تركي الحمد في الميزان
أطياف الأزقة
المهجورة /
براءة إختراع
/ الأماني
/ الرد المفحم
/
خيرتنا فاختر
/
فتوى الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي
--------
غزاة ٌ من الداخل ِ : قراءة ٌ في مخ ِ تركي الحمدِ
تركي الحمدُ
شخصيةٌ قلقةٌ
، وحائرةٌ جدّاً
، ولا يعرفُ لنفسهِ هدفاً واضحَ المعالمِ ، ولا مشروعاً فكريّاً أو نهضوياً محدّدَ
الأهدافِ ، وقد أقرّ على نفسهِ أنّهُ شخصيةٌ قلقةٌ ، وحيرتهُ وقلقهُ يصوّرها لنا
بوضوحٍ وجلاءٍ اضطراباتُه الفكريةُ والحركيّةُ والانتمائيةُ ، والتي لم تعرفْ يوماً
السكونَ والقرارَ والثباتَ ، فهو لا يتردّدُ في ركوبِ أي موجةٍ ، وتحتَ أي ظرفٍ .
وليسَ أدلَّ على
حيرتهِ وقلقهِ وعدمِ ثباتهِ ، من كثرةِ تردّيهِ في الأفكارِ المعاصرةِ المنحلةِ ،
وانخراطهِ في أحزابٍ فكريّةٍ وسياسيّةٍ متطرّفةٍ ، وتنقّلهِ من مذهبٍ إلى آخرَ ، لا
لشيءٍ ، إلا بحثاً عن ضالّةِ السكينةِ والطمأنينةِ ، أو مداراتها ، وإخمادِ جذوةِ
القلقِ المستعرةِ ، وإطفاءِ لهيبِ الحيرةِ .
وبالرغمِ من
انحدارهِ إلى أحطَّ الأفكارِ ، وأكثرِها تطرّفاً وغلواً وأحاديّةً ، وهو الفكرُ
الماركسيُّ الشيوعيُّ ، ثمّ بحثهُ عن ملاذٍ آمنٍ في الفكرِ الثوريِّ القوميِّ ،
مروراً بالبعثيةِ ، وانتهاءً إلى العلمانيّةَ الغاليّةِ ، إلا أنّهُ لم يستفدْ من
هذه التنقّلاتِ شيئاً ، ولم تزدهُ التجاربُ إلا انتكاساً وارتكاساً ، بل في كلِّ
مرةٍ يأتي بطوامٍّ وأوابدَ ، يضحكُ منها أبسطُ العامّةِ ، إذْ كيفَ تصدرُ من مفكّرٍ
سبرَ أغوارَ المذاهبِ المعاصرةِ ، وسلكَ فيها ، وعرفَ معايبها ومثالبها ! .
وعندما سُئلَ
الحمدُ ، في لقاءٍ معهُ في جريدةِ البلادِ السعوديّةِ ، عن سببِ اعتناقهِ لتلكِ
المذاهبِ والأفكارِ ، وسببِ كثرةِ تحوّلاتهِ الفكريّةِ والحركيّةِ ، أجابَ قائلاً :
" عندما تعيشُ في أواخرِ الستينيّاتِ أو السبعينيّاتِ ، ولا تكونُ قوميّاً ، فيعني
هذا أنّ هناكَ خللاً في تفاعلكَ مع محيطكَ " ! .
وعلى الرغمِ من
هذا المبرّرِ السخيفِ ، واللاعلميّ ، لمسألةِ التنقّلِ وتشرّبِ الأفكارِ المنحرفةِ
، إلا أنّنا لم نُشاهدْ من تركي الحمدِ أي تفاعلٍ مع الإسلاميينَ – أو الإسلامويينَ
كما يحلو لهُ أن يسميهم - ، والإسلاميّونَ منذُ منتصفِ الثمانيناتِ الميلاديّةِ ،
ونجمهم في ارتفاعٍ ، وطالعُ سعدهم في علوٍ ، وقد غزوا بفكرهم وتنظيماتهم العالمَ
أجمعَ ، واستطاعوا في خلالِ فترةٍ وجيزةٍ أن يصلوا إلى سدّةِ الحكمِ في بعضِ
البلدانِ العربيّةِ والإسلاميّةِ ، وأصبحتِ الجماعاتُ الإسلاميّةُ ، والمفكّرونَ
الإسلاميّونَ ، هم حديثَ العالمِ والصحافةِ ، بل قال بوش الأب : العدوُّ القادمُ هو
الإسلامُ .
