الدولة
اليهودية
أين الدولة
اليهودية؟ واين خطرها؟ وما مداه؟
ان الدولة
اليهودية قائمة دون شك لكن لا في اسرائيل فحسب، ولا في أي رقعة واحدة محدودة في جهة
من الأرض، فليست لها حدود جغرافية ولا لغة واحدة ولا نحو ذلك من مقومات الدولة في
بعض البلاد، وليس لهذين المقومين ونحوهما اهمية كبيرة، وان كان اليهود قد اتجهوا
أخيراً إلى تكوين مملكة اسرائيلية بدأت في فلسطين، وهي تهدف إلى الاستيلاء على رقعة
الشرق الأوسط والبلاد العربية بخاصة، لتتحكم في تجارة العالم بين الشرق والغرب حيث
تلتقي القارات الثلاث: آسيا وأوروبا وأفريقية، وتشمل قناة السويس، ثم تستغل سكان
هذه الرقعة الضعاف في نظرها، وتستولي على آبار النفط وكل المعادن فيها، وان كانوا
ايضاً يحاولون نشر اللغة العبرية بعد أحيائها بينهم، حتى يتم لدولتهم مقومان هامان
شكليان أكثر مما هما أساسيان، وهما وحدة الإقليم ووحدة اللغة. وهذان المقومان مع
أهميتهما العظمى غير ضروريين لقيام الدولة اليهودية بخاصة، فهي قائمة بدونهما، لان
المقومات التي هي أهم منهما ولا قيام لدولة بدونهما قد اجتمع منها لليهود أكثر مما
يلزم، فكان من جرائها أن الدولة اليهودية حقيقة قائمة فعلاً.
وأهم مقومات
الدولة المتحققة لليهود كثيرة: (أولها) اتحاد مصالحهم وحاجتهم الالية لمعاونة بعضهم
بعضاً محلياً وعالمياً، و(ثانيها) وحدة التاريخ والاشتراك في المفاخر والمآسي منذ
خمسة وثلاثين قرناً، و(ثالثها) وحدة الغرض وهو استغلال العالم لمصلحتهم، (ورابعها)
اضطرارهم للتعاون والتعصب ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم من الأمم التي تجمع كلها على
اضطهادهم، وهم اقلية ضئيلة العدد محلياً وعالمياً، فإذا أهملوا التعاون والتعصب
بينهم لحظة ذابوا في الأمم، و(خامسها) إحساسهم المشترك بالنقم على العالم بكثرة ما
اضطهدتهم أممه جميعاً، واحساسهم بنقمة العالم عليهم لاستغلالهم اياه ومحاولتهم
احتكار خيراته، و(سادسها) في منتهى الخطورة، وهو وحدة الدين الذي يمتاز بأنه يحثهم
على اعتزال العالم والترفع عليه واحتكار خيراته وسكانه لخدمتهم، ويوجب عليهم
استغلال أسوأ الوسائل كالكذب والخداع والسرقة والقتل والزنا والربا الفاحش والتدليس
لاشاعة الرذيلة فيه وحل أخلاقه وقومياته وأديانه، وأن سيرة إلههم وانبيائهم
وزعمائهم تمدهم بأقوى المثل للتعصب ضد الأمميين، واحتقارهم والنقمة عليهم، واستباحة
كل الوسائل الدنيئة لاستغلالهم والتسلط فوقهم على الدوام. وعاصمة هذه المملكة هي
كتبهم المقدسة لا سيما التلمود وأقوال ربانييهم وزعمائهم الذين يمدون لهم في الضلال
مداً، وان ملوكهم هم حكماؤهم الذين هم أيضاً أنبياؤهم، واليهود يخضعون لهؤلاء
الحكماء خضوع التقي لربه، ويطيعون كلماتهم في عمى طاعة الابناء البررة لا كرام
الآباء.
