قريبا - إن
شاء الله تعالى
- من السعودية :
انتحار
( الليبرالية ) على عتبة ( السلفية ) ..!
من سوء حظ
الليبراليين السعوديين أنهم راهنوا على مشروعهم في بلد هو السعودية ؟
ومع تهيؤ
كثير من الأسباب والعوامل الكفيلة لهذا المشروع بالنجاح ، إلا أن هذا
المشروع لا زال طفلا وليدا ، يعالج سكرات الموت، ذكرني حال الليبرالية في
بلادنا ، بحال الفرقة الصوفية المسماة بالاحمدية ، والتي قام بينها وبين
شيخ الإسلام ابن تيمية نقاش وحوار قوي ، كشف فيه ابن تيمية كثيرا من
أساليهم وألاعيبهم ، وانحرافهم عن منهج الإسلام ، فما كان من شيخهم إلا
أن أنطقه الله بقوله : أحوالنا إنما تنفق على التتر ، لا تنفق على
المسلمين ..!
ليت معاشر
الليبراليين أدركوا هذا مبكرا ، علهم أن يوفروا كثيرا من الجهد والوقت
والمال ، ويحتفظون بها في أماكن أخرى لعل وعسى ، بدلا من هذه الجهود
والخطط والإمكانيات الضخمة ، وكر الشهور والسنون ، والتي لم تحقق لهم من
آمالهم مذكورا ، ولا يزالون مستمرين ، ولا زالت النتائج تتضاءل ، والثمار
اليانعة تنقلب سهاما حارقة في نحورهم .
من سوء
حظهم أن خاضوا معركتهم في هذه البلاد ، ضد ( السلفية ) ، وتوهموا بأن
بمقدورهم بناء ناطحات السحاب الليبرالية على أشلاء السلفية ، وأن ما
عندهم من فكر وعلم ، ومشاريع وإمكانيات كاف لتفكيك البنية التحتية
للسلفية ، وأن الانفتاح والتطور سيخرج السلفية من انغلاقها ليرمي بها في
أخبار السالفين والراحلين ، وأن الحسم الليبرالي ، مسألة لا تطلب غير وقت
، سترتفع بعده رايات النصر ..
بعد كل هذه
الجهد ، والتمكن ، والسيطرة التامة على منافذ الصوت والصورة ، والضخ
الإعلامي الهائل ، كانت هذه الثمار الليبرالية :
1- التبرؤ
من اللقب ، والفرار منه ، وإنكار حتى مجرد الانتساب إليه ، فلا أحد منهم
الآن يقول عن نفسه بأنه علماني ، وحتى كلمة الليبرالية ، يتبرؤ منها
الكثير ، ويوقع عليه الآخرون ، بعد مقدمات وممهدات .
2-
الاستناد إلى الشرع في تمرير هذه الأطروحات ، وكان من الخزي الذي لقوه ،
أن جعلوا الليبرالية وكأنها حكم شرعي دلت عليه الشريعة ، وسار عليه
الصحابة ، ونصره الفقهاء .
3-
الاعتماد في عامة مشروعهم الفكري والحضاري على النقد ، وملاحقة الأخطاء ،
فأكثر ما عند القوم هو نقد لما عند السلفية ، فهم يعرفون ما لا يريدون ،أكثر
من معرفتهم ماذا يريدون .
4-
الاضطراب والاختلال الكبير ، لا أقول لدى الكثير منهم ، بل وعند الواحد
منهم في نفسه ، فمرة يقرر العلمانية ، ثم يكفر بها من الغد ، ثم يتسامح
معها بعده ، ودواليك .
5- الغمغمة
الفكرية ، والإصلاحية التي تقوم عليها كثير من مبادئهم ، فلا هم أعلنوها
صريحة ، ولا هم أنكروها ، بل هم يغمغمون ويصنصون ، مما يدرك غايته الناقد
البصير ، ويرأف لحالهم ، ويشفق لوضعهم ، ويود له ساعدهم على البوح
والإظهار .
6- التناقض
مع مبادئهم التي يعلنون ، فهم يريدونها ديمقراطية ، ثم لا يريدونها إلا
بعد الإصلاح الذي تتهيأ الأرضية معه لتمرير ما يريدون ، ومرة ليبرالية ،
وأخرى حكومية .. ودواليك ..