ومعَ هذا الضجيجِ
الصاخبِ للإسلاميينَ ، واستحواذهم على الواقعِ بكافّةِ أطيافهِ وفئاتهِ ، إلا أنّ
المفكّرَ الورقيَّ تركي الحمد لم يفكّرْ يوماً ما في الانتماءِ إليهم ، أو حتّى
إنصافهم ، بل على العكسِ من ذلكَ ، صبَّ جامَ غضبهِ وحقدهِ عليهم ، ونفثَ سمومَ
فكرهِ العفنِ المنحرفِ في جسدِ الإسلاميينَ .
فلماذا هذا
التناقضُ السافرُ في المواقفِ !؟ ، ولماذا يبيحُ لنفسهِ اعتناقَ الناصريّةِ
والبعثيّةِ والقوميّةِ ، لانتشارها في المجتمعِ ، ومع ذلكَ لا يفكّرُ لحظةً واحدةً
، في الدفاعِ عن الإسلاميينَ ، أو التعريفِ بقضيّتهم ، فضلاً عن الانخراطِ فيهم ؟!
، أوَ ليسَ الموجبُ لاعتناقِ الفكرِ الإسلاميِّ ، هو نفسهُ الموجبُ لاعتناقِ الفكرِ
القوميِّ أو الناصريِّ ؟! .
وثَمَّ أمرٌ هامٌ
، وهو أنّ الحمدَ شخصيّةٌ غيرُ واضحةِ المعالمِ ، فمرّاتٍ يتحوّلُ إلى يساريٍّ منحلٍّ
، يقفُ في وجهِ كلِّ دعوةٍ للحفاظِ على المجتمعِ وأمنهِ الفكريِّ أو العقديِّ ،
ومراتٍ يتظاهرُ بالخوفِ على الثوابتِ والأسسِ المكوّنةِ للمجتمعِ ، ممّا يستيقنُ
معهُ القاريءُ لفكرِ الحمدِ ، أنّ الرجلَ مجموعةُ متناقضاتٍ متحرّكةٍ .
والأمرُ الوحيدُ
الذي أدّاهُ الحمدُ بإتقانٍ ، هو العداءُ للحركاتِ الإسلاميّةِ ، والوقوفُ في
مواجهةِ الفكرِ الإسلاميِّ الأصيلِ ، الذي يُقاومُ كلَّ حركاتِ التغريبِ والغزو من
الداخلِ والخارجِ ، وهجومُ الحمدِ على الإسلاميينَ ، طالَ الهجومَ على ثوابتهم
ومظاهرِ تديّنهم ، وكذلكَ طالَ ثوابتَ الدينِ وشعائرهُ وأصولهُ المعروفةَ ، والتي
يصفُها هو في كتابهِ ( الثقافةُ العربيّةُ أمامَ التغييرِ ) : بأنّها أسطوريّةٌ
ويجبُ أن تُقابلَ بالواقعيّةِ ! .
وهذا الهجومُ
العنيفُ على روحِ الإسلامِ ، وثوابتهِ وقيمهِ ، هي التي جعلتْ من تركي الحمدِ رجلاً
وقحاً سفيهاً ، يطلقُ العنانَ لقلمهِ في أن يقدحَ في مسلّماتِ الدينِ ، وثوابتهِ ،
ومقدّساتهِ ، ويكتبَ رواياتٍ تعجُّ بالتنقّصِ لمقامِ الربوبيّةِ والألوهيّةِ ،
وممتلئةً كذلكَ بالوقائعِ الجنسيّةِ القذرةِ ، بأبشعِ الألفاظِ وأحطّها ، وأدقِّ
التفاصيلِ وأحدّها ، إضافةً إلى تصويرهِ للمجتمعاتِ المحافظةِ – كمجتمعنا – على
أنّهُ حانةُ خمرٍ ، ومأوى بناتِ الليلِ ، ومجمّعٌ للشواذِ والزناةِ .
وعندما سئلَ عن
سببِ حشرِ هذه الفظائعِ والطوامِّ في روايتهِ ، قالَ : " الرّوايةُ تعبّرُ عن
الحياةِ ، فيجبُ أن تكونَ معبّرةً عنها فعلاً ، وإلا لما أصبحتْ عملاً أدبيّاً ! ،
عندما أكتبُ روايةً يجبُ أن تعبّرَ عن الواقعِ " .
