل مخالف كتابا كبيرا لفعلت ولكن ليس الكلام من شأني ولا أحب أن
ينسب إلي منه شيء )) .
4- وأخرج بن بطة عن أبي ثور قال : قال لي الشافعي :((
ما رأيت أحدا ارتدى
شيئا من الكلام فأفلح )) .
5- وأخرج الهروي عنيونس المصري قال : قال الشافعي :
(( لأن يبتلي الله المرء
بكل مانهى الله عنه خلا الشرك بالله خير من أن يبتليه بالكلام
)) .
فهذه أقوال الإمام الشافعي - رحمه الله - في مسائل أصول الدين وهذا موقفه
من علم الكلام .
-------------------
نقلا عن
كتاب ( اعتقاد أئمة السلف أهل الحديث ) جمع / د . محمد بن عبد الرحمن
الخميس .
|
|
|
|
|