العقيدة
الواسطية
1
/ 2 / 3 |
وقوله : " عجب
ربنا من قنوط عباده وقرب خيره ، ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم
أن فرجكم قريب " حديث حسن .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول هل من
مزيد ؟ حتى يضع رب العزة فيها رجله " وفي رواية : " عليها قدمه فينزوي
بعضها إلى بعض فتقول قط قط " متفق عليه .
وقوله : " يقول تعالى يا آدم فيقول لبيك وسعديك فينادي بصوت إن الله
يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار " متفق عليه . وقوله : " ما منكم
من أحد إلا سيكلمه ربه وليس بينه وبينه ترجمان" .
وقوله في رقية المريض : " ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك ، أمرك في
السماء والأرض كما رحمتك في السماء ، اجعل رحمتك في الأرض ، اغفر لنا
حوبنا وخطايانا ، أنت رب الطيبين أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على
هذا الوجع فيبرأ " حديث حسن رواه أبو داود وغيره .وقوله " ألاتأمنوني
وأنا أمين من في السماء "حديث صحيح وقوله : " والعرش فوق الماء والله فوق
العرش ، وهو يعلم ما أنتم عليه " حديث حسن رواه أبو داود وغيره .
وقوله للجارية : " أين الله ؟ قالت في السماء ، قال من أنا ؟ قالت أنت
رسول الله ، قال اعتقها فإنها مؤمنة " رواه مسلم .
وقوله : " أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت " حديث حسن ،
وقوله : " إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه ،
فإن الله قبل وجهه ، ولكن عن يساره أو تحت قدمه " متفق عليه .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " اللهم رب السموات السبع والأرض ورب
العرش العظيم ، ربنا ورب كل شئ ، فالق الحب والنوى ، منزل التوراة
والإنجيل والقرآن ، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها
، أنت الأول فليس قبلك شئ ، وأنت الآخر فليس بعدك شئ ، وأنت الظاهر فليس
فوقك شئ ، وأنت الباطن فليس دونك شئ ، اقض عني الدين وأغنني من الفقر "
رواية مسلم .
قوله : اللهم رب السموات ... الخ تضمن الحديث إثبات أسمائه .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - لما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر : " أيها
الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصماً ولا غائباً . إنما تدعون
سميعاً بصيراً قريباً إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته "
متفق عليه .
" إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ، فإن
استطعتم أن لا تغلبوا على الصلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها
فافعلوا " متفق عليه .
إلى أمثال هذه الأحاديث التي يخبر فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
عن ربه بما يخبر به فإن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك
كما يؤمنون ما أخبر الله به في كتابه من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير
تكييف ولا تمثيل ، بل هم الوسط في فرق الأمة ، كما أن الأمة هي الوسط في
الأمم .
فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل
التمثيل المشبهة .
وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم .
وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم .
وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة
والجهمية .
وفي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الرافضة والخوارج .
وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله الإيمان بما أخبر الله به في كتابه
وتواتر عن رسوله وأجمع عليه سلف الأمة من أنه سبحانه فوق سماواته على
عرشه بائن على خلقه ، وهو سبحانه معهم أينما كانوا يعلم ما هم عاملون كما
جمع بين ذلك في قوله : " هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم
استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء
وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير " .
وليس معنى قوله : " وهو معكم " أنه مختلط بالخلق فإن هذا لا توجهه اللغة
، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته ، وهو موضوع في السماء ،
وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان .
وهو سبحانه فوق عرشه رقيب على خلقه مهيمن عليهم مطلع عليهم إلى غير ذلك
من معاني ربوبيته ، وكل هذا الكلام الذي ذكره الله - من أنه فوق العرش
وأنه معنا - حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف ، ولكن يصان عن الظنون
الكاذبة مثل أن يُظن أن ظاهر قوله ( في السماء ) أن السماء تظله أو تقله
، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان ، فإن الله قد وسع كرسيه السموات
والأرض وهو يمسك السموات والأرض أن تزولا ، ويمسك السماء أن تقع على
الأرض إلا بإذنه ، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره .
وقد دخل في ذلك الإيمان بأنه قريب مجيب كما جمع بين ذلك في قوله : " وإذا
سألك عبادي عني فإني قريب " الآية - وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن
الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " وما ذكر في الكتاب والسنة من
قربه ومعيته ، لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته فإنه سبحانه ليس كمثله شئ
في جميع نعوته ، وهو عال في دنوه قريب في علوه .