الخلاصةُ التي
يريدُ الحمدُ أن يوصلنا لها هي : أنّ مجتمعنا منحطٌ مليءٌ بالفواحشِ ، وأنّ الأدبَ
لا علاقةَ لهُ بالدين ِ ، وأنّ أي عملٍ أدبيٍّ فلا بدّ من تجريدهِ من الوعظِ
والإرشادِ ، وأن يكونَ واقعياً ، وأن ترفعَ عنهُ الرّقابةُ ، وأن تُزالَ الحصانةُ
عن جميعِ القيمِ والثوابتِ ، وأن يُتركَ للأديبِ الحرّيةُ في طرقِ ما شاءَ ، متى
شاءَ ! ، ونقدِ ما شاءَ كيفَ شاءَ .
وهذا الذي يذكرهُ
الحمدُ ، ويدعو لهُ ، هو أساسُ مذهبِ الواقعيّةِ النقديّةِ ، وهو مذهبٌ فكريٌ أدبيٌ
ماديٌ محضٌ ، يهتمُّ بنقدِ المجتمعِ من خلالِ التركيزِ على مشكلاتهِ ، ويركّزُ على
جوانبِ الشرِّ والجريمةِ والفاحشةِ ، ويسلُكُ في ذلكَ طريقَ الرّوايةِ والأدبِ ،
لكي يغطّي مآربهُ ونواياهُ الداخليّةَ ، ويصوّرُ هذا المذهبُ الإنسانَ على أنّهُ
مجموعةٌ من الغرائزِ البهيميّةِ المنحطّةِ ، كما جسّدهُ تركي الحمدُ في رواياتهِ :
( أطيافُ الأزقّةِ المهجورةِ ) .
ونحنُ نتسائلُ هنا
– تبعاً للأستاذِ : أنورِ الجنديِّ رحمهُ اللهُ - : لماذا يُطلبُ من الرّوايةِ أن
تصوّرَ فسادَ المجتمعِ ، وتُعيدَ مواقفهُ الخاطئةَ ، بصورةٍ أشدَّ جمالاً وتألقاً ،
مع أنّ المجتمعَ يرفضُ ذلكَ وينكرهُ ، ويدعو إلى التخلصِ منهُ ؟ ، ولماذا تحوّلُ
القصّةُ الحالةَ الفرديةَ إلى ظاهرةٍ عامّةٍ ، وتدخلُ فيها أهواءَ الكتّابِ ،
ورغباتهم في تدميرِ المجتمعاتِ ، أو تحقيقِ شهواتِ خاصّةٍ ؟! .
وإذا كانتِ
الواقعيّةُ مذهباً محبوباً لدى تركي الحمدِ ، ولا بدّ من تجريدِ الأدبِ من
المثالياتِ والقيمِ ، ولا بدّ من الكلامِ عن الواقعِ بكلِّ تداعياتهِ ، فلماذا لا
نجدُ منهُ جرأةً في الكلامِ عن المسئولينَ والحكّامِ في هذه البلادِ وغيرها ؟ ،
أليسَ يوجدُ لديهم من الفسادِ والانحطاطِ أكثرَ ممّا يوجدُ لدى عامّةِ الناسِ ؟ ،
ولماذا تكونُ الجرأةُ مسلّطةً على القيمِ والمباديءِ الإسلاميّةِ الصالحةِ ، بزعمِ
الواقعيّةِ وانتشارها ، ولا نجدُ شيئاً من هذا في نقدِ الحكامِ أو تصويبِ السهامِ
نحوهم !! .
أليسَ هذا دليلاً
واضحاً ، على كرهِ الرّجلِ للدينِ ولثوابتهِ ، وتهجّمهُ بسببٍ أو بدونِ سببٍ على
الدينِ ، مع تركهِ للأمورِ الأخرى التي تحملُ نفسَ الدواعي والدوافعِ ، ومع ذلك لا
يحاربها ولا يُهاجمها !؟ .
وهنا سؤالٌ آخرُ :
هل يرضى الدكتورُ ، أن يكتبَ رجلٌ من الرواةِ قصّةً ، أو روايةً ، ثم يذكرَ فيها
أحد آباءِ تركي الحمدِ ، ويصوّرهم بصورةٍ بشعةٍ أو قذرةٍ ، ويضعهم في موضعِ الرذيلةِ
والفاحشةِ ؟ .
