الفساد

أظهرت الكثير من الدراسات التي أجريت خلال العقد الماضي التأثير السلبي للفساد على التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في مختلف الدول، فقد لوحظ أنه يزيد من التكلفة، ويقلل من كفاءة وجودة الخدمات، ويشوه عملية صناعة القرار، ويقوِّض القيم الاجتماعية. وطبقًا لتعريف البنك الدولي، يشير الفساد بصفة عامة إلى سوء استخدام السلطة الممنوحة للموظفين العموميين لتحقيق مصالح خاصة، وبذلك يشكل الفساد بمعناه الواسع انحرافًا عن القواعد القانونية والأخلاقية، وكذلك مقتضيات الثقافة المؤسسية السوية بصفة عامة.

ويشير الفساد في مجال التعليم إلى مجموعة التصرفات أو الأفعال غير القويمة التي تقوم بها الأطراف المشاركة في العملية التعليمية بهدف تحقيق مصالحها الخاصة.

وتشير عدد من الدراسات والتعريفات إلى أن هناك نوعين من الفساد؛ هما الفساد الكبير Grande Corruption والفساد الصغير Petite Corruption، ويعد الأخير هو الأكثر شيوعًا بين أطراف العملية التعليمية، ويظهر في بعض التعاملات اليومية والروتينية التي تتم خلال التفاعلات والمعاملات بين الأطراف المشتركة في العملية التعليمية، وهذا لا يعني عدم ممارسة الفساد الكبير.

وتوضح دراسة قام بها البنك الدولي في روسيا^{(^[2])} أن الفساد الصغير ينقسم إلى فساد في أوجه الحياة اليومية Everyday Life Corruption. ويزداد انتشار هذا النوع من الفساد في مجال الصحة والتعليم والإسكان والتأمينات الاجتماعية وغيرها من الخدمات، أما النوع الثاني فهو الفساد في مجال الأعمال Business Corruption ويتعلق بالتعامل مع الأجهزة الحكومية وغيرها لانجاز وإتمام الصفقات والمعاملات مع هذه الجهات.

ويرى البعض إنه يمكن أيضًا تقسيم الفساد إلى فساد الحاجة Corruption of Need، وفساد الجشع Corruption of Greed. ويأخذ الفساد أشكالا عديدة ومتنوعة مثل الرشوة، والمحسوبية، والابتزاز، والإكراه، والاختلاس، والتواطؤ، علاوة علي المحاباة أو التمييز وما يتضمنه ذلك من تهاون في تطبيق معايير الكفاءة واستبدال المعايير الموضوعية بمعايير شخصية وخاصة إذا تعلق الأمر بالأصدقاء أو الزملاء أو الأقارب^{(^[3])}.

ومن منظور التنمية المجتمعية، يعد الفساد في التعليم هو الأخطر علي الإطلاق مقارنة بممارسات وصنوف الفساد في قطاعات أخري مثل الجمارك والضرائب والشرطة أو غيرها. ومَرَد ذلك إلى أن معظم الفساد في مجال التعليم يقع ضمن فئة سوء السلوك المهني Professional Misconduct، وهو سلوك ينطوي علي كسر وخرق للمعايير المهنية، وهو ما يشكل اهتزازًا كبيرًا للمنظومة المهنية والأخلاقية الحاكمة لكافة مؤسسات المجتمع الأخرى، علي اعتبار أن المؤسسات التعليمية تغذي هذه المؤسسات بالخريجين ممن أصابتهم تلك العدوى من الذين يعملون كقادة وموظفين وغيره ⁽^{^[4]}⁾.

وبالرغم من أنه يبدو من الصعب تقييم وتحديد حجم الفساد في القطاعات المختلفة بطريقة دقيقة، إلا أنه من المؤكد أن ظاهرة الفساد ليست بالهامشية، ويتأثر التعليم بهذه الظاهرة بطريقتين: الأولى من خلال الضغط على الموارد العامة، وبالتالي على ميزانية التعليم التي تمثل في أغلب الدول أكبر أو ثاني أكبر جزء من الإنفاق العام، والثانية من خلال زيادة تكلفة الخدمات التعليمية وبالتالي التأثير على حجمها وجودتها والالتزام بمعايير أدائها.

وفي الواقع، فإن حجم الميزانية المخصصة للتعليم والعدد الكبير للأفراد المشتركين في الأنشطة التعليمية ممن يعدون بالملايين واتساع وانتشار التعليم الحكومي في أغلب الدول، ووجود علاقة تقديرية بين الموظفين الحكوميين والعاملين في القطاع الخاص في مجال التعليم، تعتبر كلها عوامل تؤدي إلى العديد من التعاملات بين الدولة بصفتها راعية وبين المواطنين طالبي الخدمة وبشكل يتداخل تقريبًا مع كل أسرة في المجتمع، مما يجعل الفساد في هذه الحالة ذا أثر سلبي رهيب على التنمية والاستقرار الاجتماعي بالإضافة إلى أثره على جودة العملية التعليمية ذاتها.

