النزعات في المهدي
سليمان بن ناصر بن عبد الله العلوان
عن حفص بن غياث رحمه الله تعالى قلت لسفيان الثوري : يا أبا عبد الله
إن الناس قد أكثروا في المهدي فما تقول فيه ؟ قال : ( إن مر على بابك فلا
تكن منه في شيء ، حتى يجتمع الناس عليه ) ذكر ذلك أبو نعيم في الحلية 0
سليمان بن ناصر بن عبد الله العلوان
بسم الله الرحمن الرحيم
المهدي المنتظر محمد (بن عبد الله) من آل البيت ليس بنبي ولا يدعي
النبوة ، تواترت فيه الأحاديث وأخبرت عنه بأنه خليفة راشد ، ولا يختلف
أهل السنة أنه بشر من البشر ليس بنبي ولا معصوم ، يملأ الأرض قسطاً ،
وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، مهمته الإصلاح والحكم بالعدل ، والقسط ،
والقضاء على الظلم والجور ، وهدم القوانين الوضعية ، والتشريعات الجاهلية
، بمعاول الحق والحكمة ، ويكافح أهل الخرافات والدجالين الكذابين الذين
ابتلوا بالهوس والجنون ، والذين استحكمت فيهم الأمراض النفسانية ،
واستحوذ عليهم الشيطان فصدهم عن سواء السبيل 0
وإن في كل قرن وجيل تبتلى الأمة الإسلامية ، بمغرضين وضآلين عن الهدى
المستقيم لا يعرفون العلم ولا يؤمنون بالمشورة ، لهم أغراض سيئة ، ومآرب
قبيحة وأهداف عليلة تراكمت عليهم ظلمات الجهل ، وتجارت بهم الأهواء ،
وأسرهم الضلال وتمكن من قلوبهم ، يحسنون الهدم ، ولا يفقهون الإصلاح ،
يعظمون موافقيهم ، ويبدعون أو يكفرون مخالفيهم ، يظلمون العباد ، ويبغون
في الأرض الفساد ، يستحلون الكذب لترويج ضلالهم ويسخرون من العلماء حين
يكشفون حقائقهم 0
وإن من هؤلاء النابتة شرذمة مريضة خرجت في هذا العصر ، تسمي نفسها
بالمهدوية نسبة إلى كبيرهم الذي أضلهم ، فجعل من نفسه المهدي المنتظر ،
فجهل الحقائق وقفز على الواقع ، فلبس ودلّس ، فكان منه العجب ، فقد سرى
فيه الغرور والإعجاب ولا عجب فهذا وذاك داء أهل الضلال !! 0
ويخطىء من يكذب بالصدق لكثرة الكذابين ، وينفي الحقائق لكثرة الملبسين
فالحق أبلج والباطل لجلج ، وعلامات المهدي الثابتة في الأحاديث الصحيحة
واضحة المعالم فحذار حذار ، من خرافات الرافضة في مهديهم ، وحذار حذار ،
من ردّ الأحاديث الصحيحة ، والتكذيب بالحق ، والتنازع في الصدق ، فقد
افتُعلت في هذا العصر نزعات متعددة ، وذهب أعداد من الناس في المهدي إلى
مذاهب شتى
(1)- فقسم خرج عن الاعتدال الذي أمر الله به ورسوله ، وترك الاتزان
والوسطية في هذه القضية الكبيرة ، والمسألة المهمة ، وارتكب شططاً في
إنكار المهدوية ، وأنه خرافة لا حقيقة ، وكذب جملة من الأحاديث المتواترة
، والأخبار الصحيحة ، ورد الحجج الدامغة وزعم أن هذا من أساطير الأولين ،
وأقوال المخرفين ، ويقول قائلهم (ودعوى المهدي في مبدئها ومنتهاها مبنية
على الكذب الصريح ، والاعتقاد السيئ القبيح وهي في الأصل حديث خرافة ،
يتلقفها واحد عن الآخر ، وقد صيغت لها الأحاديث المكذوبة سياسة للإرهاب
والتخويف ، حيث غزا بها قوم على آخرين ، و إلا فمن المعلوم قطعاً أن
الرسول الكريم ( عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) لذا فلن يفرض على أمته التصديق برجل
من بني آدم ، مجهول في عالم الغيب ، ليس بملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولا
يأتي بدين جديد من ربه بما يجب الإيمان به ، ثم يترك أمته يتقاتلون على
التصديق والتكذيب به إلى يوم القيامة ، إن هذا من المحال أن تأتي الشريعة
به إذ هو جرثومة فتنة دائمة ، ومشكلة لم تحل والرسول جاء بمحاربة الفتن
... ) 0
ويقول آخر منهم ( وجرّت هذه العقيدة – يعني : عقيدة المهدي - على
المسلمين شقاء طويلاً ، إذ قام فيهم كثيرون بهذه الدعوى ، وخرجوا على
الحكام فسفكت بذلك دماء غزيرة ... ) 0
ولا يخفى على ذي علم وبصيرة أن هذا شطط في التعامل مع القضايا العلمية
وجور في الحكم ، وخروج عن العدل الذي أمر الله به ورسوله صلى الله عليه
وسلم وكم في هذا الكلام من شطحات ومخالفات أصولية علمية ، وكم فيه من
