نظم التعليم وإدارة موارد الدولة
الحد الفاصل بين الدول الناجحة و الدول الفاشلة
إبراهيم حسين حسنى
مستشار إدارة وتطوير الأعمال و التسويق الدولي
عضو الجمعية الدولية للنظام التفاعلي
الولايات المتحدة الأمريكية
إن حتمية الربط بين نظم التعليم وإدارة موارد الدولة يعتبر المعيار الأكثر ترجيحا لتصنيف الدول ضمـن الفئات الناجـحة أو الأخرى الفاشلة، اللـــه سبحانه وتعالا خالق الملكوت وزع موارد العيش و الحياة على البشر بالعدل وجعل اختلاف تلك المـوارد مـن بلـد إلى آخر رحمة بالعباد من أجل الحث على التعارف وإعمار الأرض والتكامل فيما بينهم ولكن البعض مـن البشر لـم يحسنوا استغلال ما أكرمنا به رب العباد، وعلى الرغم من ذلك لا يمكن إنكار ما قام به العديد من الدول نحو انتهاج التخطيط السليم لإدارة مواردها وفق مخرجات التعليم لديها فـي الوقت الــذي استمرأ البعض الآخر اللا تخطيط بكل شيء وترك الأمور تجـــرى كـما تشــــاء المقاديـــر فكانــت النتائــــج وبـــالا مستطــيرا.
التمهــــــيد
لا شك وكما يجمع الخبراء أن الجودة المطلوبة من نظم التعليم لابد وأن تنعكس نجاحا على مسار إدارة الدولة ككل حيث يتأتى ذلك من خلال إشباع سوق العمل بالمخرجات ذات المهنية و الخبرة؛ القادرة على إدارة وتطوير موارد الدولة بنجاح، بحيث أن يظل ذلك رافدا مستمرا بلا انقطاع لسداد أي فجوة قد تحدث في المستقبل، وعلية فمن غير المقبول أن تصبح صناعة التعليم في واد واحتياجات الصناعات و الخدمات الأخرى من الموارد البشرية المتخصصة والمدربة في واد آخر.
لابد وأن تكون الخطوة الصحيحة الأولى لتحقيق الجودة المنتظرة لإدارة موارد الثروة للدولة هي الحصر الأمين لتلك الموارد سواء أكانت طبيعية أم صناعية أم تجارية أم خدمية أم في النهاية بشرية وبناءا على ذلك يتم أولا تحديد التخصصات العلمية المطلوبة للمدخلات من الطلبة و الطالبات خلال مراحل التعليم الأساسي التي تمتد لفترة اثني عشر عاما ومن ثم تحديد مواد التخصص المهنية الاحترافية خلال مرحلة التعليم الجامعي، توطأه لإعداد المخرجات المدربة والمعدة من الخريجين والخريجات إلى سوق العمل الذي يحتاج إلى تخصصاتهم.
تقسيم دول العالم العربي من حيث موارد البنية الاقتصادية و الموارد البشرية
تنقسم دول العالم العربي من حيث علاقة مواردها الاقتصادية بمواردها البشرية المتعلمة والمؤهلة للعمل إلى ثلاثة مجموعات نتيجة لتباين المعطيات وتفاوت أوضاع الأسواق في تلك الدول
ا- المجموعة الأولى من الدول العربية تأتى في قاعدة الهرم وهى تمثل مجموعة الدول التي لديها فائضاً من الموارد البشرية المهنية والأخرى المتعلمة ولكنها في نفس الوقت تفتقر إلى البنية الاقتصادية القادرة على استيعاب هذه الموارد، ويمكننا القول بإن كل من أنظمتها التعليمية والتدريبية تعتمد على المعروض من الموارد البشرية لديها لسد حاجتها كدولة وما يفيض يتم تصديره كخبرات إلى بعض دول الخليج العربي ودول العالم الأخرى.
