الجزء الثاني :
هل يعقل أن الشرك كان موجوداً في بلاد نجدٍ قبل الشيخ محمد بن عبدالوهاب
؟!
الدكتور صالح الحسن
الشيخ
صالح الفوزان
وجود
علماء قبل دعوة الشيخ لم يمنع
من انتشار الشرك في البلاد النجدية
سليمان الخراشي
انخدع
بعض الفضلاء - عفى الله عنهم - بدعوى رددها خصوم الدعوة الإصلاحية التي
قام بها الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - ، هي زعمهم أن
علماء الدعوة ومؤرخيها بالغوا في وصف حال البلاد النجدية المُظلم قبل
دعوة الشيخ ، حتى قال أحد الخصوم - وهو ابن عمرو - " إنه لم يوجد بعد
الرسول صلى الله عليه وسلم في نجد ومايليها من الأقطار والأمصار شركٌ ولا
كفر " ! تعريضًا - كما يقول الشيخ ابن سحمان - رحمه الله - " بأن ما دعا
إليه الشيخ محمد بن عبدالوهاب من الدعاء إلى توحيد الله ، والنهي عن
الشرك : أنه ليس من الدين في شيئ ، بل هو مجرد هوى وطلب للملك بدعوى
الجهاد " . ( انظر : الرد على ابن عمرو ، ص 135 ، عن مجلة الدرعية ع 2 ص
270 ) . وقد أشار الإمام المجدد إلى هذه الدعوى التي نشرها الخصوم في
عصره في رسالته إلى محمد بن عيد ( كما في الدرر 10/114 ) ، قال : " فلما
أظهرتُ تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ، سبّوني غاية
المسبة ، وزعموا أني أكفر أهل الإسلام ، وأستحل أموالهم ، وصرحوا أنه لا
يوجد في جزيرتنا رجل واحد كافر " !
فتأثر
بعض الفضلاء - كما سبق - بمثل هذه الدعاوى - للأسف - ، عندما أخذت بعضهم
الحمية للبلاد النجدية ، زاعمًا المبالغة في كلام علماء الدعوة ومؤرخيها
عند حديثهم عن الحالة الدينية أو العلمية في نجد قبل الدعوة ، مدعيًا
خلاف ذلك ، وفي هذا ما فيه من التشكيك بكلام العلماء الثقات ، قادهم إليه
عدم فهمهم لمقصودهم .
وتوضيح
هذا : أن علماء الدعوة - كالشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن في رسالته عن
أحوال البلدان قبل الدعوة ، في الدرر السنية 1/373-439 ، ومؤرخيها ؛ كابن
غنام وابن بشر في تاريخيهما - عندما يتحدثون عن انتشار البدع والشركيات
فإنه لا يستلزم من كلامهم هذا : جهلهم بوجود العلماء - بالمعنى العام -
قبل الدعوة ، ممن يشتغلون بالفتيا أو القضاء أو الإمامة ، فهذا لايجهله
العامة فضلا عن العلماء والمؤرخين ، ولكن
وجود هؤلاء
العلماء المُشار إليهم لا ينفي ما ذكره أئمة الدعوة من انتشار البدع
والشركيات في عصرهم ؛ لأنهم لا يخرجون عن ثلاثة أصناف
:
1-
إما
عالمٌ مبتدع
، يدين بالعقيدة الأشعرية التي لا تُقيم لتوحيد الألوهية والعبادة وزنًا
، وإنما همها إثبات وجود الخالق ، وتوحيد الربوبية الذي لم يُنكره حتى
الكفار ! ، ولهذا فهؤلاء " العلماء " لايرون في تلك الممارسات البدعية أو
الشركية انحرافًا ! إن لم يؤيدوها .
2-
وإما
عالم " مداهن "
، رضي بالمنصب والجاه ، رغم علمه بانحراف كثير من العامة ، لكن يمنعه
ماسبق ، وهؤلاء وصفهم الإمام في إحدى رسائله بأنهم " لحىً فوائن " ! - أي
لانفع منها - .
3-
وإما
عالم " جبُن " عن مخالفة واقعه
وأبناء عصره ، فرضي بالانزواء أو السكوت .
إذًا ..
