.htm_cmp_bluecalm110_hbtn_p.gif)
.htm_cmp_bluecalm110_bnr.gif)
خطورة
الفساد
عكست الفصول السابقة وعلى امتداد صفحات الكتاب خطورة الفساد على مستقبل الوطن بشكل
عام، وفى قطاع التعليم على نحوٍ خاص، ودوره السلبي في كبح أي إمكانية للإصلاح في
المجتمع، وخاصةً إصلاح وتطوير النظام التعليمي ذاته. وقد دلّت المؤشرات الدولية على
أن ترتيب مصر من حيث انعدام الشفافية والنزاهة وسيادة قيمة الرشوة قد جاء في المركز
115 من 159 دولة().
وحسب تصنيف المنتدى الاقتصادي العام جاء موقع التعليم الأساسي المصري عام 2008 في
المركز 70 من مجموع 133. ولذلك كان من الأهمية بمكان مناقشة قضية الفساد في قطاع
التعليم باعتبارها أولوية قصوى، لا تؤثر فقط على حجم الخدمات التعليمية وجودتها
وكفاءتها ونوعية مخرجاتها المهارية والذهنية، بل إنها تؤثر أيضًا على المخرجات
القيمية، وما تشيعه في الثقافة السائدة من قيم معادية للتقدم والنزاهة والتنمية
والإنتاج، وبالتالي فإن نتائجها على مجمل الحياة في الوطن تكون سلبية للغاية.
هذا وبالإضافة إلى ما تحدثه ممارسات الفساد في قطاع التعليم من تأثير سلبي مباشر
على مستوى تحقيق العدالة في الحصول على الخدمة التعليمية، ومدى ثقة الجمهور في نظم
التعليم، بل ومستقبل البلاد على المدى المتوسط والطويل. يضاف إلى هذا تحميل عبء
الفساد المالي في هذا القطاع لأسر الطلاب بشكل مباشر مزيدًا من الأعباء الاقتصادية
في هيئة رشاوى أو تكلفة غير شرعية مثل الدروس الخصوصية.
ولذلك كله يتجاوز هذا الكتاب حالة التوصيف والنقد إلى طرح ملامح محددة لرؤية إصلاح
واقع التعليم في مصر في إطار معركة مجابهة الفساد، بل تمتد المناقشات في فصول
الكتاب إلى الآليات المطلوبة لتحقيق هذه الرؤية الإصلاحية.
إن حزمة الإصلاحات التي تضمنتها رؤية إصلاح التعليم ومواجهة ممارسات الفساد في آنٍ
واحد تفتح الطريق أمام بناء نظام تعليمي يؤسس لبنية اقتصادية قائمة على الإنتاج
والمعرفة. ففي القرن الحادي والعشرين أصبح من الواضح أن مصر، مثلها مثل الدول
النامية الأخرى، عليها أن تعيد توجيه نظام التعليم والتدريب بها ليصبح أكثر ملائمة
لتلبية الاحتياجات التي تفرضها التحديات المستقبلية. وهى العملية التي يجب أن تكون
مستمرة؛ فالسياسات الماضية أو الحالية ، مهما حققت من نجاح، ليست بالضرورة أفضل
السياسات لمواجهة التحديات الجديدة التي تنشأ في المستقبل، وهي التحديات التي تبزغ
إلى حيز الوجود بسرعة فائقة في عالم سريع التغير. حيث أصبح التطور العلمي هو
المتغير الأساسي الذي يرسم ملامح هذا العالم ومستقبله. وهو ما يعود بنا مرة ثانية
إلى نقطة البدء حول أن تطوير التعليم ومكافحة كافة أشكال الفساد التي تعتريه قد
أصبحت قضية حياة ومستقبل وطن.
وهناك شبه إجماع لكل الآراء على أن الملامح الأساسية لعملية إصلاح التعليم يجب
تستند إلى المحاور التالية:
·
عدم المساس بالمجانية فى التعليم المدرسي، حيث
تتضمن رؤية الإصلاح الاستمرار في سياسة التعليم المجاني العام، ولكن مع السماح في
الوقت نفسه بوجود المدارس الخاصة (بالمصروفات)، وتقليص التدخل الحكومي في إداراتها،
وبشرط أن تجتاز كل المؤسسات التعليمية اختبارات الجودة بالمعايير العالمية، والتي
يعد أحد عناصرها قدرتها على توظيف خريجيها في سوق العمل، وبصفة خاصة بالنسبة
للمدارس الفنية ومؤسسات التعليم العالي.