ويعد الفقر ومستوى رواتب الموظفين الحكوميين المنخفض من بين العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى بروز ظاهرة الفساد، فكما هو معروف كلما ازدادت معدلات الفقر في أي مجتمع كلما زاد بالتبعية معدلات انتشار الفساد الأصغر، والذي يمكن تعريفه بأنه فساد يصغر فيه حجم التعامل المالي، كما أنه وفي كثير من الدول شديدة الفقر يعتبر هذا النوع من الفساد تصرفًا طبيعيًّا أو طريقة متوقعة للحصول على الخدمات، على عكس الصور الكبيرة من الفساد والتي يمكن أن تنتشر بين الطبقات العليا في تركيبة القوى في المجتمعات المختلفة سواء كانت فقيرة أو غنية.

ويعتقد البعض أن احتكار القوى المسيطرة لكل من مصادر الثروة وسلطة الحكم تغدو عاملاً من العوامل التي ينتشر بسببها الفساد والإفساد. ويتمثل ذلك في مقولة اللورد أكتون[5]: "إن السلطة المطلقة تصبح مفسدة بطريقة مطلقة". وفي هذا الصدد يقرر ابن خلدون في مقدمته الشهيرة: "إن اجتماع المال والجاه مجال للفساد عمومًا"، حيث يؤدي تسلط هؤلاء الأقوياء من ذوي العصبة لاستباحة انتهاك القانون والقيم الأخلاقية سعيًّا وراء مصالحهم الخاصة. ويتجلى ذلك في جشعهم وراء تراكم الثروة والاحتكار، وضمان مصالح أبنائهم في تولي الوظائف والمناصب المرموقة كما هو الشأن في وظائف القضاء والجامعات والسلك السياسي وتمكينهم من الالتحاق بفرص التعليم في المستويات الجامعية حتى لو وصل الأمر إلى التزوير في درجاتهم ومستوياتهم.

وفي مقابل ذلك يجري الفساد والإفساد بين الفقراء الذين يضطرون إلى الانحراف بتعاطي المخدرات، وارتكاب الجرائم بالسرقة والتسول واللجوء إلى مختلف مظاهر العنف من أجل البقاء. ويظهر ذلك حتى بين كثير من الطلاب الفقراء في سلوكهم المدرسي وفي خارجه.

وتشير العديد من الدراسات إلى أن استقرار النظم السياسية والأطر القانونية الموجودة ورسوخ قواعد الشفافية ويسر وسهولة النفاذ إلى المعلومات وتداولها، وتطبيق معايير المساءلة على الأفراد والمؤسسات وكفاءة طرق الحكم المطبقة كلها من العوامل التي تسهم في حصار ظاهرة الفساد إلى حد كبير كما أنه وفي غيابها يطلق العنان للتوسع في الفساد وتنوع أنماطه

توضح المراجعة السريعة للأبحاث الموجودة في مجال دراسة واقع انتشار الفساد في قطاع التعليم المصري إلى عدم توفر وثائق كافية تتعامل بطريقة شاملة ومنظمة مع الأوجه العديدة للفساد الموجودة في هذا القطاع، لذلك وكمدخل للتعرف على هذه الظاهرة من حيث انتشارها ومظاهرها وحجمها وتأثيرها يمكن التوقف قليلاً عند نتائج إحدى الدارسات الميدانية الحديثة التي تمت على عينة من طلاب جامعة الإسكندرية^{(^[6])} للتعرف على مستوى إدراكهم لظاهرة الفساد في قطاع التعليم. وهى عينة تمثل 2,3 % من طلاب المجمع النظري بالجامعة في عام 2005، وتعتبر ممثلة للطلاب المستفيدين من الخدمات التعليمية التي تقدمها الجامعة. وكان تركيز العينة على طلاب السنة الرابعة الأكثر خبرة بنظام التعليم في الجامعة. ويوضح الجدول التالي الملامح الرئيسية للعينة التي طبقت عليها هذه الدراسة:

خصائص عينة دراسة الفساد في جامعة الإسكندرية

محاور التوصيف

العدد داخل العينة

النسبة%

نوع التعليم في المرحلة قبل الجامعية

مدارس حكومية

مدارس خاصة ( عربي )

مدارس خاصة ( لغات )

