من
أنواع الشرك الأصغر :
إتيان الكهان والعرافين
عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((من أتى عرّافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة))[1].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى
كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))[2].
قال الخطابي: "الكاهن هو الذي يدّعي مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن
الكوائن... وكان منهم من يسمّى عرافاً، وهو الذي يزعم أنه يعرف الأمور
بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها، كالشيء يُسرق فيعرف المظنون به
السرقة"[3].
وقال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: " وأكثر ما يقع في هذه الأمة ما يخبر
به الجن أولياءهم من الإنس عن الأشياء الغائبة بما يقع في الأرض من
الأخبار فيظنه الجاهل كشفاً وكرامة، وقد اغترّ بذلك كثير من الناس، يظنون
المخبِر لهم بذلك عن الجن ولياً لله، وهو من أولياء الشيطان"[4].
قال الشيخ سليمان آل الشيخ: "وظاهر الحديث[5] أنَّ هذا الوعيد مرتّب على
مجيئه وسؤاله، سواء صدّقه أو شكّ في خبره، لأن إتيان الكهان منهي عنه كما
في حديث معاوية بن الحكم السلمي قلت: يا رسول الله، إن منا رجلاً يأتون
الكهان، قال: ((فلا تأتهم))[6]، ولأنه إذا شكّ في خبره فقد شكّ في أنّه
لا يعلم الغيب، وذلك موجب للوعيد، بل يجب عليه أن يقطع ويعتقد أنه لا
يعلم الغيب إلا الله"[7].
وقال الشيخ أيضاً: "وظاهر الحديث أنه يكفر متى اعتقد صدقه بأي وجه كان
لاعتقاده أنه يعلم الغيب، وسواء كان ذلك من قبل الشياطين، أو من قبل
الإلهام، لا سيما وغالب الكهان في وقت النبوة إنما كانوا يأخذون عن
الشياطين"[8].
وقال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: "وهل الكفر في هذا الموضع كفر دون كفر،
فلا ينقل عن الملة، أم يتوقف فيه، فلا يقال: يخرج عن الملة ولا يخرج؟
وهذا أشهر الروايتين عن أحمد رحمه الله تعالى"[9].
وقال ابن قاسم: "الأحاديث التي فيها الكفر مقيّدة بتصديقه"[10].
وقال ابن عثيمين: "وظاهر الحديث أن مجرّد سؤاله يوجب عدم قبول صلاته
أربعين يوماً، ولكنه ليس على إطلاقه، فسؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يسأله سؤالاً مجرّداً فهذا حرام، لقول النبي صلى الله
عليه وسلم: ((من أتى عرافاً...)) إلخ، فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على
تحريمه، إذ لا عقوبة إلا على محرّم.
القسم الثاني: أن يسأله فيصدقه، ويعتبر قولَه، فهذا كفر، لأن تصديقه في
علم الغيب تكذيب للقرآن.
القسم الثالث: أن يسأله ليختبره: هل هو صادق أو كاذب؟ لا لأجل أن يأخذ
بقوله، فهذا لا بأس به، ولا يدخل في الحديث.
القسم الرابع: أن يسأله ليظهر عجزه وكذبه، فيمتحنه في أمُور، وهذا قد
يكون واجباً أو مطلوباً"[11].
وقال ابن عثيمين أيضاً: "قوله: ((كفر بما أنزل على محمد)) وجه ذلك: أن ما
أنزل على محمد قال الله تعالى فيه: {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى ?لسَّمَـ?و?تِ
و?لأرْضِ ?لْغَيْبَ إِلاَّ ?للَّهُ} [النمل:65]، وهذا من أقوى طرق الحصر،
لأن فيه النفي والإثبات، فالذي يصدق الكاهن في علم الغيب، وهو يعلم أنه
لا يعلم الغيب إلا الله، فهو كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة، وإن كان
جاهلاً ولا يعتقد أن القرآن فيه كذب فكفره كفر دون كفر"[12].
------------------
[1]
أخرجه مسلم في السلام (2230).
[2]
أخرجه أحمد في المسند (2/408، 476)، وأبو داود في الطب، باب: في الكاهن
(3904)، والترمذي في الطهارة، باب: في كراهية إتيان الحائض (135)،
والنسائي في الكبرى (9017)، وابن ماجه في الطهارة، باب: النهي عن إتيان
الحائض (339)، والدارمي (1136)، وابن الجارود (107)، والحاكم (1/8)، وقال
الترمذي: "وضعف محمد ـ يعني: البخاري ـ هذا الحديث من قبل إسناده"، ونقل
المناوي في الفيض (6/24) تضعيف البغوي وابن سيد الناس والذهبي لهذا
الحديث، ووافقهم على ذلك. وله شاهد من حديث جابر أخرجه البزار (9045- كشف
الأستار)، وجوده المنذري في الترغيب (3/619)، وقال الهيثمي في المجمع
(11715): "رجاله رجال الصحيح خلا عقبة بن سنان وهو ضعيف"، وصححه الألباني
في غاية المرام (285).
[3]
معالم السنن (4/211-212).
[4]
فتح المجيد (255).
[5] أي:
حديث ((من أتى عرافاً فسأله...)) الخ.
[6]
أخرجه مسلم في المساجد (537).
[7] تيسير العزيز الحميد
(406-407).
[8]
تيسير العزيز الحميد (409).
[9]
فتح المجيد (257).
[10]
حاشية كتاب التوحيد (204).
[11]
القول المفيد (2/49).
[12]
القول المفيد (2/55).
|