ونفوذ الدولة
اليهودية قائم في كل مكان عن طريق جمعياتهم الدينية والسياسية والماسونية سرية
وعلنية ونسائهم وخداعهم وبذر بذور الفتنة بين الهيئات المختلفة في كل قطر وفي
العالم معاً، وبإشرافهم على الصحافة ودور النشر ووكالات الانباء ومذاهب العلم
والفلسفة والفن والمسرح والسينما والمدرسة ونظم التعليم والبنوك والشركات والمصافق
(البورصات) واهم منابع الثروة في معظم البلاد، واحتكار الذهب،ونظمهم السرية التي لا
يعرف اهدافها الا أكابر حكمائهم، وان نفذ كبارهم وصغارهم خططها تنفيذاً دقيقاً.
وكان خيراً
لليهود أن تبقى دولتهم قائمة على هذا الوضع الغريب الفريد بين الدول، لانهم لم
يحرزوا هذه السلطة العظمى الا عن طريق هذا الوضع الشاذ الذي كفاهم شرور أنفسهم
أولاً، فإن تجمعهم في رقعة وأمنهم فيها لا بد أن يثير الشر الكامن في انفسهم بين
بعضهم وبعض، وأن يغري بينهم العداوة البغضاء كما وقع لهم قبل تشتيتهم، إذ كانوا في
فلسطين مملكة ثم مملكتين، فسودوا العصر كله بالفتن والمنازعات الدينية والسياسية
والاقتصادية، كما أن تجمعهم في رقعة سيحرمهم من الخيرات العالمية التي ملأت خزائنهم
بالذهب، ومكنتهم من التسلط على خيرات العالم وأهله عن طريق التطفل على أرزاق غيرهم
واستغلال عجزهم وغفلتهم وإثارة شهواتهم وغرائزهم البهيمية ليخضعوهم كالحيوانات
وان تجمعهم
سيضطرهم إلى الاعتماد على جهودهم وحدهم مع أن تطفل بعضهم على بعض عسير. وهم
كالجراثيم يعيشون عيشتها المتطفلة على أجسام الناس، وما كان للجراثيم الا أن تعيش
الا متطفلة، وما كان لتطفلها أن يتحقق الا في اجسام الناس لا في تطفل بعضها على بعض
.
فالذين يقصرون
الخطر اليهودي أو خطر الدولة اليهودية على هذه الرقعة الضئيلة ـ في فلسطين أو في
الشرق الأوسط ـ قوم لا يفهمون أحداث التاريخ وتياراته وروحه، ولا يفطنون إلى نظم
الاجتماع البشري، ولا يعرفون الكفاية عن الروح المالية لليهود. وخير لهم ولبلادهم
أن لا يشتغلوا بسياستها وتوجيهها. فهم في ذلك كالأنعام بل هم أضل سبيلاً، وان كانوا
في غير السياسة من العباقرة.
أن اليهود لا
تتأدى بهم الغفلة ـ وهم يؤسسون إسرائيل في فلسطين، أو أقطار الشرق الأوسط ـ إلى حد
نزحهم جميعاً من أقطار العالم. وتكدسهم في هذه الدولة، وأن كلما يهدفون إليه في
رأيي هو اتخاذ هذه الدولة مركزاً يتدفق إليه ذهبهم، ويسيطرون منه على التجارة
وأعمال الصيرفة العالمية بين الشرق والغرب، وينشرون منه المكايد التي تطيح بالعوائق
ضد تسلطهم على العالم. هذا مع احتفاظهم بتشتتهم في اقطار الأرض كما هم الآن ،
ليسيطروا عليها ويستغلوها فمن ضاق به العيش في قطره هجره إلى هذه الدولة.
ومع ذلك
فالدولة اليهودية قائمة، ولكن على طريقتها الشاذة،ومن مصلحتهم أن تكون كذلك، فلو
تجمعوا داخل بقعة مع قلتهم ـ كأي شعب صغير من الأمميين وكما كانوا أثناء تجمعهم في
فلسطين قبل تشتتهم ـ لكانوا عرضة لكوارث الطبيعة كالزلازل والقحط، ولغارات جيرانهم
الأقوياء، وهم أقلية يسهل القضاء عليهم أو إضعافهم إذا تجمعوا جميعاً في إقليم.
