الأشاعرة فرقة تنسب لأبي الحسن الأشعري الذي خرج على المعتزلة . وقد
اتخذت الأشاعرة البراهين والدلائل العقلية والكلامية وسيلة في محاججة
خصومها من المعتزلة والفلاسفة وغيرهم ، لإثبات حقائق الدين والعقيدة
الإسلامية على طريقة ابن كلاب .
- أبو الحسن
الأشعري : هو أبو الحسن علي بن إسماعيل ، ولد بالبصرة سنة 270هـ ومرت
حياته الفكرية بثلاث مراحل :
- المرحلة الأولى : عاش فيها في كنف أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في
عصره وتلقى علومه حتى صار نائبه وموضع ثقته . ولم يزل أبو الحسن يتزعم
المعتزلة أربعين سنة .
- المرحلة الثانية : ثار فيها على مذهب الاعتزال الذي كان ينافح عنه ،
بعد أن اعتكف في بيته خمسة عشر يوماً ، يفكر ويدرس ويستخير الله تعالى
حتى اطمأنت نفسه ، وأعلن البراءة من الاعتزال وخط لنفسه منهجاً جديداً
يلجأ فيه إلى تأويل النصوص بما ظن أنه يتفق مع أحكام العقل وفيها اتبع
طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب في إثبات الصفات السبع عن طريق العقل :
الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام ، أما الصفات
الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق فتأولها على ما ظن أنها تتفق مع
أحكام العقل وهذه هي المرحلة التي ما زال الأشاعرة عليها .
- المرحلة الثالثة : إثبات الصفات جميعها لله تعالى من غير تكييف ولا
تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تبديل ولا تمثيل ، وفي هذه المرحلة كتب
كتاب الإبانة عن أصول الديانة الذي عبر فيه عن تفضيله لعقيدة السلف
ومنهجهم والذي كان حامل لوائه الإمام أحمد بن حنبل . ولم يقتصر على ذلك
بل خلف مكتبة كبير ة في الدفاع عن السنة وشرح العقيدة تقدر بثمانية وستين
مؤلفاً ، توفي سنة 324هـ ودفن ببغداد ونودي على جنازته : " اليوم مات
ناصر السنة " .
- بعد وفاة أبو الحسن الأشعري ، وعلى يد أئمة المذهب وواضعي أصوله
وأركانه ، أخذ المذهب الأشعري أكثر من طور ، تعددت فيها اجتهاداتهم
ومناهجهم في أصول المذهب وعقائده , من أبرز مظاهر
ذلك التطور :
- القرب من أهل الكلام والاعتزال .
- الدخول في التصوف ، والتصاق المذهب الأشعري به .
- الدخول في الفلسفة وجعلها جزء من المذهب .
-القاضي أبو بكر
الباقلاني : ( 328-402هـ ) (950-1013هـ ) هو محمد بن الطيب بن محمد بن
جعفر ، من كبار علماء الكلام ، هذب بحوث الأشعري ، وتكلم في مقدمات
البراهين العقلية للتوحيد وغالى فيها كثيراً إذ لم ترد هذه المقدمات في
كتاب ولا سنة ، ثم انتهى إلى مذهب السلف وأثبت جميع الصفات كالوجه
واليدين على الحقيقة وأبطل أصناف التأويلات التي يستعملها المؤولة وذلك
في كتابه : تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل .
ولد في البصرة وسكن بغداد وتوفي فيها . وجهه عضد الدولة سفيراً عنه إلى
ملك الروم ، فجرت له في القسطنطينية مناظرات مع علماء النصرانية بين يدي
ملكها .
_ أبو إسحاق الشيرازي : ( 293-476هـ ) ( 1003-1083م ) . وهو إبراهيم بن
علي بن يوسف الفيروز أبادي الشيرازي , بنى له
الوزير نظام الملك : المدرسة النظامية على شاطىء دجلة ، فكان يدرس فيها
ويديرها .