فعلماء ومؤرخو الدعوة ليس في كلامهم عن أحوال نجد " مبالغة " - كما ظن
بعض الفضلاء - عفى الله عنهم - ؛ لأنه لا تعارض عندهم بين مايسميه هؤلاء
الفضلاء - علمًا وعلماء - ويعنون المعنى العام ، وبين وجود الانحرافات
المستطيرة بين العامة والبادية ، بل وبعض مبتدعة العلماء .
فمن
الخطأ البين بل السذاجة أن يُشغل هؤلاء أنفسهم لإثبات " المبالغة "
المزعومة بمجرد وجود مخطوطة كتبها أحد العلماء النجديين قبل الدعوة ! أو
وجود العالم الفلاني الذي ألف في الفقه أو المواريث ! حتى وصل الحال
ببعضهم - لكي يُثبت هذه المبالغة - أن يستشهد بقدوم " الأوزاعي " في
القرن الثاني أو الثالث لمنطقة اليمامة للتتلمذ على المحدث يحيى بن أبي
كثير - رحمهما الله - !! و لا أدري ما علاقة هذا بدعوة الشيخ وماقبلها ؟!
= = = =
= = = = = = = = = =
ولقد
أثار الأستاذ حمد الجاسر - رحمه الله - هذه المسألة في ملاحظاته على كتاب
" تاريخ البلاد العربية السعودية " للدكتور منير العجلاني ، ( 1 /
451-452 ) ، وأثارها الدكتور المؤرخ عبدالله العثيمين في مقاله المنشور
بمجلة " الدارة " ( العدد 3 السنة 4 ) بعنوان : " نجد منذ القرن العاشر
الهجري " ، قال فيه :
(
المصادر المتوافرة بين أيدينا غير متفقة في وصفها للحالة التي كان عليها
النجديون من حيث العقيدة والقيام بأركان الإسلام خلال الفترة التي
يتناولها هذا البحث، فالمصادر المؤيدة لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب
تعطي صورة قاتمة لتلك الحالة، لكن بعضها يختلف عن البعض الآخر في المدى
الذي يصل إليه قتام هذه الصورة ) .
( لكن
بعض المصادر تبرز نجداً موطناً لعلماء أجلاء أكثرهم كان يتحلى بالورع
والصلاح، كما أنها تصور غالبية سكانها من الحضر –على الأقل- متمسكة
بأحكام الإسلام، منفذة لواجباته وسننه ، والأشعار التي قيلت في تلك
الفترة لا تحتوي على ما يخالف العقيدة الإسلامية الصحيحة أو يتنافى مع
أحكام الإسلام العامة، بل إن تلك الأشعار تبرز تمسك قائليها بعقيدتهم
والتزامهم بإسلامهم، وتوضح أن المجتمع الذي عاشوا فيه كان مجتمعاً
مستقيماً في أكثر تصرفاته ) .
( ومن
المقارنة بين المصادر المختلفة يبدو أن الحالة الدينية التي كانت سائدة
في نجد آنذاك لم تكن بالصورة التي أظهرتها بها بعض المصادر المؤيدة لدعوة
الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية ) .
(
ويُنظر أيضًا : كتابه " الشيخ محمد بن عبدالوهاب - حياته وفكره " ص 21-22
، وكتابه " تاريخ المملكة العربية السعودية " 1/53-56 ) .
وقد
تعقبه الدكتور صالح الحسن - وفقه الله - في العدد الأول من السنة الخامسة
من مجلة " الدارة " ، بهذا المقال :
تعقيب
حول مقال الدكتور العثيمين للأستاذ : صالح محمد الحسن
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
سعادة
الأستاذ محمد حسين زيدان رئيس تحرير الدارة .. حفظه الله
فقد
اطلعت في مجلة الدارة في عددها الثالث من السنة الرابعة على مقال بعنوان:
نجد منذ القرن العاشر الهجري، حتى ظهور الشيخ محمد بن عبدالوهاب، بقلم
الدكتور: عبدالله العثيمين.
ولقد
أعجبت بالمقال، وموضوعه الشائق، ومنهجه التحليلي لبعض الحوادث والأخبار.
ومع ذلك
فإن لي عليه ملاحظة أرجو من سعادة الدكتور أن يتقبلها بصدر رحب، وله مني
جزيل الشكر، وموفوره.