وتلمس سطوة
الدولة اليهودية ونفوذها في تسلطهم على اقتصاديات الدول الكبرى كأمريكا وروسيا،
وكثير من الدول الصغرى وفي تسلطهم على حكوماتها ومذاهبها. فهم في الدول الديمقراطية
يجمعون المال بما تعترف به هذه الدول لكل الناس من حق الحرية في جمعه، وهم في الدول
الدكتاتورية يستميلون حكامها بذهبهم ونسائهم وكل ما لديهم من قوة ونفع لا يستغنى
عنه هؤلاء الحكام، كي يتركوا لليهود نشاطهم الاقتصادي وغيره فيها.
وكذلك نلمس
سطوة دولتهم القائمة فعلاً في استيلائهم على الحكم في روسيا، فالمكتب السوفيتي هناك
الآن يتألف من سبعة عشر عضواً: منهم أربعة عشر يهودياً صريحاً وثلاثة من أصول
يهودية أو من صنائع اليهود، وزوجات الثلاثة يهوديات.
وأعضاء المكتب
الشيوعي الاعلى في بولندا أحد عشر منهم سبعة يهود صرحاء.
وتسيطر على سير
الأمور الآن في رومانيا أنا بوكر اليهودية الشيوعية. وأعضاء المجلس الشيوعي في
المجر خمسة كلهم يهود. وتشيكوسلوفاكيا في قبضة ثمانية رجال منهم خمسة يهود. ومن
اعضاء مجلس العموم البريطاني الحالي ثمانون نائباً يهودياً صريحاً عدا المتنصرين
منهم وصنائعهم من النواب، وعلى يد بريطانيا تحطمت الخلافة العثمانية التي أبى
خليفتها عبد الحميد أن يبيع جانباً من فلسطين ليتخذوه وطناً قومياً.
وقد تمكن رئيس
وزراء بريطانيا اليهودي دزرائيلي بذهب اليهودي روتشيلد من أن يشتري نصيب مصر في
اسهم قناة السويس لبريطانيا بأربعة ملايين جنيه كي تكون بريطانيا إلى جوارهم في
فلسطين
فتساعدهم على انشاء وطنهم القومي. وبريطانيا هي التي تسلطت على فلسطين عقب الحرب
العالمية الأولى عن طريق الانتداب بعد تحلل الخلافة الإسلامية التي ابت الخضوع قبل
ذلك لمطالب اليهود. وأن أول مندوب سام لبريطانيا وأول نائب عام لها في فلسطين
يهوديان. وبريطانيا قد فتحت لهم أبواب الهجرة على مصراعيها بعد الانتداب، وتحت
حمايتها أسس اليهود مستعمراتهم، وزرعوها، وكونوا جامعتهم ومدارسهم ومعابدهم، ودربوا
فرق جيشهم، فلما نضجت الثمرة تركوها خالصة لهم. وحرص بريطانيا الدائم على نفوذها في
الشرق الأوسط إنما هو لمصلحتها ولتحمي إسرائيل الضعيفة من جيرانها العرب.وهي التي
تغري الفتنة بين الأقطار العربية، كي لاتقوى فتخرجها من الشرق وتخرجهم من فلسطين.
فبريطانيا تمثل
معهم دور "البلطجي" أو الخفير القوي مع مستغل الأرض الضعيف مستأجراً أو مالكاً، فهي
تحمي مصالحهم في كل بلد لها فيه نفوذ، لقاء ما تجنيه من نفع هناك على أيديهم، ولقاء
ما لهم من نفوذ اقتصادي وغيره في العالم ولا سيما أمريكا التي لاغنى لبريطانيا عنها
منذ الحرب العالمية الأولى، فمستغل الأرض كلما أحس بشيء من قدرته على حراسة جانب من
الأرض وحده، حد من نفوذ الخفير على هذا الجانب الذي يقدر المستغل على حراسته بنفسه،
وما دام المستغل عاجزاً عن حراسة بعض الأرض أوكلها فهو مضطر إلى جهود الحارس كلها
أو بعضها بمقدار حاجته إليه.
