بسم
الله الرحمن الرحيم
العقيدة
الصحيحة وما يضادها
1 / 2
الحمد
لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه 0
فلما كانت العقيدة الصحيحة هي أصل دين الإسلام وأساس الملة رأيت أن تكون
هي موضوع المحاضرة
ومعلوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أن الأعمال والأقوال إنما تصح
وتقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة فإن كانت العقيدة غير صحيحة بطل ما يتفرع
عنها من أعمال وأقوال كما قال تعالى : (
ومن يكفُر بالإيمــــان فقد حبط
عملهُ وهو في الآخرة من الخاسرين
) [المائدة :5] 0
وقال تعالى : (
ولقد أُوحى إليــك وإلى الذين
من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين
) [الزمر :65] ،
والآيات في هذا المعنى كثيرة 0
وقد دل كتاب الله المبين وسنة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة
والتسليم على أن العقيدة الصحيحة تتلخص في الإيمان بالله وملائكته وكتبه
ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره 0 فهذه الأمور الستة هي أصول
العقيدة الصحيحة التى نزل بها كتاب الله العزيز ، وبعث الله بها رسوله
محمداً - صلى الله عليه وسلم 0
ويتفرع عن هذه الأصول كل ما يجب الإيمان به من أمور الغيب ، وجميع ما
أخبر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم 0
وأدلة هذه الأصول الستة في الكتاب والسنة كثيرة جداً ، فمن ذلك قول الله
سبحانه : ( ليس البر أن تٌولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من
آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين
) البقرة : 177
وقوله سبحانه : (
آمن الرسول بما أٌنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن
بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله
) الآية [ البقرة :
285 ] 0
وقوله سبحانه : (
يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي
نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه
ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً
) [ النساء 136وقوله سبحانه : ( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على
الله يسيرٌ
) الحج : 70
أما الأحاديث الصحيحة الدالة على هذه الأصول فكثيرة جداً 0
منها : الحديث الصحيح المشهور الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جبريل عليه الســلام سأل النبي -
صلى الله وعليه وسلم - عن الإيمان ، فقال له : " الإيمان أن تؤمن بالله
وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره " 0 الحديث 0
وأخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة 0
وهذه الأصول الستة : يتفرع عنها جميع ما يجب على المسلم اعتقاده في حق
الله سبحانه وفي أمر المعاد وغير ذلك من أمور الغيب 0
أولا : الإيمان بالله
الإيمان بالله سبحانه : الإيمان بأنه الإله الحق المستحق للعبادة دون كل
ما سواه لكونه خالق العباد والمحسن إليهم والقائم بأرزقاهم والعالم بسرهم
وعلانيتهم ، والقادر على إثابة مطيعهم وعقاب عاصيهم ، ولهذه العبادة خلق
الله الثقلين وأمرهم بها كما قال تعالى : (
وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون* ما أٌريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون* إن الله هو الرزاق ذو
القوة المتين
) [ الذاريات : 56-58] 0
وقال سبحانه : (
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم
لعلكم تتقون* الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً وأنزل من السماء
ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون
) [ البقرة : 21-22] 0
وقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لبيان هذا الحق والدعوة إليه ، والتحذير
مما يضاده كما قال سبحانه : (
ولقد بعثنا في كل أٌمة رسولاً أن اعبدوا الله
واجتنبوا الطاغوت
)[النحل : 36] 0
وقال تعالى : (
وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا
أنا فاعبدون
)[ الأنبياء : 25
وقال عز وجل : (
كتاب أٌحكمت ءاياتُه ثم فصلت من لدُن حكيم خبير أن لا
تعبدوا إلا الله إنني لكم منهُ نذيرُُ وبشيرُُ
) [ هود : 1-2 ] 0
وحقيقة هذه العبادة : هي إفراد الله سبحانه بجميع ما تعبّد العباد به من
دعاء وخوف ورجاء وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة على وجه
الخضوع له والرغبة والرهبة مع كمال الحب له سبحانه والذل لعظمته 0
وغالب القرآن الكريم نزل في هذا الأصل العظيم
كقوله سبحانه : ( فاعبد الله مخلصاً له الدين* ألا لله الدين الخالص
) [
الزمــر : 2-3] 0
وقوله سبحانه : (
وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه ) [ الإسراء : 23 ] 0
وقوله عز وجل : (
فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
) [غافر
: 14]0