وفي
بداية حديثي أقول: إن دور المؤرخ المسلم في بناء الأمة: يتمثل في عرض
حقائق التاريخ الإسلامي عرضاً تاريخياً تربوياً، يؤدي دوره في بناء الأمة
الإسلامية، كما يتمثل في تنقية التاريخ الإسلامي، مما دس فيه من روايات،
وأخبار كاذبة، هدفها تشويه التاريخ الإسلامي، والنيل من المسلمين، وخدمة
أغراض طائفية أو مذهبية.
ومن هذا
المنطلق أقول: إنني لا أجد مبرراً لمن يشتغلون بالتاريخ من أبناء
المسلمين: أن يعمدوا إلى فلسفة، وتحليل بعض الحوادث، والأخبار ليشككوا في
بعض الحقائق التي تؤدي دورها في بناء الأمة الإسلامية.
وهذا ما
حدث لسعادة الدكتور، وذلك حينما بحث الناحية العقدية في ذلك الزمن –موضوع
بحثه- حيث أنهى سعادة الدكتور تحليله لتلك الناحية بالقول: " بأن هناك –أي
في نجد- جهله يمارسون أعمالاً شركية، لكن عدد هؤلاء –والحديث للدكتور-
كان فيما يظهر قليلاً " .
وهذه
النتيجة –وهي ملاحظتي على المقال- تشكيك في الدور الذي قام به الإمام شيخ
الإسلام محمد بن عبدالوهاب، من محاربة مظاهر الشرك بالله، والعودة بالأمة
إلى الكتاب والسنة: عقيدة، وسلوكاً، ومنهاج حياة.
وهذه
النتيجة تظهر الشيخ بأنه كان مجرد زعيم، أحب الزعامة، وعمل لتحقيق هذه
الرغبة، وأن ما قام به من جهاد مسلح لنجد وما حولها لم يكن لإعلاء كلمة
الله، بل لم يكن مشروعاً، لأن الناس قد سلكوا منهج الله في العقيدة،
والسلوك، إلا النزر اليسير منهم.
كما أن
هذه النتيجة تشككنا فيما نقله الثقات لنا من أخبار ذلك الوقت، وحوادثه،
بل تشكك في كل ما نقله أتباع المصلح عن إمامهم.
وأود أن
أذكر سعادة الدكتور: بأن ما شكك به من أخبار أهل زمان الشيخ، وما هم عليه
، ليس هو رأي الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والشيخ حسين ابن غنام، والمؤرخ
عثمان بن بشر- وكفى بهم حجة-، وإنما هو رأي جميع الكتاب، والمؤرخين-
الذين كتبوا عن تاريخ الشيخ وما قام به من أعمال وتضحيات، سواء منهم
المعاصر للشيخ –رحمه الله- أو المتأخر عنه.
وإليك
وإلى القارئ الكريم بعض أخبار هؤلاء الثقات:
يقول
الشيخ عبدالله بن عيسى قاضي الدرعية وهو من المعاصرين للشيخ في رسالة له
: ( فالله الله عباد الله: لا تغتروا بمن لا يعرف شهادة أن لا إله إلا
الله، وتلطخ بالشرك وهو لا يشعر، فقد مضى أكثر حياتي، ولم أعرف من أنواعه
ما أعرفه اليوم –فلله الحمد على ما علمنا من دينه- ولا يهولنكم اليوم أن
هذا الأمر غريب، فإن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: بدأ الإسلام غريباً،
وسيعود غريباً كما بدأ، واعتبروا بدعاء أبينا إبراهيم –عليه السلام-
بقوله في دعائه : ) واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيراً
من الناس( .
ولولا
ضيق الكراسة، وأن الشيخ محمد ( يعني محمد بن عبدالوهاب ) أجاد وأفاد بما
أسلفه من الكلام فيها لأطلنا الكلام.
وأما
الاتحادي بن عربي صاحب الفصوص، المخالف للنصوص، وابن الفارض، الذي لدين
الله محارب، وبالباطل للحق معارض، فمن تمذهب بمذهبهما فقد اتخذ مع غير
الرسول سبيلا، وانتحل طريق المغضوب عليهم، والضالين المخالفين لشريعة سيد
المرسلين، وقد كفرهما كثير من العلماء العاملين، فإن لم يتب إلى الله من
انتحل مذهبهما وجب هجره، وعزله عن الولاية إن كان ذا ولاية من إمامة، أو
غيرها، فإن صلاته غير صحيحة، لا لنفسه ولا لغيره.