فلو كان لليهود
قوة الآن على توسيع إسرائيل من أي جانب، لما وقفت بريطانيا ولا غيرها في وجههم،
ولساعدتهم بقدر ما لها هي من مصلحة في هذه المساعدة، ولكن اليهود في إسرائيل قوم
حصفاء لا يتهورون، فهم يحاولون الان مضغ اللقمة التي انتزعوها أولاً قبل أن
يندفعوا إلى انتزاع غيرها فيعجزوا، أو ينتزعوها ولكنه لا تنتزع ثانية من أفواههم
قبل ازدرادها، أو يزدردوها بمشقة ليسوا الان أهلاً لتحملها، وأما اللقم التي في
أيدي غيرهم فهم مطمئنون إلى بقائها سليمة في أيدي أصحابها لا تؤكل حتى تقع في أيدي
اليهود، والبركة في بريطانيا حامية الشرق التي تكفل لهم جيوشها الحيلولة بين اللقم
وأفواه أصحابها الجائعين.
ونفوذ اليهود
في أمريكا لا يعادله نفوذ، فهم الذين مكروا لبريطانيا حتى أخرجوا أمريكا في الحرب
العالمية الأولى من عزلتها التقليدية عن مشاكل العالم فحاربت في صف بريطانيا مقابل
امور منها: وعد "بلفور" اليهودي في الوزارة البريطانية عندئذ، إذ وعدهم بانشاء وطن
قومي لليهود في فلسطين، وحمل الدول جميعاً على الاعتراف بالوعد في مؤتمر الصلح، ثم
العمل على تنفيذه تحت حماية بريطانيا بعد انتزاع فلسطين من الخلافة العثمانية
ووضعها تحت الانتداب.
ولولا اليهود
لما أمكن بريطانيا اخراج أمريكا من عزلتها التقليدية. وكان في اخراج أمريكا من
عزلتها فوائد أخرى: منها تحطيم الرأسمالية غير اليهودية في أمريكا، وفتح اسواق
جديدة لرؤوس الأموال اليهودية الأمريكية التي كانت سياسية العزلة خلال الحرب تحول
بينها وبين الإنسياح في أقطار العالم خارج امريكا. والسياسة في أمريكا الآن خاضعة
إلى حد بعيد لنفوذ اليهود، وهم يملكون خفية بحكم الواقع كثيراً من المناصب، ومنها
رياسة الجمهورية، وترومان واحد منهم دون شك، ومستشار البيت الأبيض يهودي، وكثير من
الوزراء واعضاء الكونجرس من اليهود أو صنائعهم. وهم يلجئون دائماً الى التقنع
بغيرهم من حكام الأمميين مسيحيين ومسلمين طالما كانت مصلحتهم في التقنع، حتى لا
يثيروا ريب الأميين ضدهم فيما إذا اكتشفوا خطرهم اليهودي ضد مصالحهم. وقد نجح
اليهود اخيراً في جعل الدولار الأمريكي اساس النقد في العالم، وفي أيديهم قوة
الدولار.
وهم يحاولون ـ
كما قدمنا ـ أن يجروا القوتين: الشيوعية والديمقراطية إلى حرب عالمية ثالثة تقضي
على القوتين وعلى كل نفوذ غير يهودي في العالم. والى الصين الآن ينفذون عن طريق
روسيا الشيوعية اليهودية. وقد حاولوا فتح الأسواق اليابانية لهم في أواخر القرن
التاسع عشر، فساعدوا اليابان بالأموال والأسلحة ضد روسيا التي كانت المذابح
والاضطهادات تنصب فيها يومئذ على اليهود، وكان ذلك من أسباب انتصار اليابان على
روسيا سنة 1905، ثم فتح الصين أمامهم، ولكن اليابان اغلقت الباب في وجوه اليهود بعد
أن انتصروا على روسيا. ومثل هذا يقال عن نفوذهم في غير هذه البلاد كفرنسا وايطاليا
والمانيا وتركيا.