- أبو حامد الغزالي : ( 450-505هـ) ( 1058-1111م ) وهو محمد بن محمد بن
محمد الغزالي الطوسي ، لم يسلك الغزالي مسلك الباقلاني ، بل خالف الأشعري
في بعض الآراء وخاصة فيما يتعلق بالمقدمات العقلية في الاستدلال ، وذم
علم الكلام وبين أن أدلته لا تفيد اليقين كما في كتبه المنقذ من الضلال ،
وكتاب التفرقة بين الإيمان والزندقة ، وحرم الخوض فيه فقال : " لو تركنا
المداهنة لصرحنا بأن الخوض في هذا العلم حرام " . اتجه نحو التصوف ،
واعتقد أنه الطريق الوحيد للمعرفة .. وعاد في آخر حياته إلى السنة من
خلال دراسة صحيح البخاري .
- أبو إسحاق الإسفراييني : ( ت418هـ) ( 1027م ) وهو إبراهيم بن محمد بن
إبراهيم بن مهران .
- إمام الحرمين أبو المعالي الجويني : ( 419-478هـ ) ( 1028-1085م ) .
وهو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني ، دافع عن الأشعرية
فشاع ذكره في الآفاق ، إلا أنه في نهاية حياته رجع إلى مذهب السلف . وقد
قال في رسالته : النظامية والذي نرتضيه رأياً وندين الله به عقيدة اتباع
سلف الأمة للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة … ويعضد ذلك ما ذهب إليه
في كتابه غياث الأمم فبالرغم من أن الكتاب مخصص لعرض الفقه السياسي
الإسلامي فقد قال فيه :" والذي أذكره الآن لائقاً بمقصود هذا الكتاب ، أن
الذي يحرص الإمام عليه جمع عامة الخلق على مذاهب السلف السابقين ، قبل أن
نبغت الأهواء وزاغت الآراء وكانوا رضي الله عنهم ينهون عن التعرض للغوامض
والتعمق في المشكلات … " .
- نقل القرطبي في شرح مسلم أن الجويني كان يقول لأصحابه : " يا أصحابنا
لا تشتغلوا بالكلام ، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما تشاغلت به "
. توفي بنيسابور وكان تلامذته يومئذ أربعمائة .
- الفخر الرازي ( 544هـ - 1150م ) ( 606هـ - 1210م ) : هو أبو عبد
الله محمد بن عمر الحسن بن الحسين التيمي الطبرستاني الرازي المولد
المعبر عن المذهب الأشعري في مرحلته الأخيرة حيث خلط الكلام بالفلسفة ،
بالإضافة إلى أنه صاحب القاعدة الكلية التي انتصر فيها للعقل وقدمه على
الأدلة الشرعية . قال فيه الحافظ ابن حجر في لسان الميزان : ( 4/426 -
429 ) : " كان له تشكيكات على السنة على غاية من الوهن " إلا أنه أدرك
عجز العقل فأوصى وصية تدل على حسن اعتقاده فقد نبه في أواخر عمره إلى
ضرورة اتباع منهج السلف ، وأعلن أنه أسلم المناهج بعد أن دار دورته في
طريق علم الكلام فقال : " لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية
رأيتها لا تشفي عليلاً ولا تروي عليلاً ، ورأيت أقرب الطرق ، طريقة
القرآن ، اقرأ في الإثبات [ الرحمن على العرش استوى ] و [ إليه يصعد
الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه ] ، و أقر في النفي [ ليس كمثله شيء
وهو السميع البصير ] و [ ولا يحيطون به علماً ] ، ثم قال في حسرة وندامة
: " ومن جرب تجربتي عرف معرفتي " أهـ . ( الحموية الكبرى لا بن تيمية ) .
- مصدر التلقي
عند الأشاعرة : الكتاب والسنة على مقتضى قواعد علم الكلام ولذلك فإنهم
يقدمون العقل على النقل عند التعارض ، صرح بذلك الرازي في القانون الكلي
للمذهب والآمدي وابن فورك وغيرهم .
- عدم الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة ولا
مانع من الاحتجاج بها في مسائل السمعيات أو فيما لا يعارض القانون العقلي.