فإن قال
جاهل: أرى عبدالله - يعني نفسه - توه يتكلم في هذا الأمر: فليعلم أنه
إنما تبين لي الآن: وجوب الجهاد في ذلك علي، وعلى غيري، لقوله تعالى : )
وجاهدوا في الله حق جهاده ( - إلى أن قال - ( ملة أبيكم إبراهيم( وصلى
الله على محمد وآله وسلم ) .
هذا ما
قاله أحد معاصري الشيخ، وهو يثبت فيه وجود الشرك في نجد حينذاك، ووجود من
ينتحل مذهب ابن عربي، وابن الفارض، القائلين بوحدة الوجود في هذه البلاد
النجدية.
ويقول
الإمام عبدالعزيز محمد بن سعود وهو من المعاصرين للشيخ –رحمه الله- : (
فلما من الله علينا بمعرفة ذلك - أي معنى شهادة أن لا إله إلا الله - ،
وعرفنا أنه دين الرسل: اتبعناه، ودعونا الناس إليه، وإلا فنحن قبل ذلك
على ما عليه غالب الناس، من الشرك بالله، من عبادة أهل القبور،
والاستغاثة بهم، والتقرب إلى الله بالذبح لهم، وطلب الحاجات منهم، إلى أن
قال: فحين كشف لنا الأمر، وعرفنا ما نحن عليه، من الشرك، والكفر بالنصوص
القاطعة، والأدلة الساطعة: من كتاب الله، وسنة رسله صلى الله عليه وسلم ،
وكلام الأئمة الأعلام الذين أجمعت الأمة على درايتهم: عرفنا أن ما نحن
عليه وما كنا ندين به أولاً أنه الشرك الأكبر الذي نهى الله عنه، وحذر )
.
ويقول
الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب: ( حالة الناس قبل هذا الدين:
أكثرهم حالة، كحالة أهل الجاهلية الأولى، وكل قوم لهم عادة، وطريقة ،
استمروا عليها ، تخالف أحكام الشرع، في المواريث، والدماء، والديات، وغير
ذلك، ويفعلون ذلك مستحلين له ) .
ويقول
الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ: ( اعلم يا أخي وفقني الله وإياك للصواب
أن أهل نجد في باديتهم وحاضرهم قبل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في
جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، قد اشتدت غربة الإسلام فيما بينهم، واستحكمت،
وعم الشرك وطم، وفشا الشرك وشاع الكفر وذاع في القرى والأمصار والبادية
والحضار، وصارت عبادة الطواغيت والأوثان: ديناً يدينون به، ويعتقدون في
الأولياء أنهم ينفعون ويضرون، وأنهم يعلمون الغيب، مع تضييع الصلاة، وترك
الزكاة وارتكاب المحرمات ) .
ويقول
الإمام الشوكاني في وصف نجد، وغيرها ممن دخل تحت طاعة الشيخ محمد بن
عبدالوهاب : ( وبالجملة: فكانوا جاهلية جهلاء كما تواترت بذلك الأخبار،
ثم صاروا الآن يصلون الصلوات لأوقاتها، ويأتون بسائر الأركان الإسلامية
على أبلغ صفاته )
ويقول –أيضاً-
في وصف نجد قبيل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب: ( وكانت تلك البلاد قد
غلبت عليها أمور الجاهلية، وصار الإسلام فيها غريباً ) .
وبعد
نصوص هؤلاء الثقات : نورد بعض النصوص لعلماء ومؤرخين، ومستشرقين كتبوا عن
دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأثرها في نجد، ممن كتبوا في العصر الحاضر
: يقول أمين الريحاني في وصف الحالة في نجد قبيل دعوة الشيخ محمد بن
عبدالوهاب : ( قبل ظهور هذا المصلح النجدي كان العرب في نجد بل في الشطر
الشرقي من شبه الجزيرة منغمسين في عقائد وعبادات جاءتهم من النجف، ومن
الأهواز، فكان لا يزال لإباحة القرامطة اثر في الأحساء، وكان للقبور
شفاعة لا شفاعة فوقها، فأحلها الناس المحل الأعلى في العبادة، والتوسل ،
والحق يقال: إن هذه البدع أو هذه الخرافات القديمة أبعدت العرب بادية
وحاضرة عن حقيقة الدين، أبعدتهم عن الإسلام الذي جاء يبطل عبادة الأوثان،
وكل ما فيه رائحة العبودية لغير الله ) .. إلى آخر كلامه في هذا الموضوع.