وهم الذين
يعملون على أن تحل المشاكل دولياً، فهم دعاة السلام بعد كل حرب لم تقم الا بسبب
مكايدهم،وهم يستفيدون وحدهم في السلم والحرب أكثر من المسالمين والمحاربين. وهم
الذين دعوا إلى انشاء عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى وكان أكثر السكرتيرين
فيها يهوداً، وكذلك دعوا إلى انشاء مجلس الأمن وهيئة الأمم بعد الحرب العالمية
الثانية، وكانت دعوتهم إلى انشائها في مصلحة العالم اجمالاً فنجحت بعض النجاح. ولم
يزل اعضاء مختلف وفود البلاد إلى هذه المؤسسات جميعهم أو أكثريتهم من اليهود أو
صنائعهم، أو من يعطفون عليهم، واليونسكو منظمة تكاد تكون يهودية خالصة موضوعاً،
وشبه يهودية شكلاً.
وما خلت وزارة
منهم أو مجلس نواب أو شيوخ أو مجلس بنك أو شركة في مختلف الأقطار، زيادة على من لهم
فيها من صنائع . فكان على رأس الوزارة البريطانية بعد الحرب العالمية الأولى لويد
جورج وكان عطفه عليهم مشهوراً، وكان عضوان يهوديان في وزارته، كما كان ستة يهود
مستشارين للملك هناك، ومن وزرائهم في بريطانيا هوربليشاوشنويل وصمويل هور، وكان وفد
بريطانيا إلى أمريكا لتصفية مشاكل تلك الحرب برياسة اللورد ريدنج اليهودي الذي صار
بعد ذلك رئيس قضاة بريطانيا ثم نائب الملك في الهند ومثله كان السير ماتيو ناثان
حاكماً على "كوينز" من ممتلكات التاج.
وأكبر محطمي
القيصرية في روسيا هم اليهود وكان على رأسهم كرينسكي وتروتسكي وزينوفيف ورادك
اليهود، وكان للذهب اليهودي الأمريكي والفدائيين اليهود من الروس أوفر نصيب في
تحطيم القيصرية وتمكين الشيوعيين من روسيا كما بينا فيما بعد.
وبعد هزيمة
المانيا في الحرب العالمية الأولى كان معظم الوفد الألماني في مؤتمر الصلح من
اليهود، وكذلك معظم القابضين على أزمة المانيا، وكان شيفر للمالية وهاز للخارجية.
وكان وزراء بروسيا جميعاً يهودياً، وحاكم بافاريا يهودياً. وكان القابض على الحكم
في المجر بيلاكين اليهودي واسمه أصلاً "كوهين".
ولهذا النفوذ
اليهودي في روسيا من جانب، والدومل الديموقراطية بريطانيا وأمريكا وفرنسا… من جانب
آخر أمكن التفاهم بين الجانبين ضد هتلر وهزيمة المانيا في الحرب العالمية الثانية،
بعد أن كانت روسيا مع هتلر أولاً. والى هذا النفوذ يرجع اجتماع أمريكا وروسيا معاً
ـ في وجهة النظر ـ على الاعتراف بدولة إسرائيل.. واليه يرجع خذلان الأمم جميعاً
لمصر في موقفها أمام بريطانيا في مسألة مرور السفن البريطانية في قناة السويس
أخيراً، لن انتصار بريطانيا من مصلحة اليهود الذين أضرهم احتفاظ مصر بحقها في قناة
السويس ومقاطعتها إسرائيل مع أن حق مصر القانوني واضح كالشمس.