للإسف تعتمد نظم التعليم على بناء المهارات والكفاءات دون الاهتمام بصقل هذه المهارات و الكفاءات بالتدريب الجيد والخبرات المطلوبة عن طريق تفعيل شراكة جادة مع سوق العمل مما يتسبب في عزوف الأسواق المجاورة والعالمية عن توظيف تلك المخرجات المهنية من هذه المجموعة حيث يعود ذلك إلى انخفاض مستوى ثقة الأسواق بإمكانات هؤلاء المخرجات ومصادر تعلمهم وتدربهم نتيجة نظم التعليم المعتمدة، كما يتضح أن التدريب الذي يحصل علية معظم من لم يستطع إكمال تعليمه لأي سبب من الأسباب يتم في قطاعات غير نظامية ومجهولة المنهج وبرامج التدريب ذات المواصفات الغير الواضحة والمعروفة لبناء المهارات المهنية.
تعاني الكثير من الاختصاصات والمهن في أسواق دول هذه المجموعة كساداً ملحوظاً وكذلك في أسواق البلدان المجاورة نظراً لما تقدمة دول شرق أسيا من كفاءات تنافسية للمستويات الأساسية والمتوسطة المطلوبة مهنيا، بينما تقدم الدول الغربية المهن التي تتطلب كفاءات مهنية عالية، وهكذا تتسم دول هذه المجموعة بمعدلات بطالة عالية نتيجة فائض الخريجين علي الرغم من جهود دول هذه المجموعة لتحقيق التوازن بين مخرجات النظام التعليمي ومتطلبات الأسواق.
ب - المجموعة الثانية من الدول العربية تأتى في منتصف الهرم وهى تمثل مجموعة الدول التي لديها الكفاية من الموارد البشرية المهنية والأخرى المتعلمة ولديها البنية الاقتصادية القادرة على استيعاب هذه الموارد، وقد حققت هذه الدول ما يمكن أن نطلق عليه نجاحاً محدوداً في الموائمة بين مواردها البشرية وتطويع هذه الموارد لخدمة اقتصادها، ولكن ما يوصم هذه الدول بالتقصير بعض الشيء في حق البعض من أبناؤها هو المعاناة من البطالة نتيجة لاستيراد العمالة الخارجية على الرغم من توفر الفرص والحاجة الوطنية لأبناء هذه الدول.
ج - المجموعة الثالثة تتربع على قمة الهرم لإنها تمتلك موارد البنية الاقتصادية العالية ولكنها في نفس الوقت لا تمتلك الموارد البشرية الكافية بالرغم من توفر نظم تعليمية متطورة بها لتحقيق إحتياجاتها الوطنية من الكفاءات، هذه المجموعة تستعين بالعمالة و الخبرات التي قد تكون متوفرة بالمجموعة الأولى وأيضا من باقي دول العالم وهى للإسف لا تستفيد من استمرارية المهن وبناء الخبرات ونقل المعرفة نظراً لتقلب العمالة الوافدة وعدم وجود معايير موحدة للتوظيف وتعدد المصادر والخبرات.
