من
أنواع الشرك الأصغر :
تعليق التمائم
عن زينب امرأة عبد الله، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الرقى والتمائم والتِّوَلة شرك))،
قالت: قلت: لم تقول هذا؟ والله لقد كان عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان
اليهودي يرقيني، فإذا رقاني سكنت، فقال عبد الله: إنما ذاك عمل الشيطان،
كان ينخسها بيده، فإذا رقاها كفّ عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أذهِب البأس، ربَّ الناس، اشف أنت
الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً))[1].
قال ابن الأثير: "التمائم جمع تميمة، وهي خرزات كانت العرب تحلقها على
أولادهم يتقون بها العين في زعمهم، فأبطلها الإسلام"[2].
وقال أيضاً: "وإنما جعلها شركاً لأنهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة
عليهم، فطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه"[3].
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "التمائم: شيء يعلق على الأولاد عن العين،
لكن إذا كان المعلَّق من القرآن فرخَّص فيه بعض السلف، وبعضهم لم يرخِّص
فيه ويجعله من المنهي عنه، منهم ابن مسعود رضي الله عنه.
والرقى: هي التي تسمّى العزائم، فخص منه الدليل ما خلا من الشرك، فقد
رخّص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة.
والتولة: شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبّب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى
امرأته"[4].
قال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: "اعلم أن العلماء من الصحابة والتابعين
فمن بعدهم اختلفوا في جواز تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله
وصفاته:
فقالت طائفة: يجوز ذلك، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص[5]، وهو ظاهر
ما روي عن عائشة، وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية، وحملوا الحديث
على التمائم التي فيها شرك.
وقالت طائفة: لا يجوز ذلك، وبه قال ابن مسعود وابن عباس، وهو ظاهر قول
حذيفة وعقبة بن عامر، وبه قال جماعة من التابعين، منهم أصحاب ابن مسعود،
وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه، وجزم بها المتأخرون، واحتجوا
بهذا الحديث وما في معناه.
وهذا هو الصحيح لوجوه ثلاثة تظهر للمتأمل:
الأول: عموم النهي ولا مخصّص للعموم.
الثاني: سدّ الذريعة، فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك.
الثالث: أنه إذا علّق فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حال قضاء
الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك"[6].
قال ابن عثيمين: "قوله: ((شرك)) هل هي شرك أصغر أو أكبر؟
نقول: بحسب ما يريد الإنسان منها، إن اتخذها معتقِداً أن المسبّب هو الله
فهي شرك أصغر، وإن اعتقد أنها تفعل بنفسها فهي شرك أكبر"[7].
----------------
[1]
أخرجه أحمد (1/381)، وأبو داود في الطب، باب: في تعليق التمائم (3883)
واللفظ له، وابن ماجه في الطب، باب: تعليق التمائم (3530) بأطول منه،
وصححه ابن حبان (13/456)، والحاكم (4/418)، وأقره الذهبي، وصححه الألباني
في صحيح أبي داود (3288).
[2]
النهاية في غريب الحديث (1/197).
[3]
النهاية في غريب الحديث (1/198).
[4]
كتاب التوحيد، ضمن الجامع الفريد (55).
[5]
قال الشيخ ابن باز: "الرواية بذلك ضعيفة، ولا تدل على هذا، لأن فيها أن
ابن عمرو كان يحفظه أولاده الكبار ويكتبه في ألواح ويعلقه في عنق الصغار،
فالظاهر أنه كان يعلقه في اللوح ليحفظه الصغير لا على أنه تميمة،
والتميمة تكتب في ورقة لا في لوح، وكيفما كان فهو عمل فردي من عبد الله
بن عمرو، لا يترك به حديث رسول الله وعمل كبار الصحابة الذين لم يعملوا
مثله". من تعليق الشيخ على فتح المجيد (109).
[6]
فتح المجيد (109).
[7]
القول المفيد (1/179).
|