د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
التاريخ :16/2/1428 هـ
اطلعت على العمود الصحفي الذي كتبه الأستاذ
راشد العساكر، بعنوان (خدعوك فقالوا نجد والشرك) والمنشور في جريدة "الرياض"
في يوم الجمعة 1428/2/5هـ عدد 114123،
وخلاصة المقال:
أن نجداً على مذهب أهل السنة والجماعة قبل
أن تظهر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - فلم يدخلها خرافات
أو شركيات، وأن مقولة (نجد والشرك) ما هي إلا حديث خرافة..
وجواباً عن المقالة المذكورة اكتب التعقيب
الآتي:
- استهل الكاتب عموده بعبارة جميلة للأستاذ
حمد الجاسر - رحمه الله: (ما أكثر ما يكتب وأقل ما يحقق) وهذا أمر محمود
ومطلوب، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (العلم شيئان، نقل
مصدّق، وإما بحث محقق، وما سوى ذلك فهذيان مسروق) الرد على البكري
ص(628)، لكن الكاتب غابت عنه - في رأيي - وصية شيخه حمد الجاسر في هذا
العمود، كما سيأتي بيانه.
- دعوى أن نجداً آنذاك خالية من الشركيات
والخرافات، هذه دعوى ينقضها واقع نجد، وما حرره الشيخ محمد بن عبد الوهاب
- رحمه الله - في رسائله المتعددة، وكذا ما سطره المؤرخون كابن غنام وابن
بشر ونحوهما.
ونقتصر على بعض التقريرات، ومنها قول الشيخ
محمد بن عبد الوهاب: (وكذلك أيضا من أعظم الناس ضلالاً متصوفة في معكال
وغيره،
مثل: ولد موسى بن جوعان، وسلامة ابن مانع
وغيرهما) تاريخ ابن غنام 140/2.
وقال المؤرخ ابن بشر: (وكان الشرك إذ ذاك قد
فشا في نجد وغيرها، وكثير الاعتقاد في الأشجار والأحجار والقبور، والبناء
عليها، والتبرك بها، والنذر لها) عنوان المجد 6/1.
ووصف ابن غنام في تاريخه والشيخ العلامة عبد
اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في رسائله وغيرهما من العلماء والباحثين
الكثير من مظاهر الشرك والانحراف عن العقيدة.
وإذا كان أهل نجد على عقيدة صحيحة، وليس
لديهم شركيات ولا خرافات، فعلام قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بهذه
الدعوة الإصلاحية؟
ولِمَ ناصره وآزره الإمام محمد بن سعود
باذلاً في ذلك الغالي والنفيس؟
لقد اعترف علماء من نجد بالخلل العقدي الذي
تلبّسوا به، وأن الله تعالى هداهم بفضل هذه الدعوة المباركة، ومن ذلك أن
الشيخ عبد الله بن عيسى - قاضي الدرعية - يقول: (لا تغتروا بمن لا يعرف
شهادة أن لا إله إلا الله، وتلطّخ بالشرك وهو لا يشعر فقد مضى أكثر حياتي،
ولم أعرف من أنواعه ما أعرفه اليوم، فلله الحمد على ما علمنا من دينه)
تاريخ ابن غنام 143/2.
فإذا كان هذا حال العلماء، فما بالك بالعامة
والدهماء!؟
- وأما احتجاج الكاتب بالوصايا ونحوها على
سلامة معتقد أهل نجد، فليس هذا دليلاً يعوّل عليه، وما أكثر الذين ينطقون
بالشهادتين وهم يقفون فيما يناقضها، وهذا الاحتجاج نظير الشبهة التي
ساقها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته (كشف الشبهات) فهناك من يزعم
أن من قال كلمة التوحيد فإنه لا يكفر مهما قال أو فعل من نواقض الإسلام.
يقول الشيخ الإمام: (وأصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن
محمداً رسول الله..) كشف الشبهات ص(105).
- وأما دعوى أن مؤلفات عثمان بن قائد - رحمه
الله - ومجموع ابن منقور على طريقة أهل السنّة، فالأمر يحتاج إلى تحقيق،
إذ لا مسوغ لدعوى دون بيّنة.فالشيخ عثمان بن قائد له تحقيقات وتقريرات
نافعة، لكنه وقع في تأويل فاسد فوافق الأشاعرة في تأويل صفة الرحمة كما
جاء في مقدمة كتابه (هداية الراغب) كما أن رسالته (نجاة الخلف في اعتقاد
السلف) لا تخلو من نفس كلامي، إذ أوجب النظر وجعله أول واجب، واستعمل
عبارات المتكلمين..
كما أن في مجموع ابن منقور ما يلي: (الذبح
لدفع أذى الجن، وسمّى، أبيحت..) (87/2) فأجاز الذبح من أجل دفع أذى الجن
مادام أنه سمّى بالله!!
وليس الاستشهاد ببعض المؤلفات والعلماء ليلا
على عدم وجود الشرك آنذاك، فنجد كان بها علماء وقضاة إلا أن الحال وصل
إلى عدم الإنكار ومواجهة تلك الإنحرافات العقدية، ولم يكن هناك من يقيم
حدود الشرع في كل مكان وهذا ما قرره الشيخ محمد بن عبد الوهاب عندما بادر
بالإصلاح. فلقد قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته إلى الشيخ سليمان
بن سحيم: (ومعلوم أن أهل أرضنا وأرض الحجاز، الذي ينكر البعث منهم أكثر
ممن يقر به، وأن الذي يعرف الدين أقل ممن لا يعرفه، والذي يضيع الصلوات
أكثر من الذي يحافظ عليها والذي يمنع الزكاة أكثر ممن يؤديها). تاريخ ابن
غنام 131/2- 132.