من هذا التقسيم يتضح لنا الإشكالية التي تعترى أسواق العمل لمعظم دول الوطن العربي من خلال عاملين مشتركين ومؤثرين بكل المجموعات وهم عدم ملائمة كفاءة المخرجات لنظم التعليم الحالية ومتطلبات سوق العمل وانعدام إطار أو استراتيجية محددة بين بلدان العالم العربي من أجل إيجاد آلية فعالة للتكامل المطلوب لتخصصات الموارد البشرية فيما بينها بما يتفق وتباين معطيات البنية الاقتصادية لمختلف الدول العربية، ومن أجل إيجاد الحلول لهذه الإشكالية لابد من الإجابة بإقناع و شفافية على هذه التساؤلات:
١- ما هو المتاح اقتصاديا لدول كل مجموعة يمكن عرضة على الدول العربية الأخرى ؟
٢- ما هي الاحتياجات المطلوبة لدول كل مجموعة التي يمكن الحصول عليها من الدول العربية الأخرى ؟
٣- كيف نستطيع إيجاد الآلية المناسبة لموائمة العرض مع الطلب ؟
حتمية تنمية الموارد البشرية لملائمة الطلبات المختلفة للأسواق العربية
بما أن العالم اليوم يشهد تسارعا مستمرا لتطورات وتغيرات مستمرة في كل ميادين الحياة الاجتماعية للبشر فإن مسألة التنمية البشرية أصبحت من الأولويات التي تشغل بال المؤسسات التعليمية ومراكز الأبحاث على مستوى كافة الدول حيث صار لزاما عليها العمل على توفير المناهج و الوسائل التي تعمل على تطوير أداء وكفاءة تلك الموارد بما يؤدى في نهاية الأمر إلى الإسهام في بناء العامل البشرى وإعداده إعدادا جيدا الذي يكفل له التعامل مع متغيرات و تحديات أسواق العمل ذات التفاعلية المستمرة، إن تطوير الموارد البشرية وتنميتها لابد وأن يتطلب التعرف على كافة الحقائق والمعلومات التي يمكن أن تساهم في تجديد وتطوير نظم التعليم السائدة وتحديد دور التخطيط المرحلي التعليمي الفعال، علي أن التخطيط العلمي السليم يعتبر دائما العنصر الأساسي لنجاح المشاريع و الأعمال وهو ضرورة ملحة ولازمة للإدارة الناجحة لإنه يحدد دائما ما يجب عمله علي ضوء الأهداف المراد تحقيقها كما يحدد إطارات وسبل العمل ومن سوف يقوم به ولأي أي مدى زمني محدد.
اعتمادا على منهجية نظم إدارة الأعمال المتطورة سيكون محتما على الجميع العمل على تغيير النظرة نحو العملية التعليمية وإعتبارها واحدة من الصناعات الاستراتيجية لللأمه لها مدخلات يتم التعامل معها ومعالجتها بالصورة الصحيحة وفق الدراسات المتخصصة ومعطيات موارد الدولة إلى أن تصبح مخرجات مهنية ذات جودة يستفيد منها المجتمع و الأمة.
ووفقا لهذا الواقع الحالي الضاغط والملح سيكون من الأهمية بمكان الشروع فورا في وضع إطار أو تصور شامل وجامع لهذه الصناعة يتبنى إستراتيجية مغايرة وخطط جادة للتطبيق تعمل على حل مشاكل الماضي وتلافى حدوث المزيد من المشاكل مستقبلا وترتكز في الأساس على ربط مخرجات التعليم بمتطلبات السوق وهو العنصر الأهم الذي يعكس في النهاية جودة نظم التعليم.
وتأكيدا علي ذلك فقد ساق لنا مؤخرا الدكتور/ خميس الهلباوى ضمن مقالته الرقمية حول حال التعليم حاليا في مصر والمعنونة "إصلاح وتطوير التعليم بمصر"، ما يمكن أن نقتبسه من معاني مؤيدة حيث ذكر بالنص "ونتيجة للمجانية العشوائية وللسياسات التعلمية والإصلاحية الخاطئة، أصبحت أعداد الخريجين تزيد كثيراً بطرق غير معقولة عن احتياجات سوق العمل فى مصر، فالسياسة التعليمية فى وادٍ والسياسة الاقتصادية فى وادٍ آخر، وفى النهاية يتخرج من الجامعات آلاف الشباب الذين يحملون أوراقاً ليس لها علاقة بواقع سوق العمل، مما يسبب إصابة الشباب باليأس من العيش فى مصر خوفا على مستقبلهم الذي يرونه مظلماً، فيضطرون للمخاطرة بحياتهم بطرق مختلفة مثل الهرب إلى بلاد أوروبا عن طريق وسائل غير آمنة مثل سفن الصيد البدائية مثلاً، ومن ينجح منهم يجد أن ما يحمله من مؤهلات لا يصلح إلا أن يعلق فى برواز أنيق على حائط الحجرة فقط ليس إلا، ويضطر هو للعمل في أعمال يدوية مثل غسيل الأطباق، أو فى أعمال حقيرة متدنية أخرى لم يكن يتمنى أن يراها في أي كابوس يمكن أن يحلم به، وأصبح المصري حقيراً متشرداً خارج مصر بعد أن كان متميزاً بمهاراته وثقافته وعلمه وحضارته قبل قيام الثورة المباركة." - اقتباس.