مدارس تجريبية

مدارس قوميه

مدارس أخرى

49.4%

18.1%

19.2%

5.0%

3.5%

4.5%

السنة الدراسية

السنة الرابعة

السنة الثانية

123

7و66%

33.3%

الجنس

ذكر

أنثى

140

71%

29%

يتضح من الجدول السابق أن 49,4% من طلاب العينة تلقى تعليمه في مدارس حكومية، و19,2% في مدارس خاصة لغات، 18,1% في مدارس خاصة عربية، و5% في مدارس تجريبية، و3,5% في مدارس قومية، و4,5% في مدارس أجنبية مثل المدارس الألمانية وغيرها. علاوة على ذلك فإن 66,7% من العينة من طلاب السنة الرابعة، و33,3% من طلاب السنة الثانية. وكان 71%من العينة ذكور و29% إناث.

وقد اعتمد المسح الميداني للتعرف على رأى أعضاء العينة في قضية الفساد في قطاع التعليم على الأدبيات المنشورة في مجال الفساد في التعليم⁽^{^[7]}⁾ وقسمت نتائجها كالتالي:

وقد أشارت نتائج الدراسة إلى أن تنوع مصادر المعرفة والتحصيل التي يعتمد عليها الطلاب في مرحلة ما قبل الجامعة وفى المرحلة الجامعية. حيث يعتمد 84,8% من الطلاب في المرحلة الجامعية على المحاضرات، و74,7% من الطلاب يعتمد على استخدام الملخصات الخارجية المتاحة بالمكتبات خارج أسوار الجامعة، بينما يستخدم 38,9% من الطلاب الكتاب الجامعي، في حين بلغت نسبه الطلاب التي تعتمد على الدروس الخصوصية 17,7%، أما تلك التي تعتمد على مجموعات التقوية فهي 8,6%، أما نسبة الطلاب التي تعتمد على المراجع المتخصصة فهي متدنية للغاية ولا تتجاوز نسبة6,1%.

في مرحلة التعليم قبل الجامعي أشارت نتائج الدراسة إلى انخفاض نسبة اعتماد الطلاب على قاعات الدرس (الحصص المدرسية) حيث تبلغ 37,9%، واللافت للنظر أن نفس نسبة الطلاب التي تعتمد على الكتاب المدرسي هي نفس نسبة الطلاب التي تعتمد على الكتاب الجامعي، أما نسبة الطلاب الذين يعتمدون على الدروس الخصوصية فتبلغ 76,3% وهى تزيد كثيرًا عن نظيرتها في الجامعة، أما نسبة الاعتماد على الملخصات الخارجية فتبلغ 53%، وهى تقل كثيرًا عما يحدث في المرحلة الجامعية.

[1] يعتمد هذا الفصل على الأفكار التي وردت في المناقشات أثناء المؤتمر تحت عنوان "مناقشة مكافحة الفساد في التعليم مع أصحاب المصلحة" وكذلك على جميع الأوراق التي قدمت للمناقشة حول هذا المحور، وبصفة أساسية الورقة التي قدمها كلٌّ من حسام بدراوي بعنوان "الأخلاقيات والفساد في التعليم .. خارطة طريق"، وأحمد عبد السلام سليم بعنوان "توصيف ثقافة التعليم السائدة في مصر (دراسة استطلاعية على عينة من الطلاب)".

[2] INDEM Foundation (2001), Diagnostics of corruption in Russia: Sociological analysis", The world Bank.

[3] Ashour, A.S(2004), " Integrity, Transparency, and accountability in Public Sector", UNDP, Concept Paper.

[4] Brayton, J. and Bayer, A.(1999). "Faculty Misconduct in Collegiate Teaching", Baltimore, MD: John Hopkins, University press.

[5] جون ادوارد إيميريخ دالبرغ اكتون (1834-1902) ، انجليزى من أبرز مفكرى ومنظرى السياسة في القرن التاسع عشر.

[6] بلغ عدد طلاب جامعة الإسكندرية 157,178 طالب وطالبة في عام 2005، كما يبلغ عدد أعضاء هيئة التدريس 3,915 عضو هيئة تدريس، ويبلغ عدد المدرسين المساعدين والمعيدين 2,402. وقد بلغت موازنة جامعة الإسكندرية ما قيمته 703,112,922 جنيهًا في عام 2005، وبقسمة رقم الموازنة على عدد طلاب الجامعة البالغ عددهم 157,178 طالب، يتضح أن نصيب الطالب من موازنة الجامعة 4,473 جنيهًا.

[7] Heyneman, S, Anderson, K. and Nuraliyeva, N(2006), "The cost of corruption in Higher education", conference on the economics of education, institute for the study of economic of education, Dijon, France, June.