وفوق هذا
كله ، أصبح هم القوم ، ومنالهم ، وغاية أحلامهم ، كشف وجه المرأة ، أو
قيادة السيارة ، أو مع النوادي النسائية ، وبالضوابط الشرعية أيضا، فتجد
الاستماتة فيها ، بعد أن كانت المطالبات والرؤى سلفا تنطلق لرؤية شاملة
للكون والحياة ونظام الحكم ، والتحكم في سلطة الدين ، فانحسر هذا السقف
العالي التي كانت تدخل منه الناطحات ، فما عاد يسع ليدخل منه أحدهم رأسه
.
وأثمرت بعض
جهودهم في إخراج أشكال من الليبراليات المهذبة والمشذبة ، والمفصلة
بمقاصات مختلفة ، كل واحدة منها تعلن أختها .
وأصبح من
مساعي بعضهم أن يروج لمصطلح التيار الاسلامي ، ليتحسس من خلاله ، على
وجود مدافعة في المجتمع بين تيارات متعددة ، فيريد أن يجد لفكره ، ولو
مجرد رقم في الزاوية اليسرى .
لا بد أن
يعلم الليبراليون السعوديون أنهم في هذه البلاد يجابهون شيئا اسمه
(السلفية) ، ولا بد أن يتعقلوا قليلا ليعرفوا حقيقة هذه السلفية
التي يحاربون ، وأنه منهج إسلامي شامل ، له جذوره وتاريخه ، وقد توالت
عليه القرون تمحيصا وتحقيقا وتدقيقا ، ولا زالت دعواته تلقى الرواج
والانتشار في كافة أنحاء العالم الإسلامي ، حتى ضج من هذا القبول بعض
الناس ممن يدعي إمرة الاعتزال في أحد البلدان ، فأقر بأن سبب انتشار
السلفية موافقتها لأهواء العامة ! قال هذا لأنه يدرك جليا تأثير المنهج
السلفي على العامة .
من ميزات
المنهج السلفي ، والذي تقض به مضاجع القوم ، أنه منهج واضح ، جلي ، ليس
فيه غموض ، ولا غمغمات ، بسبب هذا الوضوح اشتعلت الخصومات ضده من فرق
وطوائف كثيرة .
ومن دعائم
هذا المنهج ، التكفير ، ولا عيب فيه إلا أنه يحمي الدين من المتلاعبين
والمتطاولين ، ويحقق الحدود الحقيقة للدين ، فلا يدخل فيه ما ليس منه ،
ولا يخرج ما هو منه ، فيبقى الإسلام واضحا جليا ، والغلو في التكفير ، لا
يعالج بالتنفير منه ، بل هو منهج شرعي عادل ، خفقت بسببه قلوب كثير من
المفسدين ، وأرجعت ظواهرها إلى بواطنها ، فبقي الدين متماسكا ، والحق
ساطعا .
مما يحسن
ذكره أن أحد الأخوة الفضلاء ، جمعه مجلس مع أحد قادة الحركات الإسلامية
الشهيرة ، وكان الحديث موصولا في نقد السلفية والتكفير ، فأجاب صاحبنا
بكل هدوء : بأن التكفير لو كان موجودا في بلادكم ، لما وصل حالها لما قد
علمت ، فقال : صدقت .
طبعا : هذا
في التكفير الشرعي القائم على أصوله الشرعية ، والمنطلق من أفواه أهل
العلم الراسخين فيه ، والذي لا يكون إلا بما علم كفره قطعا ، وبعد إزالة
الشبهة مما هو معلوم عند أهل هذا الشأن .
وفي المنهج
السلفي تعميق لمعاني الإخلاص ،والتضحية ،والصبر ، والتفاني في خدمة الدين
، ونصرته ، والذب عن حرماته ..
هذا كله ،
سيكون سبب الانتحار الذي
يرمى بالليبرالية إلى التاريخ - إن شاء الله
تعالى - ، ولو أن أتباع المنهج الحق صدقوا الله ، وأصلحوا حالهم ،
واجتمعت كلمتهم ، وصححوا مسيرتهم ، لما بقي في الليبرالية في هذه البلاد
عين تطرف ، والأمر لله من قبل ومن بعد .