البعد عن الوسطية ، وعدم الاتزان في الحوارات الهادئة الشرعية الهادفة
للحقيقة والواقعية ، وكم في هذا الكلام من ترك الحق للباطل ، والهدى
للضلال ، ولا ريب أن هذا خطأ في المنهج والفكر ، فلا يجوز ترك الحق
للباطل ، وقد ادعى قوم النبوة ! فما نقول ؟ ونفت الجهمية ومن نحا نحوهم
عن الله تعالى أسمائه وصفاته فهل نعطل الله تعالى عن ذلك ؟ حاشى وكلا!
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى ( لا نزيل عن الله صفة من صفاته بشناعة
شنعت ) 0
(2)- وقسم من البشرية ، لم تصح الأحاديث لديهم ، ولم يفهموا ما نقل عن
النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث في هذا الباب ، وأدى إليهم
اجتهادهم بعد البحث الشديد ، وتحري الحق إلى إنكاره وعدم الإيمان به ،
فأولئك لهم أجر واحد بنص قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا حكم الحاكم
فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) متفق على
صحته من طريق يزيد بن عبد الله بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث
، عن بسر بن سعيد ، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص0
(3)- وقسم من الناس قبلوا كل ما هب ودب ، ولم يكن لديهم فرقان بين
الشحم والورم ، فقبلوا الأخبار الموضوعة ، والحكايات المكذوبة ، والحجج
الواهية وكانوا كحاطب ليل ، وصارت أسانيدهم عن هيان بن بيان وطبقته 0
وصنف من هؤلاء ، يعيشون على الرؤى والمنامات ، ويخلطون بين الحق
والباطل والصدق والكذب ، ويأتون إلى الأحاديث الصحيحة في المهدي
فيربطونها بالأحاديث الضعيفة ، ويخرجون بنتائج مضحكة ، وأراء شاذة ، وقد
جزم أحدهم بتحديد وقت خروج المهدي بموت فلان أحد ملوك هذا العصر ، وهذا
من الجهل والتعويل على الظن الذي هو أكذب الحديث 0
(4)- وقسم صاروا في حيرة مظلمة ، وتذبذب مَقيتْ ، وفوضوية عريضة ، فما
بين مصدق ومكذب ، ومنكر ومثبت ، وقديماً قيل ( لو سكت من لا يعلم لسقط
الخلاف ) ومع غياب العلماء والمصلحين تسود الفوضى ، ويكثر اللغط ، ويفتقد
الانضباط والاعتدال ، ويقول كل من المهوسين ومن في قلوبهم مرض أنا لها
أنا لها ، ويدلي كل بدلوه ، ويتصدر للخوض في هذه المسائل من ليس للكلام
أهلاً ، وحين تختفي الأسود تظهر الثعالب 0
نبئت أن النار بعدك أوقدت واستب بعدك يا كليب المجلس
وتحدثوا في أمر كل عظيمة لو كنت حاضرهم بها لم ينبسُوا
(5)- وقسم عرفوا الحق فاتبعوه ، فآمنوا في المهدي وصدقوا به ، ويقولون
بأنه من سلالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه من أهل بيت
النبوة ومعدن الرسالة وأنه ليس بنبي ولا معصوم ولا يدعي النبوة ، وأنه
بشر كآحاد البشرية إلا أن الله اصطفاه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً (
وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ) ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ
وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) وهؤلاء أئمة الحديث والمنتخبون من العلماء في كل عصر ،
فلا يبالغون في الإثبات ، ويحددون خروجه بالرؤى والتكهنات ، ولا ينكرون
الروايات الثابتة ، لقيام طوائف منحرفة ، وجماعات ضالة تدعي في مهديها
الظلوم ، أنه الإمام المعصوم ، فالحق هدى بين ضلالتين ، ورحمة بين عذابين
، ووسط بين باطلين 0
قال التابعي المشهور محمد بن سيرين رحمه الله ( المهدي من هذه الأمة ،
وهو الذي يؤم عيسى بن مريم ) ذكره عنه ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي
أسامة ، عن هشام عن ابن سيرين 0
وقال الإمام البربهاري في شرح السنة ( والإيمان بنـزول عيسى بن مريم
عليه السلام ينـزل فيقتل الدجال ...... ويصلي خلف القائم من آل محمد صلى
الله عليه وسلم) 0
وعقد الإمام ابن حبان في صحيحه عدة أبواب في ذكر المهدي 0
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في إغاثة اللهفان ( والمسلمون
