من أنواع الشرك الأكبر
( في الألوهية ) :
شرك الطاعة
قال تعالى: {اتخذُواْ
أَحْبَـارَهُمْ وَرُهْبَـانَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ اللَّهِ
وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ
إِلَـهاً واحِداً لاَّ إله إِلاَّ هُوَ سُبْحَـانَهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ} [التوبة:31].
قال الشيخ محمد بن عبد
الوهاب: "وتفسيرها الذي لا إشكال فيه هو طاعة العلماء والعباد في معصية
الله سبحانه، لا دعاؤهم إياهم، كما فسّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعدي بن حاتم لما سأله فقال: لسنا نعبدهم! فذكر له أن عبادتهم طاعتهم في
المعصية"[1].
عن عدي بن حاتم رضي
الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال:
((يا عدّي، اطرح عنك هذا الوثن))، وسمعته يقرأ في سورة براءة: {اتَّخَذُواْ
أَحْبَـارَهُمْ وَرُهْبَـانَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ اللَّهِ}، قال: ((أما
إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه،
وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه))[2].
قال ابن تيمية: "وهؤلاء
الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله
وتحريم ما أحلّ الله يكونون على وجهين:
أحدهما: أن يعلموا أنهم
بدّلوا دين الله فيتّبعونهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم الله
وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤساهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل،
فهذا كفر وقد جعله الله ورسوله شركاً وإن لم يكونوا يصلّون لهم ويسجدون
لهم، فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين واعتقد ما
قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله مشركاً مثل هؤلاء.
والثاني: أن يكون
اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتاً[3]،
لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي
يعتقد أنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب، كما ثبت في
الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنما الطاعة في المعروف))[4]،
وقال: ((على المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية))[5]"
[6].
وقال ابن تيمية أيضاً:
"ثم ذلك المحرِّم للحلال والمحلِّل للحرام إن كان مجتهداً قصدُه ابتاع
الرسول لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر، وقد اتقى الله ما استطاع، فهذا
لا يؤاخذه الله بخطئه، بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه، ولكن من
علم أن هذا خطأ فيما جاء به الرسول ثم اتبعه على خطئه وعدل عن قول الرسول
فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمّه الله، لا سيما إن اتّبع في ذلك هواه
ونصره باللسان واليد، مع علمه بأنه مخالف للرسول، فهذا شرك يستحقّ صاحبه
العقوبة عليه"[7].
وقال الشيخ محمد بن عبد
الوهاب في بيان فوائد حديث عدي رضي الله عنه: "وفيه تغيّر الأحوال إلى
هذه الغاية صار عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال، ويسمونها
الولاية، وعبادة الأحبار هي العلم والفقه"[8].
قال سليمان آل الشيخ: "يشير
إلى ما يعتقده كثير من الناس فيمن ينتسب إلى الولاية من الضر والنفع
والعطاء والمنع، ويسمون ذلك الولاية والسر، ونحو ذلك وهو الشرك.
وقوله: وعبادة الأحبار
هي العلم والفقه، أي: هي التي تسمّى اليوم العلم والفقه المؤلَّف على
مذاهب الأئمة ونحوهم، فيطيعونهم في كل ما يطيعونك[9]،
سواء وافق حكم الله أم خالفه، بل لا يعبؤون بما خالف ذلك من كتاب وسنة،
بل يردون كلام الله وكلام رسوله لأقوال من قلَّدوه، ويصرِّحون بأنه لا
يحلّ العمل بكتاب ولا سنة، وأنه لا يجوز تلقي العلم والهدى منهما، وإنما
الفقه والهدى عندهم هو ما وجدوه في هذه الكتب، بل أعظم من ذلك وأطمّ رمي
كثير منهم كلام الله وكلام رسوله بأنه لا يفيد العلم ولا اليقين في باب
معرفة أسماء الله وصفاته وتوحيده، ويسمّونها ظواهر لفظية، ويسمّون ما
وضعه الفلاسفة المشركون القواطع العقلية، ثم يقدّمونها في باب الأسماء
والصفات والتوحيد على ما جاء من عند الله، ثم يرمون من خرج عن عبادة
الأحبار والرهبان إلى طاعة رب العالمين وطاعة رسوله وتحكيم ما أنزل الله
في موارد النزاع بالبدعة أو الكفر"[10].
-------------
[1]
الدرر السنية (2/70).
[2] أخرجه الترمذي في التفسير،
باب: ومن سورة التوبة (3095) واللفظ له، وابن جرير في تفسيره، والبيهقي
(10/116)، وحسنه ابن تيمية في الإيمان (7/67ـمجموع الفتاوى)، كما حسنه
الألباني في صحيح سنن الترمذي (2471).
[3]
كذا العبارة في المجموع وفيها قلب ولعل صوابها: "بتحريم الحرام وتحليل
الحلال".
[4]
أخرجه البخاري في الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية
(7145)، ومسلم في الإمارة (1840) من حديث علي رضي الله عنه.
[5]
أخرجه البخاري بنحوه في الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن
معصية (7144) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
[6]
مجموع الفتاوى (7/70).
[7]
مجموع الفتاوى (7/71).
[8]
كتاب التوحيد، ضمن الجامع الفريد (163).
[9]
كذا في المطبوع، ولعله تصحيف.
[10]
تيسير العزيز الحميد (553).
|