دعائم إستراتيجية تغيير صناعة التعليم
لضمان نجاح هذه الاستراتيجية وتطبيقاتها لابد لنا من تحديد الدعائم والمحاور الرئيسية التي يمكن أن تسير عليها، و لابد ألا يتوقف الأمر عند ذلك فقط بل لابد من أن تحدث هذه الدعائم والمحاور تغييرا جزريا في نظم التعليم الحالية أو بمعنى آخر لابد أن تكون خلاقة ويعتريها الإلهام و المرونة في التطبيق من أجل الحصول على افضل النتائج بأسرع وقت ممكن لتضييق هوة المعرفة الذي يتسع يوما بعد يوم بيننا وبين الآخرين.
١- إلغاء مركزية القرار وكسر احتكار المرجعية الفردية
العمل على إلغاء مركزية القرار وكسر أحتكار المرجعية الفردية وتشجيع العمل بروح الفريق بصورة متجانسة ومتكاملة ومتعاونة لكل من له علاقة بهذه الاستراتيجية وبالعملية التعليمية ككل، وتشجيع العمل دائما على اتخاذ القرارات من قبل ذوى العلم و التخصصات والخبرة والذين يستمعون إلى المجتمع ومتطلباته ولإن يتم ذلك بعد أن يتم قتل المواضيع بحثا ومناقشة اعتمادا على الدراسات الجادة التي تستشرف النتائج المتوقعة و المؤكدة وباللجوء إلى طريقة التصويت الشفاف للوصول إلى الاتفاق النهائي لصناعة القرار.
٢- التشجيع على خلق المناخ الصحي وبيئة العمل الجاذبة
بيئة ومناخ العمل يعتبران معا من أهم عناصر النجاح لأي عمل من الأعمال ، ونظرا لإن العملية التعليمية تتوقف جودتها على الفكر و التحصيل فقد بات محتما العمل على توفير بيئة العمل الجاذبة للمهنة والدراسة مكانيا (مساحة الفصول وقاعات المحاضرات وتجهيزات المعامل وعدد الطلاب وتوزيعهم المناسب متوافقا مع المساحة) ومهنيا (الأجور و المرتبات والتأمينات الاجتماعية والمعاشات والتأمين الصحي وما إلى ذلك).
٣- انتهاج مبدأ التخصص المهني للوظائف و الأعمال
نعم التخصص المهني هو مفتاح تقدم الأمم ورقيها وعلية فلابد من المطالبة والإصرار على انتهاج مبدأ التخصص لكافة الموارد البشرية داخل الطبقات المختلفة لنظام العملية التعليمية، فالإداريين والمحاسبين والمعلمين وكافة المهن ذات العلاقة لابد وأن تضم المتخصصين المؤهلين والقادرين على القيام بأعباء مهنهم المختلفة في افضل ظروف ممكنة ودون تدخل أو تداخل أو إملاءات حول الصلاحيات المعطاة التي يجب أن تكون واضحة ومحددة زمنيا ومهنيا، ولإن يخضع الجميع لمبدأي الثواب و العقاب ويصبح معيار الترقية والمكافئات محددا بناء على نتائج اختبارات التقييم الدوري للإداء، تلك الاختبارات التي يتم إعدادها بعناية وفق أحدث الأساليب العلمية.