ينتظرون نـزول عيسى بن مريم من السماء ، لكسر الصليب ، وقتل الخنـزير ،
وقتل أعدائه من اليهود ، وعُبَّادِه من النصارى ، وينتظرون خروج المهدي
من أهل بيت النبوة ، يملأ الأرض عدلاً ، كما ملئت جوراً ) 0
وقال أيضاً في المنار المنيف - بعد أن ساق بعض أحاديث المهدي – ( وهذه
بعض الأحاديث وإن كان في إسنادها بعض الضعف والغرابة ، فهي مما يقوي
بعضها بعضاً ويشد بعضها ببعض ، فهذه أقوال أهل السنة ) 0
وقال السفاريني في عقيدته
وما أتى في النص من أشراط فـكله حـق بلا شطاط
منها الإمام الـخاتم الفصيح مـحمد المهدي والمسيح
وقال على شرحه لهذه الأبيات ( كثرت الأقوال في المهدي حتى قيل "لا
مهدي إلا عيسى" والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى ، وأنه
يخرج قبل نزول عيسى عليه السلام ، وقد كثرت بخروجه الروايات ، حتى بلغت
حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة ، حتى عدَّ من معتقداتهم )
0
والذين ينادون بأنه لا مهدي إلا عيسى ، لا يملكون أدلة على هذا ، ولا
يقدرون على تضعيف الروايات الثابتة في المهدي ، وحديث ( لا مهدي إلا عيسى
) لا يثبت بوجه من الوجوه ، وقد رواه ابن ماجه في سننه (1341) والحاكم في
مستدركه (4/441) والخطيب في تاريخه (5/361) من طريق يونس بن عبد الأعلى
المصري ، ثنا محمد بن إدريس الشافعي ، حدثني محمد بن خالد الجندي ، عن
أبان بن صالح ، عن الحسن ، عن أنس رضي الله عنه 0
وقد حكم عليه بالنكارة ، النسائي ، والحاكم ، والبيهقي ، والذهبي ،
والقرطبي والصغاني ، وأبو الفتح الأزدي ، وقال: وإنما يحفظ عن الحسن
مرسلاً ، رواه جرير بن حازم عنه0
ويرى الذهبي أن يونس بن عبد الأعلى لم يسمع هذا الخبر من الشافعي 0
وذكر ابن الصلاح في أماليه أن أبان بن صالح لم يسمع من الحسن 0
وقال البيهقي رحمه الله ( والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح
البتة إسناداً ) 0
وقال صديق حسن خان ( وأحاديث المهدي بعضها صحيح ، وبعضها حسن وبعضها
ضعيف ، وأمره مشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار ) 0
وقال الفاسي في ( المراصد )
وخبر المهدي أيضـاً وردا ذا كثرة في نقله فاعـتضدا
ونصوص أهل التحقيق والعرفان في ذلك كثيرة جداً 0
قال ابن القيم في المنار المنيف ( وأما الرافضة الإمامية فلهم قول
رابع وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر ، من ولد الحسين بن
علي لا من ولد الحسن الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار الذي يورث
العصا ، ويختم الفضا دخل سرداب سامراء طفلاً صغيراً من أكثر من خمس مئة
سنة ، فلم تره بعد ذلك عين ، ولم يحس فيه بخبر ولا أثر ، وهم ينتظرونه كل
يوم يقفون بالخيل على باب السرداب ، ويصيحون به أن يخرج إليهم أخرج يا
مولانا ، أخرج يا مولانا . ثم يرجعون بالخيبة والحرمان ، فهذا دأبهم
ودأبه ولقد أحسن من قال
ما آن للسرداب أن يلد الذي كلمتموه بجهلكم ما آنا
فعلى عقولكم العفاء فإنكم ثلثتم العنقاء والـغيلانا
ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم وضحكة يسخر منها كل عاقل ) 0
وأما الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في خروج مهدي أهل السنة ،
فقد جاءت بأسانيد صحيحة ، وقال غير واحد من العلماء بتواترها ، وصنف
الشوكاني رحمه الله رسالة سماها ( التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر
والدجال والمسيح ) وجاء في هذه الرسالة قوله ( والأحاديث المتواترة في
المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح ، والحسن ،
والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف التواتر على
ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول)0
وقال الإمام أبو الحسن الآبري في كتاب مناقب الشافعي ( وقد تواترت
الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر المهدي ، وأنه من
أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، وأنه يملأ الأرض عدلاً ، وأن عيسى يخرج
فيساعده على قتل الدجال وأنه يؤم هذه الأمة ، ويصلي عيسى خلفه ) وقد
تناول جمع من العلماء هذا الكلام من الآبري كابراً عن كابر فنقله عنه ابن
القيم في المنار المنيف ، والحافظ المزي في تهذيب الكمال ، وابن حجر في
الفتح ، ولم يتعقبه أحد على هذا 0
وقال صديق حسن خان ( والأحاديث الواردة في المهدي – على اختلاف
رواياتها – كثيرة جداً ، تبلغ حد التواتر ) والصواب من قولي العلماء أن
التواتر ليس له حد محصور ، فقد يحصل بخبر الواحد ، حين يتلقاه الأئمة
بالقبول 0
ومن الأحاديث في هذا الباب ، حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم
حتى يبعث فيه رجلا مني أو من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم
أبي - وجاء في بعض رواياته - يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً
وجوراً ) وهذا الخبر رواه أبو داود في سننه (4282) والترمذي في جامعه
(2231) وابن حبان في صحيحه (15/236) وغيرهم من طريق زائدة وأبي بكر بن
عياش وعمر بن عبيد وفطر كما عند أبي داود ، وسفيان الثوري كما عند ابن
حبان ، وسفيان بن عيينة في رواية عنه ، عند نعيم بن حماد في الفتن ،
وشعبة كما عند الحاكم تعليقاً ، والأعمش كما عند ابن عدي ، وسليمان بن
قرم ويحيى بن ثعلبة وحماد بن سلمة وقيس بن الربيع كما عند أبي عمر الداني
والخطيب في تاريخه ، وعثمان ابن شبرمة ، وعمرو بن أبي قيس كما عند
الطبراني ، ولفظ ابن شبرمة عند ابن حبان في صحيحه [يواطىء اسمه اسمي ،
وخلقه خلقي] كلهم عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه 0
ولم يتفرد به عاصم عن زر ، فقد تابعه أبو إسحاق الشيباني ، جاء هذا في
طبقات المحدثين بأصبهان 0
ورواه عن عاصم ، هشامُ بن معاذ كما عند الطبراني في الكبير ، وسفيانُ
بن عيينة وسفيان الثوري كما عند الترمذي ، وعمر بن عبيد الطنافسي كما عند
أحمد ، وأبو إسحاق الشيباني كما عند البزار في مسنده ، وحمزة الزيات كما
عند ابن عدي ، وواسط بن الحارث وأبو الأحوص سلام بن سليم كما عند
الطبراني ، ومحمد بن عياش بن عمرو العامري كما عند أبي عمرو الداني بلفظ
( يواطئ اسمه اسمي ) ولم يذكروا ( واسم أبيه اسم أبي ) 0
وجاء الخبر من طريق عبد الله بن عمر بن أبان ، عن يوسف بن حوشب
الشيباني عن أبي يزيد الأعور ، عمرو بن مرة ، عن زر ، عن عبد الله قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تذهب الدنيا حتى يملك رجل من أهل
بيتي يوافق اسمه اسمي ) رواه الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية
وابن عدي في الكامل 0
واختلف فيه على الأعمش وشعبة وسفيان الثوري فمرة يذكرونها ومرة
يتركونها0
وقد صححه الترمذي وابن حبان وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة
ابن القيم وغيرهم من أهل الحديث 0
وجاء في سنن أبي داود (4285) من طريق عمران القطان ، عن قتادة ، عن
أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (
المهدي مني أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما
ملئت جوراً وظلماً يملك سبع سنين ) 0
قال ابن القيم في المنار المنيف ، إسناده جيد 0
وفيه عمران القطان صدوق يهم قاله البخاري ، وقال الدارقطني كثير
المخالفة والوهم ، وقال النسائي ضعيف ، وذهب جماعة إلى أنه صالح الحديث ،
وذكره ابن حبان في ثقاته 0
وقد جاء شاهد له رواه الإمام أحمد في مسنده (3/36) قال حدثنا محمد بن
جعفر ثنا عوف ، عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تقوم الساعة حتى تمتلأ الأرض ظلماً
وعدواناً ، قال : ثم يخرج رجل من عترتي - أو من أهل بيتي - يملؤها قسطاً
وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً ) قال أبو نعيم الأصبهاني في الحلية على
هذا الحديث ( مشهور من حديث أبي الصديق عن أبي سعيد) 0
وجاء في صحيح مسلم (2913) من طريق إسماعيل بن إبراهيم ، عن الجريري عن