وموقف تركيا
منذ انقلاب "أتاتورك" تجاه العرب واليهود لا يفسره الا نفوذ اليهود في تركيا، فلو
بقيت الخلافة العثمانية ـ رغم ضعفها ـ قائمة لما أمكن قيام وطن يهودي في فلسطين،
فنكب اليهود تركيا لذلك بتسليط بريطانيا عليها أثناء الحرب العالمية الأولى، وكادت
بريطانيا تعقد الصلح مع تركيا أثناءها، ولكن اليهود عطلوه بزعامة ويزمان رئيس
إسرائيل ـ كما ذكر هو في مذكراته ـ وبمساعدة بعض النساء فهم الذين حالوا دون الصلح
بينهما، حتى تخرب تركيا وتنحل خلافتها وتمتد حاجة بريطانيا بشدة إلى اليهود. كما
كان لهم نصيب كبير في إلغاء الخلافة، وكان أحد الثلاثة الذين سلموا الخليفة قرار
العزل يهودياً. وكان لنفوذهم أكبر الأثر في طرح تركيا دينها الإسلامي وقوانينها
الإسلامي وقوانينها الإسلامية ومحاربة اللغة العربية والتبرؤ من صلاتها بالعرب. لأن
اليهود ولا سيما "الدونمة" في سلانيك ـ وغيرها ـ وهم يهود يتظاهرون بالإسلام ـ هم
الداعون إلى الجامعة الطورانية للتخلص من الإسلام واللغة العربية وصلة الترك
بالعرب، وكان لذلك أثره في أن اصطبغ بهذه الألوان حكم مصطفى كمال الملقب أتاتورك.
وقد كان فيه عرق من "الدونمة".
وكان حاخام
اليهود حايم ناحوم افندي هناك، وهو الذي فتح لليهود يومئذ باب الهجرة إلى تركيا
ليكونوا بالقرب من فلسطين ثم صار مبعوث مصطفى كمال إلى مؤتمر لوزان ثم عينه حاخاماً
لليهود في مصر. وما اشتجر خلاف في الأعوام الأخيرة بين العرب وإسرائيل الا كانت
تركيا مع اسرائيل، فهي تعترف بها وتصوت معها في هيئة الأمم وتمدها بالأسلحة وتجمع
لها الأقوات. والعبرة في العلاقات لا سيما الدولية بالمصالح غالباً لا بأي شيء آخر،
وإن مصلحة تركيا في تأييد اليهود أكبر من مصلحتنا في تأييد العرب والمسؤول عن ذلك
ساسة العرب والترك.
وإذن فأي دولة
صغرى أو عظمى كأمريكا أو روسيا أو فرنسا أو بريطانيا لا تستطاع محاربتها بأسهل مما
يحارب به نفوذ هذه الدولة اليهودية؟ واذا كان المعيار لقوى دولة ما هو نفوذها، فأي
دولة اقوى نفوذاً من اليهودية؟.
أن قيام مثل
هذه الدولة على هذا النحو الغريب لا يكلفها مثلاً الانفاق على جيش كبير لحمايتها،
ولا يعرضها لكوارث الطبيعة ولا لغارات جيوش الاعداء لأنها مشتتة موزعة في كل انحاء
العالم.
ليس لهذه
الدولة إقليم معين في العالم، لكنها تمتد إلى كل أقطاره، فحيث يقوم نشاط يهودي تقوم
دولتهم، والاستعمار لم يجن من الخير لأي دولة استعمارية، ولم يحمها من شرور
المستعمرين وغيرهم ما اجنى للدولة اليهودية استعمارها العالم على هذا النحو الغريب،
وليست العبرة في الاستعمار بكثرة الجيوش والأساطيل، بل بالتسلط الاقتصادي والفكري
والسياسي، وهو مكفول لليهودية فهم من أعظم سادة العالم بنفوذهم لا شك. وبهذا يقاس
خطرهم. ولا يقاس بدولة إسرائيل معزولة عن قوة اليهود العالمية. ولا بمضاعفة
إسرائيل على هذا النحو ألف ضعف.