ومن الإيمان بالله وكتبه الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ،
منه بدأ وإليه يعود ، وأن الله تكلم به حقيقة ، وأن هذا القرآن الذي
أنزله على محمد - صلى الله عليه وسلم - هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره
ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة بل إذا قرأه
الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى
حقيقة ، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئاً لا إلى من قاله
مبلغاً مؤدياً ، وهو كلام الله حروفه ومعانيه ، ليس كلام الله الحروف دون
المعاني ولا المعاني دون الحروف ؟
وقد دخل أيضاً فيما ذكرناه من الإيمان به وبكتبه وبملائكته وبرسله ،
الإيمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة عياناً بأبصارهم كما يرون الشمس
صحواً ليس دونها سحاب ، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته ،
يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة ، ثم يرونه بعد دخول الجنة كما يشاء
الله تعالى .
ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي - صلى الله عليه
وسلم - مما يكون بعد الموت فيؤمنون بفتنة القبر وبعذاب القبر ونعيمه .
فأما الفتنه فإن الناس يمتحنون في قبورهم ، فيقال للرجل : من ربك وما
دينك ومن نبيك ؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا
وفي الآخرة ، فيقول المؤمن ربي الله ، والإسلام ديني ومحمد - صلى الله
عليه وسلم - نبيي .وأما المرتاب فيقول هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون
شيئاً فقلته ، فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحةً يسمعها كل شئ إلا
الإنسان ، ولو سمعها الإنسان لصعق - ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما
عذاب إلى أن تقوم القيامة الكبرى فتعاد الأرواح إلى الأجساد .
وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله وأجمع عليها
المسلمون ، فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاةً عراةً غرلاً وتدنو
منهم الشمس ويلجمهم العرق ، فتنصيب الموازين فتوزن بها أعمال العباد .
فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا
أنفسهم في جهنم خالدون . وتنشر الدواوين ، وهي صحائف الأعمال - فآخذ
كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره ، كما قال سبحانه وتعالى
" وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه
منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " .
ويحاسب الله الخلائق ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه ، كما وصف ذلك في
الكتاب والسنة ، وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته
فإنه لا حسنات لهم ولكن تعد أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها ويقررون بها .
وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي - صلى الله عليه وسلم - ماؤه أشد
بياضاً من اللبن وأحلى من العسل ، آنيته عدد نجوم السماء طوله شهر وعرضه
شهر ، من يشرب منه شربةً لا يظمأ بعدها أبداً .
والصراط منصوب على متن جهنم وهو الجسر الذي بين الجنة والنار يمر الناس
على قدر أعمالهم فمنهم من يمر كلمح البصر ، ومنهم من يمر كالبرق ، ومنهم
من يمر كالريح ، ومنهم من يمر كالفرس الجواد ، ومنهم من يمر كركاب الأبل
، ومنهم من يعدو عدواً ، ومنهم من يمشي مشياً ، ومنهم من يزحف زحفاً
ومنهم من يخطف خطفاً ويلقى في جهنم فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس.
بأعمالهم فمن مر على الصراط دخل الجنة ، فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة
بين الجنة والنار ، فيقتص لبعضهم من بعض ، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في
دخول الجنة .
وأول من يستفتح باب الجنة محمد - صلى الله عليه وسم - ، وأول من يدخل
الجنة من الأمم أمته .
وله - صلى الله عليه وسلم - في القيامة ثلاث شفاعات : أما الشفاعة الأولى
فيشفع في أهل الموقف حتى يُقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء ، آدم ونوح
وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم عن الشفاعة حتى تنتهي إليه .
وأما الشفاعة الثانية فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ، وهاتان
الشفاعتان خاصتان له .
وأما الشفاعة الثالثة فيشفع فيمن استحق النار ، وهذه الشفاعة له ولسائر
النبيين والصديقين وغيرهم ، فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها ، ويشفع
فيمن دخلها أن يخرج منها .
ويخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة بل بفضله ورحمته ، ويبقى في
الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا ، فينشئ الله لها أقواماً فيدخلهم
الجنة .
وأصناف ما تضمنته الدار الآخرة من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار
وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء والآثار من العلم المأثور
عن الأنبياء . وفي العلم الموروث عن محمد - صلى الله عليه وسلم - من ذلك
ما يشفي ويكفي فمن ابتغاه وجده
|