وكانت قرى نجد وبلدانها - كما يحدثنا
المؤرخون الذين عاصروا تلك الحقبة أو نقلوا عنهم - مكاناً لكثير من
الخرافات والعقائد الفاسدة التي تتنافى مع أصول الدين الصحيحة، فلم تكن
هذه البقعة أحسن حالاً من بقية البلدان التي وقع كثير من أهلها في ألوان
من الشرك. وقد بيّن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - هذه الحقيقة
في رسالة القواعد الأربع: (القاعدة الرابعة: أن مشركي زماننا أغلظ شركاً
من الأولين، لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ، ومشركو
زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة، والدليل قوله تعالى {فَإِذَا
رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }.
وقد كانت أبرز المخالفات العقدية المنتشرة
في ذلك الوقت:
1- الإعتقاد في القبور:
حيث كان كثير من العامة - في ذلك الوقت -
يأتون إلى بعض القبور والأضرحة، فيفزعون إليها لجلب نفع أو دفع ضر،
ويهتفون بالدعاء لها من دون الله تعالى، ويصرفون لها كثيراً من ألوان
العبادة التي لا ينبغي أن تصرف لغير الله سبحانه وتعالى، ومن هذه القبور:
قبر زيد بن الخطاب في الجبيلة، وقبر يزعمون انه لضرار بن الأزور في شعيب
غبيرا، وقبور يزعمون أنها للصحابة في قريوة في الدرعية، وغلب على كثير من
الناس في ذلك الزمان الخوف من هذه القبور وتعظيمها أكثر من خوفهم من الله
تعالى، وتعظيمهم له.
2- الإعتقاد في الأولياء والغلو فيهم:
كان هذا الإنحراف العقدي من أهم المسائل
التي احتد فيها النزاع بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وبين
خصومه، ويتضح ذلك من خلال رسائل الشيخ التي تعرضت لهذه المسألة من عدة
جوانب، فكثيراً ما تحدث الشيخ عن بعض الأسماء التي كان بعض النجديين
يعتقدون في أصحابها اعتقادات باطلة، أمثال: شمسان وإدريس وتاج وغيرهم،
وأحياناً يسميهم الشيخ: أولاد شمسان، وأولاد إدريس أو يقول: محمد بن
شمسان، وكان يسميهم الطواغيت والكفرة، حيث يقول - رحمه الله - على سبيل
المثال - في جوابه لإحدى المسائل: (وأعظم من ذلك وأطم، أنهم يستغيثون
بالطواغيت والكفرة والمردة، مثل شمسان وإدريس ويوسف وأمثالهم) تاريخ ابن
غنام 267/2وتوضح رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن مما كان يفعله أولئك
الأولياء المزعومون أنهم كانوا (يأكلون أموال الناس بالباطل، ويأمرون
الناس أن ينذروا لهم...) ونحو ذلك من المخالفات.
3- الإعتقاد في الأشجار:
من بين تلك الأشجار التي وقع فيها الغلو: (الفحّال)،
وهو ذكر النخل، وكانت تأتيه النساء إذا تأخرت إحداهن عن الزواج، فتضمه،
وتقول: (يافحل الفحول أريد زوجاً قبل الحول). وكذا شجرة (الطرفية) كانوا
يتبركون بها، وكانت المرأة إذا ولدت ذكراً علقت خرقاً على الشجرة، معتقدة
أن ذلك يضمن سلامة الولد من الموت والآفات.
4- الإعتقاد في الأحجار:
يذكر المؤرخون من ذلك غاراً كبيراً كان في
أسفل الدرعية (يزعمون أن الله هيأه في الجبل لامرأة تسمى بنت الأمير،
أراد بعض الفسقة أن يعتدي عليها، فصاحت ودعت الله، فانفلق لها الغار،
فكانوا يرسلون إلى ذلك الغار اللحم والخبز، ويتمسون به ويتعبدون عنده).
أما ما يذكر في أحيان كثيرة عند مناقشة موقف العلماء في نجد من هذه البدع
والشركيات فإنه يمكن القول إن جل العلماء كانوا يؤمنون بحرمة هذه البدع
وشركية بعضها، لكن لايقدرون على إنكارها. والملاحظ أن البعض يثير التساؤل
حول حقيقة الشرك في الجزيرة العربية عموماً ونجد خصوصاً في الحقبة التي
سبقت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ويربط ذلك بوجود العلماء والقضاة
كدليل على صحة ذلك، بينما يمكن لنا أن نشير إلى ما يحدث اليوم في بعض
البلاد من شركيات وسط وجود علماء أفاضل ومؤلفات واضحة!. فليس صحيحاً
القول بأن وجود الشركيات خرافة كما أن وجود الشركيات خلال الحقبة التي
سبقت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في منطقة نجد تحديداً لا يعني عدم
وجود العلماء والقضاة والمؤلفات الصحيحة، ولكن الحقيقة هي أن ذلك العلم
وأولئك العلماء لم يبادروا بالإنكار والتغيير كما بادر الشيخ محمد بن عبد
الوهاب - رحمه الله - ووجد في الإمام محمد بن سعود- رحمه الله - خير معين
على ذلك. فهل يعقل أن يصبح جزء من تاريخنا وحقائقه خرافة وخدعة كما ذكر
الكاتب؟ وهل من المنهج العلمي مهاجمة الحقائق واستدعاء مقدمات ساذجة لأجل
التدليل على رأي غير صحيح؟!