ويقول
الدكتور طه حسين: ( أنكر محمد بن عبدالوهاب على أهل نجد: ما كانوا قد
عادوا إليه من جاهلية في العقيدة، والسيرة ) .
ويقول
المستشرق كارل بروكلمان رغم تعصبه، ودسه على الإسلام عن الشيخ محمد بن
عبدالوهاب: ( ثم إنه درس مؤلفات أحمد بن تيمية الذي كان قد أحيا في القرن
الرابع عشر تعاليم ابن حنبل، والواقع أن دراسته لآراء هذين الإمامين
انتهت به إلى الإيقان من أن الإسلام في شكله السائد في عصره، وبخاصة بين
الأتراك ، مُشرب بالمساوئ التي لا تمت إلى الدين الصحيح بنسب، فلما آب
إلى بلده الأول سعى أول ما سعى إلى أن يعيد إلى العقيدة، والحياة
الإسلاميتين صفاءهما الأصلي في محيطه الضيق ) .
ويقول
المستشرق ستودارد في كتابه : حاضر العالم الإسلامي ، في حديث عن واقع
العالم الإسلامي قبيل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب: ( وأما الدين فقد
غشيته غاشية سوداء، فالبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة الناس سحبا
من الخرافات، وقشور الصوفية، وخلت المساجد من أرباب الصلوات، وكثر عدد
الأدعياء الجهلاء وطوائف الفقراء والمساكين: يحملون في أعناقهم التمائم،
والتعاويذ، والسبحات، ويوهمون الناس بالباطل، والشبهات، ويرغبونهم في
الحج إلى قبور الأولياء، ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور ،
وانتشرت الرذائل، وهتكت ستر الحرمات على غير خشية ولا استحياء.
وفيما
العالم الإسلامي مستغرق في هجعته ومدلج في ظلمته: إذا بصوت يدوي في قلب
صحراء شبه الجزيرة العربية مهد الإسلام يوقظ المؤمنين، ويدعوهم إلى
الإصلاح وإلى سواء السبيل، والصراط المستقيم ، فكان الصارخ هذا الصوت
إنما هو المصلح المشهور، الشيخ محمد بن عبدالوهاب ) .
والنصوص
في هذا المعنى كثيرة جداً، ولا إخالها تخفى على سعادة الدكتور، ولولا
خشية الإطالة لأوردت المزيد منها.
وفيما
أوردته من النصوص دلالة واضحة صريحة على أن الحالة في نجد من الناحية
العقدية، والسلوكية قبيل دعوة الشيخ محمد ابن عبدالوهاب –رحمه الله تعالى-
قد بلغت مبلغاً سيئاً، يوجب على المسلم الحق الجهاد بكل أنواعه لإخراج
الناس من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى التوحيد، ومن الفرقة إلى
الاجتماع، ومن الخوف إلى الأمن، وهو ما قام به الشيخ محمد بن عبدالوهاب –رحمه
الله تعالى-
وإن
نظرة صادقة مخلصة إلى واقع كثير من البلاد العربية والإسلامية التي لم
تتأثر تأثراً مباشراً بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وما فيها من البدع،
والخرافات، والأمور الشركية المنتشرة اليوم رغم الدعوات الإصلاحية
المتعددة، والتي لم تصل إلى مستوى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. إن هذه
النظرة لتعطينا أكبر الأدلة على الدور العظيم الذي قام به الشيخ محمد بن
عبدالوهاب في تطهير الجزيرة العربية عامة، ونجد خاصة، من ألوان الشرك
والبدع والخرافات.
وفي
ختام هذا الكلام أشكر سعادة الدكتور مقدماً على رحابة صدره، وسعة حلمه
على أن أخطأت، وليعلم سعادته: أنني إنما كتبت بدافع النصح لنفسي، ولسعادة
أستاذي الكريم، والقراء الكرام ومشاركة في الواجب.