·
إن أحد ملامح تطوير النظام التعليمي يتأسس من خلال فض الارتباط بين الشهادات
(المؤهلات الدراسية) والتوظيف، حيث يتم التركيز في سوق العمل على القدرات والمهارات
الحقيقية التي يمتلكها الداخل إلى سوق العمل، وليس فقط على الشهادة التي يحملها.
ويساعد هذا التوجه على الانخفاض المستمر في ضمان التوظيف الحكومي للخريجين،
وبالتالي وجود مناخ مناسب لأكثر أنواع الإصلاح أهمية، ولتلافي أي قلق بخصوص مستوى
الأداء في بعض المهن مثل مهنة الطب على سبيل المثال، يمكن أن يسمح للقائمين على
المهنة بتحديد نوع الشهادة كشرط أولى لممارسة المهنة، وهو الأمر المعمول به في
الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يوجد مجلس لممارسة مهنة الطب، كما يوجد امتحان
لممارسة مهنة المحاماة، ويتم ذلك بعد التخرج الرسمي من التعليم الطبي أو القانوني
الجامعي،.ويطبق ذلك حتى على خريجي أفضل الجامعات الأمريكية، وهو الأمر الذي يعطي
قوة للنقابات المهنية التي يمكن أن تصبح شريكة في عمليات الإصلاح.
·
يتطلب مواجهة ممارسات الفساد والبدء بعمليات إصلاح النظام التعليمي ضرورة مشاركة
أولياء الأمور باعتبارهم أكثر الفئات ارتباطًا بتلك القضية بحكم اهتمامهم بتعليم
أطفالهم. ولذلك فإن مشاركتهم المباشرة تعتبر أفضل ضمان لتحسين نوعية الأداء في
المدارس، ويعتبر تشجيع إنشاء مجالس لأولياء الأمور والمدرسين وتكليفها بمناقشة
البرامج الدراسية وتقييم مستوى الأداء في المدرسة هو حجر الزاوية في عملية الإصلاح،
كما أن هذه المجالس يمكن أن تساعد في تكوين قاعدة سياسية لبرنامج الإصلاح. كذلك من
الضروري تطوير مشاركة القطاع الخاص حيث تعد مشاركته، وبصفة خاصة في مجال إتاحة
الفرصة للتدريب الفني والتعليم العالي، ومساندته لمراكز التميز والبحوث والتطوير
أفضل ضمان لتحقيق نقاط للالتقاء بين قطاع الصناعة والحكومة والقطاع الخاص حول
المراحل الأساسية في برامج الإصلاح.
·
يعد دعم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ليس فقط توجهًا داعمًا لحزمة إصلاح التعليم
عند الجمهور، ولكنه يعتبر أيضًا عاملاً مهمًّا بالنسبة لفوائده على المدى الطويل
فيما يتعلق بمجال البحث والتعليم. فقد أصبح تأسيس المكتبات الرقمية أمرًا حيويًّا
حتى يمكن مسايرة التقدم الهائل في العلوم والتكنولوجيا الذي يحدث في العالم، فهو
ضمان لعدم التخلف عن التقدم المعرفي الذي نشهده الآن.
·
يجب أن يساند هذه الحزمة من التوجهات الإصلاحية مناخ وطني داعم لثقافة العلم، بحيث
يسود التفكير العلمي في المجتمع، وأن تصبح لغة العلم هي الوسيلة المقبولة على نطاق
واسع لتحقيق التحولات المطلوبة والتقدم. ولذلك فمن الضروري أيضًا مواجهة التحدي
الخاص بانتشار موجات التفكير الديني المشوه لصحيح الإسلام، وسيادة الفكر الخرافي في
عديد من الأوساط الشعبية، والتي يمكن أن تعوق الجهود القومية المبذولة في سبيل
تحقيق تغييرات جذرية في نظام التعليم والتدريب مبنية على رؤية علمية، وهو التوجه
القابل للتنفيذ والنجاح في بلادنا. ولعل النموذج الذي حدث في ماليزيا وهي بلد
أغلبية سكانه من المسلمين، يوضح بجلاء أنه لا يوجد أي تعارض بين الإسلام كعقيدة
والعلم، وأنه يمكن للدول الإسلامية أن تعلي من شأن العلم والقيم العلمية كجزء من
الهوية الإسلامية.
المراجع
http://www.developmentgateway.com.
http://web.worldbank.org
http://humandevelopment.bu.edu
مكتبة الاسكندرية