فإذا رضي تركي
الحمدُ ذلكَ ، فإنّهُ سيكونُ بلغَ من الانحطاطِ مبلغاً فاقَ جميعَ البهائمِ
والحيواناتِ والجماداتِ ، إذ كيفَ يرضى لوالديهِ أن يوصما بالفاحشةِ والرذيلةِ ؟ ،
وإن لم يرضَ ذلكَ – وهذا هو الواقعُ – فكيفَ يرضى أن يدنّسَ كتابهُ بالوقيعةِ في
مقامِ الربوبيّةِ والخالقِ جلّ وعلا ؟ وكيفَ يكتبُ تلكَ الألفاظَ المرعبةَ في حقِّ
اللهِ تباركَ وتعالى ، وهو يأبى أن يكتبَ أحدٌ أقلَّ منها في والديهِ أو عرضهِ
وشرفهِ ، فهل مقامُ الربوبيّةِ أقلُّ شأناً وشأواً من مقامِ الأعراضِ ؟ ، وهل
يتهاونُ في حقِّ اللهِ والأدبِ معهُ ، إلا رجلٌ مُلحدٌ زنديقٌ ، يكفرُ بكلِّ القيَمِ
، ولا يُقيمُ للربوبيّةِ وزناً ولا يعرفُ لها معنى !! .
وراوياتهُ
الثلاثيّةُ : ( أطيافُ الأزقةِ المهجورةِ ) هي في حقيقتها سيرةٌ ذاتيّةٌ لهُ ،
وتجسيدٌ لماضيهِ ، هو بطلُ الرواياتِ ، وأحداثها عبارةٌ عن نسخةٍ كربونيّةٍ أو فيلمٍ
مصغّرٍ لماضيهِ البائسِ التائهِ ، والذي امتلأ بالتمرّدِ على العفّةِ والقيَمِ
والطهارةِ ، وانخرطَ فيها تركي الحمدُ في الجنسِ وحمأةِ الرذيلةِ ، وعاشَ حياةً
ملؤها التنقّلُ والفاحشةُ والخمرُ ، والتمرّدُ على الدينِ ، وتركٍ لشعائرهِ .
والحمدُ برغمِ
تقديسهِ الفاضحِ للغربِ ، واعتناقهِ للفكرِ العلمانيِّ الليبراليّ ، ودعوتهِ إلى
التغريبِ في شتّى ميادينِ الحياةِ ، إلا أنّ شقوتهُ وشهوتهُ ، جعلتهُ يتمرّدُ ويكفرُ
بقيَمِ الغربِ أيضاً في مسألةِ الأدبِ ، والمحافظةِ على الرموزِ الدينيّةِ والشعائرِ
المحترمةِ ، وحتّى ولو كانتْ تلكَ الرموزُ محرّفةً ، أو ليسَ لها ذلكَ التأثيرُ .
فعندما صدرتْ
روايةُ : غوايةِ المسيحِ ، قامتِ الدنيا ولا قعدتْ ، وانتفضتْ أوروبا وأمريكا ضدّ
الكاتبِ ، وصودرَ الكتابُ ، ومنعَ من النشرِ في أمريكا ، وطالبوا بمحاكمةِ ومقاضاةِ
المؤلفِ ، وذلكَ بسببِ تهجّمهِ على السيّدِ المسيحِ – عليهِ السلامُ - ، هذا مع ما
عليهِ الغربُ من التحرّرِ من جميعِ الثوابتِ والقيمِ الدينيّةِ ، إلا أنّهم لم
يستطيعوا تحمّلَ إهانةِ المسيحِ – عليهِ السلامُ - ، وأبتْ عليهم خصوصياتُ نبيّهم
وإلاههم إلا أن يدافعوا عنهُ ، ويمنعوا تلكَ الرّوايةَ ويُصادروها .
فأينَ الحمدُ عن
أحبابهِ ؟! ، ولمَ لا يكونُ غربيّاً في هذا ! .
ومن العجائبِ –
والعجائبُ جمّةٌ – أنّ أي فضيحةٍ جنسيّةٍ في الغربِ ، حتّى لو كانتْ في أيّامِ
الشبابِ وعنفوانِ الصّبا ، تحدثُ لأيِّ مسئولٍ غربيٍّ أو مفكّرٍ أو قائدٍ أو زعيمٍ
، تجعلهُ يقدّمُ استقالتهُ ، ويعتزلُ السّياسةَ والناسَ ، وربّما كانتْ تلكَ
الفضحيةُ داعيةً لهُ إلى الانتحارِ ، وأفولِ نجمهِ وانخفاضِ أسهمهِ ، والحمدُ باتَ
يسترهُ ربّهُ عن فضائحهِ الجنسيّةِ في شبابهِ ، ووقتِ حدّتهِ وشرتهِ ، إلا أنّ
شقوتهُ أبتْ عليهِ إلا أن يُجاهرَ بماضيهِ ، ويفضحَ نفسهُ ، ويرفعَ عقيرتهُ بذكرِ
علاقاتهِ العفنةِ ، وماضيهِ الأسودِ .
