العقيدة
الصحيحة وما يضادها
1 / 2
|
رابعا الإيمان بالرسل
:
يجب الإيمان بالرسل إجمالاً وتفصيلاً فنؤمن أن الله سبحانه أَرسل إلى
عباده رسلاً منهم مبشرين ومنذرين ودعاة إلى الحق ، فمن أجابهم فاز
بالسعادة ، ومن خالفهم باء بالخيبة والندامة ، وخاتمهم وأفضلهم هو نبينا
محمــد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - ، كما قال الله سبحانه : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)[ النحل :
36 ] 0
وقال تعالى : (
رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجةٌ بعد
الرسل ) [النساء : 165
وقال تعالى : (
ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم
النبيين
) [الأحزاب 40 ] 0
ومن سمى الله منهم أو ثبت عن رسول الله تسميته آمناً به على سبيل التفصيل
والتعيين كنوح وهود وصالح وإبراهيم وغيرهم ، عليهم وعلى نبينا أفضل
الصلاة وأزكى التسليم0
خامساً : الإيمان باليوم الآخر
وأما الإيمان باليوم الآخر فيدخل فيه الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله
- صلى الله عليه وسلم - مما يكون بعد الموت كفتنة القبر وعذابه ونعيمه ،
وما يكون يوم القيامة من الأهوال والشدائد والصراط والميزان والحساب
والجزاء ونشر الصحف بين الناس فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله أو من
وراء ظهره ، ويدخل في ذلك أيضاً الإيمان بالحوض المورود لنبينا محمد -
صلى الله عليه وسلم - ، والإيمان بالجنة والنار ، ورؤية المؤمنين لربهم
سبحانه وتكليمه إياهم ، وغير ذلك مما جاء في القرآن الكريم والسنة
الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيجب الإيمان بذلك كله
وتصديقه على الوجه الذي بينه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم 0
سادساً: الإيمان بالقدر
وأما الإيمان بالقدر فيتضمن الإيمان بأمور أربعة
:
الأمر الأول : أن الله سبحانه قد علم ما كان وما يكون ، وعلم أحوال عباده
، وعلم أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم وغير ذلك من شئونهم ، لا يخفى عليه من
ذلك شيء سبحانه وتعالى ، كما قال سبحانه : (
إن الله بكل شيء عليم
)[
الأنفال : 75 ] 0
وقال عزّ وجلّ : (
لتعلموا أن الله على كُل شيء قدير وأن الله قد أحاط
بكل شيء ) [الطلاق :12
والأمر الثاني : كتابته سبحانه لكل ما قدره وقضاه كما قال سبحانه : ( قد
علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ ) [ ق : 4 ] 0
وقال تعالى : (
وكل شيء أحصيناه في إمام مبين
) [ يس :12
وقال تعالى : ( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في
كتاب إن ذلك على الله يسيرٌ
) [ الحج : 70
الأمر الثالث : الإيمان بمشيئته النافذة ، فما شاء الله كان ومالم يشأ لم
يكن كما قال سبحانه : (
إن الله يفعل ما يشاء )[ :18 ] 0
وقال عز وجل : ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون
) [يس :
82] 0
وقال سبحانه : (
وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين
) [ التكوير :
29
الأمر الرابع : خلقه سبحانه لجميع الموجودات ، لا خالق غيره ولا رب سواه
، قال سبحانه : (
الله خلق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ) [ الزمر :62 ] 0
وقال تعالى : (
يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير
الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ) [ فاطر : 3 ]0
فالإيمان بالقدر يشمل الإيمان بهذه الأمور الأربعة عند أهل السنة
والجماعة خلافاً لمن أنكر بعض ذلك من أهل البدع 0
ويدخل في الإيمان بالله اعتقاد أن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص
بالمعصية وأنه لا يجوز تكفير أحد من المسلمين بشيء من المعاصي التي دون
الشرك والكفر ، كالزنا ، والسرقة ، وأكل الربا ، وشرب المسكرات ، وعقوق
الوالدين ، وغير ذلك من الكبائر ما لم يستحل ذلك لقول الله سبحانه (
إن
الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء : 48 ] ،
ولما ثبت في الأحاديث المتواترة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن
الله يُخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان
ومن الإيمان بالله الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله
والمعاداة في الله، فيحب المؤمن المؤمنين ويواليهم ، ويبغض الكفار