٤- العمل على أتمته وتخزين الأعمال الإدارية و المكتبية والمواد الدراسية والأبحاث
سعيا لاختزال المجهود و اختصارا للوقت فسيكون من المفيد خلال مرحلة قصيرة الأمد التحول تدريجيا نحو أتمته وتخزين الأعمال الإدارية والمكتبية المختلفة مما يسهل التوصل إلى الدقة المطلوبة والسرعة في البحث والاسترشاد و التقييم، متزامنا مع ذلك لابد أن يتم تغذية الحاسبات الآلية بخطط التدريس وموادها المختلفة وكذلك المواضيع الأكاديمية والأبحاث سعيا لتراكم المعلومات والبيانات التي يمكن أن تشكل القاعدة الأساسية التي سيتم اللجوء إليها لاحقا في المراحل التالية من أجل الحصول على البيانات الواقعية و الحقيقية المطلوبة لاستمرارية عمليات التطوير المطلوبة، أيضا لابد من التوسع في إنشاء شبكات الاتصال المحلية للإعانة على نقل وتبادل المعلومات بين القطاعات المختلفة سعيا لخفض النفقات وتكامل الأعمال ومنعا لهدر الجهد والوقت في التكرار وأخيرا تحقيقا لسرعة الاستجابة للبيانات الرقمية المطلوبة بدلا من الأعمال الكتابية المستهلكة للوقت و المجهود.
٥- توفر الإرادة والسبل و التشريعات الملزمة لمجابهة المشاكل القائمة وتحدياتها
التحديث والتخطيط شيئ والتنفيذ شيء آخر، الأخير يلزمه الإرادة وبعد النظر واستشراف المستقبل المنظور و البعيد، والاهم من ذلك إيجاد السبل و التشريعات الملزمة لمجابهة المشاكل القائمة وتحدياتها، مثل توفير حلول للتحول من التلقين إلى النقد سعيا للتخلص من طرق التدريس النمطية البالية التي تعتمد على الحفظ وليس الفهم مع مراعاة التوازن المطلوب بين المنطقية والابتكار، بذلك تكون هذه إحدى البدايات الصحيحة والجادة من أجل استئصال آفة الدروس الخصوصية، العمل على التحول إلى اللامركزية وتفعيل الاعتمادية الذاتية للمؤسسات التعليمية مع وجود رقابة الدولة، العمل على اعتماد الوسائل الحديثة في تأهيل المعلمين و المعلمات من أصحاب التخصص مهنيا ونفسيا وتقديم الرعاية الاجتماعية الحقيقية ذات الجودة العالية للطلاب والطالبات، وأخيرا العمل على تفعيل وازع الرقابة الذاتية للعاملين ورقابة الإثابة و الجزاء من السلطات المختصة.
٦- ربط مدخلات ومخرجات صناعة التعليم بخطط إدارة موارد الدولة
أهم مفاصل الاستراتيجية على الإطلاق والمحور الأساسي لها وبدونه تصبح الاستراتيجية بلا معنى، وهو أيضا المحور الوحيد الذي يتطلب تضافر جهود كافة السلطات والخبراء والمتخصصين والمراكز العلمية و الاستشارية وغيرهم من المؤسسات والمنظمات الأخرى ذات العلاقة بغرض ربط كل من مدخلات ومخرجات التعليم من التخصصات المختلفة مع خطط إدارة وتنمية موارد الدولة المختلفة ومن أجل العمل دائما على إشباع متطلبات السوق على المدى القصير و المدى البعيد.
سيكون من المفيد لضمان نجاح هذا المفصل المحوري التطرق إلى العديد من الآليات الخلاقة والملهمة نوجزها فيما يلي:
ا- انتهاج مبدأ التخصص الدراسي من البداية
التخصص هو العصاة السحرية للتقدم و التنمية، فلم يعد بالإمكان الركون إلى قيام الفرد بكل الأعمال كما هو الحال لدينا في معظم الأحيان وبذلك فنحن نفتقد دائما إلى اكتمال الأعمال وإنهائها بالجودة المطلوبة وبالتالي نخسر التنافسية مع الآخرين، إن من يسبقونا الآن قد فطنوا إلى هذه المسألة منذ زمن بعيد وهذا سر نجاحهم وعلية فإن انتهاج مبدأ التخصص بكل شيئ هو عتبة النجاح الأولي للإنسان ومصدر استقراره المادي و المعنوي.