فهل بعدَ هذا
الانسلاخِ من كلِّ المبادىءِ والقيمِ انسلاخٌ ؟! .
تركي الحمدِ في
كلامهِ عن الدينِ الإسلاميِّ ، يتحوّلُ إلى أشدِّ العلمانيينَ مغالاةً ، ويقفُ في
صفِّ الذين يحصرونَ الدينَ – فقط – في الروحانيّاتِ ، وأنّهُ لا علاقةُ لهُ بالحياةِ
، بل هو روحانياتٌ بينَ العبدِ وربّهِ ، ولا تتعدّى قلبهُ ، وأنّ أي إقحامٍ للدينٍ
في الواقعِ ، أو محاولةٍ لتحكّيمِ الشريعةِ ، فهو تسييسٌ للدينِ ، واستخدامٌ لهُ
لنيلِ مآربِ السلطةِ والحكمِ ، يقولُ الحمدُ في ذلكَ : " عندما يأتي تيّارٌ ويطرحُ
نفسهُ كتيّارٍ إسلاميٍّ أو غيرهِ ، فالهدفُ هو التأثيرُ على السلطةِ لاتخاذِ قرارٍ
معيّنٍ " .
ولا أدري ما هو
الفرقُ بينَ الإسلامِ أو الشنتويّةِ والطّاويّةِ والجينيّةِ والكونفوشيوسيّةِ
والبوذيّةِ ، وغيرها من الأديانِ الرّوحيّةِ ، إذا كانَ الإسلامُ – فقط – ديناً
روحيّاً ، ولا علاقةَ لهُ بالوجودِ ، أو الحياةِ ، أو الواقعِ ؟ ، وهل هناكَ دليلٌ
على فشلِ أي دينٍ ، أقوى من عدمِ قدرتهِ على حلِّ مشاكلِ الحياةِ ؟ وأي ميزةٍ في
دينٍ لا يقدرُ على تسييرِ الواقعِ ، ولا ضبطِ أمورهِ ، ولا رسمِ معالمِ هدوءهِ
واستقرارهِ ؟ .
إنّ أيّ دينٍ لا
يُقيمُ للواقعِ وزناً ، ولا للحياةِ قيمةً ، ولا يقدمُ أي مشروعٍ حضاريٍّ ، ولا
يقيمُ مملكةً سياسيةً عادلةً ، ونظاماً اجتماعياً قويّاً ، واقتصاداً متيناً ، فهو
دينٌ فاشلٌ ، وسيخمدُ أو يموتُ في مهدهِ .
وبناءً على كلامِ
الحمدِ ، فليسَ بالضروريّ أن يختارَ الشخصُ الإسلامَ ديناً ، وإذا أرادَ تهذيبَ
روحهِ ونفسهِ ، فلا بأسَ بساعاتٍ من رياضةِ اليوغا ، أو مجالسةِ شخصٍ هنديٍّ أو
صينيٍّ خبيرٍ بالأرواحِ وعلاجها ، أو التحوّلُ إلى أي نحلةٍ مهدّأةٍ للأعصابِ ، أو
زيارةُ أي عيادةٍ ، وما المانعُ من عبادةِ الموسيقى ، إذا كانتْ الموسيقى تعيدُ
للرّوحِ توازنهُ ؟! ، ما دامَ أنّ الغرضَ من الأديانِ – فقط – تهذيبَ الرّوحِ ، ولا
دخلَ لهُ بالواقعِ والحياةِ والمعاملاتِ !؟ .
يزعمُ تركي الحمدُ
أنّ الإنسانَ هو محطّ كتاباتهِ ودراساتهِ ، وأنّهُ دائماً يبحثُ عن ما يجلبُ لهُ
السعادةَ ، ويدفعُ عنهُ الشرّ والضررَ ، حتّى لو كانَ ذلكَ باسمِ الدينِ ! ، أو
يُنسبُ للدينِ .