وفي الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً" 0
* ومن الإيمان بالله أيضاً : الإيمان بجميع ما أوجبه على عباده وفرضه
عليهم من أركان الإسلام الخمسة الظاهرة وهي : شهادة أن لا إله إلا الله
وأن محمدًا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج
بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً ، وغير ذلك من الفرائض التي جاء
بها الشرع المطهر 0
وأهم هذه الأركان وأظهرها وأعظمها : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا
رسول الله 0
فشهادة أن لا إله إلا الله تقتضي إخلاص العبادة لله وحده ونفيها عما سواه
، وهذا هو معنـى لا إله إلا الله ، فإن معناها لا معبـود بحـق إلا الله
فكل ما عبد من دون الله من بشر أو ملك أو جني أو غيـر ذلك فكله معبود
بالباطل، والمعبود بالحق هو الله وحده كما قال سبحانه : (
ذلك بأن الله
هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل ) [الحج :62] 0
وقد سبق بيان أن الله سبحانه خلق الثقلين لهذا الأصل الأصيل وأمرهم به ،
وأرسل به رسله وأنزل به كتبه ، فتأمل ذلك جيدا وتدبره كثيراً ليتضح لك ما
وقع فيه أكثر المسلمين من الجهل العظيم بهذا الأصل الأصيل حتى عبدوا مع
الله غيره ، وصرفوا خالص حقه لسواه ، فالله المستعان 0
ومن الإيمان بالله سبحانه : الإيمان بأنه خالق العالم ومدبّر شئونهم
والمتصرف فيهم بعلمه وقدرته كما يشاء سبحانه وأنه مالك الدنيا والآخرة
ورب العالمين جميعاً لا خالق غيره ، ولا رب سواه ، وأنه أرسل الرسل وأنزل
الكتب لإصلاح العباد ودعوتهم إلى ما فيه نجاتهم وصلاحهم في العاجل والآجل
، وأنه سبحانه لا شريك له في جميع ذلك، كما قـال تعالى : ( الله خالق كل
شيء وهو على كل شيء وكيل
) [ الزمر : 62 ]
وقال تعالى : ( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم
استوى على العرش يُغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم
مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمرُ تبارك الله رب العالمين
) [ الأعراف :
54 ] 0
ومن الإيمان بالله أيضاً : الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العليا الواردة
في كتابه العزيز ، والثابتة عن رسوله الأمين ، من غير تحريف ولا تعطيل
ولا تكييف ولاتمثيل، بل يجب أن تُمرَ كما جاءت بلا كيف مع الإيمان بما
دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف الله عز وجل ، يجب وصفه بها
على الوجه اللائق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته كما قال تعالى
: (
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
) [ الشورى : 11 ] 0
وقال عـز وجـل : (
فلا تضــربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا
تعلمون
) [النحل :74]0
وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - والتابعين لهم بإحسان ، وهي التي نقلها الإمام أبو الحسن الأشعري
رحمه الله في كتابه "المقالات عن أصحاب الحديث وأهل السنة" ونقلها غيره
من أهل العلم والإيمان0
قال الأوزاعي رحمه الله : سئل الزهري ومكحول عن آيات الصفات فقالا :
أمرُّوها كما جاءت 0
وقال الوليد بن مسلم رحمه الله : سئل مالك ، والأوزاعي، والليث بن سعد
وسفيان الثوري رحمهم الله عن الأخبار الواردة في الصفات، فقالوا جميعاً
أمرُّوها كما جاءت بلا كيف 0
وقال الأوزاعي رحمه الله : كنا والتابعون متوافرون نقول : إن الله سبحانه
على عرشه ونؤمن بما ورد في السنة من الصفات 0
ولما سئل ربيعة بن أبي عبدالرحمن شيخ مالك رحمــــة الله عليهما عن
الاستواء قال : " الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ، ومن الله
الرسالة وعلى الرسول البلاغ المبين وعلينا التصديق " 0
ولما سئل الإمام مالك رحمه الله عن ذلك قال : " الاستواء معلوم والكيف
مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة " ثم قال للسائل : ما أراك إلا
رجل سوء ! وأمر به فأخرج 0
وروي هذا المعنى عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها 0
وقال الإمام ابو عبدالرحمن عبدالله بن المبارك رحمةُ الله عليه : " نعرف
ربنا سبحانه بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه " 0
وكلام الأئمة في هذا الباب كثير جداً لا يمكن نقله في هـذه العجالة ، ومن
أراد الوقوف على كثير من ذلك فليراجع ما كتبه علماء السنة في هذا الباب
مثل كتاب " السنة " لعبدالله بن الإمام أحمد ، وكتاب " التوحيد " للإمام
الجليل محمد بن خزيمة ، وكتاب "السنة " لأبي القاسم اللالكائي الطبري ،
وكتاب " السنة " لأبي بكر بن أبى عاصم ، وجواب شيخ الإسلام ابن تيمية
لأهل حماة ، وهو جواب عظيم كثير الفائدة قد أوضح فيه رحمة الله عقيدة أهل
السنة ، ونقل فيه الكثير من كلامهم والأدلة الشرعية والعقلية على صحة ما
قاله أهل السنة ، وبطلان ما قاله خصومهم 0