والمتواتر منها يجب تأويله ، ولا يخفى مخالفة هذا لما كان عليه السلف
الصالح من أصحاب القرون المفضلة ومن سار على نهجهم حيث كان النبي صلى
الله عليه وسلم يرسل الرسل فرادى لتبليغ الإسلام كما أرسل معاذاً إلى أهل
اليمن ، ولقوله صلى الله عليه وسلم " نضر الله امرءاً سمع مقالتي فحفظها
ووعاها وأداها كما سمعها … " الحديث ، وحديث تحويل القبلة وغير ذلك من
الأدلة .
- مذهب طائفة منهم وهم : صوفيتهم كالغزالي والجامي في مصدر التلقي ،
تقديم الكشف والذوق على النص ، وتأويل النص ليوافقه . ويسمون هذا " العلم
اللدني " جرياً على قاعدة الصوفية " حدثني قلبي عن ربي "
, ولا يخفى ما في
هذا من البطلان والمخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة وإلا فما الفائدة من
إرسال الرسل وإنزال الكتب .
- التوحيد عند الأشاعرة : فسروا الإله بأنه الخالق أو القادر على
الاختراع ، وبذلك جعلوا التوحيد هو
إثبات ربوبية الله عز وجل دون ألوهيته مع
تأويل أكثر صفاته جل وعلا.
وهكذا خالف الأشاعرة أهل السنة والجماعة في معنى التوحيد حيث يعتقد أهل
السنة والجماعة أن التوحيد أول واجب على العبد هو
إفراد الله بربوبيته
وألوهيته وأسمائه وصفاته على نحو ما أثبته تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله
صلى الله عليه وسلم ، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى
الله عليه وسلم من غير تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل .
- يعتقد الأشاعرة تأويل الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعين والقدم
والأصابع وكذلك صفتي العلو والاستواء . وقد ذهب المتأخرون منهم إلى تفويض
معانيها إلى الله تعالى على أن ذلك واجب يقتضيه التنزيه ، ولم يقتصروا
على تأويل آيات الصفات بل توسعوا في باب التأويل حيث أولوا أكثر نصوص
الإيمان.
أما مذهب السلف فإنهم يثبتون النصوص الشرعية دون تأويل معنى النص - بمعنى
تحريفه - أو تفويضه ، سواءاً كان في نصوص الصفات أو غيرها .
- الأشاعرة في الإيمان بين المرجئة التي تقول يكفي النطق بالشهادتين دون
العمل لصحة الإيمان ، وبين الجهمية التي تقول يكفي التصديق القلبي . ورجح
الشيخ حسن أيوب من المعاصرين إن المصدق بقلبه ناجٍ عند الله وإن لم ينطق
بالشهادتين ، ( تبسيط العقائد الإسلامية 29-32 ) . و مال إليه البوطي (
كبرى اليقينيات 196 ) . وفي هذا مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة الذين
يقولون إن الإيمان قول وعمل واعتقاد ، ومخالفة لنصوص القرآن الكريم
الكثيرة منها : ( أم حسب الذين اجترحوا اليسئات أن نجعلهم كالذين آمنوا
وعملوا الصالحات سواءً محياهم و مماتهم ساء ما يحكمون ) . عليه يكون
إبليس من الناجين من النار لأنه من المصدقين بقلوبهم ، وكذلك أبو طالب عم
النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كثير .
- الأشاعرة مضطربون في قضية التكفير فتارة يقولون لا تكفر أحداً ، وتارة
يقولون لا تكفر إلا من كفرنا ، وتارة يقولون بأمور توجب التفسيق و
التبديع أو بأمور لا توجب التفسيق ، فمثلاً يكفرون من يثبت علو الله
الذاتي أو من يأخذ بظواهر النصوص حيث يقولون : إن الأخذ بظواهر النصوص من
أصول الكفر .
أما أهل السنة والجماعة فيرون أن التكفير حق لله تعالى لا يطلق إلا على
من يستحقه شرعاً ،
ولا تردد في إطلاقه على من ثبت كفرة بإثبات شروط وانتفاء موانع 0
-قولهم بأن القرآن ليس كلام الله على الحقيقة ولكنه كلام الله النفسي وإن
الكتب المنزلة بما فيها القرآن مخلوقة .