وهذه اللفتةُ
الحانيةُ من تركي الحمدِ ، تجاهَ الإنسانيّةِ جمعاءَ ، تنكسرُ تماماً حينَ الكلامِ
عن إسرائيلَ ، فهو في كلامهِ عن إسرائيلَ يتحوّلُ إلى شخصٍ هاديءٍ حانٍ مُسالمٍ ،
ولا يرضى بالتهجّمِ على إسرائيلَ ، أو الدعوةِ لمقاومتها ، بل يدعو إلى احتواءِ
إسرائيلَ ، ومسالمتها ، ويتحوّلُ الحمدُ بقدرةِ قادرٍ ، بعد الهجومِ الكاسحِ على
الإسلاميينَ وعلى مشاريعهم ، يتحوّلُ إلى شخصٍ مسالمٍ يدعو للسلامِ مع إسرائيلَ
وضرورةِ الأخذِ من التكنلوجيا الموجودةِ عندهم ، وكذلكَ احتوائهم واستيعابهم
حضاريّاً ، يقولُ في هذا الحمدُ : " هذا كلامٌ سليمٌ ، ولكن عندما تصبحْ هناكَ
تسويةٌ فإن التناطحَ قد يحيى هذا الجسمَ ، لأنّهُ لا يوجدُ بديلٌ آخرُ ، لأنّهُ لو
استمرّينا في المقاومةِ فمن أينَ سنأتي بالأسلحةِ ؟ ..... أنتَ لستَ في موقفٍ لأن
تقولَ لا ، وما يجري حالياً هو أنّنا ننعزلُ وتتقدمُ إسرائيلُ ، ولكن عندما نُجري
التسويّةَ ، ونأخذُ نصيباً معيّناً – لاحظوا كلمةَ معيّناً ! – ومن خلالهِ نطمحُ
لأشياءَ أخرى " .
ولا أستغربُ حقيقةً
طريقةَ تعاملُ تركي الحمدِ مع إسرائيلَ ، فقد سبقهُ إلى ذلكَ الملحدِ الشهيرُ :
عبدالله القصيمي ، والذي كان يرى في إسرائيلَ مثالاً أعلى للأخلاقِ والقيمِ
والتطوّرِ ، وكانَ يقولُ : " إنّ بقاءَ إسرائيلَ ضرورةٌ " ! ، وممن سلكَ على هذا
النهجِ ومشى عليهِ ، المفكّر الجزائري العلمانيّ المعروفُ : محمد أركون ، والذي
ألقى محاضرةً حافلةً في المجتمعِ اليهوديّ في باريسَ ، في سنةِ 1986 م ، حيثُ أخذَ
أركونُ يُعظّمُ من شأنِ اليهودِ ، ومدى تقدّمهم ، ودعى صراحةً إلى توثيقِ العلاقةِ
معهم ، وضرورةِ التعايشِ معهم ، ونبذَ الجهادَ ، وأخذَ يصفهُ بأبشعِ الأوصافِ
وأحطّها ! .
ولكَ أخي الكريمُ
أن تتصوّرَ مدى ضررِ هذا المذهبِ وخطرهِ ، والذي يجعلُ التعاملَ مع المحتلِ من
الضروراتِ الحضاريّةِ ، بل ويرى لزومَ التعايشِ معهُ واستيعابهُ ، وعدمَ مقاومتهِ ،
ويا تُرى كيفَ سيكونُ حالُ تركي الحمدِ ، وأضرابهُ من علمانيِّ بلادنا ، فيما لو
غزتْ أمريكا هذه البلادَ ، هل ستراهم يدعونَ للقتالِ ضدها ، ويقودونَ جحافلَ الغزاةِ
والثوّارِ والمجاهدينَ ، أم سيكونونَ فرحينَ بقدومها ، ومعلنينَ لها الولاءَ التامَّ
، ومقدمينَ لها قرابينَ الطاعةِ ونُذرَ الولاءِ ؟.
ومن خلالِ تتبّعي
لمقالاتِ الحمدِ وكتاباتهِ ، وكذلكَ نقدِ بعضِ المتابعينَ لهُ ولكتاباتهِ ، وجدتُ
الرجلَ ينطبقُ عليهِ تماماً – كما ذكرَ عوضٌ القرنيٌ – مذهبُ الماديّةِ الليبراليّةِ
، فتركي الحمدُ ماديٌ حتّى النخاعِ ، ولا يجدُ القاريءُ في كتاباتهِ أي أثرٍ
للديانةِ أو التديّنِ ، أو حتّى التأثّرِ العامِّ بمباديءِ الإسلامِ وشعائرهُ ، وهو
يذكرني هنا بذلكَ الأحمقِ الذي هبّتْ على قومهِ وأهلهِ ريحٌ شديدةٌ ، فقاموا يجأرونَ
إلى اللهِ بالدعاءِ ، ويطلبونَ منه الرّحمةَ ، فقالَ لهم ذلكَ الأحمقُ : يا قومُ لا
تعجلوا بالتوبةِ ! ، فإنّما هي زوبعةٌ وتسكنُ ! .