أبي نضرة قال : كنا عند جابر بن عبد الله فقال : يوشك أهل العراق أن لا
يجبى إليهم قفيز ولا درهم ، قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من قبل العجم ،
يمنعون ذاك ، ثم قال يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدى ،
قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من قبل الروم ، ثم سكت هنية ، ثم قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً
لا يعده عدداً )
قال : قلت لأبي نضرة وأبي العلاء : أتريان أنه عمر بن عبد العزيز :
فقالا : لا 0
وقد حمل الهيثمي ، والسيوطي ، هذا الحديث على المهدي 0
وقد جاء في بعض الأحاديث أنه من ولد الحسن بن علي رضي الله عنهما ،
قال أبو داود في سننه (4290) حدثت عن هارون بن المغيرة قال ثنا عمرو بن
أبي قيس ، عن شعيب بن خالد ، عن أبي إسحاق قال : قال علي رضي الله عنه
ونظر إلى ابنة الحسن فقال : ( إن ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله
عليه وسلم ، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخُلُقِ ولا
يشبهه في الخَلْقِ . ثم ذكر قصة : يملأ الأرض عدلاً) 0
وهذا الإسناد فيه ضعف ، لم يسمع أبو إسحاق من علي ، وفيه علل أخرى 0
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في المنار المنيف ( وأكثر الأحاديث
على هذا تدل وفي كونه من ولد الحسن سر لطيف ، وهو أن الحسن رضي الله
تعالى عنه ، ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق ،
المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض ، وهذه سنة الله في عباده ، أنه من ترك
لأجله شيئاً أعطاه الله ، أو أعطى ذريته أفضل منه ، وهذا بخلاف الحسين
رضي الله عنه فإنه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها ، والله أعلم 0
وقد قال بعض المفسرين على قول الله تعالى ( لَهُمْ فِي الدُّنْيَا
خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) أن الخزي في الدنيا هو
خروج المهدي 0
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره حدثنا موسى ،
قال ثنا عمرو ، قال ثنا أسباط ، عن السدي ، قوله ( لَهُمْ فِي الدُّنْيَا
خِزْيٌ ) أما خزيهم في الدنيا فإنه إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية ،
قتلهم ، فذلك الخزي ، وأما العذاب العظيم فإنه عذاب جهنم ، الذي لا يخفف
عن أهله ، ولا يقضى عليهم فيها فيموتوا ) 0
وحكى الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى عن السدي وعكرمة ووائل بن داود
أنهم فسروا الخزي في الدنيا بـخروج المهدي ................ وصحح رحمه
الله أن الخزي في الدنيا أعم من ذلك كله 0
وهذا مجرد اجتهادٍ من هؤلاء المفسرين عليهم رحمة الله تعالى ، وقد
جاءَت الإشارة إليه استئناساً وشاهداً ، لا احتجاجاً واستدلالاً 0
وهذه طريقة كثير من الأئمة يوردون مثل هذا عقيب سرد الأدلة الصحيحة
والأصول الثابتة ، فلا مناص عن التصديق بخروج المهدي ، وأنه من آل البيت
، وأنه حاكم عادل ، فينشر العدل ويرفع الظلم ، ويعطي كل ذي حق حقه ، وفقاً
لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه لو خرج لو جب على المسلمين ،
مبايعته وطاعته ومناصرته 0
وليس معنى ذلك أن يُتبع كل من يدعي المهدوية ويتزعمها ، ويقول أنا لها
، وأنا الحائز على شرفها ، فالدجالون كثر ، والمخرفون أكثر ، ومن في
قلوبهم مرض زاد شرهم وطغى ، وفي كل يوم نسمع بمهوس يدعي المهدوية ويقول
أنا المهدي المبشر به ، وقد أوحت إليه الشياطين بهذا ، فغرته وأردته
الهاوية ، والله تعالى يقول ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى
أَوْلِيَائِهِمْ ) وقال تعالى ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ
نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ . وَإِنَّهُمْ
لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ .
حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ
الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) ولذلك صار هؤلاء فريسة رهطهم من
الشياطين ، وضُحكة المجتمع ، وطُرفة الزمن ، والبعض من هؤلاء يتورط فيها
بسبب أحلام يظنها يقضه ، وخيال يحسبه حقيقة ( وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ
بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ) وقدجروا بهذا الفعل القبيح ، والعمل
الفظيع على الأمة الإسلامية محناً ، وأثمرت دعاويهم فتناً وحَكّمُوا
عقولهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة على الشريعة بدلاً من أن يحكموها (بِئْسَ
لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) 0
ولو أن هؤلاء كان لهم بصر نافذ ، واطلاع على التاريخ ، لكفوا عن ذلك
ولأحسنوا الخروج من التورط في هذه الضلالات والموبقات ( والعاقل ينظر قبل
أن يمشي والأحمق يمشي قبل أن ينظر ) ولو قلبوا صفحات التاريخ لنكلوا عن
ذلك ، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، ولكن أنى لهم بتلك العبر ( وَمَنْ
يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً )
0
ولله در الإمام أبي عبد الله سفيان الثوري رحمه الله تعالى ، ذي البصر
النافذ والعقل الراجح ، حيث لزم التأني وعدم التعجل والفوضوية في هذا
الأمر الكبير ، فعن حفص بن غياث رحمه الله تعالى قال : قلت لسفيان الثوري
: يا أبا عبد الله ، إن الناس قد أكثروا في المهدي فما تقول فيه ؟ قال :
( إن مر على بابك ، فلا تكن منه في شيء ، حتى يجتمع الناس عليه ) ذكر ذلك
أبو نعيم في الحلية (7/31) 0
وهكذا يكون العلماء الراسخون ، والدعاة الربانيون ، لا تطوف عليهم هذه
الخزعبلات والترهات ، فينظرون بنور الشريعة ، حسب ما يدلهم عليه كتاب
ربهم ، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، عن طريق الأدلة الصحيحة الصريحة
عنه صلى الله عليه وسلم0
وثمت طائفة من الناس يولد عنده هذا الحديث ، وهذه البشائر والمفرحات ،
انهزاماً روحياً ، وإحباطاً في الإنتاج ، وخللاً في العمل من نشر العلم ،
وتبليغ الدين ، ومواجهة الانحرافات في الأمة ، ويعكس هذا عنده أموراً
سلبية ، فيتكل على تلك ، وينكل عن العمل الجاد المثمر ، ويكون عنده من
الأماني التي هي رأس مال المفاليس ما لا يخطر على بال ، ولا يدور في خيال
، ولا ريب أن هذا من مصائد الشيطان ومكائده ، وإن هذا الظن الكاذب ،
والجهل المركب ، يجر الأمة إلى كوارث مدلهمة ، وأزمات متتالية 0
وإن الإنسان الجاد في فكاك نفسه ، الحاذق في فهمه ، الحريص على ما
ينفعه صاحب الهمة العالية ، هو الذي يتخذ من تلك المحفزات والمبشرات ،
أعظم الإيجابيات ، وأكبر المحفِّزات في مواصلة العمل الجاد لتبليغ دين
الله تعالى ، وتوعية البشرية وتبصيرهم بأمور دينهم الذي به قوامهم وعزهم
، والسعي الحثيث والعمل المتواصل لتوطيد شرع الله في أرضه ، والنأي بهم
عن مراتع الذل والهوان ، والركون إلى أعداء الله تعالى ، وموالاة الذين
كفروا 0