أما مذهب أهل السنة والجماعة فهو : أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه
تعالى يتكلم بكلام مسموع تسمعه الملائكة وسمعه جبريل و سمعه موسى - عليه
السلام - ويسمعه الخلائق يوم القيامة . يقول تعالى : (( وإن أحد من
المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله )) .
- حصر الأشاعرة دلائل النبوة بالمعجزات التي هي الخوارق ، موافقة
للمعتزلة وإن اختلفوا معهم في كيفية دلالتها على صدق النبي بينما يرى
جمهور أهل السنة أن دلائل ثبوت النبوة للأنبياء كثيرة ومنها المعجزات .
- قالوا بنفي الحكمة والتعليل في أفعال الله مطلقاً .
- وافق الأشاعرة أهل السنة والجماعة في الإيمان بأحوال البرزخ ، وأمور
الآخرة من : الحشر والنشر ، والميزان ، والصراط ، والشفاعة والجنة والنار
، لأنها من الأمور الممكنة التي أقر بها الصادق صلى الله عليه وسلم ،
وأيدتها نصوص الكتاب والسنة ، وبذلك جعلوها من النصوص السمعية .
- كما وافقوهم في القول في الصحابة على ترتيب خلافتهم ، وأن ما وقع بينهم
كان خطأً وعن اجتهاد منهم ، ولذا يجب الكف عن الطعن فيهم ، لأن الطعن
فيهم إما كفر ، أو بدعة ، أو فسق ، كما يرون الخلافة في قريش ، وتجوز
الصلاة خلف كل بر وفاجر ، ولا يجوز الخروج على أئمة الجور . بالإضافة إلى
موافقة أهل السنة في أمور العبادات والمعاملات .
- الأشعري في كتاب الإبانة عن أصول الديانة الذي هو آخر ما ألف من الكتب
على أصح الأقوال ، رجع عن كثير من آرائه الكلامية إلى طريق السلف في
الإثبات وعدم التأويل .. يقول رحمه الله :" وقولنا الذي نقول به ،
وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عز وجل وبينة نبينا عليه
السلام ، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون ،
وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - نضر الله وجهه ،
ورفع درجته ، وأجزل مثوبته - قائلون ، ولما خالف قوله مخالفون ، لأنه
الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ، ورفع به ضلال
الشاكين ، فرحمة الله عليه من إمام مقدم وجليل معظم وكبير مفخم ".
- تصدي الإمام ابن تيمية لجميع المذاهب الإسلامية التي اعتقد أنها انحرفت
عن الكتاب والسنة - ومنهم الأشاعرة وبخاصة المتأخرة منهم - في كتابه
القيم : درء تعارض العقل والنقل وفند آراءهم الكلامية ، وبين أخطاءهم
وأكد أن أسلوب القرآن والسنة هو الأسلوب اليقيني للوصول إلى حقيقة
التوحيد .
انتشر المذهب
الأشعري في عهد وزارة نظام الملك الذي كان أشعري العقيدة ، وصاحب الكلمة
النافذة في الإمبراطورية السلجوقية ، وكذلك أصبحت العقيدة الأشعرية عقيدة
شبه رسمية تتمتع بحماية الدولة .
وزاد في انتشارها وقوتها مدرسة بغداد النظامية ، ومدرسة نيسابور النظامية
، وكان يقوم عليهما رواد المذهب الأشعري ، وكانت المدرسة النظامية في
بغداد أكبر جامعة إسلامية في العالم الإسلامية وقتها ، كما تبنى المذهب
وعمل على نشره المهدي بن تومرت مهدي الموحدين ، ونور الدين محمود زنكي ،
والسلطان صلاح الدين الأيوبي ، بالإضافة إلى اعتماد جمهرة من العلماء
عليه ، وبخاصة فقهاء الشافعية والمالكية المتأخرين . ولذلك انتشر المذهب
في العالم الإسلامي كله ، ولا زال المذهب الأشعري سائداً في أكثر البلاد
الإسلامية وله جامعاته ومعاهده المتعددة . |