ومن الصفاتِ
الظاهرةِ بجلاءٍ لدى الحمدِ ، أنّ لديهِ إمساكاً معرفيّاً وإسهالاً فكريّاً ، فهو
في المعرفةِ والعلمِ صفرُ اليدينِ تماماً ، ولكنّهُ في الكتابةِ والتنظيرِ مكثرٌ
جدّاً ، ويكتبُ في كلِّ شيءٍ ، فمرّةً سياسيٌ ، ومرةً أديبٌ ، وأخرى محلّلٌ ،
ورابعةٌ يكتبُ في نقدِ التراثِ ، وخامسةً في نقدِ العقلِ العربيِّ ، وسابعةً يحشرُ
نفسهُ في طبقةِ نخبة النخبةِ ، وهذا الفضولُ والتخبّطُ وعدمِ الانضباطِ في الكتابةِ
، جعلَ كبارَ التغريبيينَ والعلمانيينَ ينتقدونَ تركي الحمدَ ، بل ويوسعونهُ ذمّاً
، حيثُ سمّاهُ : فؤاد زكرياء بـ " ثائر بلا قضيّةٍ " ، وغازي القصيبي نصحهُ بتركِ
الرّوايةِ ، لأنّهُ لا يعرفُ أصولها ! ، وقال عنهُ الغذامي في أحد المجلاتِ : " لو
مكثَ الحمدُ طولَ حياتهِ يكتبُ لما كتبَ روايةَ واحدةً جيدةً " ، وفي صنعاءَ لقيَ
تركي الحمدُ انتقاداً عنيفاً جدّاً من المفكّر اليساري المعروفِ : حسن حنفي .
بقيَ أن نعرفَ أنّ
تركي الحمدَ ، يصوّرُ للعالمِ أجمع ، أنّ التعليمَ السعوديَّ يُخرّجُ الإرهابيينَ ،
وأنّ نظامَ التعليمِ لدينا نظامٌ يحتاجُ إلى تعديلٍ ، واستدلَّ على ذلكَ بأنّ أحدَ
أسئلةِ مادةِ الرياضياتِ فيها سؤالٌ ، يطلبُ ذكرَ عددِ المجاهدينَ في أحدِ الغزاوتِ
، وذلكَ في لقاءهِ المشهورِ مؤخراً في إذاعةِ BBC ، وهو في كلِّ مناسبةٍ يتكلّمُ عن
مجتمعنا على أنّهُ متأثّرٌ بالفكرِ الإقصائيِّ الأحاديِّ ، ووقعَ في يدي أثناءَ
سماعي لكلامِ الحمدِ عن التعليمِ السعوديِّ ، عددٌ من مجلةِ المجلّةِ ، وكانت قد
نشرتْ تقريراً مقتضباً ، عن تقريرٍ أعدتهُ لجنةٌ أمريكيّةٌ مخوّلةٌ بدارسةِ المناهجِ
السعوديّةِ ، ثمّ قدمتهُ إلى الإدارةِ الأمريكيّةِ ، وممّا جاءَ في ذلكَ التقريرِ ،
من العباراتِ التي عُدّتْ تطرفاً وغلواً وإرهاباً هذه العبارةُ : " التلميذُ حاتمٌ
يتمنّى أن يُعطيهُ اللهُ الشجاعةَ والإيمانَ ، ليكونَ مجاهداً في سبيلِ اللهِ ، مثلَ
سعدِ بنِ أبي وقّاصٍ " .
لاحظوا معي
التشابهَ الكبيرَ جداً – إلى حدِّ التطابقِ – في فكرةِ التقريرِ الأمريكيِّ ، وفي
نقدِ تركي الحمدِ للمناهجِ السعوديّةِ ، لكأنّهما واللهِ خرجا من زبالةٍ واحدةٍ ،
وهذا يؤكّدُ للجميعِ أنّ تركي الحمدَ عدوٌ أمريكيٌ بثيابٍ سعوديّةٍ ، حيثُ أنّ
كلامهُ وطرحهُ وافقَ – تماماً – الطرحَ الأمريكيَّ سواءً في الأهدافِ ، أو في
المنتقداتِ .
ولعلّي هنا أنقلُ
لكم كلامَ أحدِ التغريبيينَ التركيينَ ، وهو آغا أوغلي أحمد وهو من غلاةِ القوميين
التركيينَ ، قالَ : " إنّنا عزمنا على أن نأخذَ كلّ ما عندَ الغربيينَ حتى
الالتهاباتِ التي في رئيهم ، والنّجاساتِ التي في أمعائهم " ، وهذا الكلامُ ترجمةُ
حرفيّةٌ لما يقومُ بهِ تركي الحمدِ ، وما يدعو إليهِ ، من ضرورةِ الذوبانِ في
المجتمعِ الغربيِّ ، وضرورةِ التعايشِ معهُ ، وتقبّلهِ كما هو ، والتخلّي عن
الخصوصياتِ والأصالةِ ، كما عبّرَ عن ذلكَ بوضوحٍ وجلاءٍ في : ( خصوصياتُنا
والعولمةُ ) .