ويعاديهم 0
وعلى رأس المؤمنين من هذه الأمة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم 0
فأهل السنة والجماعة يحبونهم ويوالونهم ويعتقدون أنهم خير الناس بعد
الأنبياء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " خير القرون قرني ثم الذين
يلونهم ثم الذين يلونهم " متفق على صحته 0
ويعتقدون أن أفضلهم أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين
ثم على المرتضى رضي الله عنهم أجمعين ، وبعدهم بقية العشرة المبشرين
بالجنة ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، ويمسكون عما شجر بين
الصحابة ويعتقدون أنهم في ذلك مجتهدون ، من أصاب فله أجران ومن أخطأ فله
أجر ، ويحبون أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين به
ويتولونهم ويتولون أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمهات
المؤمنين ويترضون عنهن جميعا ً0
ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون أصحاب رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - ويسبونهم ويغلون في أهل البيت ، ويرفعونهم فوق منزلتهم التي
أنزلهم الله عز وجل إياها ، كما يتبرؤون من طريقة النواصب الذين يؤذون
أهل البيت بقول أو عمل 0
وجميع ما ذكرناه في هذه الكلمة الموجزة في العقيدة الصحيحة التي بعث الله
بها رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - وهي عقيدة الفرقة الناجية أهل
السنة والجماعة التي قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - " لا تزال
طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله
سبحانه " 0
وقال - صلى الله عليه وسلم - " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ،
وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث
وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، فقال الصحابة : من هي يا رسول
الله ؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي"، وهي العقيدة التي يجب
التمسك بها والاستقامة عليها والحذر مما خالفها 0
* وأما المنحرفون عن هذه العقيدة والسائرون على ضدها فهم أصناف كثيرة؛
فمنهم عباد الأصنام والأوثان والملائكة والأولياء والجن والأشجار
والأحجار وغيرها ، فهؤلاء لم يستجيبوا لدعوة الرسل بل خالفوهم وعاندوهم
كما فعلت قريش وأصناف العرب مع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وكانوا
يسألون معبوداتهم قضاء الحاجات وشفاء المرضى والنصر على الأعداء ،
ويذبحون لهم وينذرون لهم ، فلما أنكر عليهم رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - ذلك وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده استغربوا ذلك وأنكروه ،
وقالوا : (
أجعل الآلهة الهاً واحداً إن هذا لشيءٌ عجاب) [ص :5] فلم يزل
- صلى الله عليه وسلم - يدعوهم إلى الله وينذرهم من الشرك ويشرح لهم
حقيقة ما يدعو إليه حتى هدى الله منهم من هدى ثم دخلوا بعد ذلك في دين
الله أفواجاً ، فظهر دين الله على سائر الأديان بعد دعوة متواصلة وجهاد
طويل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم
والتابعين لهم بإحسان0 ثم تغيرت الأحوال وغلب الجهل على أكثر الخلق حتى
عاد الأكثرون إلى دين الجاهلية، بالغلو في الأنبياء والأولياء ودعائهم
والاستغاثة بهم وغير ذلك من أنوع الشرك ، ولم يعرفوا معنى لا إله إلا
الله كما عرف معناها كفار العرب 0 فالله المستعان 0
ولم يزل هذا الشرك يتفشى في الناس إلى عصرنا هذا بسبب غلبة الجهل وبعد
العهد عن عصر النبوة 0
وشبهة هؤلاء المتأخرين شبهة الأولين وهى قولهم : (
هؤلاء شُفعاؤنا عند
الله) [يونس :18] ، (
ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) [ الزمر :
3 ]0
وقد أبطل الله هذه الشبهة وبين أن من عبد غيره كائناً من كان فقد أشرك به
وكفر، كما قال تعالى : (
ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم
ويقولون هؤلاء شُفعاؤنا عند الله
) [يونس : 18]، فرد الله عليهم سبحانه
بقوله:( قل أتُنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه
وتعالى عما يشركون
) [يونس :18]0
فبيّن سبحانه في هذه الآيات أن عبادة غيره من الأنبياء والأولياء أو
غيرهم هي الشرك الأكبر وإن سماها فاعلوها بغير ذلك 0