مرحلة التعليم الأساسي الممتدة لفترة الإثني عشر عاما والتي نعبر عنها في دولنا العربية بكل من المرحلة الابتدائية والمرحلة الإعدادية "المتوسطة" والمرحلة الثانوية وهى التي تسبق مرحلة الدراسة الجامعية تعتبر الأساس لبناء شخصية وقدرات سواعد الأمة وبالتالي لابد من البحث لها عن بداية أو انطلاقة صحيحة غير المعمول به حاليا، لم يجد الخبراء أفضل من إجراء التجارب الخاصة باستكشاف قدرات ومواهب الصغار (المدخلات) اعتمادا على الأساليب و الأبحاث العلمية لتحديد التخصص الذي يمكن أن يسير ويبدع فيه كل فرد من هذه المدخلات، هذا الأمر لابد وأن يتم من قبل مراكز متخصصة للمراقبة و الفرز تعمل على أسس علمية وتربوية ونفسية سليمة مع مدخلات المراحل العمرية الأولى (فترة الحضانه – رياض الأطفال) من التلاميذ والتلميذات حيث سيكون من اليسير العمل على تحديد أقرب تخصص دراسي ممكن يتعلق به الطفل ويستمر فيه بنجاح طوال عمرة، دائما يؤكد العلماء على أن الطفل هو طاقة تحتاج إلى التوجيه السليم.
إن انتهاج مبدأ التخصص الدراسي في مرحلة التعليم الأساسي ما قبل الجامعي هو من افضل السبل التي تلجأ إليها الدول المتقدمة لاكتشاف وتنمية المواهب و القدرات لدى صغارها من الأطفال وهو البداية الصحيحة للتوصل إلى التخصص المهني الاحترافي و المطلوب للسوق بعد التخرج، أو ما يمكن أن نطلق علية المخرجات الناجحة.
لماذا هذا التركيز على التخصص الدراسي لربط نظم التعليم بإدارة موارد الدولة ؟
هناك العديد من المزايا و الحقائق لانتهاج هذا الأمر نذكر منها:
١- تركيز المجهود الذهني المؤدى إلى توضيح الرؤية أكثر فأكثر تجاه المادة العلمية بمرور الزمن.
٢- سهولة الفهم والإحاطة السريعة بالمواد المتعلقة بالتخصص.
٣- السرعة في تنمية المهارة وصقل الموهبة.
٤- التراكم السلس للمعرفة وتنمية الخبرة بصورة تصاعدية للحصول في النهاية على الأداء الجيد.
٥- تشجيع ملكة التجديد والتحديث أو الإضافة أو التطوير من وجهة نظر الدارسين من الطلبة و الطالبات.
ب- الترابط المستمر للمواد التخصصية
العمل دائما على ربط المواد التخصصية لمدخلات مرحلة التعليم الأساسي المشار إليها سابقا من الطلبة والطالبات مع نظيرتها التخصصية ذات التوسع لنفس منهج المادة نظريا وعمليا خلال مرحلة الدراسة الجامعية، وبالتالي نضمن عمليات الصقل المطلوبة لتخصصات المخرجات السنوية لسد احتياجات سوق العمل من الخريجين و الخريجات.
ج- تطوير المناهج وتطعيمها بكل ما هو حديث من العلوم
التوسع في إدخال مناهج المواد الحديثة مثل ما يتعلق بتطبيقات النانو تيكنولوجى والمنتجات العضوية والخلايا الجزعية وتفكير النظم والنمذجة والمحاكاة والنظم التفاعلية وتكنولوجيا المعلومات وتنمية مصادر الطاقة البديلة والنظيفة ....الخ، مع زيادة جرعة التطبيقات العملية عن الدراسة النظرية سعيا لبناء جيش من الحرفيين والمهنيين تحتاجه الأمة بشدة.