والله
يقول الحق، وهو يهدي السبيل
صالح
محمد الحسن
الرياض
– كلية الشريعة
29/3/1399هـ
= = = =
= = = = = = = = = =
قلت :
ومن المزيد الذي لم يذكره الدكتور صالح - وفقه الله - : وصف الصنعاني
لحال البلاد الإسلامية الوارد في قصيدته الشهيرة في مدح الشيخ " سلامي
على نجدٍ .. " ، وشهادات عديدة أوردها العجلاني في كتابه السابق ، ومسعود
الندوي في كتابه " مصلح مفترى عليه " ، وغيرهم .
ويُقال
- أيضًا - : أن لكل فعلٍ ردة فعل مساوية له ، ولولا " انتشار " البدع
والشركيات في ذلك العصر ، لما رأينا هذه " الضجة الكبرى " التي ووجهت بها
الدعوة الإصلاحية من أطرافٍ عديدة ، والعاقل عندما يرى عشرات السيارات من
الإطفاء تسير بسرعة يُدرك على الفور أن هناك حريقًا ضخمًا ينتظرها .
= = = =
= = = = = = = = = =
ثم كتب
الدكتور الفاضل عبدالله الشبل - عفى الله عنه - مقالا ردد فيه هذا الزعم
الخاطئ ، فتعقبه الشيخ صالح الفوزان - وفقه الله - بهذا المقال :
تصحيح
على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله
( الحمد
لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فقد
قرأت في جريدة الوطن في يوم الثلاثاء 2/3/1423هـ في الصفحة السابعة
والعشرين كلاماً منسوباً إلى معالي الدكتور الفاضل عبدالله بن يوسف الشبل
يقول فيه: " إن الظلام والسواد السائدين في الفترة التي سبقت دعوة الشيخ
محمد بن عبدالوهاب في بلاد نجد مما هو مذكور في تاريخ ابن غنّام وتاريخ
ابن بشر فيه مبالغة في الوصف لتلك الحالة من أن الناس في جهل عظيم وشرك
ووثنية، وهذا غير صحيح، بل كان هناك علماء وفقهاء ودعاة " .
وأقول:
هذا كلام عجيب يُستغرب صدوره من الدكتور عبدالله الشبل وهو المؤرخ
والباحث المشهور الذي يفترض أن لا يصدر عنه إلا كلام ثابت محقق بالبراهين؛
لأن معنى هذا الكلام اتهام ابن غنام وابن بشر –رحمها الله- بالكذب
والتجني على أهل تلك الفترة، ومعناه التقليل من مجهود الشيخ محمد بن
عبدالوهاب، وأن ردوده على خصومه فيها نظر.
وأما
قول الدكتور عبدالله: "كان هناك علماء وفقهاء ودعاة" يعني في الفترة التي
قبل دعوة الشيخ، فنقول: كان هناك علماء وفقهاء لكنهم لم يقوموا بالواجب،
بل تركوا الناس على ما هم عليه، وأما أنه كان هناك دعاة فعلى الدكتور –وفقه
الله- أن يسميهم ويعيِّنهم لنا، وأما الكلام المرسل هكذا فلا يصلح أن
يصدر من مثل الدكتور –حفظه الله ووفقه-؛ لأن هذا فيه اتهام وغمط من جهود
المصلحين ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ) .
قلت :
وللفائدة ؛ فالدكتور الشبل - وفقه الله - له بحث قديم ( عام 1400هـ )
بعنوان " تاريخ نجد والدولة السعودية " ، يُخالف فيه قوله السابق ، وقال
فيه ( ص 54 وما بعدها ) : " عم الانحراف عن الدين الإسلامي الصحيح جميع
بلاد العالم الإسلامي ؛ من شرك وبدع وخرافات ؛ كالدعاء والنذر والذبح ،
وصرف بعض أنواع العبادات الأخر لغير الله .. الخ " . وقال - أيضًا - في
تحقيقه لتاريخ الفاخري ( ص 23 ) : " كانت البلاد التي وُلدت فيها هذه
الدعوة من بين البلاد الإسلامية التي عمها الانحراف عن العقيدة الإسلامية
الصحيحة ؛ من شرك وبدع وخرافات " .
|