ظهرَ الآن لنا مدى
تهافتِ طرحِ تركي الحمدِ ، ومدى ميلهِ بكلّيتهِ نحوَ الغربِ ، واستهتارهِ بجميعِ
ثوابتِ المجتمعِ ، وحربهِ الضروسِ عليها ، وعلى المقدّساتِ الدينيّةِ ، ممّا يوجبُ
على أهلِ الحلِّ والعقدِ وجوبَ الوقوفِ ضدّهِ ، والحجرِ عليهِ وعلى فكرهِ المنحرفِ
، ولا بأسَ بإقحامهِ في مستشفى للأمراضِ العقليّةِ ، حتى يُشفى من مرضِ التخبّطِ
والقلقِ ، والذي جعلهُ يُظهرُ للجميعِ أنّ الإسلاميينَ يريدونَ تصفيتهُ وأنّهم
يتآمرونَ ضدّهُ ، وأنّهم يقعدونَ لهُ بكلِّ مرصدٍ ، ممّا حداهُ إلى التظلّمِ لدى
بعضِ المسئولينَ ، وكذلك شكايةَ حالهِ في الخارجِ ، لدى المتسكّعينَ من مثقفي العربِ
الصعاليكِ ، وإظهارِ أنّهُ مضطهدٌ لفكرهِ ولعبقريتهِ !! .
وإنّهُ ليذكرني
بقصّةٍ تراثيّةٍ قديمةٍ ، تظهرُ حالَ من يُبالغُ في وصفِ عدوّهُ ، ليرفعَ من شأنِ
نفسهِ ، وكيفَ أنّ عدوّهُ يُهاجمهُ دائماً ، ويرغبُ في وأدهِ ووأدِ فكرهِ وعلمهِ ،
وذلكَ أنّ شيخاً مدينيّاً دخلَ على صديقهِ وهو مذعورٌ جدّاً ، فقالَ لهُ صيدقهُ :
ما وراءكَ ؟ ، فقالَ المدينيُّ : في بيتي ذبابٌ أزرقُ كلّما دخلتُ عليهِ ثارَ في
وجهي وهاجمني ، وطارَ حولي وطنّ في أذني ، فإذا وجدَ منّي غفلةً لم يُخطىء موقَ
عيني ، هذا واللهِ دأبي ودأبهُ منذُ دهرٍ ، فقالَ لهُ صديقهُ : إنّ شبهَ الذبابِ
بالذبابِ كشبهِ الغرابِ بالغرابِ ، فلعلَّ الذي آذاكَ اليومَ غيرُ الذي آذاكَ أمسِ
! ، فقالَ المدينيُّ : أعتِقُ ما أملكُ إن لم أكنْ أعرفهُ بعينهِ منذُ خمس عشرةَ
سنة ! .
ولعلي أختمُ بمزحةٍ
ثقيلةٍ جدّاً من تركي الحمدِ ، حينما سُئلَ عن موقفِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ
، من كتاباتهِ ورواياتهِ ، فيما لو كانَ حيّاً ورآها ، فأجابَ تركي الحمدُ قائلاً :
" سيقرأها الرسولُ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم ولن يقولَ لي أكثرَ من : غفرَ اللهُ لكَ
" . ! .
وحالُ تركي الحمدِ
مثلُ حالِ ذلكَ الرّجلِ الذي زنى ، فحملتْ منهُ المرأةُ التي زنى بهِ ، فقيلَ لهُ :
هلاّ عزلتَ عن المرأةِ حتى لا تحملَ ؟ فقالَ الزاني : العزلُ مكروهٌ ! ، والحمدُ
كذلكَ يأتي إلى أصولِ الدينِ ليهدمها ، وشرائعِ الإسلامِ لينقضها ، ثمّ يقولُ في كلِّ
براءةٍ : سيغفرُ لي رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ ! .
اللهمّ إنّا نعوذُ
بكَ من شقوةِ هذا الرجلِ ، ونعوذُ بكَ أن تضلّنا بعدَ إذ هديتنا ، على اللهِ
توكّلنا ، ربّنا افتحْ بيننا وبينَ تركي الحمدِ بالحقِّ ، وأنتَ خيرُ الفاتحينَ .
فتى الادغال / الساحة
السياسية
المصدر
|