أن دكتورنا ـ غفر الله ـ تواضع قليلاً لإخوانه "العقديين" هنا أيضاً،
لعلمَ أن ذاك الكتاب القذر لم يُطبعْ في الهند قطْ. وإنما طُبعَ في إيران
مركز التشيع والرَّفض. ولو أنه أرعى سمعه وعقله لشرح له "العقديون" أن
المشكلة ليست محصورةً في كتاب (فصل الخطاب )، ولا في مكان طبعه.
فسواءٌ طُبعَ الكتاب في الهند أو نجازاكي أو في زُحَل.
وسواءٌ طُبعَ طبعةً واحدةً أو اثنتين. أو لم يُطبَع قطْ.
بل لو أن ذاك الكتاب لم يُخلَق في هذه الدنيا، ولا خُلِق مؤلفه.
كلُّ ذلك لا قيمة له ولا تأثير في المسألة التي يدرك "العقديون" وحدهم
أبعادها وخطورتها.
كتاب (فصل الخطاب ) - لو عَلِم الدكتور - لا جديدَ فيه، فمؤلفه لم يزدْ
على جمع المتفرِّق في كتب أعيان الشيعة القائلين بتحريف القرآن. تلك
الكتب التي لا زالتْ تطبع إلى اليوم بالآلاف في طهران وفي قُم من غير أن
يشعر الدكتور. وهي كتبٌ متداولةٌ وليست منبوذةً. بل هي محلُّ حفاوة علماء
الشيعة. ومؤلفوها محلُّ تقديرٍ وإجلالٍ. بل هم معدودون عندهم من أئمة
الإسلام وأعيانه المبرَّزين.
أقول هذا الكلام وأنا في شكٍّ كبيرٍ من فائدته في تغيير موقف الدكتور،
فالتحقُّق من موقف الشيعة المعاصرين من القول بتحريف القرآن مبحثٌ "عقدي"،
فهو - بالتالي - ليس من محتويات صندوق دكتورنا الفاضل. لكنَّ "العقديين"
- باعتبارهم يتحدثون في فنِّهم، ولأنهم ينطلقون من قواعد شرعية محكمة -
لا يكفيهم أن يقول المعمَّم الشيعي: (أنا لا أقول بالتحريف )، سواءٌ صدق
في قوله أو كذب. بل يريدون موقفاً واضحاً وحازماً من كلِّ من تجرَّأ على
الطعن في دستور الأمة. فلا أقلَّ من الاتفاق على كفر القائل بذلك الفجور
والتبرِّي منه.
قد يرى د. الأحمري في هذا الموقف شيئاً من المبالغة والتشدُّد، لكنَّ "العقديين"
يريدون أن يفهم الدكتور أن للقرآن الكريم عندهم منزلةً عاليةً وأهميةً
بالغةً. فهو عندهم أهمُّ من المفاعل النووي الإيراني الذي يُشفِق عليه
الدكتور من الدَّمار، و يريد أن يكون له دورٌ في إحداث توازن في المنطقة،
وردع إسرائيل عن أطماعها التوسعية، وتخفيف مذابحها ضد الفلسطينيين!
وكما قلتُ في مسألة "خلق القرآن" ، أقول في مسألة "تحريف القرآن"، فسواءٌ
قال الشيعة بالتحريف أو لم يقولوا، فموقف الدكتور ـ غالباً ـ لن يتغير.
بل لو أطبقَ الشيعة كلهم على القول بالتحريف ، فالدكتور - وإن اعتبر هذا
القول كفراً - فإنه سيوجب على "العقديين" الكفَّ عن "التهييج العقدي"،
والبعد عن إثارة الخلاف المذهبي، لئلا يستفيد العدوُّ الصهيونيُّ
الأمريكي من ذلك. فالموقف السياسي هو وحده الحاضر في عقل الأستاذ!
من آثار "خدعة التحليل السياسي" احتفاء د. الأحمري ببروز فكرة "ولاية
الفقيه" لدى الشيعة، فهي - في تصوره -