ذلك أن الحديث عن المهدي ونحوه من المبشرات من أعظم ما يحفز على
الاجتهاد والركوب في سفينة النجاة ، وميل القلب والقالب إلى التعلق بالله
تعالى ، والاستعداد إلى لقاء الله تعالى بالأعمال الصالحات ، والعمل على
نشر الدين الخالص ، والعقيدة الصافية وتمكين الثوابت الشرعية ، والأصول
العقدية ، في جذر القلوب ، ودليل ذلك قوله صلى الله صلى الله عليه وسلم (
بادوا بالأعمال ستّاً الدجال ، والدخان ودابة الأرض ، وطلوع الشمس من
مغربها ، وأمر العامة وخويصة أحدكم ) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (2947)
من طريق قتادة ، عن الحسن ، عن زياد بن رياح ، عن أبي هريرة 0
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن قامت الساعة وفي يد أحدكم
فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل ) أخرجه الإمام أحمد في
مسنده (3/191) والبخاري في الأدب المفرد (146) وأبو داود الطيالسي في
مسنده (3/545) وعبد بن حميد في المنتخب من مسنده (1214) والضياء في
المختارة (7/264) كلهم من طريق حماد بن سلمة ، عن هشام بن زيد ، عن أنس
.. به 0
وقد روي من وجه آخر ، رواه ابن الأعرابي في معجمه (1/116) من طريق عبد
الحميد بن صالح ، نا وكيع ، عن شعبة ، عن هشام بن زيد ، عن أنس قال : قال
رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم ( إن قامت على أحدكم الساعة ، وفي
يده فسيلة فليغرسها ) ويشبه أن يكون هذا الطريق غير محفوظ ، فقد رواه
الإمام أحمد في مسنده (3/184) عن وكيع ، عن حماد بن سلمة ، عن هشام بن
زيد ، عن أنس به ، وهذا هو المحفوظ 0
وروي من وجه آخر عن شعبة ، رواه ابن عدي في الكامل (5/38) من طريق عمر
بن حبيب القاضي ، عن شعبة ، عن هشام بن زيد ، عن أنس به 0
وقد أنكر هذا الطريق ابن عدي ، فقال عقبه : وهذا من حديث شعبة ، عن
حماد ابن زيد ، لا يرويه غير عمر بن حبيب ، وهذا الحديث معروف بحماد بن
سلمة ، عن هشام بن زيد 0
وعمر بن حبيب : قال عنه البخاري يتكلمون فيه ، وقال عنه ابن معين
والنسائي ضعيف 0
وقد أدرك ذلك علماء الإسلام ، ووعاه أصحاب الإرث النبوي ، أسوة بنبيهم
صلى الله عليه وسلم ، قال داود ابن أبي داود المدني : قال لي عبد الله بن
سلام ( إن سمعت بالدجال قد خرج وأنت على ودية تغرسها فلا تعجل أن تصلحها
فإن للناس بعد ذلك عيشاً ) رواه البخاري في الأدب المفرد (169) من طريق
سليمان بن بلال ، قال : أخبرني يحيى بن سعيد ، قال : أخبرني محمد ابن
يحيى بن حبان ، عن داود بـه 0
وقال العلائي مقصود هذه الأخبار ، الحث على البداءة بالأعمال قبل حلول
الآجال ، واغتنام الأوقات قبل هجوم الآفات ، وقد كان صلى الله عليه وسلم
من المحافظة على ذلك بالمحل الأسمى ، والحظ الأوفى ، قام في رضى الله حتى
تورمت قدماه 0
قال القاضي – على حديث (بادروا بالأعمال) - أمرهم أن يبادروا بالأعمال
قبل نزول هذه الآيات ، فإنها إذا نزلت أدهشت وأشغلت عن الأعمال أو سد
عليهم باب التوبة وقبول العمل 0
كتبه
سليمان بن ناصر بن عبد الله العلوان
23/11/1423هـ
snallwan@hotmail.com
www.al-alwan.org
*** |