د- تشجيع الموارد الغير تقليدية للمساهمة في مجالات البحث العلمي
تفعيل دعوة مستمرة إلى المصانع و الشركات بمختلف أنشطتها والي رجال الأعمال للمساهمة في دعم بحوث الجامعات ومراكز البحث الأخرى ذات العلاقة بتطوير أعمالهم وتبنى المتفوقين من المخرجات وتشغيل المتميزين منهم.
هـ - تفعيل اتفاقيات ومعاهدات التكامل الاقتصادي بين الدول العربية
العمل على تشجيع مختلف الدول العربية على تفعيل اتفاقيات ومعاهدات التكامل الاقتصادي الموقعة فيما بينهم من أجل التوصل إلى حل تجاه حرية التنقل و تبادل المهن المختلفة لمخرجات التعليم دون عوائق بين الأسواق العربية سعيا للتكامل وفق خطط إدارة وتنمية الموارد المختلفة لكل دولة من الدول.
كيف تصبح البداية فعالة وذات معنى ؟
لقد ذكرنا في السابق أن أهم عامل من عوامل النجاح هو توفر الإرادة على الفعل والتفاعل مع المعطيات المتوفرة بكل الجدية و الشفافية، ومن أجل التوصل إلى ذلك فإنه لابد من الأخذ ببعض المقترحات الهامة التالية وعدم إهمالها إذا اردنا العمل لتأسيس وتفعيل تكاملا اقتصاديا متينا ومتكاملا:
١- العمل على توصيف وتصنيف المهن ومستوى المهارات المطلوبة لكل دولة من الدول العربية.
٢- العمل على توحيد توصيف وتصنيف المهن ومستوى المهارات العربية المطلوبة مستندة على معايير
محددة يتم تصميم ملامحها وفقا للبنى الاقتصادية المتباينة للدول العربية.
٣- العمل على تحويل مختلف التوصيفات والتصنيفات الموحدة إلى مجموعات للمهارات والكفاءات
المحددة ُيستلهم منها التخصص المطلوب اعتماده لتطوير نظم التعليم بما يتواءم والاحتياجات المتشابهة
للأسواق العربية.
٤- التوسع في بناء شبكات قواعد البيانات وتطوير القائم منها من أجل تبادل المعلومات وتحفيز مبدأي
التعاون المنتج فيما بين الدول وتشجيع الإحلال و التجديد.
إن الأخذ بهذه المقترحات يمكن أن يؤدى إلى تعزيز فرص و إمكانية الاستثمار المتبادل فيما بين الدول العربية وبعضها البعض، فعلى سبيل المثال يمكن للبعض من الدول العربية التي تحتاج إلى كفاءات معينة السعي في طلبها من الدول التي لديها فائض وهي خطوة أولى وهامة لتوحيد المعايير المهنية بما يتفق والبنية الاقتصادية التي تتشابه إلى حد كبير بمعظم الدول العربية.
بناء الثقة البينية يعتبر عملا مطلوبا ونظرا لغياب التعاون الشامل الحالي فيما بين الدول العربية وخصوصا فيما يتعلق بعمليات التكامل الاقتصادي فإن البداية قد تكمن في خلق المشاريع الصغيرة والبسيطة المتعددة الجوانب والمحددة الأهداف بحيث يمكن تطويرها بصورة تدريجية سعيا لبناء أسس الثقة أولاً ومن ثم رعاية هذه المشاريع لتشكل إطاراً للتعاون الشامل في المستقبل القريب يتم ترجمته بعد فترة زمنية إلى تكتل إقتصادى فعال لدية من الإمكانيات والموارد ما يدفع بقية دول العالم على تقديره وإحترامة والسعي إليه طلبا للتعاون.