وهكذا رسالته الموسومة بـ : "التدمرية" فقد بسط فيها المقام وبين فيها
عقيدة أهل السنة بأدلتها النقلية والعقلية والرد على المخالفين بما يظهر
الحق ويدمغ الباطل لكل من نظر في ذلك من أهل العلم بقصد صالح ورغبة في
معرفة الحق 0
وكل من خالف أهل السنة فيما اعتقدوا في باب الأسماء والصفات فإنه يقع ولا
بد في مخالفة الأدلة النقلية والعقلية مع التناقض الواضح في كل ما يثبته
وينفيه 0
أما أهل السنة والجماعة : فأثبتوا لله سبحانه ما أثبته لنفسه في كتابه
الكريم أو أثبته له رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - في سنته الصحيحة
إثباتاً بلا تمثيل ونزَّهوه سبحانه عن مشابهة خلقه تنزيهاً بريئاً من
التعطيل ، ففازوا بالسلامة من التناقض وعملوا بالأدلة كلها ، وهذه سنة
الله سبحانه فيمن تمسك بالحق الذي بعث به رسله وبذل وسعه في ذلك وأخلص
لله في طلبه أن يوفقه للحق ويظهر حجته كمـا قال تعالى
:
(
بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ) [الأنبياء: 18] 0
وقال تعالى : (
ولا يأتونك بمَثَلٍ إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً
) [الفرقان
: 33
وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره المشهور عند كلامه على قوله
عزّ وجلّ: (
إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى
على العرش ) [ الأعراف : 54 ] كلاماً حسناً في هذا الباب يحسن نقله هاهنا
لعظم فائدته0
قال رحمه الله ما نصه : " للناس في هذا المقام مقالات كثيرة جداً ليس هذا
موضع بسطها وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح : مالك والأوزاعي
والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد واسحاق بن راهوية وغيرهم من أئمة
المسلمين قديماً وحديثاً 0 وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه
ولا تعطيل ، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله ، فإن
الله لا يشبهه شيء من خلقه ، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، بل
الأمر كما قال الأئمة منهم : نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال : من
شبه الله بخلقه كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس فيما
وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه 0 فمن أثبت لله تعالى ما وردت به
الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله ونفى عن
الله النقائص - فقد سلك سبيل الهدى " 0
ثانياً : الإيمان بالملائكة
يتضمن الإيمان بهم إجمالاً وتفصيلاً فيؤمن المسلم بأن لله ملائكة خلقهم
لطاعته ووصفهم بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته
مشفقون
) [ الأنبياء : 28 ]0
وهم أصناف كثيرة، منهم الموكلون بحمل العرش، ومنهم خزنة الجنة والنار،
ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد.
ونؤمن على سبيل التفصيل بمن سمى الله ورسوله منهم : كجبريل وميكائيل ،
ومالك خازن النار، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصـــــور، وقد جاء ذكره
في أحاديث صحيحة ، وقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال : " خُلقت الملائكة من نور، وخُلق الجان من
مارج من نار، وخُلق آدم مما وصف لكم" أخرجه مسلم في صحيحه 0
ثالثاً : الإيمان بالكتب
يجب الإيمان إجمالاً بأن الله سبحانه قد أنزل كتباً على أنبيائه ورسله
لبيان حقه والدعوة إليه ، كما قال تعالى : ( ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات
وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط
) الآية [ الحديد 25]
وقال تعالى : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين
وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه
) الآية [
البقرة : 213 ] 0
ونؤمن على سبيل التفصيل بما سمى الله منها كالتوراة والإنجيل والزبور
والقرآن 0
والقرآن الكريم هو أفضلها وخاتمها ، وهو المهيمن عليها والمصدق لها وهو
الذي يجب على جميع الأمة اتباعه وتحكيمه مع ما صحت به السنة عن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - لأن الله سبحانه بعث رسوله محمد - صلى الله عليه
وسلم - رسولاً إلى جميع الثقلين ، وأنزل عليه هذا القرآن ليحكم به بينهم
وجعله شفاءً لما في الصدور وتبيانا لكل شيء وهدى ورحمة للمؤمنين كما قال
تعالى: (
وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون
) [
الأنعام : 155 ] 0
وقال سبحانه : ( ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدىً ورحمةً وبشرى
للمسلمين
)[ النحل : 89
وقال تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك
السموات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي
الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون
)
[ الأعراف : 158 ] والآيات في هذا المعنى كثيرة
|