قال تعالى : (
والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى
الله زلفاً
) [الزمر : 3 ] 0
فرد الله عليهم سبحانه بقوله : ( إن الله يحكُم بينهم في ما هم فيه
يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار
) فأبان بذلك سبحانه أن عبادتهم
لغيره بالدعاء والخوف والرجاء ونحو ذلك كفرٌ به سبحانه ، وأكذبهم في
قولهم أن آلهتهم تقربهم إليه زلفى 0
ومن العقائد الكفرية المضادة للعقيدة الصحيحة والمخالفة لما جاءت به
الرسل عليهم الصلاة والسلام
ما يعتقده الملاحدة في هذا العصر من أتباع ماركس ولينين وغيرهما من دعاة
الإلحاد والكفر ، سواء سموا ذلك اشتراكية أو شيوعية أو بعثية أو غير ذلك
من الأسماء، فإن من أصول هؤلاء الملاحدة أنه لا إله ، والحياة مادة ، ومن
أصولهم إنكار المعاد وإنكار الجنه والنار ، والكفر بالأديان كلها 0 ومن
نظــر في كتبهم ودرس ما هم عليه علم ذلك يقيناً ، ولا ريب أن هذه العقيدة
مضادة لجميع الأديان السماوية ومفضية بأهلها إلى أسوأ العواقب في الدنيا
والآخرة 0
ومن العقائد المضادة للحق ما يعتقده بعض الباطنية وبعض المتصوفة من أن
بعض من يسمونهم بالأولياء يشاركون الله في التدبير ويتصرفون في شؤون
العالم ، ويسمونهم بالأقطاب والأوتاد والأغواث وغير ذلك من الأسماء التي
اخترعوها لآلهتهم0 وهذا من أقبح الشرك في الربوبية وهو شر من شرك جاهلية
العرب ، لأن كفار العرب لم يشركوا في الربوبية وإنما أشركوا في العبادة ،
وكان شركهم في حال الرخاء ، أما في حال الشدة فيخلصون لله العبادة كما
قال سبحانه : (
فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما
نجّاهم إلى البر إذا هم يشركون
) [العنكبوت: 65] 0 أما الربوبية فكانوا
معترفين بها لله وحده كما قال سبحانه : (
ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن
الله
) [الزخرف : 87 ] 0
وقال تعالى : (
قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار
ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون
الله فقل أفلا تتقون
) [ يونس : 31 ] 0 والآيات في هذا المعنى كثيرة 0
أما المشركون المتأخرون فزادوا على الأولين من جهتين
إحداهما : شرك بعضهم في الربوبية 0
والثانية : شركهم في الرخاء والشدة كما يعلم ذلك من خالطهم وسبر أحوالهم
ورأى ما يفعلون عند قبر الحسين والبدوي وغيرهما في مصر ، وعند قبر
العيدروس في عدن ، والهادي في اليمن ، وابن عربي فى الشام ، والشيخ
عبدالقادر الجيلاني في العراق ، وغيرها من القبور المشهورة التي غلت فيها
العامة وصرفوا لها الكثير من حق الله عز وجل ، وقل من ينكر عليهم ذلك
ويبين لهم حقيقة التوحيد الذي بعث الله به نبيه محمداً - صلى الله عليه
وسلم - ومن قبله من الرسل عليهم الصلاة والسلام ، فإنا لله وإنا إليه
راجعون
نسأل الله سبحانه أن يردهم إلى رشدهم وأن يكثر بينهم دعاة الهدى وأن يوفق
قادة المسلمين وعلماءهم لمحاربة هذا الشرك والقضاء عليه ، إنه سميع قريب
0
ومن العقائد المضاده للعقيدة الصحيحة في باب الأسماء والصفات عقائد أهل
البدع من الجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم في نفي صفات الله عز وجل
وتعطيله سبحانه من صفات الكمال ووصفه عز وجل بصفة المعدومات والجمادات
والمستحيلات ، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً 0
ويدخل في ذلك من نفي بعض الصفات وأثبت بعضها كالأشاعرة فإنه يلزمهم فيما
أثبتوه من الصفات نظير ما فروا منه في الصفات التي نفوها وتأولوا أدلتها
فخالفوا بذلك الأدلة السمعية والعقلية ، وتناقضوا في ذلك تناقضاً بيناً 0
أما أهل السنة والجماعة فقد أثبتوا لله سبحانه ما أثبته لنفسه أو أثبته
له رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - من الأسماء والصفات على وجه الكمال
، ونزهوه عن مشابهة خلقه تنزيهاً بريئاً من شائبة التعطيل ، فعملوا
بالأدلة كلها ولم يحرفوا ولم يعطلوا ، وسلموا من التناقض الذي وقع فيه
غيرهم - كما سبق بيان ذلك وهذا هو سبيل النجاة والسعادة في الدنيا
والآخرة، وهو الصراط المستقيم الذي سلكه سلف هذه الأمة وأئمتها، ولن يصلح
آخرهم إلا ما صلح به أولهم وهو اتباع الكتاب والسنة ، وترك ما خالفهما0
لسماحة الشيخ /
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله
تعالى
|
|
|
|
|